الأصول الثلاثة

*فَهَذِهِ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْرَفَهَا بِالْأَدِلَّةِ، وَأْنْ يَعْمَلَ بِهَا عَن بَيِّنَةٍ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِهَا, وَتَكْمِيلِهَا، وَأَنْ يَحْذَرَ مِمَّا يُنْقِصُهَا, وَيَقْدَحُ فِيهَا، وَأَنْ يَجْتَنَبَ كُلَّ مَا يُبْطِلُهَا, وَيُفْسِدُهَا, وَيُنَافِيهَا, فَأَصْلُ تِلْكَ الْأُصُولِ هُوَ: مَعْرِفَةُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الَّذِي رَبَّانَا, وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنَعَمِهِ، وَعَمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ, بِأَلْوَانِ جُودِهِ, وَكَرَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودُنَا, فَلَيْسَ لَنَا مَعْبُودٌ بِحَقٍّ سِوَاهُ (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقيِّمُ) فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُوَحِّدَ اللهَ سُبْحَانَهُ بِأَفْعَالِهِ مِنَ الْخَلْقِ, وَالرِّزْقِ, وَالْمُلْكِ, وَالتَّدْبِيرِ، وَأَنْ نُثْبِتَ لَهُ مَا أَثْبَتَهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ, أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مِنْ أَسْمَائِهِ, وَصِفَاتِ كَمَالِهِ, وَنُعُوتِ جَلَالِهِ, مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ, وَلَا تَعْطِيلٍ, وَلَا تَمْثِيلٍ, وَلَا تَشْبِيهٍ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ (لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا نِدَّ لَهُ فِي إلَاهِيَّتِهِ، وَلَا مَثِيلَ, وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي أَسْمَائِهِ, وَصِفَاتِهِ، وَلَا يَكُونُ أَبَدًا فِي مُلْكِهِ الْعَظِيمِ, عُلْوِيِّهِ, وَسُفْلِيِّهِ, حَرَكَةٌ, وَلَا سُكُونٌ, إِلَّا وَقَدْ أَحَاطَ بِهَا عِلْمُهُ, وَنَفَذَ فِيهَا حُكْمُهُ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ, وَمَا لَمْ يَشَأْ, لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ يُوَحَّدَ بِأْفْعَالِ عِبَادِهِ, بِأَنْ يَعْبُدُوهُ بِمَا شَرَعَ؛ فَيَنْقَادُوا لَهُ مُخْتَارِينَ, مُسْتَسْلِمِينَ, خَاضِعِينَ, مُحِبِّينَ, مُعَظِّمِينَ, مُجِلِّينَ, مُخْلِصِينَ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).
مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ: وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْعِظَامِ, فَهُوَ مَعْرِفَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ, الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ وَأَكْمَلَهُ, وَرَضِيَهُ, وَأَتَمَّ بِهِ عَلَيْنَا النِّعْمَةِ, وَقَالَ فِي حَقِّ مِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ, مَعْرَفَةُ هَذَا الدِّينِ بِالْحُجَّةِ وَالبُرْهَانِ, وَالْاسْتِقَامَةَ عَلَيْهِ طَلبًا لِرَضَا الْمَلِكِ الدِّيَّانِ, وَالْإِسْلَامُ ثَلَاثةُ مَرَاتِبٍ:
أَوَّلًا: الْإِسْلَامُ، وَهُوَ: الْاسْتِسْلَامُ لِلهِ, وَتَوْحِيدُهُ، وَالْانْقِيَادُ لَهُ ظَاهرًا, بِالْأَقْوَالِ, وَالْأَعْمَالِ, وَتَرْكُ الشَّرْكِ, وَخِصَالِهِ, وَذَلِكَ بِتَحْقِيقٍ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهَا اللهُ؛ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلِهِ إِلَّا اللهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ.
ثَانِيًا: الْإِيمَانُ, وَهُوَ: الْاسْتِسْلَامُ, وَالْانْقِيَادُ, وَالْإِخْلَاصُ لِهِا بَاطِنًا بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، فَيُؤْمِنُ الْعَبْدُ بِالْأَخْبَارِ الشَّرْعَيَّةِ، وَيُذْعِنُ لِلْأَحْكَامِ الرَّبَّانِيَّةِ, وَذَلِكَ بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورِ, وَاجْتِنَابِ الْمَحْظُورِ، وَالتَّسْلِيمِ لِلْمَقْدُورِ، وَالتَّعَلُّقِ بِاللهِ، وَتَرْكِ الْالْتِفَاتِ إِلَى مَا سِوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، إِنَابَةً لِلهِ, وَمَحَبَّةً لَهُ، وَرَجَاءً لَهُ, وَخَوْفًا مِنْهُ، وَتَعْظِيمًا لَهُ, وَإِجْلَالًا, وَخُشُوعًا، وَخَشْيَةً, وَرَغْبَةً, وَرَهْبَةً.
ثَالِثًا: الْإِحْسَانُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْاجْتِهَادِ فِي إِيقَاعِ الْعِبَادَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ, وَأَحْسَنِ الْأَحْوَالِ، بَأَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ ذَلِكَ فَاعْلمْ أَنَّ اللهَ يُرَاقِبُكَ: يَسْمَعُ أَقْوَالَكَ، وَيَرَى أَعْمَالَكَ، وَيَعْلَمُ حَالَكَ (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْعِظَامِ، فَهُوَ مَعْرِفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وّذَلِكَ بِالْإِيمَانِ بِأَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ حَقًا, وَرَسُولُهُ صِدْقًا، وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى الثَّقَلِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَتَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ تَكُونُ: بِأَنْ يُطَاعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَ، وَيُصَدَّقَ فِيمَا أخْبَرَ، وَيُجْتَنَبَ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، وَأَنْ لَا يُعْبَدَ اللهَ إِلَّا بِمَا شَرَعَ لَنَا، فَمَنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ, أَوْ زَادَ عَلَيْهِ, فَقَدْ جَفَا وَابْتَدَعَ.

*فَيَا أَيُّهَا الْمُغْتَبِطُونَ بِرِسَالَةِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، الرَّاجُونَ أَنْ تُحْشَرُوا تَحْتَ لِوَائِهِ، وَأَنْ تَسْعَدُوا بِشَفَاعَتِهِ، وَأَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ فِي زُمْرَتِهِ، اثْبُتُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِسُنَّتِهِ، وَاهْتَدُوا بِهُدَاهُ، وَاحْذَرُوا مِنْ تَلْبِيسِ مَنْ أَعَرْضَ عَنِ السُّنَّةِ, وَاتَّبَعَ هَوَاهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ هِي تَحْقِيقُ مَدْلُولِ الشَّهَادَتِينِ, وَالْاسْتِقَامَةِ عَلَى دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَمَنْ حَقَّقَهَا عِلْمًا, وَعَمَلًا, وَاعْتِقَادًا, فَقَدْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَثَبَّتَهُ اللهُ فِي قَبْرِهِ حِينَ يَسْأَلُهُ الْمَلَكَانِ، وَغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ، وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَّنَّةَ, فِفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (ذَاقَ طَعْمُ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ رَبًّا, وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا) وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا, وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا, غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ).

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *