الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

*فَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ, تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ) وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْأَدَبِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إِمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي زَمَانِهِ: جِمَاعُ آدَابِ الْخَيْرِ وَأَزِمَّتُهُ, تَتَفَرَّعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, فَلْيَقُلْ خَيْرًا, أَوْ لِيَصْمُتْ) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ, تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَغْضَبْ) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الَّذِي يَعْنِي الْإِنْسَانَ هُوَ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ الْعَاجِلِ, أَوِ الْآجِلِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَإِذَا اقْتَصَرَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ الْمُوَفَّقُ عَلَى مَا يَعْنِيهِ مِنَ الْأُمُورِ سَلِمَ مِنْ شَرٍّ عَظِيمٍ، وَوُفِّقَ لِخَيْرٍ عَمِيمٍ, أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ, أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وِإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ـ أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ـ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟).
وَلَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ فَضْلَ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ, أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعَمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقَالُوا مَالِ وَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ، فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ: كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ اللهِ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتُرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ.
وَقَالَ مَعْرُوفٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَلَامُ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خُذْلَانٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمْرٌ أَنَا فِي طَلَبِهِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ, لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ, وَلَسْتُ بِتَارِكٍ طَلَبَهُ أَبَدًا، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْكَفُّ عَمَّا لَا يَعْنِينِي.

*فَلَقَدْ مَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمَانَ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ ـ أَيْ مُجْتَمِعُونَ حَوْلَهُ ـ فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ عَبْدَ بَنِيِ فُلَانٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: الَّذِي كُنْتَ تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: صِدْقُ الْحَدِيثِ, وَطُولُ السُّكُوتِ عَمَّا لَا يَعْنِينِي.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *