الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل إِيَّاكَ وكلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ منهُ

إِيَّاكَ وكلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ منهُ

*فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِيَّاكَ وَكُلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ مِنْهُ) أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ فِي الْمخْتَارَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِعْلَ الْأُمُورِ التِي يُحْتَاجُ إِلَى الاعْتِذَارِ بَعْدَ فِعْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأُمُورُ السَّيِّئَةِ التِي تَجْلِبُ عَلَى صَاحِبِهَا الذَّمَّ، وَفِي هَذَا صِيَانَةٌ لِدِينِ الْإِنْسَانِ, وَحِفْظًا لِمَاءِ وَجْهِهِ.
وَالْاِعْتِذَارُ عَن الْخَطَأِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَمَحْمُودٌ، وَلَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ أَن نَرْتِكَبَ مَا نَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْاِعْتِذَارِ عَنْهُ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِن الْأعْذَارِ مَا يَكُونُ مَقْبُولًا وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَالْأَعْذَارُ التِي يَأَتِي بِهَا الظَّالِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا تَنْفَعُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، وَهذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَنْ أَخْطَأَ أَوْ أَذْنَبَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْاسْتِغْفَارِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ حَقٌّ أَوْ مَظْلَمَةٌ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، إِذْ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ يَوْمَئِذٍ، إِنَّمَا هِيَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَالْيَوْمَ أَصْبَحَ أَكْثَرُ النَّاسِ يَعْصُونَ اللهَ، وَمِنْ ثَمَّ يَلْتَمِسُونَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارَ لِأَفْعَالِهِمْ، لِكَيْ تَكْتَسِبَ نَوْعًا مِن الشَّرْعِيَّةِ، وَلِيَكُفُّوا بِذَلِكَ عَنْهُمُ انْتِقَادَ النَّاقِدِينَ، فَمِنَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارِ: احْتِجَاجُهُمْ بِالْقَدَرِ، فَإِذَا نَصَحْتَ أَحَدَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ, قَالَ لَكَ: إِنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) وَالْاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْمَصَائِبِ، كَأَنْ يَتَعَزَّى الْمُسْلِمُ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ بِالْقَدَرِ, أَمَّا الْاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَايِبِ بِأَنْ يَفْعَلَ مُحَرَّمًا ثُمَّ يَقُولُ مُبَرِّرًا فِعْلَهُ: إِنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُقْبَلُ, لِأَنَّهُ هُوَ الذِي فَعَلَ وَاخْتَارَ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ أَصْلًا مَا قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ قَبْلَ فِعْلِهِ، كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ مَالَكَ أَوْ آذَى أَهْلَكَ فَأَمْسَكْتَ بِهِ، فَاعْتَذَرَ لَكَ بِأَنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ جَزْمًا لَنْ تَقْبَلَ عُذْرَهُ.
وَمِنَ الْأَعْذَارِ التِي لَا تُقْبَلُ: مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ أَيْضًا مِنْ قَبْلُ: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ – أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ – وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) فَكَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يُبَرِّرُونَ وَاقِعَهُمُ الْمُخَالِفَ لِلشَّرِيعَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ تُرَاثُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ, أَبَدًا كَمَا هُوَ عُذْرُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ, تَنَصُّلًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ, وَهُوَ عُذْرٌ كَسَابِقِهِ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ عِنْدَ اللهِ.

*فَمِنَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارِ التِي يَكْثُرُ تَدَاوُلُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ: الْعُذْرُ بِالْمُرَاهَقَةِ، فَتَجِدُ الْأَبَ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ عَدَمِ حُضُورِ ابْنِهِ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً، أَوْ عَنْ نَزَوَاتِهِ الْمُحَرَّمَةِ، وَأَذِيَّتِهِ لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرَاهِقًا فِي نَظَرِهِ, أَوْ لِأَنَّ الْكَبْتَ بِزِعْمِهِ فِي هَذِهِ السَّنِّ لَهُ أَثَرٌ سَلْبِيٌّ، وَكَأَنَّ قَلَمَ التَّكْلِيفِ لَا يَزَالُ عَنِ ابْنِهِ مَرْفُوعًا، وَاعْتِذَارُ الْإِنْسَانِ لِابْنِهِ بِالْمُرَاهَقَةِ لِأَجْلِ التَّنَصُّلِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَمُقَارَفَةِ الْمُحَرَّمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى خَلَلٍ فِي الْعَقْلِ وَضَعْفٍ فِي الدِّينِ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْرَأْ فِي تَارِيخِ السَّابِقِينَ مِن صَحَابَةٍ وَتَابِعِينَ، فَلَنْ يَجِدَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَثَرًا فِي الشَّرْعِ، إِذْ أَنَّ الطِّفْلَ إِذَا بَلَغَ أَصْبَحَ مُكَلَّفًا، يُعَاقَبُ وَيُثَابُ عَلَى أَفْعَالِهِ، فَالْخَلَلُ إِذَنْ لَيْسَ فِي سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ، بَلْ هُوَ فِي التَّرَفِ, وَالْبَذَخِ, وَسُوءِ التَّرْبِيَةِ, وَتَوْفِيرِ وَسَائِلِ الْبُعْدِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبِيتِ وَخَارِجِهِ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *