الرئيسية Archives for محمد المتروك

محمد المتروك

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • زواج الشاب غازي بشير القبلان

    زواج الشاب غازي بشير القبلان

    موقع عشيرة آل عجي / عبداالله فهد الدبلان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما بخير

    في مساء يوم السبت 3 / 10 / 1434 هـ

    احتفل / غازي بشير قبلان آل عجي

    بزواجه بقصر الملكية للاحتفالات

    اليكم الصور /





















































































































































































































    تنفيذ : اللجنة الأعلامية

  • زواج الشاب صالح فهيد العليق

    زواج الشاب صالح فهيد العليق

    موقع ال عجي / اللجنة الاعلامية / خالد سليمان العليق

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما بخير

    في مساء يوم الاثنين 5 / 10 / 1434 هـ احتفل / فهيد غربي الفهيد

    بزواج نجله الشاب / ( صـــــــــــــالح ) بقصر الحفير للاحتفالات

    تخلل الاحتفال عدد من القصائد القاها كوكبة من الشعراء

    اليكم الصور /




























































































































































































































































































































































































































































































    تصوير / خالد سليمان العليق
    تنزيل / خالد سليمان العليق @ عبداللطيف المغيص

  • أعياد الفطر لعشيرة آل عجي بالحفير عام 1434 هـ

    أعياد الفطر لعشيرة آل عجي بالحفير عام 1434 هـ

    عبداللطيف المغيص _ اللجنة الإعلامية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    كل عــــام وأنتم بخــــــــــــير

    وتقبل الله منا منكم الصيام والقيام

    وأعاده الله علينا وعليكم أعوام عديدة وأزمنة مديدة

    نتقدم إليكم بتغطية مختصرة لعيد الفطر عام 1434 هـ لعشيرة آل عجي بالحفير

    العيد الأول صباحا / بشير علي المغيص





















    العيد الأول مساء / غربي جزاع الجوعان























    العيد الثاني ظهرا / فهد سقيان المغيص























    العيد الثاني مساء / محمد هدمول المغيص





















    العيد الثالث ظهرا / عبيد ضيف الله الدبلان





















    العيد الثالث مساء / عيسى قبلان المغيص





















    العيد الرابع ظهرا / شاقي محياء الحسيان





















    العيد الرابع مساء / أبناء حمود مزعل الدبلان ( رحمه الله )





















    تصوير / أعضاء اللجنة الاعلامية
    تنفيذ / عبداللطيف المغيص

  • خطبة عيد الفطر

    خطبة عيد الفطر

    [SIZE=6]*فَهَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ, يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْمَغْفِرَةِ وَالْعِتْقِ مِن النَّارِ, يَوْمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَيَتَلَاقَوْن فِيهِ عَلَى الْفَرْحَةِ, وَيَتَبَادَلُونَ فِيهِ التَّهْنِئَةَ، يَفْرَحُونَ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ أَتَمَّ لَهُمُ الصِّيَامَ, وَوَفَّقَهُمْ لِلْقِيَامِ (قلْ بِفَضْلِ اللهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ قَضِيَّةَ الْقَضَايَا, وَأَصْلَ الْأُصُولِ, هِيَ: شَهَادَةُ التَّوْحِيدِ، فَإِنَّهَا أَسَاسُ الدِّينِ, وَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، بِهَا تُخْلَعُ جَمِيعُ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللهِ، وَيُنْبَذُ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ كُلُّهُ، وَتُصْرَفُ الْعِبَادَةُ لِلهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (اللهُ الذي خَلَقَكُمْ ثمَّ رَزَقَكُمْ ثمَّ يُمِيتُكُمْ ثمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيءٍ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: التَّقْوَى وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) وَهِيَ وَصِيَّةُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ: (أُوْصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ) وَالتَّقْوَى هِيَ: امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى، وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّنَا أُمَّةٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ (وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فَكَيْفَ يَرْضَى الْمُسْلِمُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ بَدِيلًا، وَكَيْفَ يَقْبَلُونَ عَنْهُ تحَوْيِلًا, وَكَيْفَ يَحَلْوُ لَهُمُ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِ السَّيْرِ تَحَتَ لِوَائِهِ، أَذِلَّةً تَحْتَ أَلْوِيَةِ الْجَاهِلِيَّةِ, وَالنَّظَرِيَّاتِ الشَّرْقِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ؟.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ جَرَّبَ الْمُسْلِمُونَ فِي كَثِيرٍ مِن الْأمْصَارِ مَنَاهِجَ وَمَشَارِبَ شَتَّى، وَاتَّبَعُوا الْعَدِيدَ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ وَالْمَذَاهِبِ، فَلَمْ تُغْنِهِمْ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، بَلْ كُلُّهَا أَضْحَتْ وَسَائِلَ تَمْزِيقٍ, وَأَمْسَتْ مَعَاوِلَ هَدْمٍ وَتَفْرِيقٍ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتْبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عنْ سَبِيلِهِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَا جَامِعَ لِلْقُلُوبِ إِلَّا الْإِسْلَامُ, وَلَا غَيْرُهُ يُؤَلِّفُ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْمُتَنَاثِرَةِ، وَالْبُلْدَانِ الْمُتَنَاحِرَةِ, فَهُوَ الدِّينُ الَّذِي تَتَلَاشَى أَمَامَهُ النَّعَرَاتُ الْعَصَبِيَّةُ وَالدَّعَوَاتُ الْجَاهِليَّةُ (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقَتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُم(.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ التَّمَسُّكَ الْحَقَّ بِوَسَطِيَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ يُنَقِّي فِي الْمُسْلِمِينَ السَّرِيِرَةَ, وَيَحْفَظُ لَهُمُ الْمَسِيرَةَ, وَيَقُودُهُمْ إِلَى الْاسْتِمْسَاكِ بِحَبْلِ اللهِ الْمَتِينِ, وَصَدَقَ القائِلُ:
    خَيْرُ الْأُمُورِ الْوَسَطُ الْوَسِيطُ ** وَشَرُّهَا الْإِفْرَاطُ وَالتَّفْرِيطُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: النَّاسُ مُتَسَاوُونَ فِي التَّكَالِيفِ حُقُوقًا وَوَاجِبَاتٍ، لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَلَا أَعْجَمِيٍّ إِلَّا بِالتَّقْوَى، فَلَا تَفَاضُلَ فِي نَسَبٍ, وَلَا تَمَايُزَ فِي لَوْنٍ، النَّاسُ كُلُّهُمْ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ, لَا يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ اللهِ إِلَّا التَّقْوَى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ (إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لِلصَّلَاةِ فِي دِينِ اللهِ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ, وَالرُّتْبَةُ السَّامِيَةُ، فَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ, وَرُكْنُ الْمِلَّةِ, وَرَأْسُ الدِّيَانَةِ، وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ, بِهَا صَلَاحُ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ، أَدَاؤُهَا نُورٌ فِي الْوَجْهِ وَالْقَلْبِ, وَصَلَاحٌ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ، فَهِيَ تُطَهِّرُ الْقُلُوبَ, وَتُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَتَجْلِبُ الرِّزْقَ وَالبَرَكَةَ (وَأَمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حُبَّ الْوَطَنِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ مَرْكٌوزٌ فِي النُّفُوسِ، فَهُوَ مَهْدُ الطُّفُولَةِ، وَمَدْرَجُ الصِّبَا، وَسِجِلُّ الذِّكْرَيَاتِ، عَاشَ فِيهِ الْإِنْسَانُ فَأَلِفَ أَرْضَهُ وَسَمَاءَهُ، وَارْتَبَطَ بِسُهُولِهِ وَجِبَالِهِ.
    وَحَبَّبَ أَوْطَانَ الرِّجَالِ إِلَيْــــهِمُ * مَآرِبُ قَضَاهَا الشَّبــَابُ هُنَالِكَا
    إِذَا ذَكَرُوا أَوْطَانَهُمْ خَطَرَتْ لَهُمْ * عُهُودُ الصِّبَا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَالِكَا
    ألَا وَإِنَّ مِنْ مَظَاهِرِ حُبِّ الْوَطَنِ أَنْ يَعْمَلَ الْإِنْسَانُ مَا فِي وِسْعِهِ مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ مُكْتَسَبَاتِهِ, وَصِيَانَةِ خَيْرَاتِهِ وَمُقَدَّرَاتِهِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ عَيْنًا حَارِسَةً لَهُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ مُتَرَبِّصٍ، وَإِنَّ ذَلِكَ – مَعَ تَقْوَى اللهِ وَالشُّعُورِ بِنِعْمَتِهِ – شُكْرٌ لِهِذِهِ النِّعْمَةِ وَاسْتِدَامَةٌ لَهَا بِإِذْنِ اللهِ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا مِنْ مُنْطَلَقِ الْإِيمَانِ بِاللهِ، ثُمَّ مِنْ مُنْطَلَقِ حُبِّ هَذَا الْبَلَدِ الْمُبَارَكِ، أَنْ نَجْتَهِدَ فِي النُّصْحِ لَهُ, وَفِي الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِنَا تِجَاهَهُ, وَتِجَاهَ مُجْتَمَعِهِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ مِنْ عِنْوَانِ سَعَادَةِ أُمَّةِ الْإِسْلَامِ أَنْ هَيَّأَ اللهُ لَهَا مَوَاسِمَ لِلطَّاعَاتِ وَأَزْمِنَةً لِلْخَيْرَاتِ, وَرَمَضَانُ مَيدَانٌ وَاسِعٌ للتَّنَافُسِ الشِّرِيفِ: اِجْتَهَدَ فِيهِ أَقْوَامٌ, وَقَصَّرَ آخَرُونَ فَأَضَاعُوا أَوْقَاتَهُمْ وَخَسِرُوا أعْمَالَهُم, غَرَّهُمُ الْإِهْمَالُ, وَالتَّسْوِيفُ, وَالْكَسَلُ, وَطُولُ الْأَمَلِ, وَمِنَ الْمُحْزِنِ جِدًّا أَنْ يُوَفَّقَ أُنَاسٌ لِعَمَلِ الطَّاعَاتِ, وَالتَّزَوُدِ مِنْ الْخَيْرَاتِ، حَتَّى إِذَا مَا انْتَهَى رَمَضَانُ نَقَضُوا مَا أَبْرَمُوا, وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ نَكَصُوا, فَانْكَبُّوا عَلَى مُقَارَفَةِ السَّيِّئَاتِ, وَأَهْمَلُوا التَّزَوُّدَ مِنَ الطَّاعَاتِ.

