*فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ) وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ, فَكُنْتُ فِيمَنْ انْجَفَلَ, فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ, فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصِلُوا الْأَرْحَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ والنَّاسُ نِيَامٌ فِي هَذا الحَدِيثِ: أيْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ, وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ: أَيْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَفْشُوا السَّلَامَ) أَيْ ارْفَعُوا الصَّوْتَ بِهِ وَأشِيعُوهُ عَلَى مَنْ عَرَفْتُمْ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفُوا؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّغَائِنَ وَيُورِثُ المَحَبَّةَ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ نَدْبِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالسَّلَامِ مَا لَوْ دَخَلَ الإنْسَانُ مَكَانًا فِيهِ أَنَاسٌ نِيَامٌ, فَالسُّنَّةُ: مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ).
وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إِفْشَائِهِ: مَنْ دَخَلَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالبَيْتِ أَحَدٌ أنْ يَقُولَ: (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ).
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَرَدُّ السَّلَامِ أَوْكَدُ مِنِ ابْتِدَائِهِ، وَالسَّلَامُ المَأْمُورُ بِهِ هُو أنْ يُقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَوْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, حَتَّى وَلَوُ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا, وَيَجُوزُ أنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكَ إِنْ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا, وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ, أَيْ: سَلَامَةٌ لَكَ مِنِّي وَأَمَانٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (السَّلاَمُ شِعَارٌ لِمِلَّتِنَا، وَأَمَانٌ لِذِمَّتِنَا) والسَّلامُ أيضًا: اسْمٌ مِن أسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ) وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى: أَيْ المُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ التي تَقَعُ مِن خَلقِهِ. وَأَمَّا الرَّادُّ عَلَى المُسَلِّمِ: فَالوَاجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَرُدَّ مَا سَمِعَهُ، وَالمَنْدُوبُ أنْ يَزِيدَ إنَّ بَقَّى لَهُ المُبْتَدِىءُ بِالسَّلامِ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَوْ انْتَهَى المُبْتَدِىءُ بِالسَّلَامِ إلى غَايَتِهِ؛ التي هِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ لَمْ يَزِدِ الرَّادُّ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأنَّ السَّلَامَ قَدِ انْتَهَى إلَى البَرَكَةِ.
وَيُشْرَعُ السَّلَامُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ كَمَا يُشْرَعُ عِنْدَ الدُّخُولِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ: أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عَشْرُ حَسَنَاتٍ) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عِشْرُونَ حَسَنَةً) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (ثَلَاثُونَ حَسَنَةً) فَقَامَ رَجُلٌ مِن المَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ المَجْلِسَ فَلْيُسَلِّمْ, فَإنْ بَدَا لَهُ أنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسَ, وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ, مَا الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ).
*فَيُنْهَى المُبْتَدِيءُ بِالسلامِ أنْ يَقُولَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، لِنَهْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَن ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ المَيِّتِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ – ثَلَاثًا- أيْ: هَكَذَا فَقُلْ.
وَقَوْلُهُ: (عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي عَادَةِ الشُّعَرَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ*وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَن يَتَرحَّمَا.
وَلَيْسَ المُرَادُ أنَّ هَذَا اللَّفْظَ هُو المَشْرُوعُ فِي حَقِّ المَوْتَى؛ لِأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ سَلَّمَ عَلَى المَوْتَى، كَمَا سَلَّمَ عَلَى الْأحْيَاءِ، فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).
وَيُنْهَى عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ لِلسَّلَامِ فَقَطْ دَوْنَ تَلَفُّظٍ بِالسَّلَامِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: (لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفِّ) إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَ الصَّلَاةِ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ.
وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ الكَافِرِ بِالسَّلَامِ، وَإذَا دَخَلَ الإنْسَانُ عَلَى مَجْمُوعَةٍ فِيهِم أَخْلَاطٌ مِن المُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِم, فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ نَاوِيًا المُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وأمَّا الرَّدُّ عَلَى سَلَامِ الكُفَّارِ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْنَا, فَيَكُونُ بِقَوْلِ: (وَعَلَيْكُمْ) فَقَطْ.
اترك تعليقاً