الرفق بالخدم

*فَإنَّ الرَّبَّ الحَكِيمَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, قَسَمَ بَيْنَ خَلْقِهِ المَعَايِشَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا, وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، وَسَخَّرَ بَعْضَهُمْ لِخِدْمَةِ بَعْضٍ, وَأَوْصَاهُمْ بِحِفْظِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ, وَمَعَ كَثْرَةِ الْأَعْبَاءِ وَالْمَشَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ: فقَدْ رَغَّبَتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمَةَ, فِي الاسْتِعانَةِ بِأَسْبابِ الإِعَانَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا أَذِنَتْ لَهُمَا بِالْأَخْذِ بِوَسَائِلِ الْمُسَاعَدَةِ الْحِسِّيَّةِ الْمَرْعِيَّةِ.
فَمِنْ ذلكَ أنْ يَسْتَعِينَ الْمُؤْمِنُ وَالْمُؤْمِنَةُ عَلَى كَثْرَةِ الأَعْبَاءِ وَالْمَشَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلقَتْ فلَمْ تَجِدْهُ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فأَخْبَرَتْهَا، فَلمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِليْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، فقَعَدَ بَيْنَنَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قالَ: (أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَنْ تُكَبِّرا اللهَ أَرْبَعًا وَثلاثينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاثًا وثلاثينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ). فَقَالَ عَليٌّ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, قِيلَ لَهُ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيَلَةَ صِفِّينَ.
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إَذَا احْتَاجَ أحَدُنَا إِلَى الاسْتِعَانَةِ بِمَنْ يَخْدُمُهُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ: فَعَليْهِ بِمُرَاعَاةِ مَا سَيَأْتِي مِنَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ:أَنْ يَقْدِرَ لِلْخَادِمِ قَدْرَهُ؛ وَأَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ، فَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ, وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ).
وَعَلَيْنَا كَذَلِكَ أَنْ لَا نُكْثِرَ عَلَى الْخَادِمِ الْمَسْأَلَةَ وَالطَّلَبَ، وَأَنْ لَا نُقَابِلَهُ إِنْ قَصَّرَ بِالتَّأَفُّفِ وَالْعَتَبِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَذَكُرَ تَقْصِيرَنَا فِي حَقِّ رَبِّنَا وَنَكُونْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجَلٍ، وَأَنْ نَعْفُ عَمَّا اقْتَرَفَهُ الْخَادِمُ مَعَنَا مِنَ الزَّلَلِ، وَنَصْفَحَ عَمَّا قَصَّرَ فِيهِ مِنَ العَمَلِ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَارَسُولَ اللهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلْنُطَهِّرْ كَذَلِكَ أَلْسِنَتَنا مِنَ الشَّتَائِمِ وَالسِّبَابِ، فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْمَحْقِ وَالعَذَابِ، فَعَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرَوانَ بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ – أَيْ: مِنْ مَتَاعِ بَيْتِهِ-، فَلمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيْلِ فَدَعَا خادِمَهُ، فَكَأنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ, فَلَعَنَهُ، فَلمَّا أَصْبَحَ, قالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ، فَقالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ, وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “أنَّ رَجُلاً قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي, وَيَخُونُونَنِي, وَيَعْصُونَنِي، وَأَشْتُمُهُم وَأَضْرِبُهُمْ، فَكيَفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ, وَعَصَوْكَ, وكَذَّبُوكَ, وَعِقَابُكَ إيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ: كَانَ كَفَافًا لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ عِقَابُكَ إيَّاهُم دُونَ ذُنُوبِهِمْ: كَانَ فَضْلًا لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ: اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الفَضْلُ. فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فجَعَل يَبْكِي وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أَمَا تَقْرَأُ كِتابَ اللهِ: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَهم شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مُفارَقَتِهِم، أُشْهِدُكَ أنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ” أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
فَلْنَسْتَمْسِكْ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ بِهذِهِ الْآدَابِ وَالخِصَالِ الكَرِيمَةِ، وَلْنَتَخَلَّقْ مَعَ مَنْ يَلِي شُؤُونَ خِدْمَتِنَا بِالأَخْلَاقِ العظيمَةِ، فَإنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ تَعالَى مِنْ عِبادِهِ أَصْحَابَ القُلُوبِ الرَّحِيمَةِ.

*فَإِنَّ مِمَّا يَجْدُرُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ تَذْكِيرَكُمْ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ أَنَّ حَمْلَةَ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ حَفَظَهُ اللهُ لِنُصْرَةِ إِخْوَانَنَا فِي سُورِيَا لَا زَالَتْ مُسْتَمِرَّةً, وَأَنَّهُ قَدْ تَمَّ تَخْصِيصُ مَوَاقِعَ لاسْتِقْبَالِ التَّبَرُّعَاتِ الْعَيْنِيَّةِ مِن قِبَلِ إِمَارَاتِ الْمَنَاطِقِ, كَمَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ تَلْكَ التَّبَرُّعَاتِ لِهَيَّئَةِ الْهِلَالِ الْأَحْمَرِ السُّعُودِيِّ, أَوْ رَابِطَةِ الْعَالِمِ الْإسْلَامِيِّ, أَوْ هَيَّئَةِ الْإِغَاثَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ, لإِنَّ هَذِهِ الْجِهَاتِ هِيَ الْجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ الْمُخَوَّلَةُ مِنَ الدَّوْلَةِ بِتَقْدِيمِ الْمُسَاعَدَاتِ لِلشَّعْبِ السُّورِيِّ الْمُتَضَرِّرِ.
كَمَا يُوصَى بِعَدَمِ الْانْسِيَاقِ لِلدَّعَوَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ عَبْرَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ بِهَدَفِ جَمْعِ التَّبَرُّعَاتِ غَيْرِ الْمُصَرَّحَةِ رَسْمِيًّا؛ لِمَا قَدْ يتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ عَمَلِيَّاتِ نَصْبٍ وَاحْتِيَالٍ, أَوْ وُصُولِ تَلْكَ الْأَمْوَالِ لِجِهَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *