آداب المرور

*فَلَمْ يَتْرَكِ الشَّرْعُ الْحَنِيفُ مِنْ أُموُرِنَا شَارِدَةً وَلاَ وَارِدَةً إلاَّ وَكَانَ لَهُ فِيَها تَوْجِيهٌ وَإِرْشَادٌ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي اللهُ عَنْهُ قَالَ: (لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلاَّ ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا) رواهُ أحمدُ. وَمِنْ أِعْظَمِ مَا جَاءَتْ فِيهِ تَوْجِيَهاتُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: أَرْوَاحُ النَّاسِ وَدِمَاؤُهُمْ؛ فَالْحِفَاظُ عَلَيْهَا مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الإِسْلاَمِ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ جَمِيعُ الْوَسَائِلِ التِي تَكْفُلُ سَلاَمَةَ الْمُجْتَمَعِ بِأَسْرِهِ، وَمِنْ أَكْثَرِ الْوَسَائِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ انْتِشَارًا فِي حَيَاتِنَا: مَرْكَبَاتُنَا وَسَيَّاراتُنَا؛ فَهِيَ مِنْ أَلْصَقِ مَا يَكُونُ بِنَا فِي سَاعَاتِ أَيَّامِنَا وَلَيَالِينَا، وَهِيَ بِلاَ شَكٍّ مِنْ أعْظَمِ النِّعَمِ, فَسُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَ لَنَا هَذِهِ الْمَرَاكِبَ وَأَوْزَعَنَا شُكْرَهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ).
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ الأَرْوَاحَ لَا تَهُونُ إِلَّا إِذَا هَانَتْ عَلَيْنَا نُصوُصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ! وَتَأَمَّلُوا – سَلَّمَكُمُ اللهُ وَعَافَاكُمْ – كَمْ مِنْ عَائِلَةٍ تَيَتَّمَ أَوْلاَدُهَا! أوْ فَقَدَتْ عَائِلَهَا! أَوْ أَصَابَهَا عَاهَاتٌ فِي أَفْرَادِهَا! فَمِنَ النَّاسِ مَنْ فَقَدَ سَمْعَهُ, أَوْ بَصَرَهُ, أَوْ يَدَيْهِ, أَوْ رِجْلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شُلَّ عَنِ الْحَرَكَةِ تَمَامًا، وَلَوْ كُنَّا أُصِبْنَا بِهَذَا فِي معركةٍ مِن المَعَارِكِ الحَاسِمَةِ لَكَانَتْ فَاجِعَتُنَا عَظِيمَةً مُحْزِنَةً، وَلَعُدَّتْ هَزِيمَتُنَا نَكْرَاءَ مُخْزِيَةً، فَكَيْفَ بِنَا وَنَحْنُ الذِينَ يَقْتُلُ بَعْضُنَا البَعْضَ بِهَذَا الْحَدِيدِ الذِي لاَ يَعْرِفُ رَحْمَةً وَلاَ شَفَقَةً؟!.
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إِنّ نَظْرَةً خَاطِفَةً فِي كَثِيرٍ مِنْ شَوَارِعِنَا تَجْعَلُنَا أَمَامَ كَوْمٍ هَائِلٍ مُرِيعٍ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الْمُرُورِيَّةِ؛ فَهَذَا مُتَهَوِّرٌ مِنْ شِدَّةِ سُرْعَتِهِ، وَذَلِكَ يَقُودُ سَيَّارَتَهُ مُعاكِساً السَّيْرَ، وَهَذَا يَقِفُ فِي غَيْرِ أَمَاكِنِ الْوُقُوفِ، وَهَؤُلاَءِ رِفْقَةٌ وَاقِفُونَ وَسَطَ طَرِيقِ الْماَرَّةِ يتحدثون! وَلَعَلَّكَ تَرَى فِي يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ عَدَدًا مِمَّنْ يَقْطَعُ إِشَارَةَ الْمُرُورِ لاَ يَعْرِفُ لَهَا حُرْمَةً وَلاَ يُقِيمُ لَهَا وَزْنًا. فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ وَذُرِّيَّتِكَ وَأَهْلِكَ وَإِخْوَانِكَ وَأَحْبَابِكَ يَا سَائِقَ السَّيَّارَةِ؛ فَإِنَّ خَطَأً وَاحِدًا فِي الدُّنْيَا قَدْ يُكَلِّفُكَ وَغَيْرَكَ مَآسِيَ لاَ تَنْمَحِي جِرَاحَاتُها وَلاَ تَنْدَمِلُ آثَارُهَا، وَإِنَّ قَطْرَةَ دَمٍ وَاحِدَةً تَتَسَبَّبُ فِي إِرَاقَتِهَا مِنْ أَخِيكَ الذِي ظَلَمْتَهُ سَتُطِيلُ وُقُوفَكَ لِلْحسَابِ غَدًا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى.
أَخِي قَائِدَ السَّيَّارَةِ: يَنْبَغِي عَلَيْكَ مُرَاعَاةُ مَا أَرْشَدَكَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَثْنَاءَ قِيَادَتِكَ لِسَيَّارَتِكَ؛ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تُسَمِّيَ اللهَ تعَالَى عِنْدَ رُكُوبِكَ وَتَحْمَدَهُ وَتُسَبِّحَهُ؛ فعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا؛ فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ؛ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ؛ ثَلاثًا، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا؛ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ ثَلاثًا، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ ثَلاثًا، سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ) ثُمَّ ضَحِكَ؛ فقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ؛ فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ) رواهُ الترمذيُّ. وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ, كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ, وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا, وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ) وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: (آيِبُونَ, تَائِبُونَ, عَابِدُونَ, لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

*فَقَال تَعَالَى: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا) وَإِنَّ عُمُومَ الأَمْرِ فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ يَقْتَضِي أَنْ لاَ نَدْفَعَ بِأَمْوَالِنَا التِي جَعَلَ اللهُ فِيهَا مَصَالِحَنَا الدِّينِيَّةَ والدُّنْيَوِيَّةَ لِلسُّفَهَاءِ، والسَّفِيهُ هُوَ الذِي لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ، وَلاَ شَكَّ – أَيُّهَا الفُضَلاَءُ – أنَّ السَّيَّارَاتِ مِنَ الأَمْوَالِ، وَدفْعُهُا لِلسُّفَهَاءِ مِنَ الصِّغَارِ أَوِ الْكِبَارِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لأَنَّ السَّفِيهَ سَوْفَ يُهْمِلُ تِلْكَ النِّعْمَةَ، بَلْ قَدْ يُسَبِّبُ لِغَيْرِهِ الْإِزْعَاجَ, وَالْمُضَايَقَاتِ, وَلَرُبَّمَا الكَوَارِثَ أَحْيَانًا؛ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُرَاقِبَ رَبَّهُ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَيَقِيَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ مِنَ الضَّرَرِ؛ إِذْ لَا ضَرَرَ, وَلًا ضِرَارَ فِي الْإِسْلاَمِ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *