الحج

[SIZE=6]*فَلَقَدْ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِزَوْجِهِ هَاجَرَ وَابْنِهَا الرَّضِيعِ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا مَاءً وَتَمْرًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ، فَتَبِعَتْهُ هَاجَرُ, فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ, وَتَتْرُكُنَا فِي هَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ, وَلَا شَيءٌ؟! فَرَدَّدَتْ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا, فَقَالَتْ لَهُ: آللهُ أَمَرَكَ بِهَذا؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا, ثُمَّ انْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ, اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: (ربَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) وَجَعَلَتْ هَاجَرُ تُرْضِعُ وَلَدَهَا إِسْمَاعِيلَ, وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ, حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ, عَطِشَتْ, وَعَطِشَ ابْنُهَا, وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَقَامَتْ عَلَى الصَّفَا, ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ, فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ بِيَدِهَا، فَشَرِبَتْ, وَأَرْضَعَتْ، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْتَ يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ, وَأَبُوهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَتَمُرُّ السِّنِينُ, وَيَبْنِي الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ, وَابْنُهُ الْبَيْتَ، وَيَأَمُرُ اللهُ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ إِلَى ذَلِكَ البَيْتِ (وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْحَجُّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ مِنْ سَيِّئِ الْعَمَلِ، أَخْرَجَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي, أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ لِأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ, فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قُلْتُ: أَشْتَرِطُ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ مَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟!).
وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَجَّ, فَلَمْ يَرْفُثْ, وَلَمْ يَفْسُقْ, رَجَعَ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) أَيْ طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ. وَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ, وَالْعُمْرَةِ، فِإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ, وَالذُّنُوبَ, كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ, وَالذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ).
أَلَا وَإِنَّ فِي هَذِهِ الْآثَارِ, دَعْوَةٌ, ونِدَاءٌ, إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْحَجِّ, لِتَطْهِيرِ النُّفُوسِ مِنْ ذُنُوبِهَا, وَآثَامِهَا, فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعلَمُ مَتَى مَوعِدُ رَحِيلِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَالْحَجُّ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ، مَنَ اسْتَطَاعَ إِسْقَاطَ فَرْضِهِ, ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ, فَهُوَ مَحْرُومٌ, وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ, لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَّنَّةُ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْحَجُّ الْمَبْرُورُ يَتَطلَّبُ إِخْلَاصًا لِلهِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَلِّعًا إِلَى الْمَدْحِ, وَالثَّنَاءِ, وَالسُّمْعَةِ, وَالْمُبَاهَاةِ, حَبِطَ عَمَلُهُ, وَضَلَّ سَعْيُهُ، قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعْيَ غَيْرِي, تَرْكْتُهُ, وَشِرْكَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَمَالُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا طَيِّبًا؛ لَأَنَّ النَّفَقَةَ الْحَرَامَ مِنْ مَوَانِعِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا, بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ, وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ, فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ, وَسَعْدَيْكَ، زَاُدُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكَ مَبْرُورٌ, وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ, وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ, فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ, وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ، وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ).

*فَمَنْ رَامَ حَجًّا مَبْرُورًا امْتَثَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: (مَنْ حَجَّ لِلهِ, فَلْمْ يَرْفُثْ, وَلَمْ يَفْسُقْ, رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ) وَالرَّفَثُ هُوَ: الْجِمَاعُ, وَالتَّعْرِيضُ بِهِ, وَذِكْرُ مَا يَفْحُشُ مِنَ الْقَوْلِ, وَالْفِسْقُ هُوَ: ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَمَن تَطَلَّعَ إلى حَجٍّ مَبْرُورٍ أدَّبَ جَوَارِحَهُ، فَلا تَنْظُرُ الْعَينُ نَظْرَةً فَاحِشَةً، وَلَا يَنْطِقُ اللِّسَانُ بِألْفَاظٍ طَائِشَةٍ، وَلَا تَمْتَدُّ الْيَدُ بِأَذًى إِلَى أَحَدٍ، وَلَا يَنْطَوِي القَلْبُ عَلَى بَغْضَاءَ, أَوْ حَسَدٍ, حَجٌّ مَبْرُورٌ يُوَقَّرُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَيُرْحَمُ الصَّغِيرُ، وَيُوَاسَى الضَّعِيفُ، وَيُحَافَظُ فِيهِ عَلَى نَظَافَةِ الْبَدَنِ, وَالثَّوْبِ, وَالْمَكَانِ.
أَخِي الْمُسْلِمُ: يَا مَنْ بَلَغْتَ الثَّلَاثِينَ, وَلَرُبَّمَا الْخَمْسِينَ, وَأَنْتَ لَمْ تَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ, بَادِرْ بِالْحَجِّ, فَلَرُبَّمَا يَعْرِضُ لَكَ مَا يَمنَعُكَ مِنَ الْحَجِّ فِي قَابِلِ الْأَيْامِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ – يَعْنِي الْفَرِيضَةَ – فَإِنِّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ).
[/SIZE]

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *