*فَالشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ لَا يَتَوَانَى عَنْ أَذِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَسَالِيبَ كَثِيرَةٍ, وَمِنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ: الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ؛ كَالْخَوْفِ مِنَ الْمَوْتِ, أَوِ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ, أَوِ الْخَوْفِ عَلَى مُسْتَقْبَلِهِ, أَوْ مُسْتَقْبَلِ أَوْلَادِهِ، أَوِ الْأَفْكَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُنْفِ, أَوْ خَوْفِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْقَتْلِ, أَوْ إِلْحَاقِ الْأَذَى بِهِ, أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْمَجْهُولِ، أَوِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ الذِي يُصَاحِبُهُ خَفَقَانٌ فِي الْقَلْبِ, أَوْ بُرُودَةٌ فِي الْأَطْرَافِ، أَوْ ضِيقٌ فِي التَّنَفُّسِ، أَوْ آلَامٌ فِي الرَّأْسِ أَوِ الْبَطْنِ, أَوْ إِحْسَاسٌ بِالتَّقَيُّؤِ, أَوْ إِحْسَاسٌ بِالْإِغْمَاءِ, وَنَحْوُ ذَلِكَ, أَوِ الرُّهَابِ الْاجْتِمَاعِيِّ؛ كَالْخَوْفِ مِنَ الْاخْتِلَاطِ بِالْآخَرِينَ، وَالتَّهَرُّبِ مِنَ الزِّيَارَاتِ الْعَائِلِيَّةِ، وَتَحَاشِيْ النِّقَاشَاتِ, وَالْحِوَارَاتِ مَعَ الزُّمَلَاءِ وَالْأَصْدِقَاءِ, أَوِ الْأَفْكَارِ الْوَسْوَاسِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّظَافَةِ, أَوِ الْأَفْكَارِ التِي تُلِحُّ عَلَى الْمُوَسْوِسِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مُعَيَّنًا, أَوْ حَرَكَةً مُعَيَّنَةً, وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا فَقَدْ يُصَابُ بِأَذًى وَنَحْوِهِ, أَوِ الشُّكُوكِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ, وَغَيْرِهَا كَثِيرٌ, وَهَذِهِ الْأَفْكَارُ هِيَ أَحَدُ أَسَالِيبِ الشَّيْطَانِ مِنْ أَجْلِ إِحْزَانِ الْإِنْسَانِ, وَإِصَابَتِهِ بِالْهَمِّ, وَالْقَلَقِ, وَالْكَآبَةِ, وَعَزْلِهِ عَنِ الْمُجْتَمَعِ, وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْوَسَاوِسَ تُؤَثِّرُ بِأَصْحَابِ الشَّخْصِيَّاتِ الْوَسْوَاسِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا تُوَافِقُ نُفُوسًا تَتَفَاعَلُ مَعَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْكَارِ, وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْخُطُواتِ الْعَمَلِيَّةِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ بِإِذْنِ اللهِ:
أَوْلًا: الْقَنَاعَةُ التَّامَّةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْكَارَ الْمُزْعِجَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
ثَانِيًا: الْاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
ثَالِثًا: اعْتِقَادُ نَقِيضِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ, ثُمَّ الْفَرَحُ بِهَذِهِ النَّتِيجَةِ، فَلْوْ وَسْوَسَ لَكَ الشَّيْطَانُ مَثَلًا أَنَّكَ لَمْ تُقْفِلِ الْبَابَ, فَتَأَكَّدْ أَنَّكَ قَدْ قُمْتَ بِإِقْفَالِهِ, أَوْ وَسْوَسَ لَكَ أَنَّ ابْنَكَ قَدْ وَقَعَ لَهُ حَادِثُ سَيْرٍ, فَتَأَكَّدْ أَنَّهُ بَخَيْرٍ, وَهَكَذَا.
رَابِعًا: التَّوَقُّفُ عَنِ الْاسْتِمْرَارِ بِالتَّفْكِيرِ بِهَذِهِ الْخَاطِرَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ.
خَامِسًا: عَدَمُ تَنْفِيذِ الْفِكْرَةِ التِي يُلِحُّ عَلَيْكَ بِهَا الْوَسْوَاسُ, فَمَثَلًا: لَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِالتَّأَكُّدِ مِنْ قَفْلِ الْأَبْوَابِ فَلَا تَفْعَلْ، أَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِالذَّهَابِ إِلَى الطَّبِيبِ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ سَلَامَتِكَ مِنَ مَرَضٍ مَا فَلَا تَفْعَلْ، أَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِفِعْلِ حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا تَفْعَلْهَا نِهَائِيًّا, وَإِذَا وَسْوَسَ لَكَ بِفِكْرَةٍ مُحْزِنَةٍ فَلَا تَحْزَنْ؛ بَلْ أَظْهِرِ الْفَرَحَ وَالرِّضَا, وَتَصَنَّعِ الْابْتِسَامَةَ.
سَادِسًا: ابْتَعِدْ عَنِ الْوِحْدَةِ وَالْفَرَاغِ, فَهِيَ السَّبَبُ الرَّئْيِسُ فِي زِيَادَةِ الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ.
سَابِعًا: إِذَا جَاءَتْكَ الْفِكْرَةُ الْوَسْوَاسِيَّةُ, فَأَشْغِلْ نَفْسَكَ بِأَمْرٍ آخَرَ بَعِيدٍ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْهَا.
ثَامِنًا: ابْتَعِدْ عَنِ الْحُزْنِ وَالْانْفِعَالِ, وَأَكْثِرْ مِنَ الْابْتِسَامَةِ وَلَوْ تَصَنُّعًا؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسَ يَزْدَادُ مَعَ الْحُزْنِ, وَيَخْتَفِي مَعَ الْابْتِسَامَةِ، فَالشَّيْطَانُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ, وَلَكِنَّهُ يُوَسْوِسُ لِلْإِنْسَانِ, وَيَنْظُرُ إِلَى تَصَرُّفَاتِهِ, فَإِنْ رَأَى مِنْهُ حُزْنًا وَانْفِعَالًا؛ فَرِحَ بِذَلِكَ, وَزَادَ فِي وَسْواسِهِ, وَإِنْ وَجَدَ تَجَاهُلًا وَابْتِسَامَةً؛ انْخَنَسَ وَابْتَعَدَ.
تَاسِعًا: الْمُصَابُونَ بِنَوْبَاتِ الْخَوْفِ, وَالْهَلَعِ, إِذَا أَحَسُّوا بِأَعْرَاضِ الْخَوْفِ مِنْ: خَفَقَانٍ فِي الْقَلْبِ, أَوْ رَعْشَةٍ فِي الْجَسَدِ, أَوْ ضِيقٍ فِي التَّنَفُّسِ, أَوْ بُرُودَةٍ فِي الْأَطْرَافِ, أَوْ آلَامٍ فِي الرَّأَسِ, أَوِ الْبَطْنِ, وَنَحْوِ ذَلِكَ, مِنَ الْأَعْرَاضِ الْكَثِيرَةِ, فَلْيَطْمَئِنُّوا وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ إِذَا زَادَ عَنِ حَدِّهِ الطَّبِيعِيِّ, لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ الْأَعْرَاضِ وَالْآلَامِ, وَبِمُجَرَّدِ أَنْ يَهْدَأَ الْإِنْسَانُ, وَيَزُولَ عَنْهُ الْخَوْفُ, تَبْدَأُ هَذِهِ الْأَعْرَاضُ بِالْاخْتِفَاءِ شَيْئًا فَشَيْئًا.
*فَإِنَّ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنَ الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ: هُوَ الْوَسْوَاسُ فِي اللهِ تَعَالَى, وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, وَبَعْضِ مَسَائِلِ الْاعْتِقَادِ, وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَخْلُوا مِنْهُ قَلْبُ مُسْلِمٍ مَهْمَا زَادَ إِيمَانُهُ, أَوْ نَقَصَ, وَلَكِنْ تَخْتَلِفُ دَرَجَةُ الْوَسْوَاسِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى آخَرَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ سَرِيعًا وَيَزُولُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْقِيهِ هَذَا الْوَسْوَاسُ سِنِينَ عَدَدًا, وَمِنْهُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ! قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ) قَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ صَرِيحَ الْإِيمَانِ هُوَ الذِي يَمْنَعُكُمْ مِنْ قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِكُمْ, حَتَّى يُصْبِحَ ذَلِكَ وَسْوَسَةً, فَلَا يَتَمَكَّنَ فِي قُلُوبِكُمْ, وَلَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ أَنْفُسُكُم.
وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا جَاءَتْهُ هَذِهِ الْأَفْكَارُ الْمُزْعِجَةُ: أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْهَا مُبَاشَرَةً, ثُمَّ يَسْتِعِيذَ بِاللهِ مِنْهَا وَمِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, ثُمَّ يُحَاوِلَ تَهْدِئَةَ نَفْسِهِ, وَتَذْكِيرَهَا بِأَنَّ غَضَبَهُ, وَحُزْنَهُ, وَمُدَافَعَتَهُ لِهَذِهِ الْأَفْكَارِ؛ إِنَّمَا هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، ثُمْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ, وَغَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَذِهِ الْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ.
اترك تعليقاً