احذروا السحر والسحرة

*فَإِنَّ مِنْ خَيْرِ الْجِهَادِ وَأَفْضَلِهِ: الْقِيَامُ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ, وَالْوُقُوفُ فِي نُحُورِهِمْ, كَالسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ الذِّينَ اسْتَطَارَ شَرَرُهُمْ, وَعَظُمَ أَمْرُهُمْ, وَكَثُرَ خَطَرُهُمْ, وَلَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى الْمُجْرِمِينَ بِسَقَرَ, وَأَخْبَرَ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ, فَقَالَ: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) وَذَهَبَ إِلَى كُفْرِ السَّاحِرِ وَخُرُوجِهِ مِنَ الدِّينِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ, وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ – رَحِمَهُ اللهُ – أَنَّ السِّحْرَ أَحَدُ نَوَاقِضِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ: وَمِنْهُ الصَّرْفُ وَالْعَطْفُ. وَالصَّرْفُ: عَمَلُ السِّحْرِ لِصَرْفِ مَنْ يُحِبُّ إِلَى بُغْضِهِ. وَالْعَطْفُ عَمَلُ السِّحْرِ لِعَطْفِ مَنْ يُبْغِضُ إِلَى حُبِّهِ مِنْ زَوْجٍ وَغَيْرِهِ, فَالْحَذَرُ الْحَذَرُ – أَيُّهَا الْمُوَحِّدُونَ – مِنَ السَّحَرَةِ الْمُخَالِفِينَ لِمَا بَعَثَ اللهُ بِهِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ يُفْسِدُونَ, وَلَا يُصْلِحُونَ, وَيَضُرُّونَ, وَلَا يَنْفَعُونَ. وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى قَتْلِ السَّاحِرِ, وَالسَّاحِرَةِ؛ لِعِظَمِ شَرِّهِمْ, فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ بَجَالَةَ بْنَ عَبْدَةَ, قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: (اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ) وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا: أَمَرَتْ بِقَتْلِ جَارِيَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا. وَصَحَّ قَتْلُ السَّاحِرِ أَيْضًا عَنْ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَلَا يُعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ السَّحْرُ, وَتَسَاهَلَ الْكَثِيرُ فِي الذَّهَابِ إِلَيْهِمْ, وَطَلَبِ الشِّفَاءِ عَلَى أَيْدِيِهِمْ, وَيَزْعُمُونَ أنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْأَسْبَابِ, وَهَذَا مُنكَرٌ عَظِيمٌ, وَخَطَرٌ جَسِيمٌ, يُخَلْخِلُ الْعَقَائِدَ, وَيُزَعْزِعُ الْإِيمَانَ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وَالسَّاحِرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَاهِنِ, فَمَنْ سَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ لَمْ تَقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً, وَأَمَّا إِنْ صَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَهَذَا كُفْرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ فَقَد كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) وَأَمَّا زَعْمُ الْبَعْضِ بِأَنَّ هَذَا سَبَبٌ, فَهَذَا غَلَطٌ كَبِيرٌ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ شَرْعِيٍّ, وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلثَّابِتِ عَنَ النَّبِي ِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَدْ جَاءَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ النُّشْرَةِ، فَقَالَ: (هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وَالنُّشْرَةُ هِيَ: حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ؛ فَإِذَا كَانَ حَلُّهُ عَنْ طَرِيقِ السِّحْرِ, فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِالْمَنْعِ, وَأَمَّا إِنْ كَانَ حَلُّ السِّحْرِ عَنْ طَرِيقِ الرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ, بِكَلَامِ اللهِ, وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَالْأَدْوِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ, فَهَذَا مَشْرُوعٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وَ (مِنْ) هُنَا بَيَانِيَّةٌ, فَالْقُرْآنُ كُلُّهُ شِفَاءٌ, وَدَوَاءٌ لِكُلِّ دَاءٍ, فَمَنْ آمَنَ بِهِ, وَأَحَلَّ حَلَالَهُ, وَحَرَّمَ حَرَامَهُ, انْتَفَعَ بِهِ انْتِفَاعًا كَبِيرًا, وَعَلَى الْمُبْتَلَى بِالسِّحْرِ مُلَازَمَةُ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ, وَتَحَرِّي أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ, كَثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ, وَلَحَظَاتِ السُّجُودِ, وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ, فَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ أَحْرَى فِي الْإِجَابَةِ مِنْ غَيْرِهَا, مَعَ التَّطَبُّبِ بِالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ, وَالْأَدْوِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْمُبَاحَةِ, ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ قَدْ يَطُولُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤمِنِ أَحْيَانًا تَكْفِيرًا لِسَيِّئَاتِهِ, وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِ, وَامْتِحَانًا لَهُ, فَلَا يَيِّأَسِ الْمُؤْمِنُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ (إِنَّهُ لَا يَيَّأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

*فَأَمَّا مَنْ عَافَاهُ اللهُ مِنَ السِّحْرِ, وَلَمْ يُصَبْ بِهِ؛ فَعَلَيْهِ الْاحْتِرَازُ مِنْهُ, وَاتِّقَاءُ شَرِّهِ, بِالْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً, وَقِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ, وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ, دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ, وَإِنْ تَيَسَّرَ التَّصَبُّحُ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ, مِنْ تَمْرِ الْعَجْوَةِ فَهَذَا سَبَبٌ شَرْعِيٌ, وَحِصْنٌ حَصِينٌ, مِنْ كُلِّ سَاحِرٍ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنْ تَمْرِ الْعَجْوَةِ, لَمْ يُصِبْهِ سُمٌ, وَلَا سِحْرٌ) وَقَدْ اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي التَّمْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمْرِ الْعَجْوَةِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ, وَلَكِنْ ذَهَبَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ لَفْظَ العَجْوَةِ, خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ, فَلَوْ تَصَبَّحَ بِغَيْرِ تَمْرِ الْعَجْوَةِ مِنَ التَّمْرِ نَفَعَ, وَإِنْ كَانَ تَمْرُ الْعَجْوَةِ أَكْثَرُ نَفْعًا, وَتَأْثِيرًا, وَبَرَكَةً, إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّأْثِيرَ فِي غَيْرِهِ, وَاللهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يَنْصُرَ دِينَهُ, وَيُعْلِيَ كَلَمَتَهُ, وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَيْدِيِ السَّحَرَةِ, وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *