*فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِالدُّعَاءِ, وَالرَّجَاءِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّعَاءَ يَجْلِبُ الْخَيْرَاتِ, وَيَدْفَعُ الْبَلَاءَ، وَأَنَّهُ مَا دَعَا اللهَ دَاعٍ, إِلَّا أَعْطَاهُ مَا سَألَهُ مُعَجَّلًا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ أَعَظَمَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، أَوِ ادَّخَرَ لَهُ خَيْرًا مِنْهُ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ, وَقَدْ دَعَوْتُ, فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي, فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ, وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) وَمَعْنَى يَسْتَحْسِرُ: أَيْ يَنْقَطِعُ عَنِ الدُّعَاءِ, وَفِي التِّرْمِذِيِّ: (مَنْ فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ الدُّعَاءِ, فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ) وَفِي الْمُسْنَدِ: (لَيْسَ شَيءٌ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ) وفي أَبِي دَاوُد: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) ثُمَّ قَرَأَ: (اُدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الدُّعَاءَ يَرْفَعُ الْبَلَاءَ الْوَاقِعَ, وَيَحْفَظُ الْعَبْدَ مِمَّا لَمْ يَقَعْ, وَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ الَّتي يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ لِرَبِّهِ، وَبِهِ يُدْرِكُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا, وَالدِّينِ، وَبِالدُّعَاءِ يَنْقَطِعُ رَّجَاءُ الْعَبْدِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَيَكْمُلُ رَجَاؤُهُ فِي رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، أَلَا وَإِنَّ الدُّعَاءَ يُنْبِئُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَقُوَّةِ الْافْتِقَارِ، وَيُوجِبُ لِلْعَبْدِ خُضُوعَهُ, وَخُشُوعَهُ لِرَبِّهِ, فَكَمْ مِنْ حَاجَةٍ دِينِيَّةٍ, أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ, أَلْجَأَتْ الْعَبْدَ إِلَى كَثْرَةِ دُعَاءِ اللهِ, وَالْاضْطِرَارِ إِلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ دَعْوَةٍ رَفَعَ اللهُ بِهَا الشَّدَائِدِ عَنْكَ, وَعَنْ غَيْرِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟! وَكَمْ تَعَرَّضَ الْعَبْدُ لِنَفَحَاتِ اللهِ الْكَرِيمِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَأَصَابْتُهُ نَفْحَةٌ مِنْهَا فِي سَاعَةِ إِجَابَةٍ؟! وكَمْ تَضَرَّعَ تَائِبٌ مِنَ الذُّنُوبِ فَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ ذُنُوبَهُ؟! فَمَنْ وُفِّقَ لِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ, فَلْيُبْشِرْ بِقُرْبِ الْإِجَابَةِ، وَمَنْ أَنْزَلَ حَوَائِجَهُ كُلَّهَا بِرَبِّهِ, فَلْيَطْمَئِنَّ بِقُرْبِ الْفَرَجِ، فَحَقِيقٌ بِكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ أَنْ تُلِحَّ بِالدُّعَاءِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَنْ تَلْجَأَ إِلَى رَبِّكَ سِرًّا وَجِهَارًا، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا غِنَى لَكَ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي دِينِكَ, وَدُنْيَاكَ، فَهُوَ رُبُّكَ, وَمَوْلَاكَ (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
*فَدَعَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) ثُمَّ تَأَمَّلْ يَا رَعَاكَ اللهُ مَا حَدَثَ, قَالَ تَعَالَى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) أَلَا وَإِنَّ الدُّعَاءَ الصَّادِقَ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَلْبٍ صَاِدقٍ, لَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ النَّصْرِ لِإخْوَانِكُمُ الْمُضْطَهَدِينَ فِي الشَّامِ, وَفِلِسْطِينَ, وَأَرَاكَانَ, وَالْعِرَاقِ, وَغَيْرِهَا, فَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ, وَالتَّضَرُّعِ لِلهِ بِإِنْزَالِ نَصْرِهِ, وَتَعْجِيلِ فَرَجِهِ, فَالدُّعَاءُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ سَهْمٌ لَا يَخِيبُ الرَّامِي بِهِ أَبَدًا, وَسِهَامُ اللَّيْلِ, وَالنَّهَارِ, لَا تُخْطِئُ هَدَفَهَا أَبَدًا, وَلَكِنْ لَهَا أَمَدٌ, وَلِلْأَمَدِ انْقِضَاءُ.
اترك تعليقاً