الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • مناقب عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    مناقب عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    *فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الْعِلْمَ) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ؛ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِم قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دَوْنَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ, قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الدِّينَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنَينَ: فِي رِحَابِ مَكَّةَ, وَجَوِّهَا القَائِظِ, وَرِيحِهَا اللَّافِحَةِ, وَصَحْرَائِهَا الْقَاحِلَةِ, وُلِدَ أَحَدُ مُعْجِزَاتِ الْإِسْلَامِ الْكُبْرَى, وَأَحَدُ مَفَاخِرِ الْمُؤْمِنِينَ الْعُظْمَى, رَجُلٌ قَوِيُّ الْبُنْيَانِ, رَابِطُ الْجَأْشِ, ثَابِتُ الْجَنَانِ, صَارِمٌ حَازِمٌ, لَا يَعْرِفُ التَّرَدُّدَ وَالتَّأَرْجُحَ, يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنِ الذَّبْذَبَةِ وَالْمُرَاوَغَةِ, لَا تَتَنَاوَبُهُ أَهْوَاءٌ مُتَنَازِعَةٌ, وَلَا أَرَاءٌ مُشَتَّتَةٌ, لَيْسَ لِذَرَّةٍ فِي كَيَانِهِ عَنْ أَرَادَتِهِ شُذُوذٌ, وَلَاعَنْ وَجْهَتِهِ مَهْرَبٌ, قَدِ ارْتَقَتْ بِهِ نَفْسُهُ فِي قِمِمِ الْمُثُلِ, فَبَلَغَ بَتَصَرُّفَاتِهِ أَعْلَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْكَمَالُ الْإِنْسَانِيُّ, هُوَ الْفَارُوقُ أَبُو حَفْصٍ؛ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيلٍ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، رَجُلٌ أَعَزَّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَنَصَرَ بِهِ الْمِلَّةَ؛ فَكَانَ حَقًّاً مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: (إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ يَطِيبَ الْمَجْلِسُ فَأَفِيضُوا فِي ذِكْرِ عُمَرَ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ فَتْحًا, وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا, وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً) وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا يُذْكَرُ لَهُ عُمَرُ يَبْكِي حَتَّى تَبْتَلَّ الْحَصَى مِنْ دُمُوعِهِ, ثُمَّ يَقُولُ: (إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنًا لِلْإِسْلَامِ يَدْخُلُونَ فِيهِ, وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ انْثَلَمَ الْحِصْنُ, فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ) وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: (وَالَّذِي إِنْ شَاءَ أَنْ تَنْطِقَ قَنَاتِي؛ نَطَقَتْ, لَوْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِيزَانًا, مَا كَانَ فيِهِ مَيْطُ شَعْرَةٍ, أَيْ مَيْلُ شَعْرَةٍ) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى, قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَهْ, لَوْ رَأيْتَ رَجُلًا يَسُبُّ عُمَرَ, مَا كُنْتَ صَانِعًا بِهِ؟ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ عُنُقَهُ.
    وَقَدْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرَقُ مِنِ اسْمِهِ, وَيفِرُّ مِنْ رَسْمِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نفِسيْ بِيَدِهِ, مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ, سَالِكًا فَجًّا: إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيَرَ فَجِّكَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ, وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرُبُ إِذَا رَآهُ.
    أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَمَارَاتِ قُوَّتِهِ عِلْمًا؛ وَعَلَامَاتِ حُجَّتِهِ فَهْمًا: أَنَّهُ كَانَ مُحَدَّثًا مُلْهَمًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ, أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ: فعُمَرُ) وَمِنْ آثَارِ هَذَا التَّحْدِيثِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فَقلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى، فَنَزَلَتْ: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وَآيَةِ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ أمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكلِّمُهنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًاً خَيْرًا مِنْكنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) وَيَكْفِي الْفَارُوقُ مِنْ هَذَا الثَّنَاءِ: قُولُ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبيٌّ: لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

    *فَإِنَّ هَذَا بَعْضُ مَا أُثِرَ مِنْ فَضَائِلِ ثَانِي الْخُلَفَاءِ، وَقَدْ غَبَطَ بَعْضُ الصَّحَاَبةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهمْ أَجْمَعِينَ عَلَى خِلالِهِ، حَتَّى تَمَنَّوْا أَنْ يَلْقَوُا اللهَ تَعَالَى بِمِثْلِ أَعْمَالِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي قِصَّةِ مَقْتلِهِ وَاسْتِشْهَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ, قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ – وَأَنَا فِيهِمْ – فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكَبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمِلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ؛ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو, أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا) فَالْزَمُوا مَعَاشَرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَحَبَّةَ الصَّحَاَبَةِ أَجْمَعِينَ، لَا سِيَّمَا وَزِيْرَيْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ؛ وَضَجِيعَيْ قَبْرِ إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَدْ سُئِلَ عَلِيُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمَنْزِلَتِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: (كَمَنْزِلَتِهِمَا الْيَوْمَ، وَهُمَا ضَجِيعَاهُ) وَالْفَارُوقُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَهَذَا مَا يَلْزَمُ المُسْلِمُ اعْتِقَادُهُ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَهُوَ مُعْتَقَدُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ, أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

  • مناقب علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    مناقب علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    *فَسَمَّتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ بِحَيْدَرَةَ, وَالْحَيْدَرَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَسَدِ, فلَمْ يَخِبْ ظَنُّهَا فِيهِ, وَلَمْ تَتَحَطَّمْ مَجَادِيفُ آمَالِهَا بِهِ, فَكَانَ أَسَدًا فِي مِسْلَاخِ إِنْسَانٍ. كَانَ حَيْدَرَةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ, حِينَ تَجَمَّعَ الْأَحْزَابُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ, وَخَنْدَقَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَ مَدِينَتِهِم, وَفَجْأَةً؛ اخْتَرَقَتْ كَوْكَبَةٌ مِنْ فُرْسَانِ الْمُشْرِكِينَ مَكَانًا ضَيِّقًا مِنَ الْخَنْدَقِ, وَنَادَى الْفَارِسُ الشَّهِيرُ عَمْرُو بْنُ وُدٍّ الَّذِي كَانَ يُعَدُّ بِأَلْفِ رَجُلٍ: مَنْ يُبَارِزُ, فَقَامَ إِلَيْهِ حَيْدَرَةُ, فَقَالَ لَهُ عَمْرُو مُسْتَهْزِئًا: يَا ابْنَ أَخِي, إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ!! فقالَ حَيْدَرَةُ: وَلَكِنِّي وَاللهِ لَا أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ!! فَغَضِبَ عَمْرٌو وَنَزَلَ عَن فَرَسِهِ, وَسَلَّ سَيْفًا كَأنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ حَيْدَرَةَ مُغْضَبًا, وَاسْتَقْبَلَهُ حَيْدَرَةُ بِدَرَقَتِهِ, وَهِيَ التُّرْسُ مِنْ جِلْدٍ, فَضَرَبَهُ عَمْرٌو فِي دَرَقَتِهِ فَقَدَّهَا, وَأثْبَتَ فِيهَا السَّيْفَ, وَضَرَبَهُ حَيْدَرَةُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ, فَأَرْدَاهُ قَتِيلًا, وَكَبَّرَ حَيْدَرَةُ, ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ* وَنَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِي* فَصَدَرْتُ حَيْثُ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا* كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكٍ وَرَوَابِي* وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنَّنَيْ* كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِي أَثْوَابِي* لَا تَحْسَبُنَّ اللهَ خَاذِلَ دِينِهِ* وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِعَامَيْنِ بَرَزَ مَرْحَبُ فَارِسُ الْيَهُودِ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ, وَهُوَ يَرْتَجِزُ, وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ* شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ* إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ. فَقَامَ إِلَيْهِ حَيْدَرَةُ يَزْأَرُ زَئِيرَ الْأَسَدِ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمَّي حَيْدَرَهْ* كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيِهِ الْمَنْظَرَهْ* أُوْفِيهُمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ. (وَالسَّنْدَرَةُ: مِكْيَالٌ وَاسِعٌ, وَالْمَعنْىَ: أَقْتُلُ الْأَعْدَاءَ قَتْلًا عَظِيمًا) فَأَلْحَقَ حَيْدَرَةُ مَرْحَبًا بِأَهْلِ الْمَقَابِرِ. مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كَانَ حَيْدَرَةُ رَجُلًا رَبْعَةً, لَيْسَ بِالطَّوِيلِ, وَلَا بِالْقَصِيرِ, وَهُوَ إِلَى القِصَرِ أَقرَبُ, ضَخْمُ الْمَنْكِبِينِ, لِمَنْكِبِهِ مُشَاشٌ كَمُشَاشِ السَّبُعِ الضَّارِي؛ وَالْمُشَاشُ هُوَ مَا بَرَزَ مِنْ عَظْمِ الْمَنْكِبِ, لَا يَتَبَيَّنُ عَضُدُهُ مِن سَاعِدِهِ, قَدْ أُدْمِجَتْ إِدمَاجًا, ضَخْمُ عَضَلَةِ الذِّرَاعِ, دَقِيقُ مُسْتَدَقِّهَا, ضَخْمُ عَضَلَةِ السَّاقِ, دَقِيقُ مُسْتَدَقِّهَا, شَثْنُ الْكَفَّيْنِ أَيْ يَمِيلَانِ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَرِ, عَظِيمُ اللَّحْيَةِ, قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيهِ, حَسَنُ الْعَينَيْنِ, كَثِيرُ شَعْرِ الصَّدْرِ, وَالْكَتِفَيْنِ, يَتَخَتَّمُ بِالْيَسَارِ, وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ (اللهُ المَلِكُ) حَسَنُ الوَجْهِ, كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ حُسْنًا, ضَحُوكُ السِّنِّ, آيَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ, إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ أَيْ أسْرَعَ, عَلَى نَحْوِ مِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَإِذَا مَشَى لِلْحَرْبِ هَرْوَلَ, ثَبْتُ الْجَنَانِ, لَا يَعْرِفُ الْخَوْفُ إِلَى فُؤَادِهِ طَرِيقًا, مَنْصُورٌ أَبَدًا عَلَى مَنْ لَاقَاهُ, رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. ذَاكَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنَيْنَ وَرَابِعُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, الْأَئَمَّةِ الْمَهْدِيِينَ, الْحَيْدَرَةُ الْمِغْوَارُ, وَسَيْفُ الْإِسْلَامِ الْبَتَّارُ, أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِيْ طَالِبٍ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلِبِ الْهَاشِمِيُّ الْقُرَشِيُّ, أَسْلَمَ وَهُوَ فِيْ الثَّامِنَةِ مِنْ عُمُرُهِ, لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمِ, وَلَمْ يَجْرِ عَليْهِ القَلَمُ, فلَمْ يَقْتَرَفْ ذَنْبًا, وَلَا سَقَطَ فِي وَاحِدِةٍ مِنْ حَمَأَةِ الْجَاهِلِيَّةِ, فَأيُّ مَقَالَةٍ تَسْتَحْضِرُ خِصَالَهُ، وَأَيُّ رِسَالَةٍ تَسْتَذْكِرُ خِلَالَهُ، وَلَكِنْ حَسْبُنَا أَنْ نُذَكِّرَ الْجَالِسَ بِبِعْضِهَا تَذْكِيْرًا، وَنُعَطِّرَ الْمَجَالِسَ بِعَبَقِهَا تَعْطِيرًا, فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: (لَأَعْطيَنَّ هِذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَديْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ) فَبَاتَ النَّاسُ يَخُوضُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاَهَا, فَلمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَىِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟) فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُوُلَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ, فَأرْسَلُوا إِلِيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّىَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حُبَّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَارَةٌ عَلَى الْإِيْمَانِ, وَالْإِحْسَانِ، كَمَا أَنّ بُغْضَهُ عَلَامَةٌ عَلَى النِّفَاقِ, وَالطُّغْيَانِ، فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ: لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمَّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ) وَفِي ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا).

    *فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى: خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ، وَوَعَظَ, وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ: أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيْكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ) فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ, وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَأَهْلُ بِيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي – ثلاثًا -) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ) وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ آلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلِيهُمُ الصَّدَقَةِ, وَهُمْ: آلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَآلُ جَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَآلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلِبِ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ قَدْ غَلَا الرَّافِضَةُ الْوَثَنِيُّونَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ وَأَنْزَلُوهُ فِي مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَبَعْضُهُم جَعَلَهُ فِي مَنْزِلَةِ أَعْلَى, وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ إِلَهًا, مَعْ تَكْفِيرِهِمْ, وَسَبِّهِمْ, وَكَذِبِهِمْ عَلَى أَصَّحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ, وَكُفْرٌ بَرَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ, فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الْمَنَاهِجِ هُوَ مَنْهَجُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ, وَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الْمَنَاهِجِ, فَأَنْزَلُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَنْزِلَهُ اللَّائِقَ بِهِ, بِلَا إِفْرَاطٍ, وَلَا تَفْرِيطٍ, وَقَدْ قِيلَ: خَيْرُ الْأُمُورِ الْوَسَطُ الْوَسِيطُ, وَشَرُّهَا الْإِفْرَاطُ, وَالتَّفْرِيطُ.

  • مناقب عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    مناقب عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    *فقَحَطَ الْمَطَرُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهَرَعَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ, فَقَالَ: انْصَرِفُوا, وَاصْبِرُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تُمْسُونَ, حَتَّى يَفْرُجَ اللهُ الْكَرِيمُ عَنْكُمْ, فَمَا لَبِثُوا أَنْ جَاءَ أُجَرَاءَ عَثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الشَّامَ، فَجَاءَتْهُ مِائَةُ رَاحِلَةٍ طَعَامًا فَاجْتَمَعَ تُجَّارُ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُم مَلأٌ مِنَ النَّاسِ عِندَ بَابِ عُثْمَانَ، فَقَرَعُوا عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا تَشَاءُونَ؟ قَالُوا: السَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضُ لَا تُنْبِتُ، وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عِنْدَكَ طَعَامًا، فَبِعْنَا حَتَّى نُوَسِّعَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ, كَمْ تُرَبِّحُونَنَي عَلَى شِرَائِي مِنَ الشَّامِ؟ قَالُوا: لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ، قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ زَادَنِي، قَالُوا: لِلعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ زَادَنِي، قَالَ التُّجَّارُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ تُجَّارٌ غَيْرُنَا، فَمَنْ زَادَكَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: اللهُ زَادَنِي بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ، أَعِنْدَكُمْ زِيَادَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنِّيْ أُشْهِدُ اللهَ أَنِّي قَدْ جَعَلتُ هَذَا الطَّعَامَ صَدَقَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْحَدِيثَ عَنِ الصَّحَابَةِ الْأَبْرَارِ؛ حَدِيثٌ لَا تَمَلُّهُ الْأَسْمَاعُ؛ وَلَا تَضْجَرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ، كَيْفَ لَا؛ وَهُمُ الْأُسْوَةُ فِي الصَّلَاح؛ وَالْقُدْوَةُ فِي الْفَلَاحِ, وَمَنَاقِبُ الْيَوْمِ؛ فِي فَضَائِلِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْإِسْلَامِ، إِنَّهُ صِهْرُ خَاتَمِ النَّبيِّينَ؛ وَثَالِثُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الْأَمُوِيُّ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، صَاحِبُ الْفَضِائِلِ الْكَثِيرَةِ؛ وَالْمَنَاقِبِ الْوَفِيرَةِ؛ الَّذِي اسْتَنَارَ بِشِهَابَي قَبَسٍ مِنْ نُورِ سَيِّدِ الثَّقلَيْنِ، فَقَدْ زَوَّجَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَتُوفِّيَتْ، ثُمَّ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ أُخْتِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ, وَهُوَ أَحَدُ الَّذِينَ اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى فَضْلِهِ؛ وَاتَّفقُوا عَلَى نُبْلِهِ، فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَترُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ تَخَلَّقَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِخُلُقِ الْحَيَاءِ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَتَسْتَحِي مِنْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا, قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي؛ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ, فَأَذِنَ لَهُ؛ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ, فتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ, فأذِنَ لَهُ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ, فتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ, فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ, قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ, وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ, وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ, وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ، فَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟) وَفِي رِوَايَةٍ: (إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ, أَنْ لَا يَبْلُغَ إِليَّ فِي حَاجَتِهِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ تَعَرَّضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لِأَشَدِّ الْبَلَاءِ, وَأَفْضَعِهِ، فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى قَتْلِهِ الْأَوْبَاشُ, وَالْغَوْغَاءُ, مِنَ الْخَوَارِجِ الْأَنْجَاسِ, الْأَرْجَاسِ, فَفِي الْبُخَارِيِّ, أَنَّهُ لمَّا حَاصَرُوهُ فِي دَارِهِ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ, وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اشتَرَى بِئرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ) فَاشتَرَيْتُهَا, ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ السَّبِيلِ. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ) فَجَهَّزْتُهُمْ, قَالَوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَنْشُدُكُمُ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ؛ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالحَضِيضِ، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ, وَقَالَ: (اُسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ, وَصِدِّيقٌ, وَشَهِيدَانِ) قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ, قَالَ عُثْمَانُ: اللهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ – ثلاثًا -.
    وَلَا زَالَتْ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عِندَمَا جَهَّزَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مُجَلْجِلَةً فِي ذَاكِرَةِ التَّارِيخِ, بَاقِيَةً مَا بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ).

    *فقَدْ ثَبَتَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْفِتْنَةِ خَيْرَ ثَبَاتٍ، وَلَمْ يَخْلَعْ قَمِيصَ الْخِلَافَةِ لِهَؤُلَاءِ الْبُغَاةِ؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا عُثْمَانُ؛ إِنَّهُ لَعَلَّ اللهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ: فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ) فَوَفَّى عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ، وَصَبَرَ عَلَى عَظِيمِ الْأَذَى، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ, عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا, قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: (وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلَا نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَسَكَتَ, قُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ عُمَرَ؟ فَسَكَتَ, قُلْنَا: أَلَا نَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) فَجَاءَ فَخَلَا بِهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ؛ وَوَجْهُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَكَانَ عُثْمَانُ يَقُولُ يَوْمَ الدَّارِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا؛ فَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ؛ أَوْ صَابِرٌ عَلَيْهِ, فَكَانُوا يَرَوْنَهُ ذَلِكَ الْيَومَ. فَمَا كَانَ مِنْ هَؤُلاءِ الْخَوَارِجِ الْمُعْتَدِينَ؛ إِلَّا أَنْ أَرَاقُوا دَمَ الْخَلِيفَةِ الْمَعْصُومِ، الَّذِي امْتَزَجَ بِقَوْلِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ, وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ).

  • مناقب الإمام مالك

    مناقب الإمام مالك

    *الْحَمْدُ لِلهِ الذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى, وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الرَّدَى، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ الْمَوْتَى، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ الْجَهَالَةِ وَالرَّدَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ آثَارَهُمْ عَلى النَّاسِ: يَنْفُونَ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ, وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ, وَتَأْوِيلَ الضَّالِّينَ, تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا, أَمَّا بَعْدُ:
    فَكَتَبَ العَابِدُ عَبْدُ اللهِ العُمَرِيُّ إِلَى الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَحُضُّهُ عَلَى الانْفِرَادِ وَالتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ: إِنَّ اللهَ قَسَمَ الأَعْمَالَ كَمَا قَسَمَ الأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الجِهَادِ. ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وَنَشْرُ العِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ البِرِّ، وَقَدْ رَضِيْتُ بِمَا فُتِحَ لِي فِيْهِ، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيْهِ بِدُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ كِلاَنَا عَلَى خَيْرٍ وَبِرٍّ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ فِي تَارِيخِ الْعُظَمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي سِيَرِ الْعُلَمَاءِ لَعِبَرًا، وَإِنَّ فِي أَحْوَالِ النُّبَلَاءِ لَمُدَّكَرًا، وَإِنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِي الْفَضْلِ شُمُوسٌ سَاطِعَةٌ, وَفِي الْعِلْمِ نُجُومٌ لَامِعَةٌ, فَهُمْ بِحَقٍّ أَنْوَارُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، ألَا وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَؤَلَاءِ الْأَئِمَّةِ، الْإِمَامَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ الْأَصْبَحِيَّ, إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ, أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ.
    قَالَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ – وَصَدَقَ وَبَرَّ -: إِذَا ذُكِرَ العُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ.
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْنٍ: مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.
    وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكٍ، لَيْسَ لَهُ كَثِيْرُ صَلاَةٍ وَلَا صِيَامٍ، إِلَّا أَنْ تَكُوْنَ لَهُ سَرِيْرَةٌ.
    قَالَ الذَّهَبِيُّ مُعَلِّقًا: مَا كَانَ مَالِكٌ عَلَيْهِ مِنَ العِلْمِ وَنَشْرِهِ, أَفضَلُ مِنْ نَوَافلِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ وَجْهَ اللهِ.
    وَقَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ عَاصِمٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ:
    رَجُلٌ يُحِبُّ أَنْ يَحفَظَ حَدِيْثَ رَجُلٍ بِعَيْنِه؟ قَالَ: يَحفَظُ حَدِيْثَ مَالِكٍ.
    قُلْتُ: فَرَأْيٌ؟ قَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ.
    وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
    وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَهْيَبَ، وَلَا أَتَمَّ عَقْلًا مِنْ مَالِكٍ، وَلَا أَشَدَّ تَقوَىً.
    وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا نَقَلْنَا مِنْ أَدَبِ مَالِكٍ، أَكْثَرُ مِمَّا تَعْلَّمْنَا مِنْ عِلْمِهِ.
    وَكَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ؛ إِجْلاَلًا لِلْحَدِيْثِ.
    وَقَالَ عَن نَفْسِهِ: مَا جَالَسْتُ سَفِيْهًا قَطُّ.
    وَقَالَ: أَعْلَمُ أَنَّهُ فَسَادٌ عَظِيْمٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنسَانُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ.
    وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ تَدْخُلُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَهُم يَظْلِمُونَ، وَيَجُورُونَ!
    فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَأَيْنَ المُكَلِّمُ بِالحَقِّ.
    وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ خِدَاشٍ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الشِّطْرَنْجِ, فَقَالَ: أَحَقٌّ هُوَ؟ فَقُلْتُ: لَا, قَالَ: (فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ).

