*فَإِنَّ كُلَّ لَحْظَةٍ مِنْ عُمُرِ الْإِنْسَانِ هِيَ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ؛ بِسَبَبِ أَنَّهَا إِذَا مَرَّتْ فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ أَبَدًا, وَمَعَ هَذَا, فَإِنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ هِيَ أَعْظَمُ مَرَاحِلِ الْعُمُرِ, وَلِذَا جَاءَ الثَّوَابُ الْعَظِيمُ لِمَنْ وَقَفَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ وَلمْ يَتَجَاوَزْهَا, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, فِي حَدِيثِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَافِعَ الشَّهْوَةِ عِنْدَ الشَّبَابِ أَقْوَى مِنْهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ, فَكَانَ الْجَزَاءُ عَظِيمًا.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّهُ مَا مِنْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا وَتَعْتَمِدُ فِي بِنَاءِ نَهْضَتِهَا عَلَى سَوَاعِدِ شَبَابِهَا؛ بِسَبَبِ طُمُوحِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ, وَالشَّبَابُ طَاقَةٌ كَبِيرَةٌ, لَكِنَّهَا سَرِيعَةُ التَّأَثُّرِ, فَإِنْ أُحْسِنَ اسْتِخْدَامُ هَذِهِ الطَّاقَةِ كَانَ الْخَيْرُ وَالْفَلَاحُ, وَإِلَّا كَانَ الشَّرُ وَالدَّمَارُ, وَلَمْ يَتَوَقَّفْ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ مُنْذُ قُرُونٍ عَنِ الْمُحَاوَلَاتِ الْمُسْتَمِيتَةِ لِإِغْرَاقِ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ وَفَتَيَاتِهِمْ فِي مُسْتَنْقَعِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ طَرِيقٍ لِهَدْمِ دِينِهِمْ, أَوْ إِضْعَافِ إِيمَانِهِمْ عَلَى أَقَلِّ الْأَحْوَالِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ ثَمَّةَ مَخَاطِرَ عَظِيمَةً تُوَاجِهُ الشَّبَابَ الْمُسْلِمَ الْيَوْمَ, مِنْ أَبْرَزِهَا: الْغَزْوُ الثَّقَافِيُّ وَالْفِكْرِيُّ؛ مِنْ أَجْلِ إِغْرَاقِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي وَحَلِ الثَّقَافَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ, الَّتِي تَقُومُ عَلَى إِشْبَاعِ حَيَاةِ الْجَسَدِ وَالْبَدَنِ, دُونَ أَدْنَى مُرَاعَاةٍ لِحَيَاةِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ, قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ).
وَمِنَ الْمَخَاطِرِ الَّتِي تُوَاجِهُ الشَّبَابَ الْيَوْمَ: وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ وَالْاتِّصَالِ الْحَدِيثَةِ الَّتِي غَزَتِ الْبُيُوتَ, وَلَا يَعْنِي هَذَا الْمَنْعَ مِنْ هَذِهِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ, بَلْ إِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي الْخَيْرِ فَالْإِنْسَانُ مَأْجُورٌ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا, وَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرِّ فَالْإِنْسَانُ مَأْزُورٌ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا, وَلَكِنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ بَيَانُ خُطُورَةِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ وَحَسَاسِيَّتِهَا, فَهِيَ تَتَطَلَّبُ التَّنَبُّهَ لَهَا مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ وَأَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي يُخْشَى عَلَى الْجَمِيعِ مِنْهَا.
وَمِنَ الْمَخَاطِرِ الَّتِي تُوَاجِهُ الشَّبَابَ الْيَوْمَ: الْعَادَاتُ وَالْأَخْلَاقُ الدَّخِيلَةُ عَلَى مُجْتَمَعَاتِنَا؛ كَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكُفْرِ فِي عَادَاتِهِمْ أَوْ لِبَاسِهِمْ أَوْ هَيْئَتِهِمْ, وَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ تَشَبَّه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
وَمِنَ الْمَخَاطِرِ الَّتِي تُوَاجِهُ الشَّبَابَ الْيَوْمَ: مُحَاوَلَةُ التَّشَبُّهِ مِنْ بَعْضِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ, وَبَعْضِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ, فِي اللِّبَاسِ وَقَصَّةِ الشَّعْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ, فَفِي الْمُسْنَدِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ, وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ.
*فَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ بَابَ الشَّهَوَاتِ بَابٌ ظَاهِرُهُ السَّعَادَةُ, وَلَكِنْ بَاطِنُهُ الْعَذَابُ وَالشَّقَاءُ, وَالنَّاظِرُ فِي حَالِ الدُّوَلِ الَّتِي أَفْرَطَتْ فِي إِعْطَاءِ الْحُرِّيَّاتِ اللَّا أَخْلَاقِيَّةَ لِشُعُوبِهَا؛ لَيَرَاهَا الْيَوْمَ أَمْسَتْ تَرْزَحُ فِي أَوْدِيَةِ الشَّقَاءِ وَالنَّكَدِ, فَلَا يَجِدُ كَثِيرٌ مِنْ أَبْنَائِهِمْ طَرِيقًا لِلْخَلَاصِ مِنْ دُنْيَاهُمُ الَّتِي انْقَلَبَتْ إِلَى جَحِيمٍ إِلَّا بِالْانْتِحَارِ (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَيَقَّنَ بِأَنَّ مَا فَتَحَ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلَالِ إِنَّمَا هُوَ أَضْعَافُ مَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَرَامِ, وَعَلَى الشَّابِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَيَقَّنَ كَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ بُلُوغِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْوَاجِبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ, وَجَرَى عَلَيْهِ قَلَمُ التَّكْلِيفِ, وَنَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ طَوَالَ عُمُرِهِ, قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).