*فَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ, وَأَيْسَرِ الْقُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ: ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى, فَفِي المُسْنَدِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ, وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ, وَخَيْرٍ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللهِ) وَالْمُؤْمِنُ الْمُوفّقُ مَنْ يَغْنَمُ حَيَاتَهُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنْبِهِ, أَلَا وَإِنَّ مِن أفضَلِ الذِّكْرِ على الإطلاقِ: الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ، جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (أحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأتَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ) وَقَدْ رَتَّبَ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ أُجُورًا كَثِيرَةً، وَأفْضَالًا عَمِيمَةً، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) أَيْ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا بِمَا فِيهَا مِنْ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ. وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مُكَفِّرَاتٍ لِلذُّنُوبِ؛ فَفِي التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ, فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَهُمْ يَرَوْنَ الْوَرَقَ الْيَابِسَ يَتَسَاقَطُ مِنَ الشَّجَرةِ: (إِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) وَمِنْ فَضَائِلِهِنَّ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ مُسْلِمٍ يُعَمَّرُ مُكْثِرًا مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْكَلِماتِ، فَفِي المُسْنَدِ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَيْسَ أحَدٌ أفْضَلُ عِندَ اللهِ مِن مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ يَكثُرُ تَكْبِيرُهُ، وَتَسْبِيحُهُ، وَتَحْمِيدُهُ، وَتَهْلِيلُهُ) وَهُنَّ أيْضًا يَقُمْنَ مَقَامَ الصَّدَقَةِ, وَالْجِهَادِ, وَغَيْرِهَا مِنَ الطاعاتِ، فَفَي الَأَدَبِ الْمُفْرَدِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ, كَمَا قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ, فَمَنْ ضَنَّ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ, أَيْ (بَخِلَ بِهِ) وَخَافَ الْعَدُوَّ أَنْ يُجَاهِدَهُ، وَهَابَ اللَّيْلَ أَنْ يُكَابِدَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ, وَضَعُفْتُ, أَوْ كَمَا قَالَتْ, فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ, قَالَ: (سَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ, فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ, وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ, فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ, مُلْجَمَةٍ, تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَكَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ, فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ, وَهَلِّلِي اللَّهَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ, قَالَ ابْنُ خَلَفٍ أَحْسِبُهُ قَالَ: تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ, وَلَا يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لِأَحَدٍ عَمَلٌ أَفْضَلُ مِنْهَا, إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَلِهَذَا يَتأَكَّدُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ, أنْ يَسْتَحْضِرَ مَعَانِيَهُنَّ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْأَثَرِ، وَأَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ، فَيَجْمَعُ في ذِكْرِه لِرَبِّه بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ, بَيْنَ الذَّكْرِ بِاللِّسَانِ وَالذِّكْرِ بِالْقَلْبِ. وَمَعْنَى سُبْحَانَ اللهِ: أَيْ تَنْزِيهُ اللهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ, مَعَ وَصْفِهِ سُبْحانَهُ بِصِفَاتِ الكَمَالِ الْمُنَافِي لِلنَّقْصِ. وَمَعْنَى الْحَمْدُ لِلهِ: أَيْ إِثْبَاتُ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ لِلهِ تَعَالَى, فَهِيَ كَلِمَةُ ثَنَاءٍ عَلَى اللهِ تَعَالَى, وَتَمْجِيدٍ لَهُ بِأسْمَائِهِ الحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ العُلْيَا، وَنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. وَمَعْنَى اللهُ أكْبَرُ: أَيْ إِثْبَاتُ عَظَمَةِ اللهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا أَحَدَ وَلَا شَيءَ أكْبَرُ مِنْهُ. وَأمَّا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ: فَهِيَ أَعْظَمُ الكَلِمَاتِ، وَفِيهَا تَوْحِيدُ اللهِ، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشَّرْكِ, وَأَهْلِهِ، وَالْخُلُوصُ مِنْهُ.
*فَقَدْ أظَلَّكُمْ مَعَاشِرَ الإخْوَةِ الكِرَامِ؛ شَهْرٌ مِنْ أَشْرَفِ شُهُورِ الْعَامِ، شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ فِيهِ: الصَّيَامَ، وَرَغَّبَكُمْ فِيهِ إِلَى إِصْلَاحِ مَا بَيْنَكُمْ, وَبَيْنَ إِخْوَانِكُمْ المُسْلِمِينَ مِنَ الشَّحْنَاءِ, وَالْخِصَامِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ, إِلَّا رَمَضَانُ، وَمَا رَأيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيامًا فِي شَعْبَانَ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ: شَعْبَانُ، ثُمَّ يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ). مَعاشِرَ الْإِخْوَةِ: شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرٌ كَثِيرُ الْخَيْرَاتِ وَالْعَطَاءِ، يَطَّلِعُ فِيهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ بَينَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمُسْلُمِ شَحْنَاءٌ, فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِقِيامٍ مُحَدَّدٍ, وَلَا نَهَارَهَا بِصِيَامٍ مَخْصُوصٍ؛ وَمَا يَحْدُثُ مِن بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِن اجْتِمَاعِهِم فِي البُيُوتِ أَوْ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَجْلِ إِحْيَاءِ لَيْلَةِ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ, فَإنَّ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَلَا الْقُرُونُ الْمُفَضَّلَةُ مِن بَعْدِهِ.
اترك تعليقاً