    *فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا جَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنِّيْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ دِيْنِي، وَأَمَّا أَنْتَ فَشَاكٌّ، اذْهَبْ إِلَى شَاكٍّ مِثْلِكَ، فَخَاصِمْهُ.
    وَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: (الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى) كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطرَقَ مَالِكٌ، وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ – والرُّحَضَاءُ: الْعَرَقُ يَغْسِلُ الْجِسْمَ كَثْرَةً – ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى) كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلاَ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ، وَ(كَيْفَ) عَنْ اللهِ مَرْفُوْعٌ، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ، صَاحِبُ بِدْعَةٍ، أَخْرِجُوْهُ.
    وَقِيلَ: إِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَائِلًا يُنشِدُ:
    لَقَدْ أَصْبَحَ الإِسْـلاَمُ زُعْزِعَ رُكْنُهُ * غَدَاةَ ثَوَى الهَـــادِي لَدَى مَلْحَدِ القَبْرِ
    إِمَامُ الهُدَى مَـا زَالَ لِلْعِلْمِ صَائِنًا * عَلَيْهِ سَـــــــــــلاَمُ اللهِ فِي آخِرِ الدَّهْرِ
    قَالَ: فَانْتَبَهتُ مِنْ نَوْمِي، فَإِذَا الصَّارِخَةُ عَلَى مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَحِمَهُ.

  • مناقب الإمام الشافعي

    مناقب الإمام الشافعي

    *الْحَمْدُ لِلهِ الذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى, وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الرَّدَى، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ الْمَوْتَى، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ الْجَهَالَةِ وَالرَّدَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ آثَارَهُمْ عَلى النَّاسِ: يَنْفُونَ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ, وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ, وَتَأْوِيلَ الضَّالِّينَ, تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا, أَمَّا بَعْدُ:
    فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ خَاطِرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ فَالشَّافِعِيُّ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، فَلَمَّا جَثَوْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: هَجَسَ فِي ضَمِيرِي مَسْأَلَةٌ فِي التَّوْحِيْدِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ عِلْمَكَ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكَ؟ فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ. أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: تَدْرِي كَمْ نَجْمًا فِي السَّمَاءِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَكَوْكَبٌ مِنْهَا: تَعْرِفُ جِنْسَهُ، طُلُوْعَهُ، أُفُولَهُ، مِمَّ خُلِقَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَشَيْءٌ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ مِنَ الخَلْقِ لَسْتَ تَعْرِفُهُ، تَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ خَالِقِهِ؟! قَالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الوُضُوْءِ، فَأَخْطَأْتُ فِيْهَا. فَقَالَ: شَيْءٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، تَدَعُ عِلْمَهُ، وَتَتَكَلَّفُ عِلْمَ الخَالِقِ، إِذَا هَجَسَ فِي ضَمِيرِكَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى قَوْلِهِ تعَالَى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْم * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) فَاسْتَدِلَّ بِالمَخْلُوْقِ عَلَى الخَالِقِ، وَلاَ تَتَكَلَّفْ عِلْمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَقْلُكَ. قَالَ الْمُزَنِيُّ: فَتُبْتُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ فِي تَارِيخِ الْعُظَمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي سِيَرِ الْعُلَمَاءِ لَعِبَرًا، وَإِنَّ فِي أَحْوَالِ النُّبَلَاءِ لَمُدَّكَرًا، وَإِنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِي الْفَضْلِ شُمُوسٌ سَاطِعَةٌ, وَفِي الْعِلْمِ نُجُومٌ لَامِعَةٌ, فَهُمْ بِحَقٍّ أَنْوَارُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، ألَا وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَؤَلَاءِ الْأَئِمَّةِ، الإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيَّ, أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنَّ اللهَ يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ مَنْ يُعلِّمُهُمُ السُّنَنَ، وَيَنْفِي عَنْ رَسُوْلِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الكَذِبَ, قَالَ: فَنَظَرنَا، فَإِذَا فِي رَأْسِ المائَةِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفِي رَأْس المائَتَيْنِ الشَّافِعِيُّ.
    وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ، قُلْتُ لِأَبِي: أَيَّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ، فَإِنِّي سَمِعتُكَ تُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ؟ قَالَ: يَا بُنِيَّ، كَانَ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالعَافِيَةِ لِلنَّاسِ، فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنْهُمَا عِوَضٌ؟
    وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً. رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ، فَزَادَ: كُلُّ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ.
    وَقَالَ الرَّبِيْعُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الفُقَهَاءُ العَاملُوْنَ أَوْلِيَاءَ اللهِ، فَمَا لِلهِ وَلِيٌّ.
    وَمِنْ مَأَثُورِ أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ اللهُ: بِئْسَ الزَّادُ إِلَى الْمَعَادِ: الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ.
    وَقَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، نَاظَرْتُهُ يَوْمًا فِي مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوْسَى، أَلَا يَسْتَقيمُ أَنْ نَكُوْنَ إِخْوَانًا وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ.
    وَقَالَ البُوَيْطِيَّ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ: أُصَلِّي خَلْفَ الرَّافِضِيِّ؟ قَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ، وَلاَ القَدَرِيِّ، وَلاَ المُرْجِئِ. قُلْتُ: صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: مَنْ قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ، فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَا بِإِمَامَيْنِ، فَهُوَ رَافِضِيٌّ، وَمَنْ جَعَلَ المَشِيْئَةَ إِلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ قَدَرِيٌّ.

    *فقَدْ َقِيْلَ للشَّافِعِيِّ: مَا لَكَ تُكْثِرُ مِنْ إِمسَاكِ العَصَا، وَلَسْتَ بِضَعِيْفٍ؟
    قَالَ: لِأَذْكُرَ أَنِّي مُسَافِرٌ – أَيْ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ -.
    وَقَالَ المُزَنِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلًا، وَلإِخْوَانِي مُفَارِقًا، وَلِسُوءِ عَمَلِي مُلاَقِيًا، وَعَلَى اللهِ وَارِدًا، مَا أَدْرِي رُوْحِي تَصِيْرُ إِلَى جَنَّةٍ فَأُهَنِّيهَا، أَوْ إِلَى نَارٍ فَأُعَزِّيهَا، ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَأَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ:
    إِلَيْــــــــــكَ إِلَهَ الْخَلْقِ أَرْفَعُ رَغْبَتِي وَإِنْ كُنْتُ يَا ذَا الْمَنِّ وَالْجُودِ مُجْرِمَا
    وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَــــاقَتْ مَذَاهِبِي جَعَلْتُ رَجَــــــائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمَا
    تَعَاظَمَنِي ذَنْبِـــــــــــــي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ بِعَفْوِكَ رَبِّي كَــــــــانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
    فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ تَجُــــــــــــــــودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا
    فَإِنْ تَنْتَقِمْ مِنِّــــــــــي فَلَسْتُ بِآيِسٍ وَلَوْ دَخَلَتْ نَفْسِي بِجُرْمِـــــي جَهَنَّمَا
    فَجُرْمِي عَظِيمٌ مِنْ قَدِيــــمٍ وَحَادِثٍ وَعَفْوُكَ يَا ذَا الْعَفْوِ أَعْلَى وَأَجْسَــــمَا

  • مناقب الإمام أحمد

    مناقب الإمام أحمد

    *الْحَمْدُ لِلهِ الذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى, وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الرَّدَى، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ الْمَوْتَى، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ الْجَهَالَةِ وَالرَّدَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ آثَارَهُمْ عَلى النَّاسِ: يَنْفُونَ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ, وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ, وَتَأْوِيلَ الضَّالِّينَ, تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا, أَمَّا بَعْدُ:
    فَقَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: أَدْخَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ الْحُصْرِيَّ – وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا – عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ, فَقَالَ الْحُصْرِيُّ: يَا أبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَامًا، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّةَ. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَا أَخِي، إِنَّ سَهْلَ بْنَ سَلاَمَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَهُ بِمِثْلِ هَذَا، وَخَرَجَ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ. ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الرُّؤيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلاَ تَغُرُّهُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ فِي تَارِيخِ الْعُظَمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي سِيَرِ الْعُلَمَاءِ لَعِبَرًا، وَإِنَّ فِي أَحْوَالِ النُّبَلَاءِ لَمُدَّكَرًا، وَإِنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِي الْفَضْلِ شُمُوسٌ سَاطِعَةٌ, وَفِي الْعِلْمِ نُجُومٌ لَامِعَةٌ, فَهُمْ بِحَقٍّ أَنْوَارُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، ألَا وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَؤَلَاءِ الْأَئِمَّةِ، الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيَّ, أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ.
    قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيْثٍ. فَقِيْلَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ.
    قَالَ الذَّهَبِيُّ: فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ فِي سَعَةِ عِلْمِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَانُوا يَعُدُّوْنَ فِي ذَلِكَ المُكَرَّرَ، وَالْأَثَرَ، وَفَتْوَى التَّابِعِيِّ، وَمَا فُسِّرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
    وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْقَهَ, وَلَا أَوْرَعَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
    وَقَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ مِنْ بَغْدَادَ، فَمَا خَلَّفْتُ بِهَا رَجُلًا أَفْضَلَ، وَلَا أَعْلَمَ، وَلَا أَفْقَهَ، وَلَا أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
    وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَحْمَدُ حُجَّةٌ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
    وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: إِنِّي لَأَتَدَيَّنُ بِذِكْرِ أَحْمَدَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ.
    وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، صَحِبنَاهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا افْتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخَيْرِ.
    وَقَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: حَضَرتُ أَبَا ثَوْرٍ أَحَدَ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا فِيْهَا كَذَا وَكَذَا.
    وَقَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا كَتَبْتُ حَدِيْثًا إِلَّا وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ احْتَجَمَ، وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِيْنَارًا، فَأَعْطَيْتُ الحَجَّامَ دِيْنَارًا حِيْنَ احْتَجَمْتُ.
    وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الآخِرَةِ، لاَ يُذكَرُ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ.
    وَقَالَ النَّسَائِيُّ: جَمَعَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيْثِ, وَالفِقْهِ, وَالوَرَعِ, وَالزُّهْدِ, وَالصَّبرِ.
    وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: وَإِلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ المُنْتَهَى فِي مَعْرِفَة السُّنَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَفِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَفُنُونِهِ، وَمَعْرِفَةِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِهِ. وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَأْسًا فِي الزُّهْدِ, وَالوَرَعِ, وَالعِبَادَةِ, وَالصِّدْقِ. وَكَانَ مَهِيْبًا فِي ذَاتِ اللهِ، حَتَّى لَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: مَا هِبْتُ أَحَدًا فِي مَسْأَلَةٍ، مَا هِبْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ.

    *فَقَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ يَوْمًا: مَا أَكْثَرَ الدَّاعِي لَكَ! قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا اسْتِدْرَاجًا؛ بِأَيِّ شَيْءٍ هَذَا؟ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: قَدِمَ رَجُلٌ مِن طَرَسُوْسَ، فَقَالَ: كُنَّا فِي بِلَادِ الرُّوْمِ فِي الغَزْوِ إِذَا هَدَأَ اللَّيْلُ، رَفَعَ الْمُجَاهِدُونَ أَصوَاتَهُم بِالدُّعَاءِ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ: كُنَّا نَمُدُّ المِنْجَنِيْقَ، وَنَرمِي عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ.
    وَلَقَدْ رَمَى أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِحَجَرٍ أَحَدَ الْعُلُوجِ، وَالعِلْجُ عَلَى الحِصْنِ مُتَتَرِّسٌ بَدَرَقَةٍ – وَالدَّرَقَةُ: تُرْسٌ مِنْ جِلْدٍ – فَذَهَبَ الْحَجَرُ بِرَأْسِ الْعِلْجِ وَبَالدَّرَقَةِ. قَالَ الْمَرُّوْذِيُّ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَقَالَ: لَيْتَهُ لَا يَكُوْنُ اسْتدرَاجًا.
    وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلةٍ ثَلَاثَ مِائَةِ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا مَرِضَ وَضَعُفَ كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَليلَةٍ مِائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.
    وَقَالَ صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَبِي كَثِيْرًا يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.

  • مناقب الإمام أبي حنيفة

    مناقب الإمام أبي حنيفة

    *الْحَمْدُ لِلهِ الذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى, وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الرَّدَى، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ الْمَوْتَى، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ الْجَهَالَةِ وَالرَّدَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ آثَارَهُمْ عَلى النَّاسِ: يَنْفُونَ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ, وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ, وَتَأْوِيلَ الضَّالِّينَ, تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا, أَمَّا بَعْدُ:
    فَوَقَعَ يَوْمًا بَيْنَ الْخَلِيفَةِ الْمَنْصُورِ وَزَوْجَتِهِ شِقَاقٌ وَخِلَافٌ بِسَبَبِ مَيْلِهِ عَنْهَا، فَطَلَبَتْ مِنْهُ الْعَدْلَ, فَقَالَ لَهَا: مَنْ تَرْضَيْنَ فِي الْحُكُومَةِ بَيْنِي وَبَيْنِكِ؟ قَالَتْ: أَبَا حَنِيفَةَ، فَرَضِيَ هُوَ بِهِ, فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ زَوْجَتِي تُخَاصِمُنِي فَأَنْصِفْنِي مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: لِيَتَكَلَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ الْمَنْصُورُ: كَمْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِن النِّسَاءِ؟ قَالَ: أَرْبَعٌ. قَالَ الْمَنْصُورُ لِزَوْجَتِهِ: أَسَمِعْتِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا أَحَلَّ اللهُ هَذَا لِأَهْلِ الْعَدْلِ, فَمَنْ لَمْ يَعْدِلْ, أَوْ خَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ فَوَاحِدَةٌ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) فَسَكَتَ الْمَنْصُورُ وَطَالَ سُكُوتُهُ، فَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ وَخَرَجَ, فَلَمَّا بَلَغَ مَنْزِلَهُ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ زَوْجَةَ الْمَنْصُورِ خَادِمًا وَمَعَهُ مَالٌ وَثِيَابٌ، فَرَدَّهَا, وَقَالَ: أَقْرِئْهَا السَّلَامَ, وَقُلْ لَهَا: إِنَّمَا نَاضَلْتُ عَنْ دِينِي, وَقُمْتُ بِذَلِكَ الْمَقَامَ لِلهِ, وَلَمْ أَرِدْ بِذَلِكَ تَقَرُّبًا إِلَى أَحَدٍ, وَلَا الْتَمَسْتُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا شَيْئًا.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ فِي تَارِيخِ الْعُظَمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي سِيَرِ الْعُلَمَاءِ لَعِبَرًا، وَإِنَّ فِي أَحْوَالِ النُّبَلَاءِ لَمُدَّكَرًا، وَإِنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِي الْفَضْلِ شُمُوسٌ سَاطِعَةٌ, وَفِي الْعِلْمِ نُجُومٌ لَامِعَةٌ, فَهُمْ بِحَقٍّ أَنْوَارُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، ألَا وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَؤَلَاءِ الْأَئِمَّةِ، أَبَا حَنِيْفَةَ النُّعْمَانَ بْنَ ثَابِتٍ الكُوْفِيَّ, أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ.
    تَتَلْمَذَ عَلَى يَدِ مُفْتِي الْحَرَمِ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ.
    قَالَ عَنْهُ إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ.
    وَقَالَ عَنْهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَوِ انْشَقَّتْ عَنْهُ الْأَرْضُ لَانْشَقَّتْ عَنْ جَبَلٍ مِن الْجِبَالِ فِي الْعِلْمِ, وَالْكَرَمِ, وَالْمُوَاسَاةِ, وَالْوَرَعِ, وَالْإيثَارِ لِلّهِ تَعَالَى.
    وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَذْكِيَاءِ بَنِي آدَمَ.
    وَقِيْلَ لِلْقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ قَاضِي الْكُوفَةِ: أَتَرضَى أَنْ تَكُوْنَ مِنْ غِلمَانِ أَبِي حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: مَا جَلَسَ النَّاسُ إِلَى أَحَدٍ أَنْفَعَ مِنْ مُجَالَسَةِ أَبِي حَنِيْفَةَ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَجُلًا لَوْ كُلَّمَكَ فِي هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَبًا، لَقَامَ بِحُجَّتِهِ. وَفِى رِوَايَةٍ: لَوْ جَاءَ إِلَى أَسَاطِينِكُمْ فَقَايَسَكُمْ عَلَى أَنَّهَا خَشَبٌ لَظَنَنْتُمْ أَنَّهَا خَشَبٌ.
    وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: كَلاَمُ أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ، أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، لاَ يَعِيبُهُ إِلاَّ جَاهِلٌ.
    وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: الإِمَامَةُ فِي الفِقْهِ, وَدَقَائِقِهِ, مُسَلَّمَةٌ إِلَى هَذَا الإِمَامِ، وَهَذَا أَمرٌ لَا شَكَّ فِيْهِ. وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ * إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيْلِ
    وَسِيْرَتُهُ تَحْتَمِلُ أَنْ تُفرَدَ فِي مُجَلَّدَيْنِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَحِمَهُ -.

    *فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَا أَبْعَدَ أَبَا حَنِيفَةَ عَن الْغِيبَةِ، مَا سَمِعْتُهُ يَغْتَابُ عَدُوًّا، قَالَ سُفْيَانُ: وَاللهِ هُوَ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ يُسَلِّطُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مَا يَذْهَبُ بِهَا.
    وَقَالَ شَرِيْكٌ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ طَوِيْلَ الصَّمْتِ، كَثِيْرَ العَقْلِ.
    وَقَالَ القَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ: قَامَ أَبُو حَنِيْفَةَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) يَبْكِي، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى الفَجْرِ.

  • مناقب أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    مناقب أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

    *فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: مَنْ كَانَ مُسْتَنًا: فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبةِ نبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهمْ وَطَرَائِقِهمْ، فهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَفْضَلَ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ مَنْ عَانَقَتْ فَضَائِلُهُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ القُرَشِيُ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَهُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي لَزِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَصَحِبَهُ فِي جَمِيعِ الْغَزَواتِ وَالْأَسْفَارِ، وَيَكْفِيهِ فَخْرًا, ذِكْرُ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) وَقَدْ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالصِّدِّيقِ؛ لِكَمَالِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ، فعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى: أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ؛ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيتِ الْمَقْدِسِ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ, فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِئَنْ قَالَ ذَلِكَ؛ لَقَدْ صَدَقَ, قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ؛ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ, فَلِذلِكَ سُمِّيَ: أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبِتَهِ وَمَالِهِ: أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلَيْلًا مِنْ أُمَّتِي: لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ؛ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ) وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ) أَيْ خَاصَمَ, فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي؛ فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقَبَلْتُ إِلَيْكَ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ, ثَلَاثًا) ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَألَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا, فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَاللهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، وَاللهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقلْتُم: كَذَبْتَ، وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهْلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، فَهْلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي) فَمَا أُوْذِيَ بَعْدَهَا.
    وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ خَمْسَةٌ مِنَ الْعَشَرةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ, وَهُمْ: عُثْمَانُ, وَطَلْحَةُ, وَالزَّبَيْرُ, وَسَعْدٌ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ, فَهَنِيئًا لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَؤَلَاءِ الْخَمْسَةُ فِي مِيزَانِ أَعْمَالِهِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَشَرَّفْنَا بِهِذِهِ الْخُطْبَةِ, بِخِدْمَةِ بَعْضٍ مِنْ مَنَاقِبِ الصِّدِّيقِ الْعَزِيزَةِ, وَالذَّبِّ عَنْ بَعْضٍ مِنْ فَضَائِلِهِ عَدِيمَةِ النَّظِيرِ, بِذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْيَسِيرَةِ, لَمْ نَقْصِدْ بِهَا التَّعْرَيفَ بِمَجْهُولٍ مِنْ فَضَائِلِهِ, وَلَا الرَّفْعَ لِمَخْفُوضٍ مِنْ مَنَاقِبِهِ, فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ أَرْفَعُ مَكَانًا, وَأَجَلُّ شَأْنًا فَحُبُّهُ هُوَ وَسَائِرُ الْآلِ وَالصَّحَابَةِ, عِبَادَةٌ لِلهِ, نَرْجُو مِنَ اللهِ عَلَيْهَا عَظِيمَ الثَّوَابِ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ – أَيْ فِي الْعَمَلِ وَالْفَضِيلَةِ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) أَيْ مُصَاحِبٌ لِمَنْ أَحَبَّهُ فِي الدُّنْيَا, بِمَنْزِلَتْهِ فِي الْآَخِرَةِ.

    *فَاعْرِفُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ وَأَنْزِلُوا عُظَمَاءَ الْإِسْلَامِ وَمَصَابِيحَهُ مَنَازِلَهُمْ اللَّائِقَةَ بِهِمْ, قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ صَالِحُوا السَّلَفِ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُم, حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ.
    وَإِنَّ الْمَقَامَ لَيَسْتَدْعِي يَا رَعَاكُمْ اللهُ التَّحْذِيرَ مِنَ مَسْلَكِ الضَّالِّينَ الْمُخَالِفِينَ لِسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ, أَعْنِي الرَّوَافِضَ الْكَفَرَةَ الْهَالِكِينَ, مِمَّنْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ ـ زَعَمُوا – بِمُنَاصَبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَرِجَالَاتِ الْإِسْلَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ الْعَدَاءِ, فَيَتَشَيَّعُونَ بِذَلِكَ إِلَى عَلَيٍّ بِزَعْمِهِمْ, وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْهُمْ بَرَاءٌ, وَحَسْبُكَ مِنْ ضلَالِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ: أَنْ لَا وَلَاءَ لِآلِ الْبَيْتِ إِلَّا بِالْبَرَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ, وَمَا كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ بَاقِي الصَّحَابَةِ إِلَّا كُلُّ خَيْرٍ, فعَلِيٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَمَّى أَحَدَ أَبْنَائِهِ بِأَبِي بَكْرٍ وَالْآخَرَ بِعُمَرَ, أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ أَوِ انتَقَصَهُم فَقَدْ تَحَرَّرَ مِن رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ, وَكَيْفَ لَا؟ وَالْقَدْحُ فِيهِمْ قَدْحٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟! إِذْ هُمْ حَمَلَةُ الْآثَارِ, وَرُوَاةُ الْأَخْبَارِ, كَمَا قَالَ الطَّحَاويُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي عَقِيدَتِهِ: فَحُبُّهُم: أَيْ الصَّحَابَةُ, دِينٌ, وَإِيمَانٌ, وَإِحْسَانٌ, وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ, وَنِفَاقٌ, وَطُغْيَانٌ.

  • من آداب الإسلام

    من آداب الإسلام

    *فَالْإِسْلَامُ دِينٌ نَظَّمَ حَيَاةَ المُسْلِمِ الخَاصَّةَ وَالعَامَّةَ، وَلَقَدْ شَمَلَتْ تَعَالِيمُ هَذَا الدِّينِ مَحَاسِنَ الآدَابِ وَمَكَارِمَ الأَخْلَاقِ التي تُنَظِّمُ حَيَاةَ المُجْتَمَعِ الإسْلَامِيِّ، وَتَكْفَلُ لَهُ السَّعَادَةَ وَالمَحَبَّةَ وَالتَّرَابُطَ بَيْنَ أفْرَادِهِ، وَمِنْ هَذِهِ الآدَابِ الإسْلامِيَّةِ الرَّفِيعَةِ، حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ، التي يَتَأَدَّبُ بِهَا المُسْلِمُ، وَبِتَحْقِيقِهَا يَرْقَى المُجْتَمَعُ الإسْلَامِيُّ, فَالطَّرِيقُ مِلْكٌ لِكُلِّ النَّاسِ، وَجَمِيعُ المَارَّةِ لَهُمْ حَقُّ الانْتِفَاعُ بِهِ، وَلِذَلِكَ حَذَّرَ الإسْلامُ مِن كُلِّ مَا يُؤْذِيِ المَارَّ بِالطَّرِيقِ، أوْ يُضَايِقَهُ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ) فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: مَالَنَا مِن مَجَالِسِنَا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (فَإنْ أَبَيْتُمْ إلَّا المَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ) قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُّ عَن المُنْكَرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: (وَإرْشَادُ ابْنَ السَّبِيلِ, وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللهَ) وَزَادَ البَّزَّارُ: (وَالإِعَانَةُ عَلَى الحَمْلِ) وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ: (وَأَعِينُوا المَظْلُومَ, وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا).
    وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ يَتَبَيَّنُ لَنَا حِرْصَ الإسْلامِ عَلَى مُرَاعَاةِ حُقُوقِ الآخَرِينَ, وَإحْسَاسِهِمْ، وَكَرَامَتِهِمْ, وَرَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَرْضَ الإسْلامُ أنْ يُطْلِقَ الجَالِسُ فِي الطَّرِيقِ نَظَرَهُ، فَيُحْرِجَ مَنْ يَمُرُّ بِالطَّرِيقِ وَخَاصَّةً مِن النِّسَاءِ، أوْ يُؤْذِي أَحَدٌ مِن المَارَّةِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِن أنْوَاعِ الإيذَاءِ الحَسِّيِّ أوِ المَعْنَوِيِّ، وَمِنْ ثَمَّ حَثَّ الإسْلامُ وَرَغَّبَ فِي إزَالَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، التي تُدْخِلُ صَاحِبَهَا الجَنَّةَ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِحَقِّ الطَّرِيقِ فِي الإسْلامِ, آدَابُ المَشْيِ, بِأَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ فِي مِشْيَتِهِ مُتَوَاضِعًا, مُتَسَامِحًا, قَالَ تَعَالَى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) أَيْ يَمْشُونَ بِسَكِينَةٍ, وَوَقَارِ, وَتَوَاضُعٍ، فَلَا خُيَلَاءَ, وَلَا كِبْرَ، وَلَا تَعَالٍ, وَلَا افْتِخَارَ عَلَى النَّاسِ، وَيَتَحَمَّلُونَ أَذَى الغَيْرِ, وَيَتَسَاهَلُونَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ الآخَرِينَ.
    وَاللهُ تَعَالَى يُوَجِّهُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ إلَى هَذَا الخُلُقِ الكَرِيمِ, والأَدَبِ الرَّفِيعِ فِي مَشْيِهِمْ، فَيَقُولُ تَعَالَى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَهَكُّمٌ بِالمُتَكَبِّرِينَ فِي مِشْيَتِهِمْ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ لِهَذا المُتَكَبِّرُ مَهْمَا ضَرَبْتَ الأَرْضَ أَيُّهَا المُتَكَبِّرُ بِقَدَمَيْكَ لِتُنَبِّهَ النَّاسَ إلَى عَظَمَتِكَ الفَارِغَةِ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ خَرْقَ الأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ، وَمَهْمَا رَفَعْتَ رأسك أَيُّهَا المُتَكَبِّرُ اخْتِيَالًا, وَعُجْبًا, فَلَنْ يَبْلُغَ طُولُكَ طُولَ الجِبَالِ، بَلْ أَنْتَ بِجَانِبِهَا ضَعِيفٌ, عَاجِزٌ, مَغْرُورٌ، وَعَاقِبَتُكَ وَخِيمَةٌ, وَنِهَايَتُكَ سَيِّئَةٌ، مَخْتُومَةٌ بِالحَسْرَةِ وَالعَذَابِ.
    وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلِيهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ, تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ, مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ, إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ, فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
    وَيَدْخُلُ فِي هَذَا المَجاَلِ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ أَيْضًا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِن إزْعَاجِ الآَخَرِينَ بِآلَاتِ التَّنْبِيهِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ بِغَيْرِ حَاجَةٍ إلى ذَلِكَ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِن أَبْوَاقِ السَّيَّارَاتِ دُونَ حَيَاءٍ وَلَا مُرَاعَاةٍ لِشُعُورِ الآخَرِينَ.

    *فَإنَّ مِنَ الكَبْرِ, وَالخُيَلاءِ, وَالخُرُوجِ عَن آدَابِ الْإسْلَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَقِّ الطَّرِيقِ الإسْرَاعُ بِالسَّيَّارَاتِ, وَمُخَالَفَةُ قَوَاعِدِ المُرُورِ, التِي وُضِعَتْ لِتَحْفَظَ عَلَى النَّاسِ أَرْوَاحَهُمْ.
    أَلا وَلْيَعْلَمَ كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذِهِ المَرْكَبَاتِ هِيَ مِن نِعَمِ اللهِ تَعَالَى العَظِيمَةِ, التِي يَجِبُ شُكْرُهَا، وَمِنْ شُكْرِهَا ألَّا يُؤْذَى بِهَا أَحَدٌ مِن النَّاسِ، وَالَّا يُفْسِدَ بِهَا فِي الأرْضِ, وَإذَا كَانَ دِينُنَا الحَنِيفُ قَدْ حَذَّرَ المُسْلِمَ مِن أنْ يَمْشِيَ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ يَحْمِلُ سِلاحًا مِنْ أيِّ نَوْعٍ كَانَ بِطَرِيقَةٍ مُخِيفَةٍ؛ لِأنَّ لَهُ تَأثِيرًا عَلَى نُفُوسِ النَّاسِ بِالإزْعَاجِ وَالإِخَافَةِ, فَكَيْفَ بِمَنْ يُلْحِقُ الأَذَى بِالنَّاسِ، أَوْ يُخِيفُهُمْ, أوْ يُزْعِجُهُمْ, أَوْ يُزْهِقُ أَرْوَاحَهُمْ بِسَيَّارَتِهِ.

  • معرفة الله تعالى

    معرفة الله تعالى

    *فَإِنَّ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّينِ الْعَظِيمَةِ, وَمَنَازِلِهِ الْعَالِيَةِ الرَّفِيعَةِ, مَعْرِفَةُ الرَّبِّ الْعَظِيمِ, وَالْخَالِقِ الْجَلِيلِ؛ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى, وَمَا تَعَرَّفَ اللهُ تَعَالَى بِهِ إِلَى عِبَادِهِ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وَمَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ أَفْضَلُ وَأَوْجَبُ مَا اكْتَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ, وَحَصَّلَتْهُ النُّفُوسُ, وَأَدْرَكَتْهُ الْعُقُولُ، قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقيِّمِ: فَالسَّيْرُ إِلَى اللهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: شَأْنُهُ عَجَبٌ, وَفَتْحُهُ عَجَبٌ، وَصَاحِبُهُ قَدْ سِيقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِهِ, غَيْرَ تَعِبٍ, وَلَا مَكْدُودٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَمِنَ الْإِيْمَانِ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ: الْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ, وَأَنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ، وَأَنَّهُ الْحَيُّ القَيُّومُ الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، وَأَنَّ لَهُ الْمَشِيئَةَ النَّافِذَةَ وَالْحِكْمَةَ الْبَالِغَةَ، وَأَنَّهُ سِمِيعٌ بَصِيرٌ، رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَى، وَأَنَّهُ الْمَلِكُ, الْقُدُّوسُ, السَّلامُ, الْمُؤْمِنُ, الْمُهَيْمِنُ, الْعَزِيزُ, الْجَبَّارُ, الْمُتَكَبِّرُ، فَهُوَ جَلَّ جَلَالُهُ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ, وَكَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ يُدَبِّرُ أَمْرَ الْمَمَالِكِ، فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُحْيِيِ وَيُمِيتُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَيُدَاوِلُ الْأَيْامَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُقَلِّبُ الدُّوَلَ، فَيَذْهَبُ بِدَوْلَةٍ، وَيَأْتِي بِأُخْرَى.
    وَأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلًمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا، وَوَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وَحُكْمًا، وَوَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ؛ فَلَا تَخْتَلِفُ وَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ؛ بَلْ يَسْمَعُ ضَجِيجَهَا بِاخْتِلَافِ لُغَاتِهَا عَلَى تَنَوُّعِ حَاجَاتِهَا، فَلَا يَشْغَلْهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَأَحَاطَ بَصَرُهُ بِجَمِيعِ الْمَرْئِيَاتِ فَيَرَى النَّمْلَةَ السَّوْدَاءَ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ.
    فَالْغَيْبُ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ, وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ, لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ؛ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَشَمِلَتْ نِعْمَتُهُ كُلَّ حَيٍّ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فَيَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجُ هَمًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَجْبُرُ كَسِيرًا، وَيُغْنِي فَقِيرًا، وَيُعَلِّمُ جَاهِلًا، وَيَهْدِي ضَالًا، وَيُرْشِدُ حَيْرَانًا، وَيُغِيثُ لَهْفَانًا، وَيُشْبِعُ جَائِعًا، وَيَكْسُو عَارِيًا، وَيَشْفِي مَرِيضًا، وَيُعَافِي مُبْتَلًى، وَيَقْبَلُ تَائِبًا، وَيَجْزِي مُحْسِنًا، وَيَنْصُرُ مَظْلُومًا، وَيَقْصِمُ جَبَّارًا، وَيُقِيلُ عَثْرَةً، وَيَسْتُرُ عَوْرَةً، وَيُأَمِّنُ خَائِفًا، وَيَرْفَعُ أقْوَامًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ.
    يَبْسُطُ يَدَهُ فِي النَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ, وَيَبْسُطُ يَدَهُ فِي اللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيئُ النَّهَارِ؛ مَلِكُ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِيْ لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، حِجَابُهُ النَّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ, يَمِينُهُ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, مَلِكٌ لَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، وَلَا يَكْبُرُ عَلَيْهِ عَيْبٌ أَنْ يَسْتُرَهُ, وَلَا حَاجَةٌ يُسْأَلُهَا أَنْ يُعْطِيَهَا، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ, وَأَهْلَ أَرْضِهِ, وَإِنْسَهُمْ, وَجِنَّهُمْ, الْأَوَّلُونَ مِنْهُمْ وَالْآخِرُونَ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوهُ فَأَعْطَى كُلًّا مِنْهُمْ مَا سَأَلَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَشْجَارَ الْأَرْضِ كُلَّهَا مِنْ يَوْمِ وُجِدَتْ إِلَى أَنْ تَنْقَضِي الدُّنْيَا أَقْلَامٌ، وَالْبَحْرُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ تُمِدُّهُ بِالْأَحْبَارِ، فَكُتِبَ بِتِلْكَ الْأَقْلَامِ, وَذَلِكَ الْحِبْرُ، لَفَنِيَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ الْمِدَادُ، وَلَمْ تَنْفَدْ كَلِمَاتُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

    *فَسُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ الْحَلِيمِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ, الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيءٌ، وَالْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيءٌ, وَالظَّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيءٌ، وَالْبَاطِنُ الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيءٌ, أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ، وَأَحَقُّ مَنْ عُبِدَ، وَأَحَقُّ مَنْ حُمِدَ، وَأَوْلَى مَنْ شُكِرَ, وَأَنْصَرُ مَنِ ابْتُغِيَ، وَأَرْأَفُ مَنْ مَلَكَ، وَأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ، وَأَوْسَعُ مَنْ أُعْطِىَ، وَأَعْفَى مَنْ قَدَرَ، وَأَعْدَلُ مَنِ انْتَقَمَ.
    هُوَ الْمَلِكُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْفَرْدُ لَا يَهْلَكُ، وَكُلُّ شَئٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لَنْ يُطَاعَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَنْ يُعْصَى إِلَّا بِعِلْمِهِ، يُطَاعُ فَيَشْكُرُ، وَيُعْصَى فَيَغْفِرُ، أَقْرَبُ شَهِيدٍ، وَأَدْنَى حَفِيظٍ، كَتَبَ الْآثَارَ, وَنَسَخَ الْآجَالَ، الْقُلُوبُ لَهُ مُفْضِيَةٌ، وَالسِّرُّ عِنَدَهُ عَلَانِيَةٌ، وَالْحَلَالُ مَا أَحَلَّ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَ، وَالْأَمْرُ مَا قَضَى، وَالْخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالْعَبِيدُ عَبِيدُهُ، وَهُوَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ.