*فَإِنَّ الْفَرَاغَ يُعَدُّ وَاحِدًا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَيْنَ صُرِفَتْ؟! وَهَلْ أُدِّيَ شُكْرُهَا, أَمْ لَا؟! قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أَيْ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الصِّحَّةِ, وَالْأَمْنِ, وَالرِّزْقِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ) وَمَعْنَى مَغْبُونٌ, أَيْ أَنَّهُ بَاعَ هَذِهِ النِّعْمَتَيْنِ بِرُخْصٍ فَاحِشٍ, قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ صَحِيحًا, وَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا, وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ, فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ فَهُوَ الْمَغْبُونٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْإِجَازَةَ الصَّيْفِيَّةَ فُرْصَةٌ لَا تُعَوَّضُ، وَأَيَّامٌ مِنَ الْعُمُرِ لَا تَعُودُ، فَلْنَحْرِصْ عَلَى اغْتِنَامِهَا بِأَحْسَنِ الْمَكَاسِبِ وَأَطْيَبِ النَّتَائِجِ، فَالْأَعْمَارُ مَحْدُودَةٌ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَقُولُ الْمُضَيِّعُ لِأَوْقَاتِهِ: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَخْذُ الْحَذَرِ مِنِ اقْتِرَافِ الْمُحَرَّمَاتِ, الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ مَنْ يُسَافِرُ فِي الْإِجَازَةِ تَسَاهُلًا بِمَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى كَحُضُورِ الْحَفَلَاتِ الْغِنَائِيَّةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ بِحُجَّةِ السِّيَاحَةِ, وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ بِحُجَّةِ السَّفَرِ وَالسِّيَاحَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ قَلَمَ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَى الْمَرْءِ فِي السَّفَرِ كَالْإِقَامَةِ، فَكُونُوا دُعَاةَ خَيْرٍ فِي سَفَرِكُمْ, وَلَا تَزْدَرُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، فَبَرَكَةُ الْمُؤْمِنِ فِي تَعْلِيمِهِ الدِّينَ حَيْثُمَا حَلَّ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) فَسَفَرُ الْمُسْلِمِ عِبَادَةٌ وَنُزْهَةٌ، وَيَجْدُرُ بِهِ أَنْ يَلْتَزِمَ الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ, وَأَنْ يَتَحَلَّى بِالْمُرُوءَةِ, وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَحْسُنُ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ حَثُّ الْأَوْلَادِ عَلَى حِفْظِ شَيءٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي الْإِجَازَةِ, وَالْالْتِحَاقِ بِالدَّوْرَاتِ وَالْحَلَقَاتِ، أَوْ فِي أَيِّ نَشَاطٍ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْفَائِدَةِ وَالْخَيْرِ فِي إِجَازَتِهِمْ, وَتَشْجِيعِهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ, كَرَصْدِ الْجَوَائِزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ يَمْتَدُّ نَفْعُهُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ وَعَشِيرَتَهِ، فَلِمَاذَا لَا يُفَكِّرُ الشَّابُ, وَكَذَلِكَ الْفَتَاةُ فِي جَمْعِ أَفْرَادِ أُسْرَتِهِ؟ فِي مَكَانٍ مَا, كَالْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، وَيُنَظِّمُونَ بَرَامِجَ, وَمُسَابَقَاتٍ يَتَخَلَّلُهَا بَعْضُ التَّوْجِيهَاتِ, مَعَ تَوْزِيعٍ لِلْأَشْرِطَةِ وَالرَّسَائلِ, وَفِي ذَلِكَ مَنَافِعُ شَتَّى, وَهُوَ صِلَةٌ, وَبِرٌّ, وَدَعْوَةٌ, وَإِصْلَاحٌ.
*فَلَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: بَلَغَنِي أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ, فَقَالَ: يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ, وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ, فَإِنَّ اللهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ, بِنُورِ الْحِكْمَةِ, كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ.
وَمِنْ هُنَا يَكُونُ النِّدَاءُ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ بِاسْتِغْلَالِ الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي التَّحْصِيلِ وَالدِّرَاسَةِ, فَمَا لَا يُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الدِّرَاسَةِ، قَدْ يُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الْإِجَازَةِ وَالْعُطْلَةِ.
وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيًّا كَانَ مُيُولُكَ، وَأَيًّا كَانَ عَمَلُكَ، لَا تَنْسَ أَنْ يَكُونَ لَكَ فِي حَيَاتِكَ الْيَوْمِيَّةِ, وِرْدٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ، تُرَطِّبُ بِهِ لِسَانَكَ، وَتُحْيِي بِهِ فُؤَادَكَ، وَتُزِيدُ بِهِ حَسَانَاتُكَ.
اترك تعليقاً