    *فَالْعِيدُ مَوْسِمُ بَهْجَةٍ بَعْدَ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ قيلَ : مَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ أَخْلَاقَ أُمَّةٍ فَلْيُرَاقِبْهَا فِي أَعَيَادِهَا، إِذْ تَنْطَلِقُ السَّجَايَا عَلَى فِطْرَتِهَا, وَتَبْرُزُ الْعَوَاطِفُ وَالْمُيُولُ وَالْعَادَاتُ عَلَى حَقِيقَتِهَا.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْمُجْتَمَعَ السَّعِيدَ الصَّالِحَ هُوَ الَّذِي تَسْمُو أَخْلاقُهُ فِي الْعِيدِ إِلَى أَرْفَعِ ذِرْوَةٍ، وَتَمْتَدُّ فِيهِ مَشَاعِرُ الْإِخَاءِ إِلَى أَبْعَدِ مَدَىً, فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَمَعُ فِي الْعِيدِ مُتَمَاسِكًا, مُتَعَاوِنًا, مُتَرَاحِمًا، تَخْفِقُ فِيهِ الْقُلُوبُ بِالْحُبِّ, وَالْوِدِّ, وَالبِرِّ, وَالصَّفَاءِ, لَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ تَطْغَى عَلَيْهِ فَرْحَةُ الْعِيدِ وَتُسَيْطِرُ عَلَى مَشَاعِرِهِ, وَأَحَاسِيسِهِ, لِدَرَجَةٍ تُنْسِيهِ وَاجَبَ الشُّكْرِ, وَالْاعْتِرَافَ بِالنِّعَمِ، وَتَدْفَعُهُ إِلَى الزَّهْوِ, وَالْإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ, حَتَّى يَبْلُغَ دَرَجَةَ الْمَخْيَلَةِ وَالتَّبَاهِيِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ فِي شَهَوَاتِهِ, وَنَزَوَاتِهِ, وَمَعَاصِيهِ، وَكَأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ إِيذَانٌ بِمُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَمَا انحَبَسَ عَنْهَا فِي رَمَضَانَ, وَمِنْهُمْ مِنْ تَأْخُذُهُ نَشْوَةُ النَّعْمَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا, وَيَنْسَى أَنَّ الْعِيدَ قَدْ يَأْتِي عَلَى أُنَاسٍ ذَلُّوا بَعْدَ عِزٍّ، وَتَجَرَّعُوا الْبُؤْسَ بَعْدَ رَغَدِ الْعَيْشِ، وَذَاقُوا الْعَلْقَمَ بَعْدَ وَفْرَةِ النَّعِيمِ، فَتَبَدَّلَتِ الْفَرْحَةُ بِالْبُكَاءِ, وَالبَهْجَةُ بِالْأَنِينِ وَالْعَنَاءِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كَمْ هُوَ جَمِيلٌ أَنْ تَظْهَرَ أَعْيَادُ الْأُمَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِمَظْهَرِ الْوَعْي لِأَحْوَالِهَا وَقَضَايَاهَا, فَلَا تَحُولُ بَهْجَتُهَا بِالْعِيدِ دُوْنَ الشُّعُورِ بِمَصَائِبِهَا الَّتِي يَرْزَحُ تَحْتَهَا طَوَائِفُ مِنْ أَبْنَائِهَا, فَيَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ الشُّعُورُ بِالْإِخَاءِ قَوِيًّا، فَلَا نَنْسَى الْمَنْكُوبِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَعْوَةٍ صَادِقَةٍ, أَوْ مَدَةِ يَدٍ حَانِيَةٍ.
    وَكَمْ هُوَ جَمِيلٌ أَنْ يَقْتَرَنَ الْفَرَحُ بِالْعِيدِ, بِالسَّعْيِّ فِي تَفْرِيجِ كُرْبَةِ يَتِيٍمٍ, أَوْ مُوَاسَاةِ ثَكْلَى، أَوِ الْبَحْثِ عَنْ أَصَحَابِ الْحَوَائِجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَالًا فَلْيُسْعِفْهُمْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ, وَابْتِسَامَةٍ مُشْفِقَةٍ (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأنْفُسِكُمْ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْعِيدُ مُنَاسَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَجْدِيدِ أَوَاصِرِ الرَّحِمِ, وَالْقَرَابَةِ, وَالصَّدَاقَةِ, فَتَتَقَارَبُ الْقُلُوبُ عَلَى الْمَحَبَةِ, وَتَجْتَمِعُ عَلَى الْأُلْفَةِ, وَتَرْتَفِعُ عَنِ الضَّغَائِنِ.
    أَيَّتُهَا الْأُخْتُ الْمُسْلِمَةُ: يَا حِصْنَ الْإِسْلَامِ, وَمَصْنَعَ الرِّجَالِ: اِعْلَمِي أَنَّ الْمُؤَامَرَاتِ تُحَاكُ ضِدَّكِ لَيْلَ نَهَارَ لِكَيْ تُفْتَنِي عَنْ دِينِكِ, وَتَكُونِي لُقْمَةً سَائِغَةً فِي أَيْدِي الْمُجْرِمِينَ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ الَّذِينَ مَاتَتْ ضَمَائِرُهُمْ, وَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَانْعَدَمَتْ غَيْرَتُهُمْ, وَهَانَتْ عَلَيْهِم أَعْرَاضُهُمْ.
    أَيَّتُهَا الْأَخَوَاتُ الْمُعْتَزَّاتُ بِشَرَفِ الْإِسْلَامِ: اِلْتَزِمْنَ بِأَدَبِ الْإِسْلَامِ (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وَكُنَّ مِنَ الْقَانِتَاتِ, وَالصَّادِقَاتِ, وَالصَّابِرَاتِ, وَالْخَاشِعَاتِ, وَالْمُتَصَدِّقَاتِ, وَالصَّائِمَاتِ, وَالْحَافِظَاتِ لِفُرُوجِهِنَّ, وَالذَّاكِرَاتِ اللهَ كَثِيرًا، وَاحْذَرْنَ الشَّرْكَ, وَالزِّنَى, وَالسَّرِقَةَ, وَالْبُهْتَانَ, وَالْمَعْصِيَةَ، وَأَطِعْنَ أَزْوَاجَكُنَّ بِالْمَعْرُوفِ, وَاشْكُرْنَ جَمِيلَهُمْ عَلَيْكُنَّ, فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأةُ خَمْسَهَا, وَصَامَتْ شَهْرَهَا, وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا, وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا, دَخَلَتْ جَنَّةَ رَبِّهَا).
    وَاحْذَرْنَ أَيَّتُهَا الْمُعْتَزَّاتُ بِشَرَفِ الْإِسْلَامِ: مِنَ الْأَلْبِسَةِ الْمُخَالِفَةِ لِشَرْعِ اللهِ, كَالْمَلَابِسِ الضِّيقَةِ, وَالشَّفَّافَةِ, وَالْقَصِيرَةِ (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: اِتَّقُوا اللهَ, وَوَدِّعُوا شَهْرَكُمْ بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ, وَابْتَهِجُوا بِعِيدِكُمْ، وَأَتْبِعُوا الْحَسَنَةَ بِالْحَسَنَةِ, فَذَلِكَ مِنْ عَلامَاتِ قَبُولِ الطَّاعَاتِ, وقَدْ نَدَبَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَقَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ, ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
    تَقَبَّلَ اللهُ مِنِّي وَمِنْكُمُ الطَّاعَاتِ, وَأَقَالَ لِي وَلَكُمُ الْعَثَرَاتِ.
    [/SIZE]

  • دين الرحمة

    دين الرحمة

    *فَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي سِيرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهَا مَلْأَى بِكَرِيمِ الصِّفَاتِ, وَجَمِيلِ الْأَخْلَاقِ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لَيْلِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي, فَإِذَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي, فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ, وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ, وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ, وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبِينِ) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) وَلَمَّا ضَيَّقَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ الْخِنَاقَ, وَآذَوْهُ, وَعَذَّبُوا أَصْحَابَهُ، وَحَاوَلُوا قَتْلَهُ، وَقتَلُوا أَصْحَابَهُ فِي أُحُدٍ، وَأَدْمَوا وَجْهَهُ الشَّرِيفَ، كَانَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ, وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ, وَالشَّفَقَةِ بُعِثَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا الْعَطْفِ, وَالرَّأْفَةِ, عَامَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصُومَهُ وَأَعْدَاءَهُ, كَمَا عَامَلَ بِالرَّحْمَةِ أَصْحَابَهُ (وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ) وَمَا خُيِّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، وَكَانَ يَقُولُ أَحْيَانًا: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمْرْتُهُمْ بِكَذَا أَوْ لَفَعَلْتُ كَذَا) وَلَقَدْ كَانَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ يُرِيدُ إِطَالَتَهَا, فيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِهِ مِمَّا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ.
    وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ, وَتُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: (ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ, وَلَتَحْتَسِبْ) فَعَادَ الرَّسُولُ, فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ, أَيْ تَضْطَرِبُ كَحَشْرَجَةِ الْمَاءِ فِي قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ, فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ, أَيْ تَفْرُشُ جَنَاحَيْهَا فَتَقْتَرِبُ مِنَ الْأَرْضِ وَتُرَفْرِفُ, فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: هَذَا هُوَ دِينُكُمْ, دِينُ الرَّحْمَةِ وَالتَّرَاحُمْ, فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ، مَعَ الْأَصْدِقَاءِ وَالْأَعْدَاءِ، وَمَعَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ, رَحْمَةٌ فِي الْعِبَادَةِ, وَالتَّعَامُلِ, وَالْحُكْمِ، وَفِي كُلِّ تَفَاصِيلِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَعَانِي الرَّحْمَةِ بِالْبَشَرِيَّةِ: رَدْعُ الْكُفَّارِ, وَالْمُنَافِقِينَ, وَالضُّلَّالِ, وَأَهْلِ الْفَسَادِ, وَكَفُّ أَذَاهُمْ عَنِ التَّسَلُّطِ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ, وَنَشْرِ الرَّذَائِلِ, وَالْفَسَادِ بَيْنَهُمْ, لِكَيْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ, وَلِكَيْ يُنْشَرَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ, وَاعْلَمُوا أَنَّ رَحْمَةَ الْخَلْقِ, جَالِبَةٌ لِرَحْمَةِ اللهِ لِلْعَبْدِ, فَفِي الْمُسْنَدِ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ, يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ, وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ, وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ).

    *فَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الرَّحْمَةَ هِيَ توَاضُعُ النَّفْسِ, وَكَسْرُ الْكِبْرِيَاءِ, وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ, وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ, وَمُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِينَ, وَصِلُةُ الْأَرْحَامِ, وَالْعَطْفُ عَلَى الضُّعَفَاءِ, وَالْمَرْضَى, وَالْيَتَامَى, وَالْمَحْرُومِينَ, وَذَلِكَ بِمُسَاعَدَتِهِمْ, وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى قُلُوبِهِمْ, وَالرَّحْمَةُ كَذَلِكَ مُقْتَضَاهَا نُصْرَةُ الْمَظْلُومِ, وَرَدْعُ الظَّالِمِ, وَالْأَخْذُ عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ, وَالْاهْتِمَامُ بِشُؤُونِ الْمُسْلِمِينَ, وَمُعَايَشَةُ قَضَايَاهُمْ, وَمُشَارَكَتُهُمْ آلَامَهُمْ وَآمَالَهُمْ, وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ, وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ, وَغَيْرِهِمْ إِلَى صِرَاط اللهِ الْمُسْتَقِيمِ, وَتَعْلِيمُهُمْ أُمُورَ دِينِهِمْ, فَذَلِكَ هُوَ غَايَةُ الرَّحْمَةِ بِالْخَلْقِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم, كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي) وَالْحُجُزُ هِيَ: مَعَاقِدُ الْأُزُرِ وَالسَّرَاوِيلِ.

  • الوقف

    الوقف

    *فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ، اسْتَنْكَرُوا مَاءَهَا, وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ عَذْبٌ إِلَّا بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: رُومَةُ, وَكَانَ صَاحِبُهَا يَبِيعُ الْقِرْبَةَ مِنْهَا بِمُدٍّ مِنْ طَعَامٍ, وَالْمُدُّ رُبْعُ الصَّاعِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدُلِيِّ الْمُسْلِمِينَ, وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ) فَشَرَاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ, وَوَسَّعَ حَفْرَهَا, وَجَعَلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَسْقُونَ مِنْهَا, وَيَشْرَبُونَ بِلَا ثَمَنٍ.
    وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمُرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ, فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ, لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ, فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا, وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا, وَلَا يُوهَبُ, وَلَا يُوَرَّثُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ, وَالْقُرْبَى, وَالرِّقَابِ, وَفِي سَبِيلِ اللهِ, وَالضَّعِيفِ, وَابْنِ السَّبِيلِ.
    قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَقْدِرَةٌ عَلَى الْوَقْفِ, إِلَّا وَقَّفَ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ تَصَدَّقُوا بِصَدَقَاتٍ مَوْقُوفَاتٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْوَقْفُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْإِنْسَانِ مَالًا مِنْ مَالِهِ, عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ, مِمَّا يُمْكِنُ الْانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ, وَالتَّصَدُّقِ بِمَنْفَعَتِهِ, وَتَسْبِيلِهَا عَلَى الدَّوَامِ, صَدَقَةً مُنَجَّزَةً فِي حَيَاتِهِ, وَقَبْلَ وَفَاتِهِ فَتُخْرَجُ مِنْ مُلْكِهِ وَهُوَ حَيٌّ، كَأَنْ يُوقِفَ أَرْضًا, أَوْ عَمَارَةً, وَيَتَصَدَّقُ بِمَنْفَعَتِهَا, وَأُجْرَتِهَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ حَالَ حَيَاتِهِ, فَإِذَا عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ, أَيْ إِذَا مَاتَ صَارَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ وَصِيَّةً, وَلَيْسَتْ وَقْفًا.
    وَالْوَقْفُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ, وَأَنْفَعِهَا, وَأَكْثَرِهَا أَجْرًا، بَلْ هُوَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ الْمَعْنِيَّةُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ, أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ, أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَنْحَصِرُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ, وَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ, بَلْ يَتَعَدَّى لِيَعُمَّ أَبْوَابًا كَثِيرَةً مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ: فَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ فِي مَجَالِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ, كَإِيقَافِ الْمَدَارِسِ لِأَبْنَاءِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِمْ, أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، أَوْ عَلَى طِبَاعَةِ الْكُتُبِ النَّافِعَةِ, وَالْمَصَاحِفِ, وَالْبُحُوثِ الْعِلْمِيَّةِ, أَوْ فِي مَجَالِ تَحْفِيظِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, أَوْ فِي مَجَالِ التَّحْجِيجِ وَالْإِعْمَارِ, أَوْ فِي مَجَالِ إِفْطَارِ الصَّائِمِينَ, أَوْ فِي مَجَالِ الرِّعَايَةِ الصِّحْيَّةِ لِلنَّاسِ مِنْ مَحَاوِيجَ وَغَيْرِهِمْ, وَذَلِكَ بِبِنَاءِ مُسْتَشْفَيَاتٍ, وَافْتِتَاحِ صَيْدَلِيَّاتٍ خَيْرِيَّةٍ وَقْفِيَّةٍ, أَوْ فِي مَجَالِ الرِّعَايَةِ الْاجْتِمَاعِيَّةِ, كَدُورِ الْأَيْتَامِ, وَدُورِ الْأَرَامِلِ, وَالْمُسِنِّينَ, وَالْعَجَزَةِ, وَنَحْوِهَا, أَوْ فِي مَجَالِ بِنَاءِ الْأُسَرِ, وَتَزْوِيجِ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ, أَوْ فِي مَجَالِ الْإِعْلَامِ الْهَادِفِ الْمُحَافِظِ, أَوْ فِي مَجَالِ الدَّعْوَةِ إِلى اللهِ تَعَالَى, وَكَفَالَةِ الدُّعَاةِ, وَتَوْفِيرِ الْوَسَائِلِ الدَّعَوِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ, وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْوَقْفُ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وْالْإِحْسَانِ.

    *فَبَقِي الْإِشَارَةُ رَحِمَكُمُ اللهُ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْاسْتِقْلَالَ بِوَقْفٍ مُسْتَقِلٍّ, فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ مَعَ غَيْرِهِ فِي وَقْفٍ مُشْتَرَكٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقُوا النَّارَ, وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) وَفِيهِمَا, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ, وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ, فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ, وَيُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا, كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ).

  • عبادات مشروعة في آخر رمضان

    عبادات مشروعة في آخر رمضان

    *فَلَوْ أَنَّ ضَيْفًا عَزِيزًا, وَوَافِدًا حَبِيبًا, حَلَّ فِي دِيَارِنَا، وَغَمَرَنا بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَأَحْبَبْنَاهُ، وَأَلِفْنَاهُ، ثُمَّ حَانَ وَقْتُ فِرَاقِهِ، وَقَرُبَتْ لَحَظَاتُ وَدَاعِهِ، فَكَيْفَ سَيَكُونُ وَدَاعُهُ؟! وَلَحَظَاتُ الْوَدَاعِ تُثِيرُ الشُّجُونَ، وَتُبْكِي الْعُيُونَ، وَهَلْ هُنَاكَ فِرَاقٌ أَشَدُّ وَقْعًا، وَأَكْثَرُ الْتِيَاعًا مِنْ وَدَاعِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْأَيَّامَ لِضَيْفِهِمُ الْعَزِيزِ، شَهْرِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، شَهْرِ الْقُرْآنِ وَالْعِتْقِ مِنَ النِّيْرَانِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ اللهَ قَدْ شَرَعَ لَكُمْ فِي خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ, عِبَادَاتٍ تُقَوِّي الْإِيمَانَ, وَتَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ, مِنْهَا:
    أَوَّلًا: التَّكْبِيرُ: مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْعِيدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ, قَالَ تَعَالَى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وَمِنَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي التَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, وَلِلهِ الْحَمْدُ.
    ثَانِيًا: زَكَاةُ الْفِطْرِ: فَرَضَ اللهُ تَعَالَى زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ, أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمِينِ, تَطْهِيرًا لِلصِّيَامِ مِمَّا يَعْتَرِيهِ مِنْ نَقْصٍ هُوَ مِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ, وَفَرَضَهَا طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ إِغْنَاءً لَهُمْ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ, لِمَنْ فَضَلَ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ الْآدَمِيِّينَ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ, عَلَى الصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, وَالذَّكَرِ, وَالْأُنْثَى, وَالْحُرِّ, وَالْعَبْدِ, وَيَبْلُغُ الصَّاعُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ كِيلُو جَرَامَاتٍ, فمَن أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ, وَلَا تُجْزِئُ عَنْ فَرِيضَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مَعْذُورًا.
    ثَالِثًا: صَلَاةُ الْعِيدِ: وَقَدْ أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ رِجَالًا وَنِسَاءً, مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهَا, وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ, وَذَوَاتِ الْخُدُورِ, فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ, وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ).
    وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا تَمَرَاتٍ وِتْرًا, ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ, يَقْطَعُهُنَّ عَلَى وِتْرٍ؛ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ, وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا).
    وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَجَمَّلَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ, وَأَنْ يَخْرُجَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ مَاشِيًا, إِلَّا مِنْ عُذْرٍ كَعَجْزٍ, وَبُعْدِ مَسَافَةٍ؛ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ, عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا).
    وَيُسَنُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ إِلَى الْمُصَلَّى؛ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمَ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.
    وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ وَالتَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ, قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: لَا حَرَجَ أَنْ يَقُولَ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَوْ غَيْرِهِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ أَعْمَالَنَا الصَّالِحَةَ, وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا شَيْئًا مَنْصُوصًا, وَإِنَّمَا يَدْعُو الْمُؤْمِنُ لِأَخِيهِ بِالدَّعَوَاتِ الطِّيبَةِ; لِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ.
    رَابِعًا: صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ: فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ, ثُمَّ اتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ, كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ).

    *فَالْعِيدُ مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لِتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ, وَإِزَالَةِ الشَّوَائِبِ عَنِ النُّفُوسِ, وَتَنْقِيَةِ الْخَوَاطِرِ, مِمَّا عَلَقَ بِهَا مِنَ الْبَغْضَاءِ أَوِ الشَّحْنَاءِ, فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ, وَنُسَامِحَ وَنَعْفُوَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ مِنَ الْأَقَارِبِ, وَالْأَصْدِقَاءِ, وَالْجِيرَانِ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا) وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ, يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا, وَيُعْرِضُ هَذَا, وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: (فَمَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ, دَخَلَ النَّارَ).

  • العشر الأواخر من رمضان

    العشر الأواخر من رمضان

    *فَهَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدِ اصْفَرَّتْ شَمْسُهُ, وَآذَنَتْ بِالْغُرُوبِ, فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا ثُلْثُهُ الْأَخِيرُ، فَلْنَسْتَدْرِكْ مَا مَضَى مِنْهُ, بِمَا بَقِيَ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مَا تَبَقَّى مِنْ لَيَالٍ هِيَ أَفْضَلُ مِمَّا مَضَى، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ, مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ, فَاغْتَنِمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ بَقِيَّةَ شَهْرِكَ فِيمَا يُقَرِّبُكَ إِلَى رَبِّكَ، مِنْ خِلَالِ قِيَامِكَ بِمَا يَلِي:
    الْحِرْصُ عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ اللَّيَالِي الْفَاضِلَةِ بِالصَّلَاةِ, وَذِكْرِ اللهِ, وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ, وَسَائِرِ الْقُرُبَاتِ, وَالطَّاعَاتِ، وَإِيقَاظِ الْأَهْلِ لِيُدْرِكُوا هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ, كَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفعلُ, قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَحَبَّ إِلَيَّ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ أَنْ يَتَهَجَّدَ بِاللَّيْلِ, وَيَجْتَهِدَ فِيهِ, وَيُنْهِضَ أَهْلَهُ, وَوَلَدَهُ إِلَى الصَّلَاةِ إِنْ أَطَاقُوا ذَلِكَ.
    وَلْيَحْرِصْ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْقِيَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ؛ لِيَحْصُلَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ, كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ).
    وَمِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُشْرَعُ الْقِيَامُ بِهَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ اللَّيَالِي: الْاجْتِهَادُ فِي تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ, فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وَمِقْدَارُهَا بِالسِّنِينَ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَثَلَاثٌ وَثَمَانِونَ سَنَةً, قَالَ النَّخَعِيُّ: الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ, وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَمَعْنَى إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا: أَيْ إِيمَانًا بِاللهِ, وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ, وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ, كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَهِيَ فِي الْأَوْتَارِ أَقْرَبُ مِنْهَا فِي الْأَشْفَاعِ؛ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ, مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ, مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَهِيَ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ أَقْرَبُ؛ لِمَا فِي مُسْلِمٍ, مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الَأَوَاخِرِ, فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ, أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي) وَأَقْرَبُ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ؛ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيامِهَا, هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
    وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ لَا تَخْتَصُّ بِلَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَعْوَامِ, بَلْ تَتَنَقَّلُ فِي اللَّيَالِي تَبَعًا لِمَشِيئَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ, عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ لِيَحْصُلَ الْاجْتِهَادُ فِي الْتِمَاسِهَا, بِخِلَافِ مَا لَوْ عُيِّنَتْ لَهَا لَيْلَةٌ, لَاقْتَصَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا, فَفِي الْمُسْنَدِ, عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ, مَا أَدْعُو؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ, فَاعْفُ عَنِّي) وَعَلْيِهِ فَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِهَذَا الدُّعَاءِ طِيلَةَ لَيَالِي الْعَشْرِ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْأَجْرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ حَاصِلٌ لِمَنْ عَلِمَ بِهَا, وَمَنْ لَم يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ بِهَا فِي حُصُولِ هَذَا الْأَجْرِ.

    *فَمِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُشْرَعُ الْقِيَامُ بِهَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ اللَّيَالِي: الْاعْتِكَافُ, وَهُوَ: لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِلتَّفَرُّغِ لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
    قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: لَا أَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا أَنَّ الْاعْتِكَافَ مَسْنُونٌ, وَالْأَفْضَلُ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ جَمِيعًا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ, لَكِنْ لَوِ اعْتَكَفَ يَوْمًا, أَوْ أَقَلَ, أَوْ أَكْثَرَ جَازَ.
    وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَيْسَ لِوَقْتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ فِي أَصَحِّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعَلْمِ.
    وَيَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ, وَالْاسْتِغْفَارِ, وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ, وَالصَّلَاةِ, وَالْعِبَادَةِ, وَأَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ, وَيَنْظُرَ فِيمَا قَدَّمَ لِآخِرَتِهِ, وَأَنْ يَجْتَنِبَ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ حَدِيثِ الدُّنْيَا, وَيُقَلِّلَ مِنَ الْخُلْطَةِ بِالْخَلْقِ.
    قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يُسْتَحَبُ لَهُ مُخَالَطَةُ النَّاسِ, حَتَّى وَلَا لِتَعْلِيمِ عِلْمٍ, وَإِقْرَاءِ قُرْآنٍ, بَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ الْانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ, وَذِكْرِهِ, وَدُعَائِهِ, وَهَذَا الْاعْتِكَافُ هُوَ الْخَلْوَةُ الشَّرْعِيَّةُ.

  • الدخان

    الدخان

    *فَإِنَّ التَّغَذِّيَ بِالطَّيِّبَاتِ لَهُ أَثَرٌ حَمِيدٌ فِي صِحَّةِ الْإِنْسَانِ وَسُلُوكِهِ، وَالتَّغَذِّيَ بِالْخَبَائِثِ لَهُ أَثَرٌ خَبِيثٌ فِي الْأَبْدَانِ وَالسُّلُوكِ كَذَلِكَ, أَلَا وَإِنَّ مِنَ الْخَبَائِثِ الَّتِي ابْتُلِيَتْ بِهَا مُجْتَمَعَاتُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ ظَاهِرَةُ التَّدْخِينِ الَّذِي صَارَ بَعْضُ أَهْلِهِ يُضَايِقُونَ بِهِ النَّاسَ, مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِمَشَاعِرِهِمْ.
    وَالدُّخَانُ يَضَرُّ بِالْبَدَنِ, وَالدِّينِ, وَالْمَالِ, وَالْمُجْتَمَعِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَوْعًا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَضَارِّ كَافٍ، فَكَيْفَ بِهَا جَمِيعًا؟!
    أَمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْبَدَنِ فَيَذْكُرُ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ سَبَبٌ رَئْيِسٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ, بِسَبَبِ احْتِوَائِهِ عَلَى الْمَادَةِ السَّامَّةِ, وَهِيَ النِّيكُوتِينَ، وَلَقَدْ دَرَجَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالْانْتِحَارِ الْبَطِيءِ, وَعَلَى هَذَا فَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَاطِيهِ مِمَّنْ قَتَلَ نَفْسَهُ, وَدَخَلَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا, فَقَتَلَ نَفْسَهُ, فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    وَأَمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْمَالِ فَبِحِسَابٍ بَسِيطٍ, فَإِنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْمُدَخِّنُ فِي شِرَاءِ عُلْبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ السَّجَائِرِ يَوْمِيًا سَبْعَ رِيَالَاتٍ, وَيَكُونُ مِقْدَارُ مَا يَخْسَرُهُ عَلَى هَذَا السُّمِّ الْقَاتِلِ فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ: خَمْسةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ وَمِائَتَيْ رِيَالٍ, هَذَا عَلَى أَقَلِّ إِنْفَاقٍ فِيهِ, وَإِلَّا فَالْبَعْضُ مِنَ الْمُدَخِّنِينَ, هَذَا الرَّقْمُ مَضْرُوبٌ فِي اثْنَيْنِ, وَبَعْضُهُمْ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ, فَيَا لِلهِ الْعَجَبُ كَمْ مِنَ الْمَبَالِغِ الَّتِي نُنْفِقُهَا عَلَى تَحْطِيمِ ذَوَاتِنَا, وَكَيْفَ سَتَكُونُ النَّتِيجَةُ لَوْ أَنْفَقْنَا هَذَا الْمَالَ فِيمَا يَعُودُ عَلَيْنَا بِالنَّفْعِ الْعَمِيمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَالدُّخَانُ كَذَلِكَ بِالتَّالِي يَسْتَنْزِفُ ثَرَوَاتِ الْأُمَّةِ, وَيَنْقُلُ هَذِهِ الثَّرَوَاتِ, إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِهَا مِنَ الشَّرِكَاتِ الَّتِي تُصَدِّرُ هَذَا الْمُنْتَجِ.
    وَأَمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ فَإِنَّ شَارِبَ الدُّخَانِ يُسِيءُ إِلَى مُجْتَمَعِهِ، وَيُسِيءُ إِلَى كُلِّ مَنْ جَالَسَهُ؛ بِحَيْثُ يُضَايِقُهُمْ بِرَائِحَةِ الدُّخَانِ الْكَرِيهَةِ، وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ التَّدْخِينَ يُؤْذِي الْمَلَائِكَةَ الْكِرَامَ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ أَكَّدَتْ عَشَرَاتُ التَّقَارِيرِ الطِّبِّيَّةِ أَنَّ التَّدْخِينَ يُسَبِّبُ الضَّرَرَ لِغَيْرِ الْمُدَخِّنِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ مَعَ الْمُدَخِّنِ كَالزَّوْجَةِ, وَالْأَطْفَالِ, وَزُمَلَاءِ الْعَمَلِ, وَاللهُ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ أَذَى الْآخَرِينَ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا, أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَنْ يَغْشَى الْمَجَالِسَ, وَأَنْ يَحْضُرَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةَ عَلَى أَهَمِّيَتِهَا الْقُصْوَى بِسَبَبِ الرَّائِحَةِ, فَإِنَّ رَائِحَةَ التَّدْخِينِ أَشَدُّ أَذًى مِنْ رَائِحَةِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ, نَاهِيكَ عَنْ أَنَّ الْبَصَلَ وَالثُّومَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ, وَالدُّخَانُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
    ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الدُّخَانَ هُوَ أَعْظَمُ قَاتِلٍ لِلْبَشَرِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، حَيْثُ يَقْتُلُ سَنَوِيًّا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ مَلَايِينَ شَخْصٍ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ الْإِحْصَائِيَّاتِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: هَذِهِ بَعْضٌ مِنْ أَضْرَارِ التَّدْخِينِ الْبَدَنِيَّةِ, وَالْمَالِيَّةِ، وَالدِّينِيَّةِ, وَالْاجْتِمَاعِيَّةِ, زَفَفْتُهَا لَكُمْ عَلَى عُجَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَا يَتَّسِعُ لِلْبَسْطِ.

    *فَلَقَدْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِتَحْرِيمِ الدُّخَانِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَضْرَارِ, وَالْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ، وَكَمَا يَحْرُمُ شُرْبَ الدُّخَانِ, فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ بَيْعُهُ, وَاسْتِيرَادُهُ، فَثَمَنُهُ سُحْتٌ، وَالْاتِّجَارُ بِهِ مَقْتٌ، لِمَا فِي الْمُسْنَدِ وَأَبِي دَاوُدَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ فِي الْحَلَالِ غُنْيَةً عَنِ الْحَرَامِ، فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لاَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).

  • العطلة الصيفية

    العطلة الصيفية

    *فَإِنَّ الْفَرَاغَ يُعَدُّ وَاحِدًا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَيْنَ صُرِفَتْ؟! وَهَلْ أُدِّيَ شُكْرُهَا, أَمْ لَا؟! قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أَيْ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الصِّحَّةِ, وَالْأَمْنِ, وَالرِّزْقِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ) وَمَعْنَى مَغْبُونٌ, أَيْ أَنَّهُ بَاعَ هَذِهِ النِّعْمَتَيْنِ بِرُخْصٍ فَاحِشٍ, قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ صَحِيحًا, وَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا, وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ, فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ فَهُوَ الْمَغْبُونٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْإِجَازَةَ الصَّيْفِيَّةَ فُرْصَةٌ لَا تُعَوَّضُ، وَأَيَّامٌ مِنَ الْعُمُرِ لَا تَعُودُ، فَلْنَحْرِصْ عَلَى اغْتِنَامِهَا بِأَحْسَنِ الْمَكَاسِبِ وَأَطْيَبِ النَّتَائِجِ، فَالْأَعْمَارُ مَحْدُودَةٌ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَقُولُ الْمُضَيِّعُ لِأَوْقَاتِهِ: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَخْذُ الْحَذَرِ مِنِ اقْتِرَافِ الْمُحَرَّمَاتِ, الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ مَنْ يُسَافِرُ فِي الْإِجَازَةِ تَسَاهُلًا بِمَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى كَحُضُورِ الْحَفَلَاتِ الْغِنَائِيَّةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ بِحُجَّةِ السِّيَاحَةِ, وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ بِحُجَّةِ السَّفَرِ وَالسِّيَاحَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ قَلَمَ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَى الْمَرْءِ فِي السَّفَرِ كَالْإِقَامَةِ، فَكُونُوا دُعَاةَ خَيْرٍ فِي سَفَرِكُمْ, وَلَا تَزْدَرُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، فَبَرَكَةُ الْمُؤْمِنِ فِي تَعْلِيمِهِ الدِّينَ حَيْثُمَا حَلَّ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) فَسَفَرُ الْمُسْلِمِ عِبَادَةٌ وَنُزْهَةٌ، وَيَجْدُرُ بِهِ أَنْ يَلْتَزِمَ الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ, وَأَنْ يَتَحَلَّى بِالْمُرُوءَةِ, وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَحْسُنُ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ حَثُّ الْأَوْلَادِ عَلَى حِفْظِ شَيءٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي الْإِجَازَةِ, وَالْالْتِحَاقِ بِالدَّوْرَاتِ وَالْحَلَقَاتِ، أَوْ فِي أَيِّ نَشَاطٍ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْفَائِدَةِ وَالْخَيْرِ فِي إِجَازَتِهِمْ, وَتَشْجِيعِهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ, كَرَصْدِ الْجَوَائِزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ يَمْتَدُّ نَفْعُهُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ وَعَشِيرَتَهِ، فَلِمَاذَا لَا يُفَكِّرُ الشَّابُ, وَكَذَلِكَ الْفَتَاةُ فِي جَمْعِ أَفْرَادِ أُسْرَتِهِ؟ فِي مَكَانٍ مَا, كَالْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، وَيُنَظِّمُونَ بَرَامِجَ, وَمُسَابَقَاتٍ يَتَخَلَّلُهَا بَعْضُ التَّوْجِيهَاتِ, مَعَ تَوْزِيعٍ لِلْأَشْرِطَةِ وَالرَّسَائلِ, وَفِي ذَلِكَ مَنَافِعُ شَتَّى, وَهُوَ صِلَةٌ, وَبِرٌّ, وَدَعْوَةٌ, وَإِصْلَاحٌ.

    *فَلَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: بَلَغَنِي أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ, فَقَالَ: يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ, وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ, فَإِنَّ اللهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ, بِنُورِ الْحِكْمَةِ, كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ.
    وَمِنْ هُنَا يَكُونُ النِّدَاءُ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ بِاسْتِغْلَالِ الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي التَّحْصِيلِ وَالدِّرَاسَةِ, فَمَا لَا يُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الدِّرَاسَةِ، قَدْ يُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الْإِجَازَةِ وَالْعُطْلَةِ.
    وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيًّا كَانَ مُيُولُكَ، وَأَيًّا كَانَ عَمَلُكَ، لَا تَنْسَ أَنْ يَكُونَ لَكَ فِي حَيَاتِكَ الْيَوْمِيَّةِ, وِرْدٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ، تُرَطِّبُ بِهِ لِسَانَكَ، وَتُحْيِي بِهِ فُؤَادَكَ، وَتُزِيدُ بِهِ حَسَانَاتُكَ.