الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل مناقب عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

مناقب عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

*فقَحَطَ الْمَطَرُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهَرَعَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ, فَقَالَ: انْصَرِفُوا, وَاصْبِرُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تُمْسُونَ, حَتَّى يَفْرُجَ اللهُ الْكَرِيمُ عَنْكُمْ, فَمَا لَبِثُوا أَنْ جَاءَ أُجَرَاءَ عَثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الشَّامَ، فَجَاءَتْهُ مِائَةُ رَاحِلَةٍ طَعَامًا فَاجْتَمَعَ تُجَّارُ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُم مَلأٌ مِنَ النَّاسِ عِندَ بَابِ عُثْمَانَ، فَقَرَعُوا عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا تَشَاءُونَ؟ قَالُوا: السَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضُ لَا تُنْبِتُ، وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عِنْدَكَ طَعَامًا، فَبِعْنَا حَتَّى نُوَسِّعَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ, كَمْ تُرَبِّحُونَنَي عَلَى شِرَائِي مِنَ الشَّامِ؟ قَالُوا: لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ، قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ زَادَنِي، قَالُوا: لِلعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ زَادَنِي، قَالَ التُّجَّارُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ تُجَّارٌ غَيْرُنَا، فَمَنْ زَادَكَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: اللهُ زَادَنِي بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ، أَعِنْدَكُمْ زِيَادَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنِّيْ أُشْهِدُ اللهَ أَنِّي قَدْ جَعَلتُ هَذَا الطَّعَامَ صَدَقَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْحَدِيثَ عَنِ الصَّحَابَةِ الْأَبْرَارِ؛ حَدِيثٌ لَا تَمَلُّهُ الْأَسْمَاعُ؛ وَلَا تَضْجَرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ، كَيْفَ لَا؛ وَهُمُ الْأُسْوَةُ فِي الصَّلَاح؛ وَالْقُدْوَةُ فِي الْفَلَاحِ, وَمَنَاقِبُ الْيَوْمِ؛ فِي فَضَائِلِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْإِسْلَامِ، إِنَّهُ صِهْرُ خَاتَمِ النَّبيِّينَ؛ وَثَالِثُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الْأَمُوِيُّ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، صَاحِبُ الْفَضِائِلِ الْكَثِيرَةِ؛ وَالْمَنَاقِبِ الْوَفِيرَةِ؛ الَّذِي اسْتَنَارَ بِشِهَابَي قَبَسٍ مِنْ نُورِ سَيِّدِ الثَّقلَيْنِ، فَقَدْ زَوَّجَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَتُوفِّيَتْ، ثُمَّ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ أُخْتِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ, وَهُوَ أَحَدُ الَّذِينَ اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى فَضْلِهِ؛ وَاتَّفقُوا عَلَى نُبْلِهِ، فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَترُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ تَخَلَّقَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِخُلُقِ الْحَيَاءِ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَتَسْتَحِي مِنْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا, قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي؛ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ, فَأَذِنَ لَهُ؛ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ, فتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ, فأذِنَ لَهُ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ, فتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ, فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ, قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ, وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ, وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ, وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ، فَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟) وَفِي رِوَايَةٍ: (إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ, أَنْ لَا يَبْلُغَ إِليَّ فِي حَاجَتِهِ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ تَعَرَّضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لِأَشَدِّ الْبَلَاءِ, وَأَفْضَعِهِ، فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى قَتْلِهِ الْأَوْبَاشُ, وَالْغَوْغَاءُ, مِنَ الْخَوَارِجِ الْأَنْجَاسِ, الْأَرْجَاسِ, فَفِي الْبُخَارِيِّ, أَنَّهُ لمَّا حَاصَرُوهُ فِي دَارِهِ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ, وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اشتَرَى بِئرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ) فَاشتَرَيْتُهَا, ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ السَّبِيلِ. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ) فَجَهَّزْتُهُمْ, قَالَوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَنْشُدُكُمُ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ؛ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالحَضِيضِ، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ, وَقَالَ: (اُسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ, وَصِدِّيقٌ, وَشَهِيدَانِ) قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ, قَالَ عُثْمَانُ: اللهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ – ثلاثًا -.
وَلَا زَالَتْ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عِندَمَا جَهَّزَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مُجَلْجِلَةً فِي ذَاكِرَةِ التَّارِيخِ, بَاقِيَةً مَا بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ).

*فقَدْ ثَبَتَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْفِتْنَةِ خَيْرَ ثَبَاتٍ، وَلَمْ يَخْلَعْ قَمِيصَ الْخِلَافَةِ لِهَؤُلَاءِ الْبُغَاةِ؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا عُثْمَانُ؛ إِنَّهُ لَعَلَّ اللهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ: فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ) فَوَفَّى عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ، وَصَبَرَ عَلَى عَظِيمِ الْأَذَى، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ, عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا, قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: (وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلَا نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَسَكَتَ, قُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ عُمَرَ؟ فَسَكَتَ, قُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) فَجَاءَ فَخَلَا بِهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ؛ وَوَجْهُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَكَانَ عُثْمَانُ يَقُولُ يَوْمَ الدَّارِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا؛ فَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ؛ أَوْ صَابِرٌ عَلَيْهِ, فَكَانُوا يَرَوْنَهُ ذَلِكَ الْيَومَ. فَمَا كَانَ مِنْ هَؤُلاءِ الْخَوَارِجِ الْمُعْتَدِينَ؛ إِلَّا أَنْ أَرَاقُوا دَمَ الْخَلِيفَةِ الْمَعْصُومِ، الَّذِي امْتَزَجَ بِقَوْلِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ, وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ).

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *