الدَّجَّال

*فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ, ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ, فَقَالَ: (إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ, وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ, لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ, وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ, تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ, وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ, وَزَادَ مُسْلمٌ: (مَكتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافرٌ, يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ) وَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَمِعَ بالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ – أَيْ يَهْرُبَ مِنْهُ – فَوَاللهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأتِيهِ وهو يَحسَبُ أنَّهُ مًؤمِنٌ, فَيَتَّبِعَهُ مِمَّا يُبْعَثُ مَعَهُ مِن الشُّبُهَاتِ) وَالدَّجَّالُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ يَخْرُجُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ، وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَاخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّاسِ وَفُرْقَةٍ, وَتَفْرِيطٍ فِي الصَّلَوَاتِ, وَإِضَاعَةٍ لِلْأَمَانَاتِ، وَقُبَيْلَ خُرُوجِهِ يَكْثُرُ الْفَجَرَةُ, وَالْخَوَنَةُ، وَالظلَمَةُ, وَالفَسَقَةُ، وَيَفْشُو الزِّنَا, وَالْخَمْرُ, وَالرِّبَا، وَتُقَطَّعُ الْأَرْحَامُ، وتُتَّخَذُ الْمُغَنِّيَاتُ, وَتُنْقَضُ الْعُهُودُ، وَتُؤْكَلُ الرِّشْوَةُ، وَيَتَشَبَّهُ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ, وَالرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ، وتَكُونُ القُلُوبُ أَنْتَنٌ مِنَ الْجِيَفِ، وَالْأَلْسِنَةُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَتُلْبَسُ جُلُودُ الضَّأَنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ، وَيُلْتَمَسُ الْفَقْهُ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَتُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، وَتَكُونُ الدُّنيَا بِيَدِ الَأْحْمَقِ اللَّئِيمِ, وَتَرَى الْحُفَاةَ, الْعُرَاةَ, الْعَالَةَ, رِعَاءَ الشَّاءِ, يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ, وَيَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْقَتْلُ, وَيَتَطَاوَلُ الْأَوْغَادُ طَعْنًا فِي الْإِسْلَامِ, وَتَشْكِيكًا فِيهِ.
مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ: أَخْرَجَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ, عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ, حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ أَيْ: تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ, وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ, فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ: (مَا شَأْنُكُمْ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ, حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ وَيَقْصِدُ الرِّيَاءَ, إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ, وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ, وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ, إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ أَيْ: شَدِيدُ جُعُودَةِ شَعْرِ الرَّأَسِ, عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ, فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ, إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ أَيْ: طَرِيقًا بَيْنَهُمَا, فَعَاثَ يَمِينًا أَيْ: أَفْسَدَ, وَعَاثَ شِمَالًا, يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِى الْأَرْضِ قَالَ: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا, يَوْمٌ كَسَنَةٍ, وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ, وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ, وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: (لَا, اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِى الْأَرْضِ؟ قَالَ: (كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ, فَيَأْتِى عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ, فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ, وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ, فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَيْ: مَاشِيَتُهُمْ, أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا أَيْ: أَسْنِمَةً وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا أَيْ: لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ, وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ أَيْ: لِكَثْرَةِ امْتِلَائِهَا مِنَ الشَّبَعِ, ثُمَّ يَأْتِى الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ, فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ أَيْ: مُجْدِبِينَ, لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ, وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ أَيْ: الَّتِي لَا أُنَاسَ فِيهَا وَلَا بِنَاءَ, فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِى كُنُوزَكِ, فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ أَيْ: جَمَاعَةِ النَّحْلِ, ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ أَيْ: يَجْعَلُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ مَسَافَةً بَعِيدَةً, ثُمَّ يَدْعُوهُ, فَيُقْبِلُ, وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ, فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ, فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ, بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ أَيْ: ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ, وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ, إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ يَعْنِي مِنَ الْعَرَقِ, وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ أَيْ: يَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْعَرَقُ عَلَى هَيَّئَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي صَفَائِهِ, فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ, وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ, ثُمَّ يَأْتِى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ, فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ رَحَمَهُ اللهُ: (الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِ الدَّجَّالِ مِنَ الْآيَاتِ, مِنَ إِنْزَالِ الْمَطَرِ, وَالْخَصْبِ, عَلَى مَن يُصَدِّقُهُ، وَالْجَدْبَ عَلَى مَن يُكَذِّبُهُ، وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ لَهُ، وَمَا مَعَهُ مِنْ جَنَّةٍ, وَنَارٍ, وَمِيَاهٍ, وَأَنْهَارٍ، يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ مِحْنَةً مِنَ اللهِ, وَاخْتِبَارًا, لِيَهْلِكَ الْمُرْتَابُ, وَيَنْجُو الْمُتَيَقِّنُ).

*فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ, كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرَآنِ, يَقُولُ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا, وَالْمَمَاتِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْإِمِامُ السَّفَّارِينِيُّ رَحَمَهُ اللهُ: يَنْبَغِي لِكُلِّ عَالِمٍ, أَنْ يَبُثَّ أَحَادِيثَ الدَّجَّالِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ, وَالنِّسَاءِ, وَالرِّجَالِ؛ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي اشْرَأَبَّتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْمِحَنُ، وَانْدَرَسَتْ فِيهِ مَعَالِمُ السُّنَنِ، وَصَارَتْ السُّنَنُ فِيهِ كَالْبِدَعِ, وَالْبِدْعَةُ شِرْعَةٌ تُتَّبَعُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ, فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ, فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. ثُمَّ بَادِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَمَا أَرْشَدَكُمْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَهَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالُ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةُ, وَالسَّاعَةُ أَدْهَى, وَأَمَرُّ).

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *