النظافة

*فَإِنَّ مِنْ أَوَائِلِ مَا يُلَاحِظُهُ أَيُّ زَائِرٍ لِمَدِينَةٍ مَا؛ هُوَ نَظَافَةُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ, أَلَا وَإِنَّ مِنْ بَدَاهَةِ الْقَوْلِ أَنَّ مُسْتَوى نَظَافَةِ أَيِّ مَدِينَةٍ يَعْكِسُ فِي الْحَقِيقَةِ مُسْتَوى وَعْيِّ سُكَّانِهَا, وَالنَّظَافَةُ فِي أَيِّ بَلَدٍ لَا تَتَحَقَّقُ فَقَطْ بِتَوْفِيرِ الطَّاقَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْآلِيَّةِ, وَلَكِنَّهَا بِحَاجَةٍ إِلَى تَعَاوُنٍ وَثِيقٍ بَيْنَ الْمُوَاطِنِ وَالْجِهَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِأُمُورِ النَّظَافَةِ, أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ لِلنَّظَافَةِ أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْبِيئَةِ فَالنِّفَايَاتُ تُلَوِّثُ الْأَرْضَ وَالْمِيَاهَ, كَمَا أَنَّهَا تُضِرُّ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي قَدْ يَأْكُلُ هَذِهِ النِّفَايَاتِ, وَبِالتَّالِي يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى نُفُوقِهَا وَمَوْتِهَا, وَتُؤَثِّرُ كَذَلِكَ عَلَى الْمُنْشَآتِ الْعَامَّةِ حَيْثُ أَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى سَدِّ شَبَكَاتِ تَصْرِيفِ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ كَمَا هُوَ مُلَاحَظٌ, وَبِالتَّالِي يَتَسَبَّبُ ذَلِكَ فِي حُصُولِ الْفَيَضَانَاِتِ دَاخِلَ الْمُدُنِ, كَمَا أَنَّ لِلنِّفَايَاتِ تَأْثِيرٌ هَامٌّ عَلَى الصِّحْةِ الْعَامَّةِ فَهِيَ تَجْذِبُ الْحَشَرَاتِ الضَّارَةِ وَالْقَوَارِضِ وَبِالتَّالِي تُسَاهِمُ فِي زِيَادَةِ أَعْدَادِهَا.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَوْلِ أَنَّ هُنَاكَ عَلَاقَةٌ وَثِيقَةٌ بَيْنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالنَّظَافَةِ، فَبِقَدْرِ سُمُوِّ أَخْلَاقِ الْإِنْسَانِ سَيَنْعَكِسُ ذَلِكَ عَلَى اهْتِمَامِهِ بِالنَّظَافَةِ سَوَاءً فِي بَدَنِهِ أَوْ مَسْكَنِهِ أَوْ مُجْتَمَعِهِ, أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ مِنَ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ الَّتِي دَرَجْنَا عَلَى مُمَارَسَتِهَا، رَغْمَ مَعْرِفَتِنَا السَّابِقَةِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَخْطَاءِ السُّلُوكِيَّةِ؛ أَنَّنَا تَعَوَّدْنَا عَلَى أَنْ لَا نَتْرُكَ النِّفَايَاتِ فِي أَكْيَاسِهَا حَوْلَنَا أَوْ فِي السَّيَّارَةِ إِلَى حِينِ وُصُولِنَا إِلَى أَقْرَبِ حَاوِيَةٍ لِلْقُمَامَةِ, بَلْ تَجِدُ أَحَدَنَا يَرْمِي بِنِفَايَاتِهِ مُبَاشَرَةً مِنْ نَافِذِةِ سَيَّارَتِهِ أَوْ مِنْ شُبَّاكِ أَوْ شُرْفَةِ مَنْزِلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَا يَرْمِيهِ هُوَ: بَقَايَا السَّجَائِرِ أَوْ عُلَبًا وَقَوَارِيرَ زُجَاجِيَّةً, وَمِنَ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ كَذَلِكَ عَدَمُ الْاكْتِرَاثِ بِنَظَافَةِ الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ، فَيَكْفِي أَنْ تَدْخُلَ إِلَى دَوْرَةِ مِيَاهٍ فِي إِحْدَى الدَّوَائِرِ الْحُكُومِيَّةِ أَوِ الْمَسَاجِدِ أَوِ الْمَدَارِسِ أَوِ الْمَطَارَاتِ، فَسَوْفَ تَجِدُ أَنَّهَا فِي مُنْتَهَى الْقَذَارَةِ، وَلَيْسَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَنْ يُنَظِّفُهَا بَلِ السَّبَبُ يَعُودُ إِلَى سُوءِ اسْتِخْدَامِهَا مِنَ قِبَلِ الْبَعْضِ, وَمِنَ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ كَذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ الْمُتَنَزِّهُ نِفَايَاتِهِ فِي الْمُنْتَزَهَاتِ وَالْبَرَارِي بَعْدَ أَنْ يَنْتَهِي مِنْ نُزْهَتِهِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْاهْتِمَامَ بِالنَّظَافَةِ الْعَامَّةِ يُعْتَبَرُ أَمْرًا تَابِعًا لِلْاهْتِمَامِ بِالنَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ وَالَّتِي تُمَثِّلُ بِحَدِّ ذَاتِهَا ثَقَافَةً لَدَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ, فَالْأَشْخَاصُ الَّذِينَ تُوجَدُ لَدَيْهِمْ ثَقَافَةُ الْاهْتِمَامِ بِالنَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَنْزِلِيَّةِ؛ لَدَيْهِمْ قَابِلِيَّةٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا لِلْامْتِثَالِ وَالْاهْتِمَامِ بِالنَّظَافَةِ الْعَامَّةِ, خِلَافَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ لَيْسَ لَدَيْهِمْ هَذِهِ الثَّقَافَةُ سَتَجِدُهُمْ لَا مَحَالَةَ بَعِيدِينَ عَنِ الْامْتِثَالِ وَالْاهْتِمَامِ بِالنَّظَافَةِ الْعَامَّةِ.

*فَإِنَّ إِمَاطَةَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّ لِفَاعِلِهَا ثَوَابًا عَظِيمًا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا: قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ, وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ, فَأَخَّرَهُ, فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنَهَا وَسَيِّئَهَا, فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا: إِمَاطَةَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ, وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا: النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ) أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ رَمْيَ النِّفَايَاتِ فِي الطُّرُقِ أَوْ فِي الْمُنْتَزَهَاتِ, وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ سَيِّئَةٌ عَظِيمَةٌ, فَفِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ).

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *