الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل مناقب أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

مناقب أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

*فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: مَنْ كَانَ مُسْتَنًا: فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبةِ نبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهمْ وَطَرَائِقِهمْ، فهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ.
أَلَا وَاعْلَمُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَفْضَلَ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ مَنْ عَانَقَتْ فَضَائِلُهُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ القُرَشِيُ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَهُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي لَزِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَصَحِبَهُ فِي جَمِيعِ الْغَزَواتِ وَالْأَسْفَارِ، وَيَكْفِيهِ فَخْرًا, ذِكْرُ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) وَقَدْ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالصِّدِّيقِ؛ لِكَمَالِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ، فعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى: أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ؛ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيتِ الْمَقْدِسِ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ, فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِئَنْ قَالَ ذَلِكَ؛ لَقَدْ صَدَقَ, قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ؛ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ, فَلِذلِكَ سُمِّيَ: أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبِتَهِ وَمَالِهِ: أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلَيْلًا مِنْ أُمَّتِي: لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ؛ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ) وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ) أَيْ خَاصَمَ, فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي؛ فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقَبَلْتُ إِلَيْكَ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ, ثَلَاثًا) ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَألَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا, فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَاللهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، وَاللهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقلْتُم: كَذَبْتَ، وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهْلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، فَهْلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي) فَمَا أُوْذِيَ بَعْدَهَا.
وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ خَمْسَةٌ مِنَ الْعَشَرةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ, وَهُمْ: عُثْمَانُ, وَطَلْحَةُ, وَالزَّبَيْرُ, وَسَعْدٌ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ, فَهَنِيئًا لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَؤَلَاءِ الْخَمْسَةُ فِي مِيزَانِ أَعْمَالِهِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَشَرَّفْنَا بِهِذِهِ الْخُطْبَةِ, بِخِدْمَةِ بَعْضٍ مِنْ مَنَاقِبِ الصِّدِّيقِ الْعَزِيزَةِ, وَالذَّبِّ عَنْ بَعْضٍ مِنْ فَضَائِلِهِ عَدِيمَةِ النَّظِيرِ, بِذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْيَسِيرَةِ, لَمْ نَقْصِدْ بِهَا التَّعْرَيفَ بِمَجْهُولٍ مِنْ فَضَائِلِهِ, وَلَا الرَّفْعَ لِمَخْفُوضٍ مِنْ مَنَاقِبِهِ, فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ أَرْفَعُ مَكَانًا, وَأَجَلُّ شَأْنًا فَحُبُّهُ هُوَ وَسَائِرُ الْآلِ وَالصَّحَابَةِ, عِبَادَةٌ لِلهِ, نَرْجُو مِنَ اللهِ عَلَيْهَا عَظِيمَ الثَّوَابِ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ – أَيْ فِي الْعَمَلِ وَالْفَضِيلَةِ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) أَيْ مُصَاحِبٌ لِمَنْ أَحَبَّهُ فِي الدُّنْيَا, بِمَنْزِلَتْهِ فِي الْآَخِرَةِ.

*فَاعْرِفُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ وَأَنْزِلُوا عُظَمَاءَ الْإِسْلَامِ وَمَصَابِيحَهُ مَنَازِلَهُمْ اللَّائِقَةَ بِهِمْ, قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ صَالِحُوا السَّلَفِ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُم, حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَإِنَّ الْمَقَامَ لَيَسْتَدْعِي يَا رَعَاكُمْ اللهُ التَّحْذِيرَ مِنَ مَسْلَكِ الضَّالِّينَ الْمُخَالِفِينَ لِسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ, أَعْنِي الرَّوَافِضَ الْكَفَرَةَ الْهَالِكِينَ, مِمَّنْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ ـ زَعَمُوا – بِمُنَاصَبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَرِجَالَاتِ الْإِسْلَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ الْعَدَاءِ, فَيَتَشَيَّعُونَ بِذَلِكَ إِلَى عَلَيٍّ بِزَعْمِهِمْ, وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْهُمْ بَرَاءٌ, وَحَسْبُكَ مِنْ ضلَالِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ: أَنْ لَا وَلَاءَ لِآلِ الْبَيْتِ إِلَّا بِالْبَرَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ, وَمَا كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ بَاقِي الصَّحَابَةِ إِلَّا كُلُّ خَيْرٍ, فعَلِيٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَمَّى أَحَدَ أَبْنَائِهِ بِأَبِي بَكْرٍ وَالْآخَرَ بِعُمَرَ, أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ أَوِ انتَقَصَهُم فَقَدْ تَحَرَّرَ مِن رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ, وَكَيْفَ لَا؟ وَالْقَدْحُ فِيهِمْ قَدْحٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟! إِذْ هُمْ حَمَلَةُ الْآثَارِ, وَرُوَاةُ الْأَخْبَارِ, كَمَا قَالَ الطَّحَاويُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي عَقِيدَتِهِ: فَحُبُّهُم: أَيْ الصَّحَابَةُ, دِينٌ, وَإِيمَانٌ, وَإِحْسَانٌ, وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ, وَنِفَاقٌ, وَطُغْيَانٌ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *