*فَإِنَّ التَّغَذِّيَ بِالطَّيِّبَاتِ لَهُ أَثَرٌ حَمِيدٌ فِي صِحَّةِ الْإِنْسَانِ وَسُلُوكِهِ، وَالتَّغَذِّيَ بِالْخَبَائِثِ لَهُ أَثَرٌ خَبِيثٌ فِي الْأَبْدَانِ وَالسُّلُوكِ كَذَلِكَ, أَلَا وَإِنَّ مِنَ الْخَبَائِثِ الَّتِي ابْتُلِيَتْ بِهَا مُجْتَمَعَاتُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ ظَاهِرَةُ التَّدْخِينِ الَّذِي صَارَ بَعْضُ أَهْلِهِ يُضَايِقُونَ بِهِ النَّاسَ, مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِمَشَاعِرِهِمْ.
وَالدُّخَانُ يَضَرُّ بِالْبَدَنِ, وَالدِّينِ, وَالْمَالِ, وَالْمُجْتَمَعِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَوْعًا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَضَارِّ كَافٍ، فَكَيْفَ بِهَا جَمِيعًا؟!
أَمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْبَدَنِ فَيَذْكُرُ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ سَبَبٌ رَئْيِسٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ, بِسَبَبِ احْتِوَائِهِ عَلَى الْمَادَةِ السَّامَّةِ, وَهِيَ النِّيكُوتِينَ، وَلَقَدْ دَرَجَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالْانْتِحَارِ الْبَطِيءِ, وَعَلَى هَذَا فَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَاطِيهِ مِمَّنْ قَتَلَ نَفْسَهُ, وَدَخَلَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا, فَقَتَلَ نَفْسَهُ, فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْمَالِ فَبِحِسَابٍ بَسِيطٍ, فَإِنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْمُدَخِّنُ فِي شِرَاءِ عُلْبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ السَّجَائِرِ يَوْمِيًا سَبْعَ رِيَالَاتٍ, وَيَكُونُ مِقْدَارُ مَا يَخْسَرُهُ عَلَى هَذَا السُّمِّ الْقَاتِلِ فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ: خَمْسةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ وَمِائَتَيْ رِيَالٍ, هَذَا عَلَى أَقَلِّ إِنْفَاقٍ فِيهِ, وَإِلَّا فَالْبَعْضُ مِنَ الْمُدَخِّنِينَ, هَذَا الرَّقْمُ مَضْرُوبٌ فِي اثْنَيْنِ, وَبَعْضُهُمْ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ, فَيَا لِلهِ الْعَجَبُ كَمْ مِنَ الْمَبَالِغِ الَّتِي نُنْفِقُهَا عَلَى تَحْطِيمِ ذَوَاتِنَا, وَكَيْفَ سَتَكُونُ النَّتِيجَةُ لَوْ أَنْفَقْنَا هَذَا الْمَالَ فِيمَا يَعُودُ عَلَيْنَا بِالنَّفْعِ الْعَمِيمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَالدُّخَانُ كَذَلِكَ بِالتَّالِي يَسْتَنْزِفُ ثَرَوَاتِ الْأُمَّةِ, وَيَنْقُلُ هَذِهِ الثَّرَوَاتِ, إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِهَا مِنَ الشَّرِكَاتِ الَّتِي تُصَدِّرُ هَذَا الْمُنْتَجِ.
وَأَمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ فَإِنَّ شَارِبَ الدُّخَانِ يُسِيءُ إِلَى مُجْتَمَعِهِ، وَيُسِيءُ إِلَى كُلِّ مَنْ جَالَسَهُ؛ بِحَيْثُ يُضَايِقُهُمْ بِرَائِحَةِ الدُّخَانِ الْكَرِيهَةِ، وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ التَّدْخِينَ يُؤْذِي الْمَلَائِكَةَ الْكِرَامَ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ أَكَّدَتْ عَشَرَاتُ التَّقَارِيرِ الطِّبِّيَّةِ أَنَّ التَّدْخِينَ يُسَبِّبُ الضَّرَرَ لِغَيْرِ الْمُدَخِّنِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ مَعَ الْمُدَخِّنِ كَالزَّوْجَةِ, وَالْأَطْفَالِ, وَزُمَلَاءِ الْعَمَلِ, وَاللهُ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ أَذَى الْآخَرِينَ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا, أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَنْ يَغْشَى الْمَجَالِسَ, وَأَنْ يَحْضُرَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةَ عَلَى أَهَمِّيَتِهَا الْقُصْوَى بِسَبَبِ الرَّائِحَةِ, فَإِنَّ رَائِحَةَ التَّدْخِينِ أَشَدُّ أَذًى مِنْ رَائِحَةِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ, نَاهِيكَ عَنْ أَنَّ الْبَصَلَ وَالثُّومَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ, وَالدُّخَانُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الدُّخَانَ هُوَ أَعْظَمُ قَاتِلٍ لِلْبَشَرِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، حَيْثُ يَقْتُلُ سَنَوِيًّا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ مَلَايِينَ شَخْصٍ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ الْإِحْصَائِيَّاتِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: هَذِهِ بَعْضٌ مِنْ أَضْرَارِ التَّدْخِينِ الْبَدَنِيَّةِ, وَالْمَالِيَّةِ، وَالدِّينِيَّةِ, وَالْاجْتِمَاعِيَّةِ, زَفَفْتُهَا لَكُمْ عَلَى عُجَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَا يَتَّسِعُ لِلْبَسْطِ.
*فَلَقَدْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِتَحْرِيمِ الدُّخَانِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَضْرَارِ, وَالْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ، وَكَمَا يَحْرُمُ شُرْبَ الدُّخَانِ, فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ بَيْعُهُ, وَاسْتِيرَادُهُ، فَثَمَنُهُ سُحْتٌ، وَالْاتِّجَارُ بِهِ مَقْتٌ، لِمَا فِي الْمُسْنَدِ وَأَبِي دَاوُدَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ فِي الْحَلَالِ غُنْيَةً عَنِ الْحَرَامِ، فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لاَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).
اترك تعليقاً