حديث أولسنا إخوانك؟

*فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ, وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ, وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي, وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ, بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ, أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ, وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ, أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ أَيْ: تَعَالَوْا, فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا أَيْ: بُعْدًا بُعْدًا) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ: امْتِدَادُ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ, بِاعْتِبَارِ الْأُخُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ, فَسَنَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ زِيَارَةَ الْمَقَابِرِ, وَإِلْقَاءَ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ, بِرًّا بِهِمْ وَرَحْمَةً وَصِلَةً.
وَمِنْهَا: جَوَازُ تَمَنِّي الْخَيْرِ، وَلِقَاءِ الْفُضَلَاءِ, وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا).
وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: (إِخْوَانِي الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي, وَلَمْ يَرَوْنِي، وَيُصَدِّقُونَ بِرِسَالَتِي وَلَمْ يَلْقَوْنِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ).
وَمِنْهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي) هُوَ تَفْضِيلٌ لِلصَّحَابَةِ بِمَا لَهُمْ مِن خُصُوصِيَّةِ الصُّحْبَةِ, التِي هِي أَكْمَلُ مِن مُجَرَّدِ الْأُخُوَّةِ, كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا, مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ) وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْقَلِيلَ الذِي أَنْفَقَهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ, أَكْثَرُ ثَوَابًا مِن الْكَثِيرِ الذِي يُنْفِقَهُ غَيْرُهُمْ.
وَمِنْهَا: الْبِشَارَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّ وَارِدَهُمْ إِلَى الْمَاءِ أَيْ سَابِقُهُمْ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَالْحَوْضُ, هُوَ: الْكَوْثَرُ. وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَنَا فَرَطُكُمْ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُونِي فَأَنَا عَلَى الْحَوْضِ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ، وَسَيَأْتِي رِجَالٌ وَنِسَاءٌ بِآنِيَةٍ وَقِرَبٍ ثُمَّ لاَ يَذُوقُونَ مِنْهُ شَيْئًا) قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَيْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَدْ غُفِرَ لَهُمْ، يَجِيئُونَ بِأَوَانِي لِيَسْتَقُوا بِهَا مِنَ الْحَوْضِ، فَلاَ يُسْقَوْنَ مِنْهُ؛ لأَنَّ الْحَوْضَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصٌّ دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَقْدِرَ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ عَلَى حَمْلِ الأَوَانِي وَالْقِرَبِ فِي الْقِيَامَةِ؛ لأَنَّهُمْ يُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِى الدِّينِ مَالَا يَرْضَاهُ اللهُ, وَلَمْ يَأْذَنْ بِهِ الَلهُ, فَهُوَ مِن الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ, كَالْخَوَارِجِ, وَالرَّوَافِضِ, وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُتْرَفُونَ فِى الْجَوْرِ, وَطَمْسِ الْحَقِّ, وَقَتْلِ أَهْلِهِ, وَإِذْلَالِهِمْ, وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ, الْمُسْتَخِفُّونَ بِالْمَعَاصِي, وَجَمِيعُ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ, فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عُنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ.

*فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا الْبِدَعَ وَالْمَعَاصِي صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا, وَالْزَمُوا طَرِيقَ النَّجَاةِ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وَتَنَصَّبُوا جَادَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ, وَاسْتَمْسِكُوا بِغَرْزِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِينَ تُفْلِحُوا….

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *