*فَإِكْمَالًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الْمَاضِيَةِ, فَنَتَنَاوَلُ بّْعْضًا مِنَ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الشَّهْرِ:
يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ, وَيَتَطَيَّبَ, وَهَوَ صَائِمٌ, وَكَذِلِكَ لَهُ أَنْ يَتَبَخَّرَ بِالْبَخُورِ, وَلَا يُفَطِّرُ بِهُ, وَلَوْ وَصَلَ الْبَخُورُ إِلَى الدِّماَغِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ, وَلَا شُرْبٍ, وَأَمَّا الدُّخَانُ الَّذِي يَشْرَبُهُ الْبَعْضُ, فَهَذَا فِي عُرْفِ النَّاسِ شَرَابٌ, وَقَدِ اتَفَقَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَأخِّرُونَ عَلَى: أَنَّهُ مُفَطِّرٌ, إِذَا شَرِبَهُ الصَّائِمُ.
وَلَا يَفْطِرُ الصَّائِمُ إِذَا اسْتَعْمَلَ مَعْجُونَ الْأَسْنَانِ؛ لتنظيف أَسْنَانَهُ, وَهُوَ صَائِمٌ, حَتَّى لَوْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ, مَالَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَ الْمَعْجُونِ.
وَلَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ كَذَلِكَ إِنِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ, وَمِثْلُهُ النُّخَامَةُ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرِّيقُ بِهِ دَمٌ, كَدَمٍ فِي اللِّثَّةِ فَبَلَعَهُ مُتَعَمِّدًا, فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِهِ.
وَإِذَا كَانَ فِي الْفَمِ رُطُوبَةٌ بَعدَ الْمَضْمَضَةِ, أَوْ بَعْدَ شُرْبِ الْمَاءِ قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ, فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْصُقَ هَذِهِ الرُّطُوبَةَ, وَكَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ ابْتِلَاعُ الريِّقِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَمَضْمَضَ, وَمَجَّ الْمَاءَ, وَأَخْرَجَهُ مِنْ فَمِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ بَقَاءُ شَيءٍ مِنَ الرُّطُوبَةِ؛ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ.
وَلَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ إِذَا وَضَعَ قَطْرَةً فِي أُذُنِهِ, أَوْ عَيْنِهِ, وَلَوْ وَجَدَ طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ, وَكَذَلِكَ الْحُقْنَةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ, وَلَا شَرَابٍ.
وَكَذَلِكَ دَوَاءُ الرَّبْوِ الَّذِي يَسْتَنْشِقُهُ الْمَرِيضُ فَيَصِلُ إِلَى الرِّئَتَيْنِ, عَنْ طَرِيقِ الْقَصَبَةِ الْهَوَائِيَّةِ, فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ.
وَكَذَلِكَ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِسَحْبِ الدَّمِ, وَلَوْ كَانَ بِآلَةٍ تَغُورُ فِي الْبَدَنِ, كَالْإبْرَةِ, وَمِثْلُهَا الْحِجَامُةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَالْكَبِيرُ الَّذِي أُصِيبَ بِالْخَرَفِ, أَوْ بِبَعْضِ الْخَرَفِ, فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ, فَلَا يَلْزَمُهُ صِيامٌ, وَلَا إِطْعَامٌ.
وَجَمِيعُ الْمُفَطِّرَاتِ, إِنْ فَعَلَهَا الصَّائِمُ نَاسِيًا, أَوْ جَاهِلًا لِلْحُكْمِ, أَوْ مُكْرَهًا, فَإِنَّ صِيَامَهُ صَحِيحٌ, وَلَا شَيءَ عَلَيْهِ.
وَيَجِبُ عَلَى الصَّائمِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ, وَالْغِيبَةِ, وَالنَّمِيمَةِ, وَالشَّتْمِ, فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ, وَيَتَأكَّدُ اجتِنَابُهَا فِي رَمَضَانَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ, وَلَا يُفْطِرُ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا إِجْمَاعًا.
وَالسَّحُورُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ, وتَعْجِيلُ الْفَطْرِ, عَلَى رُطَبٍ, فَإِنْ عُدِمَ, فَتَمْرٌ, فَإِنْ عُدِمَ, فَمَاءٌ, وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: (ذَهَبَ الظَّمَأُ, وَابْتَلْتِ الْعُرُوقُ, وَثَبَتَ الْأَجْرُ, إِنْ شَاءَ اللهُ) وَأَمَّا حَدِيثُ: (اللَّهُمْ لَكَ صُمْتُ, وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ) فَضَعِيفٌ لَا يَصِحُ.
*فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْ جَمِيعِ الْمُفَطِّرَاتِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْأَذَانِ, وَلَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي شَيءٍ مِنْهَا حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤذِّنُ مِنْ أَذَانِهِ, كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْبَعْضُ, هَذَا إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ, كَمَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي التَّقَاوِيمِ الْمُوجُودِةِ.
ومَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ, أَوْ صِيَامُ كَفَّارَةٍ, فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ, وَإِنَّمَا يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينًا, بِخِلَافِ مِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ, فَإنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ, بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ؛ لِتَبْرَأَ ذِمَّتَهُ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَبْشِرُوا بِمَوْعُودِ اللهِ، فَرَبُّنَا غَفُورٌ, رَحِيمٌ, يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ, وَيَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ, وَيُجَازِي عَلَى الْعَمَلِ الْيَسِيرِ, بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، قَدْ أَعَدَّ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ, وَجَرَتْ أَنْهَارُهَا, وَتَزَيَّنَتْ حُورُهَا, وَاكْتَمَلَ نَعِيمُهَا, أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.
اترك تعليقاً