*فَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ, وَيَوْمُ الْقَرِّ) وَيَوْمُ الْقَرِّ, هُوَ: الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: تَشْرَعُ الْأُضْحِيَةُ لِغَيْرِ الْحَاجِّ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، مَعَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ, وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ, وَالْمُسَارَعَةِ فِيهَا؛ فَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا عِمَلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا, وَأَظْلَافِهَا, وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ لَتُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فِي الْأُضْحِيَةِ وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْأُضْحِيَةِ أَنَّهَا عَنِ الْأَحْيَاءِ, وَيُشْرَكُ مَعَهُمُ الْأَمْوَاتُ تَبَعًا, وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ مِنَ الضَّأْنِ إِلَّا مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَلَا مِنَ الْمَعْزِ إِلَّا الثَّنِيُّ وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَلَا مِنَ الْإِبِلِ إِلَّا مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَلَا مِنَ الْبَقَرِ إِلَّا مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَهَا سَمِينَةً صَحِيحَةً، وَلَا تُجْزِئُ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَلَا الْعَوْرَاءُ، وَلَا الْعَجْفَاءُ وَهِيَ الْهَزِيلَةُ، وَلَا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا، وَلَا الْعَضْبَاءُ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا، وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا أَصْلًا, وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَةِ الْخَصِيُّ.
وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُتَوَجِّهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ, وَيَقُولُ عِنْدَ الذَّبْحِ: بِاسْم اللهِ وُجُوبًا، وَاللهُ أَكْبَرُ اسْتِحْبَابًا، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثًا, وَيُهْدِي ثُلُثًا, وَيُتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَوْ بِجُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْهَا, وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ أُجْرَتَهُ مِنْهَا, لَكِنْ إِنْ أَهْدَى عَلَيْه, أَوْ تَصَدَّقَ فَلَا بَأْسَ.
وَوَقْتُ الذَّبْحِ يَبْتَدِئُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يُشْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَى مَغْرِبِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَكَذَلِكَ يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ الَّتِي تُصَلَّى جَمَاعَةً, وَيَبْدَأُ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَلِلْحُجَّاجِ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ, وَيَسْتَمِرُّ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَلَا يَجُوزُ التَّكْبِيرُ الْجَمَاعِي وَهُوَ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ جَمَاعَةٌ عَلَى التَّلَفُّظِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ, حَيْثُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ, وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ.
*فَأَكْثِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مِنَ التَّكْبِيرِ, وَالتَّهْلِيلِ, وَالتَّحْمِيدِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ, وَتَغَانَمُوا كَذَلِكَ فُرْصَةَ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ, وَالَّتِي بَعْدَهُ) وَالْمُوَفَّقُ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ, وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْفَضْلَ الْكَبِيرَ, وَمَا طُلِبَ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِيرُ مِنَ الْعَمَلِ.
اترك تعليقاً