*فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ, فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ, فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ, فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ, فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ – أَيْ: مَسِيلٌ مِنْ مَسِيلِ الْمَاءِ فِي تِلْكَ الْحَرَّةِ – قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ, فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ, فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ فُلَانٌ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ, فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا, فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا, فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ, وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا, وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إنَّ الزَّكَاةَ شَأْنُهَا عَظِيمٌ، فَقَدْ فَرَضَهَا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقَرَنَهَا بِالصَّلَاةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمُنْكِرُهَا لَا حَظَّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَقد فَرَضَهَا اللهُ تَعَالى لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ، وَغَايَاتٍ نَبِيلَةٍ، وَهِيَ فَخْرٌ لِلْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي التَّعَاوُنِ الْاجْتِمَاعِيِّ، لَا يُوجَدُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَبِهَا تَتَحَقَّقُ الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَيَذْهَبُ عَنِ الْمُجْتَمَعِ الْغِلُّ وَالْحَسَدُ، وَتَقِلُّ الْجَرَائِمُ وَالْمُشْكِلَاتُ، وَتَتَنَزَّلُ الرَّحَمَاتُ وَالْبَرَكَاتُ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ وَعَدَ اللهُ سُبْحَانَهُ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ بِالْعِوَضِ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَوَعَّدَ وَعِيدًا شَدِيدًا مَنْ مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ, فَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).
وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ آتاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبيبتانِ – أَيْ: ثُعْبَانًا لَا شَعْرَ عَلَى رَأَسِهِ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَطُولِ عُمُرِهِ لَهُ نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فَمِهِ وَهُوَ أَوْحَشُ مَا يَكُونُ مِنَ الثَّعَابِينِ – يُطوِّقهُ يومَ القيامةِ – أَيْ: يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ – ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ – أَيْ: شِدْقَيْهِ – ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ, ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
*فَلَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَصْنَافَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ، فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا الْآبَاءُ وَلَا الْأَبْنَاءُ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ.
وَجُمْلَةُ الْأَمْوَالِ التِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَرْبَعَةٌ:
سَائِمَةُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ التِي تَرْعَى أَكْثَرَ الْحَوْلِ.
وَالْخَارِجُ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ.
وَالْأثْمَانُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الرِّيَالَاتِ وَنَحْوِهَا. وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ لِمَنِ اتَّجَرَ.
وَقَدْ حَدَّدَتِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ أَنْصِبَةَ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرَهَا، وَوَقْتَ إِخْرَاجِهَا، وَجِهَةَ صَرْفِهَا.
وَإِنَّ الْمَقَامَ لَيَسْتَدْعِي يَا رَعَاكُمُ اللهُ التَّنْبِيهَ الشَّدِيدَ عَلَى ضَرُورَةِ الرُّجُوعِ إِلَى الْعُلَمَاءِ وَطُلَّابِ الْعِلْمِ فِيمَا يُشْكِلُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ؛ لِتَجْلِيَةِ الْغَامِضِ, وَتَوْضِيحِ الْمُشْكِلِ.
اترك تعليقاً