*فَتَوَاتَرَ مِن طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ, وَأَحْمَدَ, وَأصْحَابِ السُّنَنِ, عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ لَمْ يُرَى مَثْلَهُنَّ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِنَّ قَطٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ: (مَا قَرَأَ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ) ثُمَّ قَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (قُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ الفَلَقِ, وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وَأَقْرَأَهَا لِعُقْبَةَ. قَالَ عُقْبَةُ: ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِنَا الصُّبْحَ فَقَرَأَ بِهِنَّ، بِقُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ الفَلَقِ, وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ؛ ثُمَّ قَالَ لِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ: (اقْرَأَ بِهِنَّ كُلَّمَا قُمْتَ وَكُلَّمَا نِمْتَ) وَفِي رِوَايَةٍ: (وَفِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ).
وَمَعْنَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أيْ أَعُوذُ وَألْتَجِئُ وَأَحْتِمِيْ وَأَسْتَغِيثُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وَالفَلَقُ هُوَ الصُّبْحُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾.
وَمَعْنَى: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أيْ أَسْتَعِيذُ بِرَبِّ الفَلَقِ مِن جَمِيعِ الشُّرُورِ، مِمَّا أَعْلَمُهُ وَمِمَّا لَا أَعْلَمُهُ.
وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ أيْ اللَّيلُ إذَا أَقْبَلَ, وَفِي اللَّيلِ تَكُونُ غَالِبًا الشُّرُورُ المَعْنَوِيَّةُ وَالْحِسِّيَّةُ، وَفِيهِ تَنْتَشِرُ الشَّيَاطِينُ, فَنَحْنُ نَسْتَعِيذُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّوْرَةِ مِنْ هَذِهِ الشُّرُورِ التي تَكُونُ فِي الظُّلُمَاتِ مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ.
وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ أيْ السَّحَرَةُ والسَّوَاحِرُ، وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى السَّوَاحِرَ هُنَا لِأَنَّهُنَّ أَغْلَبَ، فَإنَّ لَمْ تَسْتَعِذْ بِاللهِ مِن السَّحْرِ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يُصِيبَكَ مِنْ شَرِّهِ.
وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ أَيْ حَسَدُ العَيْنِ، وَحَسَدُ القَلَبِ, وَحَسَدُ اللِّسَانِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ﴾ أَيْ أَعُوذُ وَألْتَجِئُ وَأَحْتِمِيْ وَأَسْتَغِيثُ بِهَذَا الرَّبِّ الذِي رَبَّى جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ وَأَمَدَّهُمْ بِالنِّعَمِ, وَهَذَا المَلِكُ الذِي مُلْكُهُ عَمَّ كُلَّ شَيءٍ، وَهَذَا الإِلَهُ الِذي لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ العِبَادَةَ إلَّا هُو، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِنَا سَوَاءً مِنَ الجِنِّ أَوْ مِن الإِنْسِ، وَمِنْ رَحْمَةَ اللهِ بِنَا أَنَّ هَؤُلاءِ الشَّيَاطِينَ مِن الإنْسِ وَالجِنِّ إذَا ذُكِرَ اللهُ, وَقَامَتِ الحُجَجُ, وَنُشِرَتِ السُّنَّةُ, وَانْتَشَرَ نُورُ الإسْلَامِ, انْخَنَسُوا, وَتَصَاغَرُوا, وَذَلَّوا (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَوَسْوَسُةُ الشَّيَاطِينِ إمَّا أنْ تَكُونَ فِي المَاضِي سَوَاءً بِمَا حَصَلَ لَكَ أَوْ لِغَيْرِكَ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَحَدُنَا مِن صَلَاتِهِ وَهُو لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى. وَإِمَّا أنْ تَكُونَ وَسْوَسَتُهُ فِي المُسْتَقْبَلِ، بِالْأَمَانِي الكَاذِبَةِ، وَالمَوَاعِيدِ الزَّائِفَةِ, (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) وَلَكَمْ وَسْوَسَتْ الشَّيَاطِينُ لِأُنَاسٍ بِالمَوَاعِيدِ, وَالْأَمَانِي الكَاذِبَةِ, حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِمُ الْأْعْمَارُ؟ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا مِنهَا بِشَيءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. وَإِمَّا أنْ تَكُونَ وَسْوَسَتُهُ فِي الْأَوَامِرِ والنَّوَاهِي، كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.
*فَهَذَهِ مُعُوِّذَتَانِ, مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهَا قَطٌّ، وَلَا سَأَلَ أَحَدٌ وَلَا اسْتَعَاذَ بِمِثْلِهَا قَطٌّ، تُعُيذُكَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى إذَا قُلْتَهَا بِقَلْبٍ حَاضِرٍ, وَدَاوَمْتَ عَلَيْهَا، مِن هَذِهِ الشُّرُورِ المُحْدِقَةِ بِكَ وَالمُتَرَصِّدَةِ لَكَ.
أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى تَنْخَنِسُ شَيَاطِينُ الجِنِّ، وَبِصُحْبَةِ العُلَمَاءِ يُكْشَفُ زَيْفُ وَبَاطِلُ وَوَسَاوِسُ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ.
اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِن شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا فِي عَافِيَةٍ, وَأَمِتْنَا فِي عَافِيَةٍ، وَاكْفِنَا مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اترك تعليقاً