الطلاق

*فَيُرَى فِي وَاقِعِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ صُوَرٌ شَتَّى مِنْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ فِي قِيَمِ الْأَلْفَاظِ, وَدَلَالَاتِ الْكَلَامِ, فَقَدْ تَخْرُجُ الْكَلِمَةُ مِنْ فَمِ الْمَرْءِ وَهُوَ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، فَتَهْوِي بِهِ, وَأَهْلِهِ, وَأَوْلَادِهِ, فِي مَسَالِكَ كَبيرَةٍ مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّشَرُّدِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الطَّلَاقَ كَلِمَةٌ لَا يُنَازِعُ أَحَدٌ فِي حَاجَةِ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْهَا، عِنْدَمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمَا الْعَيْشُ تَحْتَ ظِلَالٍ وَارِفٍ, فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ, كَمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) لَكِنَّ الْمُثِيرَ لِلْأَسَفِ انْتِشَارُ حَالَاتٍ مِنَ الطَّلَاقِ, بِأَسْبَابٍ غَيْرِ مُقْنِعَةٍ أَحْيَانًا, وَبِأَسْبَابٍ تَافِهَةٍ فِي أَحْيَانَ أُخَرَ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ الزَّوْجَيْنِ بِطِبَاعٍ مُتَّفِقَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالزَّوْجَانِ اللَّذَانِ يَظُنَّانِ أَنَّهُمَا مَخْلُوقٌ وَاحِدٌ يَعِيشَانِ فِي أَوْهَامٍ، إِذْ كَيْفَ يُرِيدُ مِنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تُفَكِّرَ بِكُلِّ مَا فِي نَفْسِهِ؟ وَكَيْفَ تُرِيدُ هِيَ مِنْهُ أَنْ يُحِسَّ بِكُلِّ مَا فِي قَلْبِهَا؟ فَرَحِمَ اللهُ رَجُلًا، سَهْلًا, رَفِيقًا, رَحِيمًا بِأَهْلِهِ، لَا يُكلِّفُ زَوْجَتَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا, وَلَا يُفْشِي لَهَا سِرًّا, وَرَحِمَ اللهُ امْرَأَةً لَا تَطْلُبُ مِنْ زَوْجِهَا مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَلَا تُفْشِي لَهُ سِرًّا، وَمِنَ جَمِيلِ الْعِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَلَّا يَكُونَ الزَّوْجُ فِي كُلِّ أُمُورِهِ مُعَاتِبًا زَوْجَتَهُ, وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إِذَا هِيَ لَمْ تَشْرَبْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى ظَمِئَتْ, وَأَيْ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهُ.
وَجِمَاعُ الْأَمْرِ:
مَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا * كَفَى بِالْمَرْءِ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ لِكِلَا الزَّوْجِينِ حَقًّا عَلَى الْآخَرِ؛ فَحَقُّ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَلَا يُكَلِّفَهَا مِنَ الْأَمْرِ مَا لَا تُطِيقُ، وَأَنْ يُسْكِنَهَا فِي بَيْتٍ يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا، وَأَنْ يُعَلِّمَهَا, وَيُؤَدِّبَهَا, وَيَصُونَهَا، وَلَا يَتَخَوَّنَهَا, وَلَا يَتَلَمَّسَ عَثَرَاتِهَا، وَأَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ, سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا حَقُّ امْرَأَةُ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ, وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرُ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) وَمَعْنَى لَا تُقَبِّحْ, أَيْ لَا تَقُلْ: قَبَّحَكِ اللهُ.
وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ: أَنْ تُطِيعَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُتَابِعَهُ فِي مَسْكَنِهِ، وَأَلَّا تَصُومَ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَلَّا تَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي دُخُولِ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَلَّا تَخْرُجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَأَنْ تَشْكُرَ لَهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهَا, وَلَا تَكْفُرْهَا، وَأَنْ تُدَبِّرَ مَنْزِلَهُ, وَتُهَيِئَ أَسْبَابَ الْمَعِيشَةِ بِهِ، وَأَنْ تَحْفَظَهُ فِي دِينِهِ, وَعِرْضِهِ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ, وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ, دَخَلَتِ الْجَنَّةَ) وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرأَةُ خَمْسَهَا، وَحَصَّنَتْ فرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ).
*فَإِنَّ أَفْضَلَ مَا يَسْتَصْحِبُهُ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ، وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى وَاجِبَاتِهِ، الزَّوْجَةُ اللَّطِيفَةُ الْعَشِرَةُ، حَسَنَةُ الْخُلُقِ, وَهِيَ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُضَايِقُهُ بِمَا يَكْرَهُ، فَزَوْجَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ, هِيَ دَعَامَةُ الْبَيْتِ السَّعِيدِ (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) لَكِنَّ الْكَمَالَ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ عَزِيزٌ؛ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً, إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) وَمَعْنَى يَفْرَكْ, أَيْ يُبْغِضُ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *