*فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الْعِلْمَ) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ؛ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِم قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دَوْنَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ, قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الدِّينَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنَينَ: فِي رِحَابِ مَكَّةَ, وَجَوِّهَا القَائِظِ, وَرِيحِهَا اللَّافِحَةِ, وَصَحْرَائِهَا الْقَاحِلَةِ, وُلِدَ أَحَدُ مُعْجِزَاتِ الْإِسْلَامِ الْكُبْرَى, وَأَحَدُ مَفَاخِرِ الْمُؤْمِنِينَ الْعُظْمَى, رَجُلٌ قَوِيُّ الْبُنْيَانِ, رَابِطُ الْجَأْشِ, ثَابِتُ الْجَنَانِ, صَارِمٌ حَازِمٌ, لَا يَعْرِفُ التَّرَدُّدَ وَالتَّأَرْجُحَ, يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنِ الذَّبْذَبَةِ وَالْمُرَاوَغَةِ, لَا تَتَنَاوَبُهُ أَهْوَاءٌ مُتَنَازِعَةٌ, وَلَا أَرَاءٌ مُشَتَّتَةٌ, لَيْسَ لِذَرَّةٍ فِي كَيَانِهِ عَنْ أَرَادَتِهِ شُذُوذٌ, وَلَاعَنْ وَجْهَتِهِ مَهْرَبٌ, قَدِ ارْتَقَتْ بِهِ نَفْسُهُ فِي قِمِمِ الْمُثُلِ, فَبَلَغَ بَتَصَرُّفَاتِهِ أَعْلَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْكَمَالُ الْإِنْسَانِيُّ, هُوَ الْفَارُوقُ أَبُو حَفْصٍ؛ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيلٍ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، رَجُلٌ أَعَزَّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَنَصَرَ بِهِ الْمِلَّةَ؛ فَكَانَ حَقًّاً مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: (إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ يَطِيبَ الْمَجْلِسُ فَأَفِيضُوا فِي ذِكْرِ عُمَرَ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ فَتْحًا, وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا, وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً) وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا يُذْكَرُ لَهُ عُمَرُ يَبْكِي حَتَّى تَبْتَلَّ الْحَصَى مِنْ دُمُوعِهِ, ثُمَّ يَقُولُ: (إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنًا لِلْإِسْلَامِ يَدْخُلُونَ فِيهِ, وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ انْثَلَمَ الْحِصْنُ, فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ) وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: (وَالَّذِي إِنْ شَاءَ أَنْ تَنْطِقَ قَنَاتِي؛ نَطَقَتْ, لَوْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِيزَانًا, مَا كَانَ فيِهِ مَيْطُ شَعْرَةٍ, أَيْ مَيْلُ شَعْرَةٍ) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى, قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَهْ, لَوْ رَأيْتَ رَجُلًا يَسُبُّ عُمَرَ, مَا كُنْتَ صَانِعًا بِهِ؟ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ عُنُقَهُ.
وَقَدْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرَقُ مِنِ اسْمِهِ, وَيفِرُّ مِنْ رَسْمِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نفِسيْ بِيَدِهِ, مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ, سَالِكًا فَجًّا: إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيَرَ فَجِّكَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ, وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرُبُ إِذَا رَآهُ.
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَمَارَاتِ قُوَّتِهِ عِلْمًا؛ وَعَلَامَاتِ حُجَّتِهِ فَهْمًا: أَنَّهُ كَانَ مُحَدَّثًا مُلْهَمًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ, أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ: فعُمَرُ) وَمِنْ آثَارِ هَذَا التَّحْدِيثِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فَقلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى، فَنَزَلَتْ: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وَآيَةِ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ أمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكلِّمُهنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًاً خَيْرًا مِنْكنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) وَيَكْفِي الْفَارُوقُ مِنْ هَذَا الثَّنَاءِ: قُولُ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبيٌّ: لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
*فَإِنَّ هَذَا بَعْضُ مَا أُثِرَ مِنْ فَضَائِلِ ثَانِي الْخُلَفَاءِ، وَقَدْ غَبَطَ بَعْضُ الصَّحَاَبةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهمْ أَجْمَعِينَ عَلَى خِلالِهِ، حَتَّى تَمَنَّوْا أَنْ يَلْقَوُا اللهَ تَعَالَى بِمِثْلِ أَعْمَالِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي قِصَّةِ مَقْتلِهِ وَاسْتِشْهَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ, قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ – وَأَنَا فِيهِمْ – فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكَبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمِلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ؛ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو, أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا) فَالْزَمُوا مَعَاشَرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَحَبَّةَ الصَّحَاَبَةِ أَجْمَعِينَ، لَا سِيَّمَا وَزِيْرَيْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ؛ وَضَجِيعَيْ قَبْرِ إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَدْ سُئِلَ عَلِيُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمَنْزِلَتِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: (كَمَنْزِلَتِهِمَا الْيَوْمَ، وَهُمَا ضَجِيعَاهُ) وَالْفَارُوقُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَهَذَا مَا يَلْزَمُ المُسْلِمُ اعْتِقَادُهُ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَهُوَ مُعْتَقَدُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ, أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
اترك تعليقاً