الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • الوسواس 1

    الوسواس 1

    *فَيُعَانِي الْبَعْضُ مِنَّا؛ مِنَ الْوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِيَّةِ, الَّتِي تُنَغِّصُ عَلَيْهِمْ صَفْوَ الْعِبَادَةِ وَالْحَيَاةِ, وَالشَّيْطَانُ بِطَبِيعَتِهِ يُوَسْوِسُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ, لَكِنِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الطَّبِيعِيِّ, وَالْإِنْسَانِ الْمُبْتَلَى بِالْوَسَاوِسِ: هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ إِذَا اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, زَالَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ, لَكِنِ الْمُبْتَلَى بِالْوَسَاوِسِ إِذَا اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, انْخَنَسَ الشَّيْطَانُ, لَكِنْ تَبْدَأُ نَفْسُ الْمُبْتَلَى بِالْوَسَاوِسِ بِالْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ بِمَا وَسْوَسَ بِهِ الشَّيْطَانُ, وَلَا تَهْدَأُ هَذِهِ النَّفْسُ حَتَّى يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ مَا وَسْوَسَ بِهِ الشَّيْطَانُ, أَوْ يُعْرِضَ الإِنْسَانُ عَنْ التَّفْكِيرِ بِهَذَا الأَمْرِ نِهَائِيًّا, فَإِنِ اسْتَمَرَّ الْمُبْتَلَى فِي التَّفْكِيرِ بِهَذَا الْأَمْرِ دُونَ فِعْلٍ لَهُ, أَوْ تَجَاهُلٍ لَهُ, فَسَتَظَلُّ هَذَهِ الْفِكْرَةُ تُلِحُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَلَهَا؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمَنْ بُلِيَ بِالْوَسَاوِسِ: (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتِهِ) وَلَمْ يَكْتِفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِرْشَادِنَا بِالْاسْتِعَاذَةِ فَقَطْ؛ بَلْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ: أَمَرَنَا بِالْانْتِهَاءِ عَنِ التَّفْكِيرِ فِيمَا يُوَسْوِسُ فِيهِ الشَّيْطَانُ نِهَائِيًّا, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنْ الشَّيْطَانَ يَسْعَى جَاهِدًا فِي أَنْ يَعِيشَ الْمُؤْمِنُ فِي قَلَقٍ, وَحُزْنٍ, وَكَآبَةٍ بِأَسَالِيبَ شَتَّى؛ وَمِنْ ضِمْنِهَا الْوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِيَّةُ. بَقِيَ السُّؤَالُ الْمُهِمُّ: مَا هُوَ الْعِلَاجُ الْأَمْثَلُ لِمَرَضِ الْوَسَاوِسِ؟
    لَا يَكْتَمِلُ الْعِلَاجُ مِنَ الْوَسَاوِسِ إِلَّا إِذَا بُنِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مُهِمَّةٍ:
    الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ: التَّجَاهُلُ التَّامُ لِجَمِيعِ الْوَسَاوِسِ, وَالْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ, صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا, وَعَدَمُ الْالْتِفَاتِ إِلَيْهَا نِهَائِيًّا, وَيَجِبُ أَلَّا يَكْتِفِي الْمُبْتَلَى بِأَنْ لَا يَفْعَلَ مَا تُمْلِيهِ عَلَيْهِ الْوَسَاوِسُ فَقَطْ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّفْكِيرِ أَبَدًا بِهَذِهِ الْوَسَاوِسِ؛ فَمَثَلًا لَوْ تَوَضَّأَ, ثُمَّ أَحَسَّ بِخُرُوجِ شَيءٍ مِنْهُ, فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يَلْتَفِتَ لِهَذَا الْإِحْسَاسِ نَهَائِيًّا, بَلْ يَذْهَبُ إِلَى الصَّلاةِ مُبَاشَرَةً, كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يُحَاوِلَ إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِعَدَمِ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ؛ لَأَنَّ مُحَاوَلَةَ إِقْنَاعِ نَفْسِهِ بِعَدَمِ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ؛ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْوَسْوَاسِ؛ يَجِبُ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ أَبَدًا, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ أَفْضَلَ عِلَاجٍ لِلْوَسَاوِسِ يَكُونُ بِتَجَاهُلِ الْفِكْرَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ, وَلَوْ كُنْتَ مُقْتَنِعًا بِصِحَّتِهَا؛ لِكَيْ يَتَعَوَّدَ الْمُبْتَلَى عَلَى الصُّمُودِ أَمَامَ الْفِكْرَةَ الْمُلِحَّةِ؛ مِمَّا يَجْعُلُ الْإِلْحَاحَ يَخِفُّ تَدْرِيجِيًّا إِلَى أَنْ يَزُولَ نِهَائِيًّا بِإِذْنِ اللهِ.
    الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ: الْمُوَاجَهَةُ وَعَدَمُ الْفِرِارِ؛ بِأَنْ يُوَاجِهَ الْمُبْتَلَى الْفِكْرَةَ الْوَسْوَاسِيَّةَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ, وَيُلْغِي فِكْرَةَ الْهَرَبِ نِهَائِيًّا, ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمُوَاجَهَةِ, فَكَمْ هَرَبَ الْمُبْتَلَى مِنَ الْوُضُوءِ أَمَامَ النَّاسِ, وَمِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلْيُعْلَمَ أَنَّهُ لَوِ اسْتَمَرَّ الْمُبْتَلَى فِي هُرُوبِهِ عِشْرِينَ سَنَةً, فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ عَشْرِينَ سَنَةً أَيْضًا, فَالْمُوَاجَهَةُ حَتْمِيَّةٌ مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ, وَسِيَاسَةُ الْمُوَاجَهَةُ تَكُونُ بِاسْتِخْدَامِ قَاعِدَةِ: (أَبْدَأُ، وَأَسْتَمِرُّ، وَأُكْمِلُ) فَلَوْ أَرَدْتَ الْوُضُوءَ مَثَلًا؛ فَبَدَأَ الشَّيْطَانُ بِتَخْوِيفِكَ, فَهُنَا إِيَّاكَ مِنَ الْانْسِحَابِ, بَلْ طَبِّقْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِسُرْعَةٍ وَابْدَأِ الْوُضُوءَ مُبَاشَرَةً وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ, ثُمَّ تَمَضْمَضْ, وَاسْتَنْشِقْ, وَهَكَذَا حَتَّى تُنْهِي الْوُضُوءَ، فَإِنْ ضَغَطَ عَلَيْكَ الْوِسْوَاسُ لِكَيْ تَقْطَعَ الْوُضُوءَ فَاسْتَمِرَّ فِيهِ, وَلَا تُبَالِي بِهِ, فَإِنِ اسْتَمَرَّ ضَغْطُ الْوَسْوَاسِ عَلَيْكَ فَأَكْمِلِ الْوُضُوءَ حَتَّى النِّهَايَةَ, وَبِهَذَا تَكُونُ قَدْ أَنْهَيْتَ الْوُضُوءَ كَامِلًا, ثُمَّ اذْهَبْ إِلَى الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ جَاءَكَ الْوَسْوَاسُ يُخَوِّفُكَ مِنْهَا؛ فَطَبِّقْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ: (أَبْدَأُ، وَأَسْتَمِرُّ، وَأُكْمِلُ) مَرَّةً أُخْرَى, وَوُضُوئُكَ وَصَلَاتُكَ صَحِيحَانِ.
    الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ: الصُّمُودُ وَالثَّبَاتُ, وَالْمَقْصُودُ بِهِمَا أَمْرَانِ: أَوَّلًا: هُوَ صُمُودُ الْمُبْتَلَى عَلَى تَجَاهُلِ الْفِكْرَةِ الْوَسْوَاسِيَّةِ, وَعَدَمِ تَنْفِيذِهَا, أَوْ حَتَّى التَّفْكِيرَ بِهَا. ثَانِيًا: الاسْتِمْرَارُ بِالْعِبَادَةِ وَعَدَمُ قَطْعِهَا مَهْمَا وَاجَهَ الْمُبْتَلَى مِنْ أَفْكَارٍ. وَهَذَا الرُّكْنُ هُوَ أَهَمُّ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ تَسْتَنِدُ عَلَيْهِ؛ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَجَاهُلٌ, وَمُوَاجَهَةٌ فَعَّالَةٌ, مَعَ عَدَمِ الثَّبَاتِ وَالصُّمُودِ, بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ أَحَسَّ الْمُبْتَلَى بِخُرُوجِ شَيءٍ مِنْهُ, وَتَجَاهَلَ الْفِكْرَةَ, وَلَمْ يُفَكِّرْ فِيهَا, وَبَدَأَ الْوَسْوَاسُ يَضْغَطُ عَلَيْهِ وَيَشْتَدُّ, وَالْمُبْتَلَى لَا يَلْتَفِتُ لِذَلِكَ, وَلَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِشَلَ فِي الصُّمُودِ وَالثَّبَاتِ؛ فَذَهَبَ وَغَيَّرَ مَلَابِسَهُ؛ فَسَيَكُونُ الْمُبْتَلَى قَدْ فَشِلَ فِي رُكْنَيْنِ كَامِلَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ وَهُمَا الصُّمُودُ وَالتَّجَاهُلُ, وَلِكَيْ يَسْتَطِيعُ الْمُبْتَلَى أَنْ يَصْمُدَ أَمَامَ الْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ دَائِمًا أَنَّ النَّصْرَ لِمَنْ يَصْبِرُ فِي اللَّحَظَاتِ الْأَخِيرَةِ, فَرُبَّمَا يَصْمُدُ الْإِنْسَانُ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ, وَلَا يَبْقَى سِوَى لَحَظَاتٍ يَسِيرَةٍ, وَيَنْهَارُ الْوَسْوَاسُ, وَلَكِنَّ الْمُبْتَلَى يَكُونُ هُوَ السَّابِقُ فِي الْانْهِيَارِ, وَلِذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ بِالصُّمُودِ حَتَّى يُكْمِلَ الْعِبَادَةَ التِي هُوَ فِيهَا, وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الصُّمُودُ حَتَّى تَتَلَاشَى الْفِكْرَةُ الشَّيْطَانِيَّةُ الْمُلِحَّةُ عَلَى نَفْسِهِ نِهَائِيًّا.
    *فَمِنَ الْمُهِمِّ بَعْدَ تَطْبِيقِ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ الثَّلَاثَةِ؛ الْاسْتِمْرَارُ عَلَى هَذَا الْعِلَاجِ, وَعَدَمُ قَطْعِهِ, وَلْيُعْلَمَ أَنَّهُ بَعْدَ تَطْبِيقِ هَذَا الْعِلَاجِ, سَيَشْعُرُ الْمُبْتَلَى بِالرَّاحَةِ, وَقَدْ يَجْلِسُ يَوْمًا, أَوْ يَوْمِينِ, أَوْ أَكْثَرَ؛ بَلَا وَسَاوِسَ؛ لَأَنَّ الْوَسْوَاسَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَقُومُ بِالْابْتِعَادِ الْكُلِّيِّ عَنِ الْمُبْتَلَى؛ لَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُوَاجَهَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ بِسَبَبِ قُوَّةِ عَزِيمَةِ الْمُبْتَلَى، لَكِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْمُبْتَلَى مِنْ بَعِيدٍ, وَيَتَحَيَّنُ الْفُرْصَةَ لِيَهْجُمَ عَلَيْهِ مِنْ جَدِيدٍ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا, وَلْيَكُنِ الْإِنْسَانُ يَقِضًا لِهَذِهِ الْمَكِيدَةِ, فَإِنْ أَتَتْ فِيمَا بَعْدُ أَيُّ فِكْرَةٍ وَسْوَاسِيَّةٍ؛ وَلَوْ كَانَتْ بَسِيطَةً, فَلْيُطَبِّقْ عَلَيْهَا أَرْكَانَ الْعِلَاجِ الثَّلَاثَةَ: التَّجَاهُلُ التَّامُ, وَالْمُوَاجَهَةُ, وَالصُّمُودُ وَالثَّبَاتُ.

  • المعوذتان

    المعوذتان

    *فَتَوَاتَرَ مِن طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ, وَأَحْمَدَ, وَأصْحَابِ السُّنَنِ, عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ لَمْ يُرَى مَثْلَهُنَّ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِنَّ قَطٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ: (مَا قَرَأَ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ) ثُمَّ قَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (قُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ الفَلَقِ, وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وَأَقْرَأَهَا لِعُقْبَةَ. قَالَ عُقْبَةُ: ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِنَا الصُّبْحَ فَقَرَأَ بِهِنَّ، بِقُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ الفَلَقِ, وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ؛ ثُمَّ قَالَ لِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ: (اقْرَأَ بِهِنَّ كُلَّمَا قُمْتَ وَكُلَّمَا نِمْتَ) وَفِي رِوَايَةٍ: (وَفِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ).
    وَمَعْنَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أيْ أَعُوذُ وَألْتَجِئُ وَأَحْتِمِيْ وَأَسْتَغِيثُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وَالفَلَقُ هُوَ الصُّبْحُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾.
    وَمَعْنَى: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أيْ أَسْتَعِيذُ بِرَبِّ الفَلَقِ مِن جَمِيعِ الشُّرُورِ، مِمَّا أَعْلَمُهُ وَمِمَّا لَا أَعْلَمُهُ.
    وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ أيْ اللَّيلُ إذَا أَقْبَلَ, وَفِي اللَّيلِ تَكُونُ غَالِبًا الشُّرُورُ المَعْنَوِيَّةُ وَالْحِسِّيَّةُ، وَفِيهِ تَنْتَشِرُ الشَّيَاطِينُ, فَنَحْنُ نَسْتَعِيذُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّوْرَةِ مِنْ هَذِهِ الشُّرُورِ التي تَكُونُ فِي الظُّلُمَاتِ مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ.
    وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ أيْ السَّحَرَةُ والسَّوَاحِرُ، وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى السَّوَاحِرَ هُنَا لِأَنَّهُنَّ أَغْلَبَ، فَإنَّ لَمْ تَسْتَعِذْ بِاللهِ مِن السَّحْرِ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يُصِيبَكَ مِنْ شَرِّهِ.
    وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ أَيْ حَسَدُ العَيْنِ، وَحَسَدُ القَلَبِ, وَحَسَدُ اللِّسَانِ.
    وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ﴾ أَيْ أَعُوذُ وَألْتَجِئُ وَأَحْتِمِيْ وَأَسْتَغِيثُ بِهَذَا الرَّبِّ الذِي رَبَّى جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ وَأَمَدَّهُمْ بِالنِّعَمِ, وَهَذَا المَلِكُ الذِي مُلْكُهُ عَمَّ كُلَّ شَيءٍ، وَهَذَا الإِلَهُ الِذي لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ العِبَادَةَ إلَّا هُو، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِنَا سَوَاءً مِنَ الجِنِّ أَوْ مِن الإِنْسِ، وَمِنْ رَحْمَةَ اللهِ بِنَا أَنَّ هَؤُلاءِ الشَّيَاطِينَ مِن الإنْسِ وَالجِنِّ إذَا ذُكِرَ اللهُ, وَقَامَتِ الحُجَجُ, وَنُشِرَتِ السُّنَّةُ, وَانْتَشَرَ نُورُ الإسْلَامِ, انْخَنَسُوا, وَتَصَاغَرُوا, وَذَلَّوا (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَوَسْوَسُةُ الشَّيَاطِينِ إمَّا أنْ تَكُونَ فِي المَاضِي سَوَاءً بِمَا حَصَلَ لَكَ أَوْ لِغَيْرِكَ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَحَدُنَا مِن صَلَاتِهِ وَهُو لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى. وَإِمَّا أنْ تَكُونَ وَسْوَسَتُهُ فِي المُسْتَقْبَلِ، بِالْأَمَانِي الكَاذِبَةِ، وَالمَوَاعِيدِ الزَّائِفَةِ, (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) وَلَكَمْ وَسْوَسَتْ الشَّيَاطِينُ لِأُنَاسٍ بِالمَوَاعِيدِ, وَالْأَمَانِي الكَاذِبَةِ, حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِمُ الْأْعْمَارُ؟ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا مِنهَا بِشَيءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. وَإِمَّا أنْ تَكُونَ وَسْوَسَتُهُ فِي الْأَوَامِرِ والنَّوَاهِي، كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.

    *فَهَذَهِ مُعُوِّذَتَانِ, مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهَا قَطٌّ، وَلَا سَأَلَ أَحَدٌ وَلَا اسْتَعَاذَ بِمِثْلِهَا قَطٌّ، تُعُيذُكَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى إذَا قُلْتَهَا بِقَلْبٍ حَاضِرٍ, وَدَاوَمْتَ عَلَيْهَا، مِن هَذِهِ الشُّرُورِ المُحْدِقَةِ بِكَ وَالمُتَرَصِّدَةِ لَكَ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى تَنْخَنِسُ شَيَاطِينُ الجِنِّ، وَبِصُحْبَةِ العُلَمَاءِ يُكْشَفُ زَيْفُ وَبَاطِلُ وَوَسَاوِسُ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ.
    اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِن شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا فِي عَافِيَةٍ, وَأَمِتْنَا فِي عَافِيَةٍ، وَاكْفِنَا مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

  • القصد القصد تبلغوا

    القصد القصد تبلغوا

    *فَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: )لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا, إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ, وَإنَّ الدِّينَ يُسْرٌ, وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ, فَسَدِّدُوا, وَقَارِبُوا, وَأَبْشِرُوا, وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ, وَالرَّوْحَةِ, وَشَيْءٍ مِن الدُّلْجَةِ, وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا, وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ, التِي يُبْنَى عَلَيْهَا النَّجَاةُ, وَالْفَلَاحُ, أَنْ يُوقِنَ الْعَبْدُ أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ بِعَمَلِهِ مَهْمَا عَظُمَ هَذَا الْعَمَلِ, فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ – وَإنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الفَاعِلَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ – إِلَّا أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ هُوَ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ وَإِعَانَتِهِ, وَلِذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ بِسَبَبِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ, فَالطَّاعَاتُ إِنَّمَا هِيَ أَسْبَابٌ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ قَرِيبٌ مِن الْمُحْسِنِينَ, وَأَمَّا دُخُولُ الْجَنَّةِ فَإنَّمَا هُوَ بِأَمْرِ اللهِ وَفَضْلِهِ.
    فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ لَا يُعْجَبَ بِعَمَلِهِ مَهْمَا عَظُمَ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْعَبْدَ مَهْمَا كَانَ عُلُوُّ صَلَاحِهِ وَكَثْرَةُ طَاعَاتِهِ, فَإنَّهُ لَا يَخْلُو مِن ذَنْبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ غَفْلَةٍ, وَلَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَهُ بِأَحَدِهَا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ, وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَإنَّ الدِّينَ يُسْرٌ) أَيْ مُيَسَّرٌ, مُسَهَّلٌ فِي عَقَائِدِهِ, وَأَخْلَاقِهِ, وَأَعْمَالِهِ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ) فَمَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ, وَلَمْ يَكْتَفِ بِمَا اكْتَفَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَلَا بِمَا عَلَّمَهُ لِلْأُمَّةِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، بَلْ غَلَا فِي العِبَادَاتِ, وَتَكَلَّفَ فَوْقَ مَا يُطِيقُ وَعَسَّرَ عَلَى نَفْسِهِ: فَإنَّ الدِّينَ يَغْلِبُهُ، وَآخِرُ أَمْرِهِ إِلَى الْعَجْزِ وَالْانْقِطَاعِ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (فَسَدِّدُوا, وَقَارِبُوا, وَأَبْشِرُوا) فَالتَّسْدِيدُ هُوَ إصَابَةُ الْعَبْدِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ, فَإنَّ لَمْ يُدْرِكِ السَّدَادَ وَالْكَمَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلْيَتَّقِ اللهِ مَا اسْتَطَاعَ, وَهِيَ الْمُقَارَبَةُ, وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ كُلِّهِ فَلْيَعْمَلْ مِنْهُ مَا يَسْتَطِيعُهُ, وَلْيُبْشِرِ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالثَّوَابِ الْعَظِيمِ عَلَى الْعَمَلِ الدَّائِمِ وَإنْ قَلَّ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ, وَالرَّوْحَةِ, وَشَيْءٍ مِن الدُّلْجَةِ) فَالْغَدْوَةُ: أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالرَّوْحَةُ: آخِرُهُ، وَالدُّلْجَةُ: آخِرُ سَاعَةٍ مِن اللَّيْلِ، وَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ هِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَاغِ وَالنَّشَاطِ, وَهِيَ أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ لِقَطْعِ الْمَسَافَاتِ فِي الْأَسْفَارِ الْحِسِّيَّةِ، مَعَ رَاحَةِ الْمُسَافِرِ وَرَاحِلَتِهِ، وَهِيَ كَذَلِكَ أَيْضًا أَفْضَلُ الْأوْقَاتِ لِقَطْعِ السَّفَرِ إلَى الدَّارِ الآخِرَةِ، وَالسَّيْرِ إلَى اللهِ سَيْرًا جَمِيلًا, وَمَتَى مَا أَشْغَلَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي هَذِهِ الْأوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ: حَصَلَ لَهُ مِن البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ أَكْمَلَ حَظٍّ، وَأَوْفَرَ نَصِيبٍ، وَتَمَّ لَهُ النَّجَاحُ, وَالْفَلَاحُ, فِي رَاحَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ.

    *فَقَدْ خَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هِذِهِ الْوَصَايَا الْعَظِيمَةَ بِوَصِيَّةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى النُّفُوسِ، وَهِيَ غَايَةٌ فِي النَّفْعِ, فَقَالَ: (وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ, أَيْ المُعْتَدِلَ مِن الْأَعْمَالِ, الذِي لَا يَمِيلُ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيِ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) لِأَنَّ الْمُدَاوِمَ عَلَى طَاعَةَ اللهِ، مُلَازِمٌ لِعَتَبَةِ الْعُبُودِيَّةِ يَطْرُقُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا, فَحَرِيٌّ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ طَرَقَ طَرْقًا عَنِيفًا, ثُمَّ انْصَرَفَ, فَحَرِيٌّ أَلَّا يُفْتَحَ لَهُ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَزْهِيدٌ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ, لَكِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إنَّمَا يَنْفَعُ إذَا كَانَ خَالِصًا لِلهِ, وَعَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا, فَاقْتَصِدُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِي الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ وَأَحْسِنُوهَا، وَاجْتَهِدُوا فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَحَقِّقُوهَا, مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ, وَخَوْفِهِ, وَإِجْلَالِهِ, وَتَعْظِيمِهِ, وَفِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ, وَالتَّعَلُّقِ بِهِ, وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا.

  • الظلم ظلمات

    الظلم ظلمات

    *فَأَخْرَجَ الإمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا, يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ, يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ, يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ, يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ, يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى, وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى, يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا, يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا, يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ, يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ, وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ). قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
    وَفِي هَذَا الحَدِيثِ فَوَائِدَ مِنْهَا:
    قُبْحُ الظَّلْمِ وَشَنَاعَتُهُ, والظُّلْمُ هُو وَضْعُ الشَّيءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَعَهَا مِنْهُ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَلَا يَقَعُ مِنْهُ الظُّلْمُ أبَدًا؛ لِكَمَالِ عَدْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالظُّلْمُ ثَلَاثَةُ أنْوَاعٍ: ظُلْمُ الإنْسَانِ رَبَّهُ وَيَكُونُ بِالشِّرْكِ بِهِ, وَهُو أَظْلَمُ الظُّلْمِ وأَقْبَحُ القَبَائِحِ. وظُلْمُ الإنْسَانِ لِنَفْسِهِ بِالمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَكَذَلِكَ تَحْمِيلُهَا مَالَا تُطِيقُ مِن العِبَادَةِ. وَظُلْمُ الإنْسَانِ غَيْرَهُ مِن البَشَرِ؛ كَأَنْ يَتَعَدَّى عَلَى شَخْصٍ بِالضَّرْبِ، أوِ القَتْلِ، أوْ أَخْذِ مَالِهِ، أوِ انْتِقَاصِ أَجْرِ العُمَّالِ وَالضُّعَفَاءِ.
    وَمِنْهَا: أنَّ الظُّلْمَ مُحَرَّمٌ بَيْنَ النَّاسِ, وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ يَكُونُ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ, كَمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا).
    وَمِنْهَا: أنَّ جَمِيعَ الخَلْقِ مُفْتَقِرُونَ أَشَدَّ الفَقْرِ إلى اللهِ تَعَالَى فِي جَلْبِ مَصَالِحِهِم، وَدَفْعِ مَضَارِّهِم فِي أُمُورِ دِينِهِم وَدُنْيَاهُم.
    وَمِنْهَا: أنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ أنْ يَسْأَلَهُ عِبَادُهُ وَيَسْتَغْفِرُوهُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ مُلْكَ اللهِ تَعَالَى لا يَزِيدُ بِطَاعَةِ الخَلْقِ وَلا يَنْقُصُ بِمَعْصِيَتِهِم, وأنَّ خَزَائِنَهُ لا تَنْفَذُ وَلَا تَنْقُصُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ مَا أصَابَ العَبْدَ مِن خَيْرٍ فَمِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى، وَمَا أصَابَهُ مِن شَرٍّ فَمِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ الأصْلَ فِي الإنسانِ الضَّلالُ والجَهْلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) وَقَوْلِهِ فِي هَذَا الحَدِيثِ: (يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ).
    وَمِنْهَا: وُجُوبُ طَلِبِ الهِدَايَةِ مِن اللهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذَا الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: (فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ).

    *فَمِن الفَوَائِدِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الحَدِيثِ: أنَّ بَنِي آدَمَ يُخْطِئُونَ كَثِيرًا فِي اللَّيلِ والنَّهَارِ, وَهَذَا الخَطَأُ يُقَابِلُهُ مَغْفِرَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ ذَنْبٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أنَّ الإنسانَ يَجِبُ أنْ يَعْرِفَ قَدْرَ نَفْسِهِ, فَكُلَّمَا أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ عَلِيهِ أنْ يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ الذُّنُوبَ مَهْمَا كَثُرَتْ؛ فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْفِرُهَا إذَا اسْتَغْفَرَ الإنْسَانُ رَبَّهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذَا الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: (وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ).
    وَمِنْهَا: يُسْتَفَادُ مِن قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) الْحَثُّ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى يَجِدَ الإنْسَانُ الخَيْرَ.
    وَمِنْهَا: أنَّ العَاصِيْ سَوْفَ يَلُومُ نَفْسَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعَهُ اللَّوْمُ وَلَا النَّدَمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ).

  • الشكر لله

    الشكر لله

    *فَفِي الصَّحِيحَيْن, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ, وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أيْ أَحَقُّ أَنْ لَا تُحَقِّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ.
    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ لِأَبْوَابِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا رَأَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْخَيْرِ؛ اسْتَنْقَصَ الْحَالَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، أَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ؛ تَبَيَّنَتْ لَهُ نِعَمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِالشُّكْرِ, وَلِهَذَا قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَنْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا, فَإِنَّ بَرِيقَ أَمْوَالِهِمْ يَذْهَبُ بِحَلَاوَةِ إِيمَانِكُمْ.
    وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (رَحِمَ اللهُ عَبْدًا نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ؛ فَحَمِدَ اللهَ وَشَكَرَهُ، وَفِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَجَدَّ وَاجْتَهَدَ) وَعَنْ عَمْروِ بْنِ شُعَيْبٍ مَرْفُوعًا: (خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ, كَتَبَهُ اللهُ شَاكِرًا صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُو دُونَهُ؛ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ، وَمَن نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ إِلَّا وَلَابُدَّ أَنْ يُبْتَلَى, إِمَّا بِالْخَيرِ أَوْ بِالشَّرِّ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وَمَعْنَى فِتْنَةً: أَيْ لِأَجْلِ الْفِتْنَةِ لِنَنْظُرَ أَتَصْبِرُونَ وَتَشْكُرُونَ, أَمْ تَجْزَعُونَ وَتَكْفُرُونَ النِّعْمَةَ.
    وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجُرٍ, قَالَ: مَا مِنِ النَّاسِ إِلَّا: مُبْتَلًى بِعَافِيَةٍ لِيُنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُهُ؟ أَوْ: مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ لِيُنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُهُ؟.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إِلَى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ حَالًا, وَأَشَدُّ بَلَاءً؛ عَرَفَ عَظِيمَ مِقْدَارِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ؛ فَحَمِدَ اللهَ وَشَكَرَهُ عَلَى نَعْمَائِهِ, وَأَمَّا مَنَ ارْتَفَعَ نَظَرُهُ, فَأَصْبَحَ يَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا؛ فَإِنِّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَزْدَرِيَ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ, وَيَسْتَنْقِصَهَا, وَيَفْقِدَ شُكْرَهَا؛ وَمَتَى فَقَدَ الْعَبْدُ الشُّكْرَ تَرَحَّلَتْ عَنْهُ النِّعَمُ, وَتَسَابَقَتْ إِلَيْهِ النِّقَمُ، وَامْتُحِنَ بِالْغَمِّ الْمُلَازِمِ، وَالْحُزْنِ الدَّائِمِ، وَالتَّسَخُّطِ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا, وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الدِّينِ عَلِمَ أَنَّهُ مِنَ الْمُفَرِّطِينَ, فَانْكَسَرَتْ نَفْسُهُ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ عَلَى تَقْصِيرِهِ, وَقَرَعَ بَابَ التَّوْبَةِ بِأَنَامِلِ النَّدَمِ, وَجَدَّ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَاجْتَهَدَ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى الشُّكْرِ مَدَارُ الْخَيْرِ, وَازْدِيَادُ النِّعَمِ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: (يَا مُعَاذُ: إِنِّي أُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ, وَشُكْرِكَ, وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).
    أَلَا وَاعْلَمُوا كَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ فَاهْتَدَى بِهَذَا الْهَدْيِ الَّذِي أَرْشَدَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَطَهَّرَ قَلْبُهُ مِنْ دَاءِ الْحَسَدِ, وَلَمْ يَزَلْ شُكْرُهُ فِي قُوَّةٍ وَازْدِيَادٍ، وَلَمْ تَزَلْ نِعَمُ اللهِ عَلَيْهِ تَتْرَى وَتَتَوَالَى.
    أَلَا وَاعْلَمُوا أَيْضًا كَذَلِكَ أَنَّ الشَّاكِرَ لِرَبِّهِ حَقًا هُوَ مَنْ قَامَ بِأَرْكَانِ الشُّكْرِ الثَّلَاثِ: الشُّكْرُ بِالْقَلْبِ, وَالشُّكْرُ بٍاللِّسَانِ, وَالشُّكْرُ بِالْجَوَارِحِ, فَيَشْكُرُ اللهَ بِقَلْبِهِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَيَشْكُرُ اللهَ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا، وَيَشْكُرُ اللهَ بِجَوَارِحِهِ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِهَذِهِ النِّعَمِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ.

    *فلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا السَّلَفُ الصَّالِحُ أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي شُكْرِهِمْ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَحَثِّهِمْ عَلَيْهِ, فَعَنْ بَكْرِ الْمُزَنِيِّ, أَنَّهُ قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ قَدْرَ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ فَأَغْمِضْ عَيْنَيْكَ.
    وَعَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ, أنَّهُ قَدِمَ مِنَ الْحَجِّ, فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي سَفَرِنَا بِكَذَا وَكَذَا, ثُمَّ قَالَ: تَعْدَادُ النِّعَمِ: شُكْرُهَا.
    وَعَنْ سَلَامِ بْنِ سُلَيْمٍ, قَالَ: كُنْ لِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي دِينِكَ, أَشْكَرُ مِنْكَ لِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي دُنْيَاكَ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِنَ السُّنَنِ الْمَهْجُورَةِ أَنْ نَشْكُرَ النَّاسَ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ, سَوَاءً مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوِالدِّينِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: )لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ) فَأَقِيمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ هَذِهِ السُّنَّةَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَعَوِّدُوا أَوْلَادَكُمُ الشُّكْرَ, وَرَدَّ الْجَمِيلِ, لِكُلِّ مَنْ صَنَعَ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ, فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ, فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ, فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا, فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ).

  • السلام

    السلام

    *فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ) وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ, فَكُنْتُ فِيمَنْ انْجَفَلَ, فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ, فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصِلُوا الْأَرْحَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ والنَّاسُ نِيَامٌ فِي هَذا الحَدِيثِ: أيْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ, وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ: أَيْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
    وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَفْشُوا السَّلَامَ) أَيْ ارْفَعُوا الصَّوْتَ بِهِ وَأشِيعُوهُ عَلَى مَنْ عَرَفْتُمْ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفُوا؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّغَائِنَ وَيُورِثُ المَحَبَّةَ.
    وَيُسْتَثْنَى مِنْ نَدْبِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالسَّلَامِ مَا لَوْ دَخَلَ الإنْسَانُ مَكَانًا فِيهِ أَنَاسٌ نِيَامٌ, فَالسُّنَّةُ: مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ).
    وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إِفْشَائِهِ: مَنْ دَخَلَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالبَيْتِ أَحَدٌ أنْ يَقُولَ: (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ).
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَرَدُّ السَّلَامِ أَوْكَدُ مِنِ ابْتِدَائِهِ، وَالسَّلَامُ المَأْمُورُ بِهِ هُو أنْ يُقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَوْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, حَتَّى وَلَوُ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا, وَيَجُوزُ أنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكَ إِنْ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا, وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ, أَيْ: سَلَامَةٌ لَكَ مِنِّي وَأَمَانٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (السَّلاَمُ شِعَارٌ لِمِلَّتِنَا، وَأَمَانٌ لِذِمَّتِنَا) والسَّلامُ أيضًا: اسْمٌ مِن أسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ) وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى: أَيْ المُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ التي تَقَعُ مِن خَلقِهِ. وَأَمَّا الرَّادُّ عَلَى المُسَلِّمِ: فَالوَاجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَرُدَّ مَا سَمِعَهُ، وَالمَنْدُوبُ أنْ يَزِيدَ إنَّ بَقَّى لَهُ المُبْتَدِىءُ بِالسَّلامِ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَوْ انْتَهَى المُبْتَدِىءُ بِالسَّلَامِ إلى غَايَتِهِ؛ التي هِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ لَمْ يَزِدِ الرَّادُّ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأنَّ السَّلَامَ قَدِ انْتَهَى إلَى البَرَكَةِ.
    وَيُشْرَعُ السَّلَامُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ كَمَا يُشْرَعُ عِنْدَ الدُّخُولِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ: أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عَشْرُ حَسَنَاتٍ) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عِشْرُونَ حَسَنَةً) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (ثَلَاثُونَ حَسَنَةً) فَقَامَ رَجُلٌ مِن المَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ المَجْلِسَ فَلْيُسَلِّمْ, فَإنْ بَدَا لَهُ أنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسَ, وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ, مَا الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ).

    *فَيُنْهَى المُبْتَدِيءُ بِالسلامِ أنْ يَقُولَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، لِنَهْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَن ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ المَيِّتِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ – ثَلَاثًا- أيْ: هَكَذَا فَقُلْ.
    وَقَوْلُهُ: (عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي عَادَةِ الشُّعَرَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ*وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَن يَتَرحَّمَا.
    وَلَيْسَ المُرَادُ أنَّ هَذَا اللَّفْظَ هُو المَشْرُوعُ فِي حَقِّ المَوْتَى؛ لِأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ سَلَّمَ عَلَى المَوْتَى، كَمَا سَلَّمَ عَلَى الْأحْيَاءِ، فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).
    وَيُنْهَى عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ لِلسَّلَامِ فَقَطْ دَوْنَ تَلَفُّظٍ بِالسَّلَامِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: (لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفِّ) إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَ الصَّلَاةِ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ.
    وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ الكَافِرِ بِالسَّلَامِ، وَإذَا دَخَلَ الإنْسَانُ عَلَى مَجْمُوعَةٍ فِيهِم أَخْلَاطٌ مِن المُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِم, فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ نَاوِيًا المُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وأمَّا الرَّدُّ عَلَى سَلَامِ الكُفَّارِ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْنَا, فَيَكُونُ بِقَوْلِ: (وَعَلَيْكُمْ) فَقَطْ.

  • الزكاة

    الزكاة

    *فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ, فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ, فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ, فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ, فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ – أَيْ: مَسِيلٌ مِنْ مَسِيلِ الْمَاءِ فِي تِلْكَ الْحَرَّةِ – قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ, فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ, فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ فُلَانٌ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ, فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا, فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا, فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ, وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا, وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إنَّ الزَّكَاةَ شَأْنُهَا عَظِيمٌ، فَقَدْ فَرَضَهَا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقَرَنَهَا بِالصَّلَاةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمُنْكِرُهَا لَا حَظَّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَقد فَرَضَهَا اللهُ تَعَالى لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ، وَغَايَاتٍ نَبِيلَةٍ، وَهِيَ فَخْرٌ لِلْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي التَّعَاوُنِ الْاجْتِمَاعِيِّ، لَا يُوجَدُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَبِهَا تَتَحَقَّقُ الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَيَذْهَبُ عَنِ الْمُجْتَمَعِ الْغِلُّ وَالْحَسَدُ، وَتَقِلُّ الْجَرَائِمُ وَالْمُشْكِلَاتُ، وَتَتَنَزَّلُ الرَّحَمَاتُ وَالْبَرَكَاتُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ وَعَدَ اللهُ سُبْحَانَهُ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ بِالْعِوَضِ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَوَعَّدَ وَعِيدًا شَدِيدًا مَنْ مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ, فَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).
    وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ آتاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبيبتانِ – أَيْ: ثُعْبَانًا لَا شَعْرَ عَلَى رَأَسِهِ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَطُولِ عُمُرِهِ لَهُ نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فَمِهِ وَهُوَ أَوْحَشُ مَا يَكُونُ مِنَ الثَّعَابِينِ – يُطوِّقهُ يومَ القيامةِ – أَيْ: يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ – ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ – أَيْ: شِدْقَيْهِ – ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ, ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
    *فَلَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَصْنَافَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ، فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا الْآبَاءُ وَلَا الْأَبْنَاءُ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ.
    وَجُمْلَةُ الْأَمْوَالِ التِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَرْبَعَةٌ:
    سَائِمَةُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ التِي تَرْعَى أَكْثَرَ الْحَوْلِ.
    وَالْخَارِجُ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ.
    وَالْأثْمَانُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الرِّيَالَاتِ وَنَحْوِهَا. وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ لِمَنِ اتَّجَرَ.
    وَقَدْ حَدَّدَتِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ أَنْصِبَةَ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرَهَا، وَوَقْتَ إِخْرَاجِهَا، وَجِهَةَ صَرْفِهَا.
    وَإِنَّ الْمَقَامَ لَيَسْتَدْعِي يَا رَعَاكُمُ اللهُ التَّنْبِيهَ الشَّدِيدَ عَلَى ضَرُورَةِ الرُّجُوعِ إِلَى الْعُلَمَاءِ وَطُلَّابِ الْعِلْمِ فِيمَا يُشْكِلُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ؛ لِتَجْلِيَةِ الْغَامِضِ, وَتَوْضِيحِ الْمُشْكِلِ.

  • الرفق بالخدم

    الرفق بالخدم

    *فَإنَّ الرَّبَّ الحَكِيمَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, قَسَمَ بَيْنَ خَلْقِهِ المَعَايِشَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا, وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، وَسَخَّرَ بَعْضَهُمْ لِخِدْمَةِ بَعْضٍ, وَأَوْصَاهُمْ بِحِفْظِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ, وَمَعَ كَثْرَةِ الْأَعْبَاءِ وَالْمَشَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ: فقَدْ رَغَّبَتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمَةَ, فِي الاسْتِعانَةِ بِأَسْبابِ الإِعَانَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا أَذِنَتْ لَهُمَا بِالْأَخْذِ بِوَسَائِلِ الْمُسَاعَدَةِ الْحِسِّيَّةِ الْمَرْعِيَّةِ.
    فَمِنْ ذلكَ أنْ يَسْتَعِينَ الْمُؤْمِنُ وَالْمُؤْمِنَةُ عَلَى كَثْرَةِ الأَعْبَاءِ وَالْمَشَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلقَتْ فلَمْ تَجِدْهُ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فأَخْبَرَتْهَا، فَلمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِليْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، فقَعَدَ بَيْنَنَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قالَ: (أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَنْ تُكَبِّرا اللهَ أَرْبَعًا وَثلاثينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاثًا وثلاثينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ). فَقَالَ عَليٌّ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, قِيلَ لَهُ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيَلَةَ صِفِّينَ.
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إَذَا احْتَاجَ أحَدُنَا إِلَى الاسْتِعَانَةِ بِمَنْ يَخْدُمُهُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ: فَعَليْهِ بِمُرَاعَاةِ مَا سَيَأْتِي مِنَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ:أَنْ يَقْدِرَ لِلْخَادِمِ قَدْرَهُ؛ وَأَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ، فَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ, وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ).
    وَعَلَيْنَا كَذَلِكَ أَنْ لَا نُكْثِرَ عَلَى الْخَادِمِ الْمَسْأَلَةَ وَالطَّلَبَ، وَأَنْ لَا نُقَابِلَهُ إِنْ قَصَّرَ بِالتَّأَفُّفِ وَالْعَتَبِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَذَكُرَ تَقْصِيرَنَا فِي حَقِّ رَبِّنَا وَنَكُونْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجَلٍ، وَأَنْ نَعْفُ عَمَّا اقْتَرَفَهُ الْخَادِمُ مَعَنَا مِنَ الزَّلَلِ، وَنَصْفَحَ عَمَّا قَصَّرَ فِيهِ مِنَ العَمَلِ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَارَسُولَ اللهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
    وَلْنُطَهِّرْ كَذَلِكَ أَلْسِنَتَنا مِنَ الشَّتَائِمِ وَالسِّبَابِ، فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْمَحْقِ وَالعَذَابِ، فَعَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرَوانَ بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ – أَيْ: مِنْ مَتَاعِ بَيْتِهِ-، فَلمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيْلِ فَدَعَا خادِمَهُ، فَكَأنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ, فَلَعَنَهُ، فَلمَّا أَصْبَحَ, قالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ، فَقالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ, وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
    وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “أنَّ رَجُلاً قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي, وَيَخُونُونَنِي, وَيَعْصُونَنِي، وَأَشْتُمُهُم وَأَضْرِبُهُمْ، فَكيَفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ, وَعَصَوْكَ, وكَذَّبُوكَ, وَعِقَابُكَ إيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ: كَانَ كَفَافًا لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ عِقَابُكَ إيَّاهُم دُونَ ذُنُوبِهِمْ: كَانَ فَضْلًا لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ: اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الفَضْلُ. فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فجَعَل يَبْكِي وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أَمَا تَقْرَأُ كِتابَ اللهِ: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَهم شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مُفارَقَتِهِم، أُشْهِدُكَ أنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ” أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
    فَلْنَسْتَمْسِكْ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ بِهذِهِ الْآدَابِ وَالخِصَالِ الكَرِيمَةِ، وَلْنَتَخَلَّقْ مَعَ مَنْ يَلِي شُؤُونَ خِدْمَتِنَا بِالأَخْلَاقِ العظيمَةِ، فَإنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ تَعالَى مِنْ عِبادِهِ أَصْحَابَ القُلُوبِ الرَّحِيمَةِ.

    *فَإِنَّ مِمَّا يَجْدُرُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ تَذْكِيرَكُمْ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ أَنَّ حَمْلَةَ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ حَفَظَهُ اللهُ لِنُصْرَةِ إِخْوَانَنَا فِي سُورِيَا لَا زَالَتْ مُسْتَمِرَّةً, وَأَنَّهُ قَدْ تَمَّ تَخْصِيصُ مَوَاقِعَ لاسْتِقْبَالِ التَّبَرُّعَاتِ الْعَيْنِيَّةِ مِن قِبَلِ إِمَارَاتِ الْمَنَاطِقِ, كَمَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ تَلْكَ التَّبَرُّعَاتِ لِهَيَّئَةِ الْهِلَالِ الْأَحْمَرِ السُّعُودِيِّ, أَوْ رَابِطَةِ الْعَالِمِ الْإسْلَامِيِّ, أَوْ هَيَّئَةِ الْإِغَاثَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ, لإِنَّ هَذِهِ الْجِهَاتِ هِيَ الْجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ الْمُخَوَّلَةُ مِنَ الدَّوْلَةِ بِتَقْدِيمِ الْمُسَاعَدَاتِ لِلشَّعْبِ السُّورِيِّ الْمُتَضَرِّرِ.
    كَمَا يُوصَى بِعَدَمِ الْانْسِيَاقِ لِلدَّعَوَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ عَبْرَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ بِهَدَفِ جَمْعِ التَّبَرُّعَاتِ غَيْرِ الْمُصَرَّحَةِ رَسْمِيًّا؛ لِمَا قَدْ يتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ عَمَلِيَّاتِ نَصْبٍ وَاحْتِيَالٍ, أَوْ وُصُولِ تَلْكَ الْأَمْوَالِ لِجِهَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ.

  • الرحم

    الرحم

    *فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِيْ بِمَا يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ, وَيُبَاعِدُنِيْ مِن النَّارِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَقَدْ وُفِّقَ) أَوْ قَالَ: (لَقَدْ هُدِيَ, كَيْفَ قُلْتَ؟) فَأَعَادَ الرَّجُلُ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ, وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ, وَتَصِلُ ذَا رَحِمَكَ) فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
    وَصِلَةُ الرَّحِمِ سَبَبٌ لِطُولِ العُمُرِ, وَكَثْرَةِ الرِّزْقِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ, وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَمَعْنَى: يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ: أَيْ يُوَسَّعُ وَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ. وَمَعْنَى: وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ: أَيْ يُمَدُّ لَهُ فِي عُمُرِهِ, وَيُؤَخَّرُ أَجَلُهُ, وَيُخَلَّدُ ذِكْرُهُ.
    وَلَقَدْ بَيِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ صَلِةَ الرَّحِمِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِن العِتْقِ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي قَالَ: (أَوَ فَعَلْتِ) قَالَتْ: نَعَمْ, قَالَ: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ) وَالوَلِيدَةُ هِيَ الأَمَةُ.
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إنَّ البَعْضَ مِنَّا لَا يَصِلُ أَقَارِبَهُ إلَّا إذَا وَصَلُوهُ, وَلَا يُحْسِنُ لَهُمْ إلَّا إذَا أَحْسَنُوا إلَيْهِ, وَهَذَا فِي الحَقِيقَةِ مُكَافَأَةٌ لَهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ, وَلَيْسَ بِصِلَةٍ لَهُمْ, إِذْ إنَّ مِن المُرُوءَةِ, وَالفِطَرِ السَّلِيمَةِ, مُكَافَأَةُ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْكَ قَرِيبًا كَانَ أَمْ بَعِيدًا, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ, وَلَكِنَّ الوَاصِلُ الذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِى قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِى, وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ, وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ, وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالمَلُّ هُوَ: الرَّمَادُ الحَارُّ. وَالظَّهِيرُ هُوَ: المُعِينُ الدَّافِعُ لِأَذَاهُمْ.
    وَاحْذَرُوا مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ, فَإنَّهَا سَبَبٌ لِلَعْنَةِ اللهِ وَعِقَابِهِ, قَالَ تَعَالَى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) وَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلرَّحِمِ بِأَنْ يَقْطَعَ مَنْ قَطَعَهَا, فَفِي البُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ, قَالَ: نَعَمْ, أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ, قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَهُوَ لَكِ) وَفِي مُسْلِمٍ: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِى وَصَلَهُ اللَّهُ, وَمَنْ قَطَعَنِى قَطَعَهُ اللَّهُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ) يَعْنِيْ قَاطِعُ رَحِمٍ. وَأَعْظَمُ القَطِيعَةِ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ قَطِيعَةِ الوَالِدَيْنِ, ثُمَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبُ مِن القَرَابَةِ, وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا, قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ, وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) وَإنَّ عُقُوقَ الوَالِدَيْنِ هُوَ قَطْعُ بِرِّهِمَا, وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا, وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُتْبِعَ قَطْعَ الْبِرِّ وَالْإحْسَانِ, بِالْإسَاءَةِ وَالعُدْوَانِ إلَيْهِمَا سَوَاءً بِطَرِيقٍ مُبَاشِرٍ أَوْ غَيْرِ مُبَاشِرٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ, قَالَ: (نَعَمْ, يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ, وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ) وَالْمَعْنَى: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ, وَيُسبُّ أُمَّ الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أُمَّهُ, وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَيْلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِي شَيءٍ, جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيءُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنِيْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

    *فَإنَّ مِن النَّاسِ هَدَاهُمُ اللهُ مَن لَا يَنْظُرُ إلَى وَالِدَيْهِ إلَّا نَظْرَةَ احْتِقَارٍ, وَسُخْرَيَةٍ, وَازْدِرَاٍء, فَتَجِدُهُ يُكْرِمُ امْرَأَتَهُ وَيُهِينُ أُمَّهُ, وَيُقَرِّبُ صَدِيقَهُ وَيُبْعِدُ أَبَاهُ, إنْ جَلَسَ عِنْدَ وَالِدَيْهِ فَكَأَنَّهُ عَلَى جَمْرٍ, فَيَسْتَثْقِلُ الجُلُوسَ وَيَسْتَطِيلُ الزَّمَنَ, اللَّحْظَةُ عِنْدَهُمَا كَالسَّاعَةِ, فَلَا يُخَاطِبُهُمَا إلَّا بِبُطءٍ وَتَثَاقُلٍ, وَلَا يُفْضِي إلَيْهِمَا بِسِرٍّ وَلَا أَمْرٍ مُهُمٍ, قَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ لَذَّةَ الْبِرِّ وَعَاقِبَتَهُ الحَمِيدَةِ. وَإنَّ مِن النَّاسِ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يَنْظُرُ إلَى أَقَارِبِهِ نَظْرَةَ قَرِيبٍ لِقَرِيبِهِ, وَلَا يُعَامُلُهُمْ مُعَامَلَةً تَلِيقُ بَمَا لَهُمْ مِنْ حَقِّ القَرَابَةِ, فَتَجِدُهُ يُخَاصِمُ أقْرِبَائَهُ فِي أَقَلِّ الْأُمُورِ, وَيُعَادِيهِمْ لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ, وَلَا يَقُومُ لَهُمْ بِوَاجِبِ الصِّلَةِ, لَا فِي الكَلَامِ, وَلَا فِي الْفِعَالِ, وَلَا فِي بَذْلِ الْمَالِ, فَقَدْ تَجُدُهُ ثَرِيًّا, وَأَقَارِبُهُ مِنْ ذَوِي الْحاجَةِ, فَلَا يَصِلُهُم بِصِلَةٍ, وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ يَبْخَلُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَيَنْدَمُ يَوْمَ القِيَامَةِ سَوَاءً طَلَبَهُ المُسْتَحِقُّ مِنْهُ, أَوْ اسْتَحْيَا وَسَكَتَ, فَاتَّقُوا اللهَ, وَصِلُوا أَرْحَامَكُم بِالزِّيَارَاتِ, وَالهَدَايَا, وَالنَّفَقَاتِ، وَصِلُوهُم بِالَعَطْفِ وَالْحَنَانِ, وَلِينِ الجَانِبِ, وَبَشَاشَةِ الْوَجْهِ وَالْإكْرَامِ وَالْاحْتِرَامِ, وَكُلِّ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ بِأَنَّهُ مِن الصِّلَةِ, وَاحْذَرُوا مِن قَطِيعَتِهِمْ, وَاسْتَحْضِرُوا دَائِمًا مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْوَاصِلِينَ مِنَ الثَّوَابِ, وَلِلْقَاطِعِينَ مِن العِقَابِ.

  • الحسد

    الحسد

    *فَهُوَ صِنَاعَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَبِضَاعَةٌ لِلْيَهُودِ، وَمِهْنَةٌ لِلْخٌبَثَاءِ؛ التَّلَطُّخُ بِهِ كَارِثَةٌ، وَالْابْتِلَاءُ بِهِ مُصِيبَةٌ، وَالسَّيرُ فِيهِ دَنَاءَةٌ, فَهُوَ يَجْمَعُ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ، وَيَحْوِي أَسْوَأَ الصِّفَاتِ، وَهُوَ فِي حَقِيقَتِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْخَالِقِ، وَتَسَخُّطٌ عَلَى الْقَدَرِ، وَهُوَ مَرْتَعٌ لِلْحِقْدِ، وَصَارِفٌ عَنِ الشُّكْرِ، وَجَالِبٌ لِلْغَمِّ، وَسَبَبٌ لِلْهَمِّ، وَهُوَ مَنْبَعٌ لِلشُّرُورِ، وَمُوَرِّثٌ لِلضَّغَائِنِ، وَمُحَرِّضٌ عَلَى الْعَدَاوَةِ, أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالْاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، كَمَا أَمَرَ بِالْاسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, فَقَالَ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) إِنَّهُ الْحَسَدُ أَوَّلُ خَطِيئَةٍ ظَهَرَتْ فِي السَّمَاءِ، فَكَانَ سَبَبًا لِمَعْصِيَةِ إِبْلِيسَ، ولَعْنَةِ اللهِ لَهُ، وَطَرْدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ؛ إِذْ اعْتَرَضَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ, وَهُوَ كَذَلِكَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللهُ بِهَا فِي الْأَرْضِ حِينَمَا قَتَلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هَابِيلَ حَسَدًا لَهُ, وَالْحَسَدُ سَبَبٌ لِعَدَاوَةِ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِيُوسُفَ، وَهُوَ سَبَبٌ فِي إِعْرَاضِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَلْ وَمُحَارَبَتِهِمْ لَهُ، وَكَانَ الْحَسَدُ – وَلَا يَزَالُ سَبَبًا – فِي كَرَاهَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ – وَخُصُوصًا الْيَهُودُ – لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) وَالْحَسَدُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ, وَهُوَ عَدُوُّ الْإِيمَانِ, كَمَا فِي النَّسَائِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَا يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ, الْإِيمَانُ, وَالْحَسَدُ) وَهُوَ الدَّاءُ الذِي أَهْلَكَ الْأُمَمَ، وَدَمَّرَ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَمَزَّقَ الْأُسَرَ؛ فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُم: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ) وَالْحَسَدُ هُوَ كُرْهُ النِّعْمَةِ لِلْآخَرَ, وَتَمَنِّي زَوَالَهَا عَنْهُ.
    وَالْحَاسِدُ فِي هَمٍّ دَائِمٍ، وَحُزْنٍ لَازِمٍ، فَيَغْتَمُّ لِسُرُورِ النَّاسِ، وَيَتَألَّمُ لِسَعَادَتِهِمْ, فَهُوَ مُغْتَاظٌ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، بَخِيلٌ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ, قَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِلُ إِلَى الْحَاسِدِ خَمْسُ عُقُوبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ حَسَدُهُ إِلَى الْمَحْسُودِ: غَمٌّ لَا يَنْقَطِعُ، وَمُصِيبَةٌ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، وَمَذّمَّةٌ لَا يُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَسَخَطُ اللهِ عَلَيْهِ، وَيُغْلَقُ عَنْهُ بَابُ التَّوْفِيقِ.

    *فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ نَقِيُ الْقَلْبِ، زَكِيُّ الرُّوحِ، سَلِيمُ الصَّدْرِ, سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضلُ؟ فَقَالَ: (كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ) قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: (هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ, وَلَا بَغْيَ, وَلَا غِلَّ, وَلَا حَسَدَ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.
    وَحِينَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنَّهُ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ عَمِلٍ، وَلَكِنّهُ قَالَ: إِنَّنِي لَا أَجِدُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي نَفْسِي غِشًا, وَلَا حَسَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
    وَبِهَذَا النَّقَاءِ وَالصَّفَاءِ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى الْأَنْصَارِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) أَيْ لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَسَدًا أَوْ غَيْظًا مِمَّا أُوتِيَ إِخْوَانُهُم الْمُهَاجِرُونَ, فَاجْتَهِدُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنَيْنَ فِي تَطْهِيرِ قُلُوبِكُمْ مِنَ الْغِشِّ, وَالْحَسَدِ لِإِخْوَانِكُمْ, وَارْضَوْا بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكُمْ تَفُوزُوا بِأَعْظَمِ الْأُجُورِ, وَتَنْجُوا مِنْ شَرٍّ عَظِيمٍ.