وصايا أبي الدرداء 2

*فَمِنْ حِكَمِ الْحَكِيمِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ عَمِلَ ذَنبًا, فَعَلِمَ بِذَنبِهِ أُنَاسٌ, فَأَخَذُوا يَسُبُّونَهُ, فَقَالَ لَهُمْ أبو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَرَأَيْتُم لَوْ وَجَدتُّمُوهُ فِي قَاعِ قَلِيبٍ, أَلَمْ تَكُونُوا مُخْرِجِيهِ مِنْهَا؟ قَالُوا: بَلَى, قَالَ: فَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ, وَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُم، اَحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ, وَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ).
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ سَبَّ الْعَاصِي, لَا يَجُوزُ فِي الشَّرِيعَةِ، بِلِ الْوَاجِبُ عَلَينَا هُوَ أَنَّ نَسْأَلَ اللهَ لَهُ الْهِدَايَةَ، وَأَنَّ نَحْمَدَ اللهَ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَاهُ بِهِ.
وَإِذَا نَظَرَنَا فِي زَمَانِنِا هَذَا فَإِنَّنَا نَجِدُ الْبَعْضَ مِنَّا عَلَى الْعَكْسِ مِن ذَلِكَ تَمَامًا, فَمَا إِنْ يَسْمَعُوا بِأُنَاسٍ مِن إخْوَانِهِمْ قَدْ وَقَعُوا فِي مَعْصِيَةٍ, إِلَا وَسُرْعَانَ مَا يُشِيعُوا الْخَبَرَ وَيَنْشُرُوهُ بَيْنَ النَّاسِ, تَشَفِّيًا بِإِخْوَانِهِمْ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ, وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَسْعَوا فِي إِصْلِاحِ الْخَطَأِ, وَنُصْحِ الْمُذْنِبِ, وَكَتْمِ الْمَعَائِبِ, وَنَشْرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقْتَدِيَ النَّاسُ بِبِعْضِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَمَعَالِي الْأُمُورِ، وَأَمَّا نَشْرُ الشَّرِّ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ, فَإِنَّهُ يُجَرِّئُ النَّاسَ عَلَيْهِ، لِظَنِّهِم أَنَّ الشَّرَّ أَكْثَرُ مِنَ الْخَيْرِ, فَيَتَسَاهَلُونَ بِالشَّرِّ, وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ.
وَمِنْ آثَارِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُدِ فِي الصَّلَاةِ, يَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ، وَيُكْثِرُ التَّعَوُّذَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُم: وَمَالَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَنْتَ وَالنِّفَاقَ؟ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ, فَوَاللهِ إِنِّ الرَّجُلَ لَيُقْلَبُ عَنْ دِينِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ, فَيُخْلَعُ مِنْهُ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ رَحِمَهُ اللهُ: (أَدْرَكَتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلُّهُم يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيِ النَّفَاقَ الْأَصْغَرَ, وَكَانَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحَمَهُ اللهُ يَقُولُ: (مَا خَافَ النِّفَاقَ إِلَّا مُؤمِنٌ, وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ) فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَسَادَاتُ الْمُؤمِنِينَ يَخَافُونَ مِنَ النِّفَاقِ الْأَصْغَرِ, مَخَافَةَ أَنْ يُوصِلَهُمْ إِلَى النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ مِنَ الْمِلَّةِ, وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا نَحْنُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ مِنَ النِّفَاقِ, لَاسِيَّمَا وَأَنّ شُعَبَهُ فِينَا مُنْتَشِرَةٌ, وَمُتَعَدِّدَةٌ.
ألَيْسَ فِينَا مَعَاشِرَ الْإِخْوَةِ مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ؟! وَأَلَيْسَ فِينَا مَنْ لَا يَشْهَدُ صَلَاةَ الفَجْرِ؟! وَأَلَيْسَ فِينَا: مَنْ لَا يَذْكُرُ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا؟! وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ. فَلْنُزَكِّ نُفُوسَنَا جَمِيعًا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَطْهِيرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ, وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْعُيُوبِ, وَتَرْقِيَتِهَا فِي طَاعَةِ اللهِ, بِالْعِلْمِ النَّافِعِ, وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ, وَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ التَّدَنُّسِ بِالرَّذَائِلِ, وَالذُّنُوبِ, وَكُلِّ مَا يَشِينُ النُّفُوسَ مِنْ خُلُقٍ وَعَمَلٍ. اللَّهُمْ احْفَظْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ, وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ, وَقُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ, وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ.

*فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَجْمُوعُونَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ, يَنْفُذُكُمُ الْبَصَرُ, وَيُسْمِعُكُمُ الدَّاعِي، أَلَا وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ, وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *