*فَلَوْ أَنَّ ضَيْفًا عَزِيزًا, وَوَافِدًا حَبِيبًا, حَلَّ فِي دِيَارِنَا، وَغَمَرَنا بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَأَحْبَبْنَاهُ، وَأَلِفْنَاهُ، ثُمَّ حَانَ وَقْتُ فِرَاقِهِ، وَقَرُبَتْ لَحَظَاتُ وَدَاعِهِ، فَكَيْفَ سَيَكُونُ وَدَاعُهُ؟! وَلَحَظَاتُ الْوَدَاعِ تُثِيرُ الشُّجُونَ، وَتُبْكِي الْعُيُونَ، وَهَلْ هُنَاكَ فِرَاقٌ أَشَدُّ وَقْعًا، وَأَكْثَرُ الْتِيَاعًا مِنْ وَدَاعِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْأَيَّامَ لِضَيْفِهِمُ الْعَزِيزِ، شَهْرِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، شَهْرِ الْقُرْآنِ وَالْعِتْقِ مِنَ النِّيْرَانِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ اللهَ قَدْ شَرَعَ لَكُمْ فِي خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ, عِبَادَاتٍ تُقَوِّي الْإِيمَانَ, وَتَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ, مِنْهَا:
أَوَّلًا: التَّكْبِيرُ: مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْعِيدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ, قَالَ تَعَالَى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وَمِنَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي التَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, وَلِلهِ الْحَمْدُ.
ثَانِيًا: زَكَاةُ الْفِطْرِ: فَرَضَ اللهُ تَعَالَى زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ, أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمِينِ, تَطْهِيرًا لِلصِّيَامِ مِمَّا يَعْتَرِيهِ مِنْ نَقْصٍ هُوَ مِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ, وَفَرَضَهَا طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ إِغْنَاءً لَهُمْ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ, لِمَنْ فَضَلَ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ الْآدَمِيِّينَ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ, عَلَى الصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, وَالذَّكَرِ, وَالْأُنْثَى, وَالْحُرِّ, وَالْعَبْدِ, وَيَبْلُغُ الصَّاعُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ كِيلُو جَرَامَاتٍ, فمَن أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ, وَلَا تُجْزِئُ عَنْ فَرِيضَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مَعْذُورًا.
ثَالِثًا: صَلَاةُ الْعِيدِ: وَقَدْ أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ رِجَالًا وَنِسَاءً, مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهَا, وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ, وَذَوَاتِ الْخُدُورِ, فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ, وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ).
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا تَمَرَاتٍ وِتْرًا, ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ, يَقْطَعُهُنَّ عَلَى وِتْرٍ؛ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ, وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا).
وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَجَمَّلَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ, وَأَنْ يَخْرُجَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ مَاشِيًا, إِلَّا مِنْ عُذْرٍ كَعَجْزٍ, وَبُعْدِ مَسَافَةٍ؛ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ, عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا).
وَيُسَنُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ إِلَى الْمُصَلَّى؛ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمَ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.
وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ وَالتَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ, قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: لَا حَرَجَ أَنْ يَقُولَ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَوْ غَيْرِهِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ أَعْمَالَنَا الصَّالِحَةَ, وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا شَيْئًا مَنْصُوصًا, وَإِنَّمَا يَدْعُو الْمُؤْمِنُ لِأَخِيهِ بِالدَّعَوَاتِ الطِّيبَةِ; لِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ.
رَابِعًا: صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ: فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ, ثُمَّ اتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ, كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ).
*فَالْعِيدُ مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لِتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ, وَإِزَالَةِ الشَّوَائِبِ عَنِ النُّفُوسِ, وَتَنْقِيَةِ الْخَوَاطِرِ, مِمَّا عَلَقَ بِهَا مِنَ الْبَغْضَاءِ أَوِ الشَّحْنَاءِ, فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ, وَنُسَامِحَ وَنَعْفُوَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ مِنَ الْأَقَارِبِ, وَالْأَصْدِقَاءِ, وَالْجِيرَانِ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا) وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ, يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا, وَيُعْرِضُ هَذَا, وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: (فَمَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ, دَخَلَ النَّارَ).
اترك تعليقاً