المخدرات والمسكرات

* فَلقَدْ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطِيبًا, فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَإِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْعِبَادِ، كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةُ سُوءٍ، فَأَمَرَتْ جَارِيَتَهَا فَأْدْخَلَتْهُ الْمَنْزِلَ، فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ، وَعِنْدَهَا بَاطِيَةٌ مِنْ خَمْرٍ، وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ، فَقَالَتْ لَهُ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى تَشْرَبَ كَأْسًا مِنْ هَذَا الْخَمْرِ، أَوْ تُوَاقِعُنِي، أَوْ تَقْتُلَ الصَّبِيَّ، وَإِلَّا صِحْتُ, وَقُلْتُ: دَخَلَ عَلَيَّ فِي بَيْتِي, فَمَنَ الَّذِي يُصَدِّقُكَ؟ فَضَعُفُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ, وَقَالَ: أَمَّا الْفَاحِشَةُ فَلا آتِيهَا، وَأَمَّا النَّفْسُ فَلَا أقْتُلُهَا، فَشَرِبَ كَأْسًا مِنَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: زِيدِينِي, فَزَادَتْهُ، فَوَاللهِ, مَا بَرِحَ حَتَّى وَاقَعَ الْمَرْأَةَ, وَقَتَلَ الصَّبِيَّ, فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَاجْتَنِبُوهَا, فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَإِنَّهُ وَاللهِ، لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ, وَالْخَمْرُ فِي قَلْبِ رَجُلٍ، إِلَّا يُوشِكُ أَحَدُهُمَا, أَنْ يَذْهَبَ بِالْآخَرِ.
وَعِنْدَ الْحَاكِمِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) وَفِي الترمذيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ, لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا وَإِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ بِأَنْوَاعِهَا شَرٌّ مِنَ الْخَمْرِ، فَهِيَ تَقْضِيْ عَلَى الضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ مِنَ الدَّينِ, وَالْعِرْضِ, وَالنَّفْسِ, وَالْعَقْلِ, وَالْمَالِ, قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ الْحَشِيشَةَ حَرَامٌ، يُحَدُّ مُتَنَاوِلُهَا, كَمَا يُحَدُّ شَارِبُ الْخَمْرِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كَيْفَ يُقْدِمُ عَاقِلٌ عَلَى هَذِهِ السُّمُومِ الْفَتَّاكَةِ، وَالْأَدْوَاءِ الْمُهْلِكَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُخْتَصِّينَ أَنَّ مَضَارَّهَا تَرْبُو عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَضَرَّةٍ، مَا بِيْنَ دِينِيَّةٍ, وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَاقْتِصَادِيَّةٍ, وَصِحِّيَّةٍ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُ رَحِمَهُ اللهُ: لَوْ كَانَ الْعَقْلُ يُشْتَرَى، لَتَغَالَى النَّاسُ فِي ثَمَنِهِ، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَشْتَرِيْ بِمَالِهِ مَا يُفْسِدُهُ. أَيْ الْعَقْلُ. وَالْإِنْسَانُ مَعَاشِرَ الْإِخْوَةِ مَتَى مَا فَقَدْ عَقْلَهُ أَفْسَدَ, وَبَغَى، وَخَرَّبَ, وَطَغَى, وَآذَى نَفْسَهُ, وَأَهْلَهُ, وَمَجْتَمَعَهُ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَحِينَ تُلْتَمَسُ أَسْبَابُ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ يُمْكِنُ إِجْمَالُهَا فِي: ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ، وَافَقَ هَذَا فَرَاغًا قَاتِلًا، وَمَالًا وَافِرًا، وَصُحْبَةً سَيِّئَةً، وَتَقْلِيدًا أَعْمَى، وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: إِهْمَالُ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ، يَتَسَكَّعُونَ, وَيَنْشَؤُونَ, فِي أَحْضَانِ السُّفَهَاءِ، فَيْجْلِبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ, وَأَهْلِيهُمُ الْعَارَ, وَالشَّقَاءَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ, وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
وَاعْلَمُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ أَنَّ كُلَّ يَدٍ تَبْطِشُ مِنْ جَرَّاءِ هَذِهِ السُّمُومِ، وَكُلَّ نَفْسٍ تُزْهَقُ، وَمَالٍ يُتْلَفُ، وَصِحَّةٍ تَتَدَهْوَرُ، فَعَلَى الْمُرَوِّجِينَ مِثْلَ وِزْرِهَا، لِأَنَّهُمْ أَدَوَاتُ فَسَادٍ، سَخَّرَهُمْ إِبْلِيسُ لِإِفْسَادِ الْبِلَادِ, وَالْعِبَادِ، أَلَا فَلْيَتَّقُوا اللهَ, وَلْيَتَذَكَّرُوا وَعِيدَ مِنْ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وَهَذَا الْوَعِيدُ فِيمَنْ أَحَبَّ، فَكَيْفَ بِمَنْ دَمَّرَ الْعُقُولَ, وَالْبُيُوتَ, وَخَرَّبَ.

*فَإِنَّ الطُّرُقَ لِإِنْقَاذِ الْمُدْمِنِينَ كَثِيرَةٌ, وَإِنَّ أَجْدَى هَذِهِ الطُّرُقِ, تَقْوِيَةُ الْوَازِعِ الدِّينِي لَدَى الْمُتَعَاطِيْ، هَذَا الْوَازِعُ الَّذِي جَعَلَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُرِيْقُونَ الْخَمْرَ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ بِمُجَرَّدِ أَنْ طَرَقَ أَسْمَاعَهُمْ نَبَأُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ, فَقَالَ أَحَدُهُمْ: فَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ, وَلَا خَرَجَ مِنَّا خَارِجٌ, حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَابَ, وَكَسَرْنَا القِلَالَ.
وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ كَذَلِكَ تَنْحِيَةُ الْمُدْمِنِ عَنِ الْمُسْتَنْقَعَاتِ الْمُوْبُوءَةِ، وَالصُّحْبَةِ السَّيِّئَةِ، وَإِرْشَادُهُ إِلَى صُحْبَةٍ صَالِحَةٍ, تُعِينُهُ عَلَى التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، هَذَا مَعَ اتِّخَاذِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ لِمُعَالَجَةِ الْمُدْمِنِينَ، وَمَلءِ أَوْقَاتِهِمْ بِالنَّافِعِ الْمُفِيدِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِسُؤَالِ الْمُخْتَصِّينَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي هّذَا الْمَجَالِ.
ثُمَّ أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ سَقَطَ فِي أَوْحَالِ الْمُخَدِّرَاتِ, أَوِ الْمُسْكِرَاتِ، وَلْيَتَذَكَّرْ يَوْمَ الْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ, وَالسَّمَوَاتِ، وَلْيُبَادِرْ بِالْإِقْلَاعِ, وَالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَإِنَّهَا الْآنَ مُمْكِنَةٌ, وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ، وَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَسْرَةِ, وَالْأَلَمِ، فَيْنْدَمُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *