من قصص الاباء والاجداد

2

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • العطلة الصيفية

    العطلة الصيفية

    *فَإِنَّ الْفَرَاغَ يُعَدُّ وَاحِدًا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَيْنَ صُرِفَتْ؟! وَهَلْ أُدِّيَ شُكْرُهَا, أَمْ لَا؟! قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أَيْ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الصِّحَّةِ, وَالْأَمْنِ, وَالرِّزْقِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ) وَمَعْنَى مَغْبُونٌ, أَيْ أَنَّهُ بَاعَ هَذِهِ النِّعْمَتَيْنِ بِرُخْصٍ فَاحِشٍ, قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ صَحِيحًا, وَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا, وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ, فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ فَهُوَ الْمَغْبُونٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْإِجَازَةَ الصَّيْفِيَّةَ فُرْصَةٌ لَا تُعَوَّضُ، وَأَيَّامٌ مِنَ الْعُمُرِ لَا تَعُودُ، فَلْنَحْرِصْ عَلَى اغْتِنَامِهَا بِأَحْسَنِ الْمَكَاسِبِ وَأَطْيَبِ النَّتَائِجِ، فَالْأَعْمَارُ مَحْدُودَةٌ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَقُولُ الْمُضَيِّعُ لِأَوْقَاتِهِ: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَخْذُ الْحَذَرِ مِنِ اقْتِرَافِ الْمُحَرَّمَاتِ, الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ مَنْ يُسَافِرُ فِي الْإِجَازَةِ تَسَاهُلًا بِمَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى كَحُضُورِ الْحَفَلَاتِ الْغِنَائِيَّةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ بِحُجَّةِ السِّيَاحَةِ, وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ بِحُجَّةِ السَّفَرِ وَالسِّيَاحَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ قَلَمَ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَى الْمَرْءِ فِي السَّفَرِ كَالْإِقَامَةِ، فَكُونُوا دُعَاةَ خَيْرٍ فِي سَفَرِكُمْ, وَلَا تَزْدَرُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، فَبَرَكَةُ الْمُؤْمِنِ فِي تَعْلِيمِهِ الدِّينَ حَيْثُمَا حَلَّ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) فَسَفَرُ الْمُسْلِمِ عِبَادَةٌ وَنُزْهَةٌ، وَيَجْدُرُ بِهِ أَنْ يَلْتَزِمَ الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ, وَأَنْ يَتَحَلَّى بِالْمُرُوءَةِ, وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَحْسُنُ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ حَثُّ الْأَوْلَادِ عَلَى حِفْظِ شَيءٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي الْإِجَازَةِ, وَالْالْتِحَاقِ بِالدَّوْرَاتِ وَالْحَلَقَاتِ، أَوْ فِي أَيِّ نَشَاطٍ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْفَائِدَةِ وَالْخَيْرِ فِي إِجَازَتِهِمْ, وَتَشْجِيعِهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ, كَرَصْدِ الْجَوَائِزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ يَمْتَدُّ نَفْعُهُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ وَعَشِيرَتَهِ، فَلِمَاذَا لَا يُفَكِّرُ الشَّابُ, وَكَذَلِكَ الْفَتَاةُ فِي جَمْعِ أَفْرَادِ أُسْرَتِهِ؟ فِي مَكَانٍ مَا, كَالْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، وَيُنَظِّمُونَ بَرَامِجَ, وَمُسَابَقَاتٍ يَتَخَلَّلُهَا بَعْضُ التَّوْجِيهَاتِ, مَعَ تَوْزِيعٍ لِلْأَشْرِطَةِ وَالرَّسَائلِ, وَفِي ذَلِكَ مَنَافِعُ شَتَّى, وَهُوَ صِلَةٌ, وَبِرٌّ, وَدَعْوَةٌ, وَإِصْلَاحٌ.

    *فَلَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: بَلَغَنِي أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ, فَقَالَ: يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ, وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ, فَإِنَّ اللهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ, بِنُورِ الْحِكْمَةِ, كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ.
    وَمِنْ هُنَا يَكُونُ النِّدَاءُ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ بِاسْتِغْلَالِ الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي التَّحْصِيلِ وَالدِّرَاسَةِ, فَمَا لَا يُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الدِّرَاسَةِ، قَدْ يُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الْإِجَازَةِ وَالْعُطْلَةِ.
    وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيًّا كَانَ مُيُولُكَ، وَأَيًّا كَانَ عَمَلُكَ، لَا تَنْسَ أَنْ يَكُونَ لَكَ فِي حَيَاتِكَ الْيَوْمِيَّةِ, وِرْدٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ، تُرَطِّبُ بِهِ لِسَانَكَ، وَتُحْيِي بِهِ فُؤَادَكَ، وَتُزِيدُ بِهِ حَسَانَاتُكَ.

  • الصلاة

    الصلاة

    *فَإِنَّ أُمَّتَنَا الْإِسْلَامِيَّةَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ تَعِيشُ وَضْعًا مَرِيرًا فِي مَجَالَاتٍ شَتَّى؛ (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وَرِيَاحُ التَّغْيِيرِ لَا تَهُبُّ مِنْ فَرَاغٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَأَوَّلُ خُطْوَةٍ فِي التَّغْيِيرِ, وَإِصْلَاحِ الْمُجْتَمَعَاتِ, تَبْدَأُ دَائِمًا مِنَ النَّفْسِ, قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) وَهِدَايَةُ النَّفْسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ, قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) وَأَوَّلُ خُطْوَةٍ فِي طَرِيقِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ, هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ جَمَاعَةً.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الصَّلَاةُ رُكْنُ الدِّينِ, وَفَرِيضَةُ اللهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ، وَمَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ) وَلَقَدْ كَانَتْ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُغَالِبُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ: (الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ, وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وَهِيَ عُنْوَانُ الْفَلَاحِ, قَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِ نَعْتِهِمْ: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
    وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ, حَتَّى فِي حَالِ الْقِتَالِ, قَالَ تَعَالَى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِحَالٍ, حَتَّى عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ شُرُوطِهَا, وَأَرْكَانِهَا, مَا دَامَ الْعَقْلُ مَوْجُودًا.
    وَالصَّلَاةُ هِيَ أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ صَلَحَتْ, صَلُحَ سَائِرُ الْعَمَلِ، وَإِنْ فَسَدَتْ, فَسُدَ سَائِرُ الْعَمَلِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ مَفْرُوضَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ, قَالَ تَعَالَى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ, يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟) قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ، قَالَ: (فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا).
    وَالصَّلَاةُ بَابٌ كَبِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ, قَالَ تَعَالَى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ, فَزَعَ إِلَى الصَّلَاةِ, وَسُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ, قَالَ تَعَالَى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ أَهْلِ النَّارِ: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمُرُوا بِالْمَعْرِوفِ، وَانْهَوا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّلَاةِ, قَالَ تَعَالَى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) فَقَدْ امْتَدَحَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ) وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَبْناءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ).

    *فَهُنَاكَ الْبَعْضُ مِنَّا لِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ, قَدْ رَخُصَتْ عِنْدَهُمُ الصَّلَاةُ، فَهِيَ فِي آخِرِ أَشْغَالِهِمْ, وَفِي نِهَايَةِ اهْتَمَامَاتِهِمْ، يُؤَخِّرُونَ الصَّلَوَاتِ عَنْ أَوْقَاتِهَا بِلَا عُذْرٍ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) أَيْ: مُؤَقَّتًا؛ مَعْلُومَ الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْوَقْتِ, كَمَا لَا تَصِحُّ بَعْدَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ, فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا، فِي الْمَسَاجِدِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا, فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ, فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى, وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى, وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِى بَيْتِهِ, لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ, وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ, وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ, ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ, إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً, وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً, وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً, وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ, وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِى الصَّفِّ).

  • الصبر

    الصبر

    *فَفِي الْبُخَارِيِّ, عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ, فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا, أَلَا تَدْعُو لَنَا, فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ, يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ, فَيُجْعَلُ فِيهَا, فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ, فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ, وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ, فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ, وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ, حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ, لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ, وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الدُّنْيَا مَلِيئَةً بِالرَّزَايَا وَالْبَلَايَا، وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ، وَجَعَلَهُ مُعَرَّضًا لِأَنْوَاعِ الْآلَامِ وَالْأَحْزَانِ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَيُبْتَلَى فِيهَا بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، أَوْ بِهِمَا مَعًا (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) وَأَكْثَرُ النَّاسِ فِيهَا بَلَاءً, الْأَنْبِيَاءُ, ثُمَّ الصَّالِحُونَ، الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ, يُبْتَلَى الْإِنْسَانُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ, اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكُمْ لِلْمُؤْمِنِ تَعْذِيبٌ, بَلْ هُوَ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ, يُصْقَلُ بِهِ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ، لِإِعْدَادِهِ لِمُوَاجَهَةِ الْخُطُوبِ بِصَبْرٍ وَثَبَاتٍ وَاحْتِسَابٍ، لِيَعْظُمَ بِذَلِكَ أَجْرُهُ، وَيَتَضَاعَفُ ثَوَابُهُ، وَيُخَلَّدُ ذِكْرُهُ الطَّيِّبُ (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) وَكَذَلِكَ لِيُمَيِّزَ اللهُ تَعَالَى بِالْابْتِلَاءِ: الْآخِذِينَ لِدِينِ اللهِ بِقُوَّةٍ وَصِدْقٍ، ويَفْضَحَ بِهِ المُدَّعِينَ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ مَا عَظَّمَ شَيْئًا فِي كِتَابِهِ كَمَا عَظَّمَ الصَّبْرَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ مَوْضِعًا.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَالْابْتِلَاءُ فِي الدُّنْيَا عَلَى ضُرُوبٍ شَتَّى، أَهَمُّهَا ابْتِلَاءُ الْمُسْلِمِ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ مِنْ: أَمْرٍ, وَنَهْيٍ, وَتَصْدِيقٍ, وَالْابْتِلَاءُ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ فِتَنِ الْمَنَاصِبِ, وَالشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وْالْابْتِلَاءُ بِانْتِفَاشِ الْبَاطِلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَتَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ، وَقِلَّةِ النَّصِيرِ، وَالْابْتِلَاءُ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ, وَالْجُوعِ, وَنَقْصٍ فِي الْأَمْوَالِ, وَالْأنْفُسِ, وَالثَّمَرَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْعِبَادُ فِي الدُّنْيَا.
    أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَسَلَّحُ بِهِ الْمُسْلِمُ لِمُجَابَهَةِ مَا قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا: الصَّبْرَ الْجَمِيلَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى الْعِبَادَ بِهِ, فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ: هُوَ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ, وَكَفُّهَا عَنْ مَحَارِمِهِ, وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: صَبْرٌ عَلَى طَاعَةِ اللهِ, وَصَبْرٌ عَنْ مَعْصِيَتِهِ, وَصَبْرٌ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمَةِ.
    فإذا اشْتَدَّ بِكَ الْخَطْبُ، أَوْ نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ فِي نَفْسٍ, أَوْ مَالٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَاصْبِرْ, مُحْتَسِبًا الْأَجْرَ, قَائِلًا مَا يَقُولُه الصَّابِرونُ: (إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

    *فَإِنَّ الصَّبْرَ النَّافِعَ مَا كَانَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُوْلَى فَقَدْ مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ, فَقَالَ لَهَا: (اتَّقِيِ اللهَ, وَاصْبِرِي) فَقَالَتْ: (إِلَيْكَ عَنِّي؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمِثْلِ مُصِيبَتِي) فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ, جَاءَتْ إِلَيْهِ تَعْتَذِرُ, فَقَالَ: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى).

  • موقف المسلم من الفتن

    موقف المسلم من الفتن

    *فَإِنَّ مِنْ خَصَائِصِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَدَلَّ عَلَيْهِ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلَّا وَحَذَّرَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ مِمَّا حَذَّرَ مِنْهُ: كَثْرَةُ الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ) قاَلَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ: (مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا) أَيْ تَطَلّعَ لَهَا, بِأَنْ يَتَصَدَّى وَيَتَعَرَّضَ لَهَا، وَلَا يُعْرِضُ عَنْهَا.
    وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ، الْقَتْلُ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا, حَتَّى يَأْتِىَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ, وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ) فَقِيلَ :كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (الْهَرْجُ, الْقَاتِلُ, وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّنَا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ تَدَاعَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَكَثُرَ فِيهِ الْقَتْلُ، حَتَّى لَرُبَّمَا لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَل، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِل، وَيَبْقَى السُّؤَالُ الْأَهَمُّ, أَلَا وَهُوَ: كَيْفَ النَّجَاةُ مِنْ هَذِهِ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ؟ وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ, يُمْكِنُ إِيجَازُهُ فِي وَسَائِلَ ثَمَانٍ:
    أَوَّلًا: حَمْدُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْعَافِيَةِ, مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْفِتَنِ, وَالرَّزَايَا، وَالْحُرُوبِ الْمُدَمِّرَةِ.
    ثَانِيًا: الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمَةِ لِمَنِ ابْتُلِيَ بِهَذِهِ الْأَقْدَارِ، مَعَ الْإِيمَانِ بِأَنَّ مَا يُرِيدُهُ اللهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّ مَا أَصَابَ النَّاسَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُمْ، وَمَا أَخْطَأَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُمْ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشْأْ لَمْ يَكُنْ (وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ, قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
    ثَالِثًا: الْإِكْثَارُ مِنْ دُعَاءِ اللهِ بِالْعِصْمَةِ مِنَ الْفَتَنِ مَا ظَهَرَ مَنْهَا وَمَا بَطَنَ, لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ.
    رَابِعًا: مَدُّ يَدِ الْعَوْنِ, وَالنَّجْدَةِ, لِلْمَنْكُوبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, كُلٌّ بِمَا يَقْدِرِ عَلَيْهِ, وَلَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
    خَامِسًا: لَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ أَحَرَصَ النَّاسِ عَلَى اتِّقَاءِ الْفِتَنِ، وَالْبُعْدِ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ أَنْ يَقَعُوا فِي شَرَكِهَا، بَلْ يَسْتَعِيذُونَ بِاللهِ مِنْهَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَقُولُونَ عِنْدَ الْفِتَنِ:
    الْحَـْربُ أَوَّلُ مَا تَكُــــــــونُ فَتِيَّـةً تَسْـعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُـــــولِ
    حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ, وَشَبَّ ضِرَامُهَا وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيــلِ
    شَمْطَـاءَ يُكْرَهُ لُونُهـَــــا, وَتَغَيَّرَتْ مَكْـرُوهَـةً لِلشَّـمِّ وَالتَّقْبِيـــــــلِ.
    سَادِسًا: اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ, فِي خِضَمِّ الْفِتَنِ, أَلَّا يُصَابَ بِشَيءٍ مِنَ الْقُنُوطِ, وَالْيَأْسِ, مِمَّا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَكَبَاتٍ, وَمَصَائِبَ، إِذْ قَدْ تَصِحُّ الْأَجْسَامُ بِالْأَمْرَاضِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمِحْنَةِ مِنْحَةٌ، وَمَعَ الْكَرْبِ فَرَجٌ (فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا) وَلَنْ يَغْلُبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَ(إِنَّهُ لَا يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ).
    سَابِعًا: أَنْ يُعْلَمَ عِلْمَ يَقِينٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنَّ يَتَحَدَّثَ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ الَّتِي تُصِيبُ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ مِنَ النَّوَازِلِ, وَالْحَوَادِثِ, وَالْمُسْتَجِدَّاتِ, إِلَّا الْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ, وَالْوَاجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ الصُّدُورُ عَنْ فَتَاوِيهِمْ؛ حَتَّى لَا يَقَعَ النَّاسُ فِي بَرَاثِنِ الْفِتَنِ.

    *فَآخِرُ وَسِيلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْوَسَائِل الْمُنْجِيَةِ مِنْ الْفِتَنِ: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مِنْ أَدَبِ الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ, كَفَّ اللِّسَانِ, وَحَبْسَهُ, وَعَدَمَ الزَّجِّ بِهِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَزَمَّهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الظَّنِّ, وَالتَّخَرُّصِ، أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ إِطْلَاقَ اللِّسَانِ فِي الْمَجَالِسِ، وَسَيَلَانَ الْأَقْلَامِ فِي الصُّحُفِ, وَالْمَوَاقِعِ, وَالْمُنْتَدَيَاتِ، دُونَ زِمَامٍ, وَلَا خِطَامٍ؛ لَيُوقِعُ الْعَبْدَ فِي أُتُونِ الْفِتَنِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ, فَفِي التِّرْمِذِيِّ, أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ, سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مَا النَّجَاةُ؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعَكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ حِينَمَا قَالَ: إِنَّ الْعَافِيَةَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي السُّكُوتِ.

  • الشائعات

    الشائعات

    *فَمُنْذُ خَلَقَ اللهُ الْخَلِيقَةَ, وَالصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ, قَائِمٌ عَلَى أَشُدِّهِ، وَكَانَ هَذَا الصِّرَاعُ يَسْتَهْدِفُ جَسَدَ الْإِنْسَانِ, وَمُقَدَّرَاتِهِ، إِلَّا أَنَّ هُنَاكَ حَرْبًا هِي أَشَدُّ فَتْكًا, وَتَدْمِيرًا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَهْدِفُ عَقْلَ الْإِنْسَانِ, وَفِكْرَهُ, وَكَيَانَهُ، إِنَّهَا حَرْبُ الشَّائِعَاتِ, وَالشَّائِعَاتُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَخْطَرِ الْحُرُوبِ الْمَعْنَوِيَّةِ، بَلْ هِيَ أَشَدُّ مِنْ الْأَسْلِحَةِ تَخْرِيبًا, وَتَدْمِيرًا.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ اتَّخَذَ الْإِسْلَامُ مَوْقِفًا حَازِمًا مِنَ الْإِشَاعَاتِ, وَأَصْحَابِهَا، لِمَا لِنَشْرِهَا بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ آثَارٍ سَلْبِيَّةٍ عَلَى تَمَاسُكِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ, فَحَثَّ عَلَى التَّثَبُّتِ, وَالتَّبَيُّنِ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ, فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا – وَفِي قِرَاءَةٍ: فَتَثَبَّتُوا – أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وَأَخْبرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَسْئُولٌ, وَمُحَاسَبٌ عَنْ أَقْوَالِهِ, وَأَفْعَالِهِ, فَقَالَ تَعاَلَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيِهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ نَهَى الْإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ أَنْ يُطْلِقُوا الْكَلَامَ عَلَى عَوَاهِنِهِ، وَيُلْغُوا عُقُولَهُمْ عِنْدَ كُلِّ شَائِعَةٍ، وَيُصَدِّقُوا قَوْلَ كُلِّ نَاعِقٍ, وَزَاعِقٍ، فَفِي صَحِيِحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا – وَفِي رِوَايَةٍ: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا – أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) والْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ, بِلَا تَثَبُّتٍ, فَقَدَ اسْتَكْثَرَ جِدًّا مِنَ الْكَذِبِ, وَالْإِثْمِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ كُلُّ مَا يُسْمَعُ يُقَالُ، وَلَا كُلُّ مَا يُقَالُ يُصَدَّقُ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُلْغِي عَقْلَهُ، وَيُرَدِّدُ فِي الْمَجَالِسِ كُلَّ مَا سَمِعَهُ دُونَ تَفْكِيرٍ, أَوْ رَوِيَّةٍ, فَالْكَلِمَةُ شَأْنُهَا عَظِيمٌ, وَخَطَرُهَا جَسِيمٌ، فَكَمْ دَمَّرَتِ الشَّائِعَاتُ مِنْ دُوَلٍ وَمُجْتَمَعَاتٍ، وَحَطَّمَتْ مِنْ أُمَمٍ وَحَضَارَاتٍ، وَكَمْ نَالَتْ مِنْ عُلَمَاءَ وَعُظَمَاءَ، بَلْ لَرُبَّ شَائِعَةٍ أَثَارَتْ حَرْبًا شَعْواَءَ, وَإِنَّ الْحَرْبَ أَوَّلُهَا كَلَامٌ.
    وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَتِ الشَّائِعَاتُ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَسَهُلَ انْتِشَارُهَا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ وَسَائِلِ الْإعْلَامِ وَالْاتِّصَالَاتِ الَّتِي جَعَلَتِ الْعَالَمَ قَرْيَةً صَغِيرَةً، وَإِنَّ الْإِشَاعَاتِ الَّتِي يُرَوِّجُهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ وَالْوَطَنِ, لَهِي صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْإِرْهَابِ النَّفْسِيِّ وَالتَّحْطِيمِ الْمَعْنَوِيِّ، فَهِيَ تَفْعَلُ مَا لَا تَفْعَلُهُ الْأَسْلِحَةُ الْمَعْرُوفَةُ, مِنْ إِثَارَةِ الرُّعْبِ وَالْقَلَقِ فِي صُفُوفِ الْمُجْتَمَعَاتِ, لَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْأَزَمَاتِ.
    وَاعْلَمُوا كَذَلِكَ أَنَّ نَاقِلَ الشَّائِعَاتِ مُجْرِمٌ وَمُثِيرٌ لِلْاضْطِرَابَاتِ وَالْفَوْضَى, فِي دِينِهِ, وَوَطَنِهِ, وَأُمَّتِهِ.
    وَمْنْ هُنَا نُدْرِكُ عِبَادَ اللهِ خُطُورَةَ حَرْبَ الشَّائِعَاتِ, مِمَّا يَتَطَلَّبُ ضَرُورَةَ التَّصَدِّي لَهَا، وَأَهَمِّيَّةَ مُكَافَحَتِهَا، حَتَّى لَا تَقْضِي عَلَى تَمَاسُكِ الْمُجْتَمَعِ, وَتَلَاحُمِ أَفْرَادِهِ.

    *فَإِنَّ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ رَسَمَ الْمَنْهَجَ الصَّحِيحَ لِمُوَاجَهَةِ أَخْطَارِ الشَّائِعَاتِ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْخُطُوَاتِ: تَرْبِيَةُ النُّفُوسِ عَلَى التَّثَبُّتِ, وَطَلَبِ الْبَرَاهِينِ الْوَاقِعِيَّةِ فِي كُلِّ خَبَرٍ مُسْتَغْرَبٍ, يَمَسُّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً, وَوُلَاةِ الْأَمْرِ, وَالْعُلَمَاءِ خَاصَّةً؛ لِمَا لِنَشْرِ الشَّائِعَاتِ عَلَيْهِمْ مِنْ فَسَادٍ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ, وَبِهَذَا التَّثَبُّتِ نَسَدُّ الطَّرِيقَ أَمَامَ مُرَوِّجِي الشَّائِعَاتِ, وَمُثِيرِي الْفِتَنِ وَالْاضْطِرَابَاتِ, كَمَا أَنَّ الْأُمَّةَ جَمْعَاءَ مُطَالَبَةٌ بِالْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الْخَطِيرَةِ – كُلٌّ فِي مَجَالِهِ – فِي: الْبَيْتِ, وَالْمَسْجِدِ, وَالْأُسْرَةِ, وَالْمَدْرَسَةِ, وَوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ, مِنْ أَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى سَلَامَةِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ شُرُورِ الشَّائِعَاتِ وَأَخْطَارِهَا، بَدْءًا بِتَوْعِيَةِ النَّاسِ, وَتَقْوِيَةِ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ, وَتَذْكِيرِهِمْ بِعَدَمِ التَّسَاهُلِ فِي نَقْلِ الْكَلَامِ، لَاسِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْأَزَمَاتِ.

  • الحذر من التهاون في أداء الدين

    الحذر من التهاون في أداء الدين

    *فَلَقَدْ حَذَّرَ الْإِسْلَامُ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ، أَوِ الْمُمَاطَلَةِ فِي قَضَائِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: (يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ) وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَيَقُولُ: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ, إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ, وَأَمْوَالَكُمْ, وَأَعْرَاضَكُمْ, عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) وَيُؤَكِّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ) وَهُوَ مُتَأَيِّدٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ أَمَانَةٌ عُظْمَى، قال تَعَالَى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا) بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ أَدَاءِ الدِّيُونِ, ثُمَّ سَاقَ الْآيَةَ بِتَمَامِهَا.
    وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ, فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ, وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيِهِ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، فَطُرِحَ فِي النَّارِ) وَلَقَدْ اسْتَثْنَى دِينُ الْإِسْلَامِ, دَيْنَ الْآدَمِي مِنْ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَغْفِرُ اللهُ لِلشَّهِيدِ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّينَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: (الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيءٍ إِلَّا الدَّيْنِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا, أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِيهِمْ, فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ, وَالْإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَعْمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ, مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ, غَيْرُ مُدْبِرٌ، إِلَّا الدَّيْنَ, فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ).
    وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى جَنَازَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَفِي الْمُسْنَدِ, عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ, فَغَسَّلْنَاهُ, وَحَنَّطْنَاهُ, وَكَفَّنَّاهُ, ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ, فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ, فَخَطَا خُطًى, ثُمَّ قَالَ: (أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟) قُلْنَا: دِينَارَانِ, فَانْصَرَفَ, فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ, فَأَتَيْنَاهُ, فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُحِقَّ الْغَرِيمُ, وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ) قَالَ: نَعَمْ, فَصَلَّى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: (مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ) فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ, قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ, فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً, صَلَّى, وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ, قَالَ: (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ, فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ, وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَامْتِنَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ شَفَاعَةٌ، وَشَفَاعَتُهُ لَا تُرَدُّ، بَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ، وَالدَّيْنُ لَا يَسْقُطُ عَنِ الْمَدِينِ إِلَّا بِالتَّأْدِيَةِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُمَاطَلَةَ وَالتَّأْخِيرَ فِي تَوْفِيَةِ الْحَقِّ, مَعَ وُجُودِ الْمَالِ ظُلْمٌ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَالْمُرَادُ تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ, مِنَ الشَّخْصِ الْقَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ مَا فِي ذِمَّتِهِ.

    *فَيَجِبُ أَنْ يَنْطَلِقَ المُسْلِمُ فِي الدَّيْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مِنْ مَقَاصِدَ حَسَنَةٍ، وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ عَلَى الْوَفَاءِ، وَمِنْ نِيَّةٍ طَيِّبَةٍ فِي الْقَضَاءِ، فَلَا يُبَيِّتُ نِيَّةً سَيِّئَةً، وَلَا يُخْفِي مَقْصَدًا خَبِيثًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا, أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَتَأْدِيَةُ اللهِ عَنْهُ تَشْمَلُ تَيْسِيرَهُ تَعَالَى لِقَضَائِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَدَاءَهُ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ, بِإِرْضَاءِ مَدِينِهِ بِمَا شَاءَ اللهُ, إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْعَبْدِ الْقضَاءُ, وَالْحَذَرُ مِنْ تَبْيِيتِ نِيَّةٍ سَيِّئَةٍ, بِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَمَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْإتْلَافِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ: (وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا, أَتْلَفَهُ اللهُ) وَالْإِتْلَافُ هُنَا يَشْمَلُ: إِتْلَافَ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا بِإِهْلَاكِهَا، وَيَشْمَلُ أَيْضًا إِتْلَافَ طِيبِ عَيْشِهِ, وَتَضْيِيقَ أُمُورِهِ، وَتَعَسُّرَ مَصَالِحِهِ، وَمَحْقَ بَرَكَتِهِ، فَضْلًا عَمَّا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ.

  • الدعاء

    الدعاء

    *فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِالدُّعَاءِ, وَالرَّجَاءِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّعَاءَ يَجْلِبُ الْخَيْرَاتِ, وَيَدْفَعُ الْبَلَاءَ، وَأَنَّهُ مَا دَعَا اللهَ دَاعٍ, إِلَّا أَعْطَاهُ مَا سَألَهُ مُعَجَّلًا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ أَعَظَمَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، أَوِ ادَّخَرَ لَهُ خَيْرًا مِنْهُ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ, وَقَدْ دَعَوْتُ, فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي, فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ, وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) وَمَعْنَى يَسْتَحْسِرُ: أَيْ يَنْقَطِعُ عَنِ الدُّعَاءِ, وَفِي التِّرْمِذِيِّ: (مَنْ فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ الدُّعَاءِ, فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ) وَفِي الْمُسْنَدِ: (لَيْسَ شَيءٌ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ) وفي أَبِي دَاوُد: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) ثُمَّ قَرَأَ: (اُدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الدُّعَاءَ يَرْفَعُ الْبَلَاءَ الْوَاقِعَ, وَيَحْفَظُ الْعَبْدَ مِمَّا لَمْ يَقَعْ, وَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ الَّتي يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ لِرَبِّهِ، وَبِهِ يُدْرِكُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا, وَالدِّينِ، وَبِالدُّعَاءِ يَنْقَطِعُ رَّجَاءُ الْعَبْدِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَيَكْمُلُ رَجَاؤُهُ فِي رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، أَلَا وَإِنَّ الدُّعَاءَ يُنْبِئُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَقُوَّةِ الْافْتِقَارِ، وَيُوجِبُ لِلْعَبْدِ خُضُوعَهُ, وَخُشُوعَهُ لِرَبِّهِ, فَكَمْ مِنْ حَاجَةٍ دِينِيَّةٍ, أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ, أَلْجَأَتْ الْعَبْدَ إِلَى كَثْرَةِ دُعَاءِ اللهِ, وَالْاضْطِرَارِ إِلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ دَعْوَةٍ رَفَعَ اللهُ بِهَا الشَّدَائِدِ عَنْكَ, وَعَنْ غَيْرِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟! وَكَمْ تَعَرَّضَ الْعَبْدُ لِنَفَحَاتِ اللهِ الْكَرِيمِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَأَصَابْتُهُ نَفْحَةٌ مِنْهَا فِي سَاعَةِ إِجَابَةٍ؟! وكَمْ تَضَرَّعَ تَائِبٌ مِنَ الذُّنُوبِ فَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ ذُنُوبَهُ؟! فَمَنْ وُفِّقَ لِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ, فَلْيُبْشِرْ بِقُرْبِ الْإِجَابَةِ، وَمَنْ أَنْزَلَ حَوَائِجَهُ كُلَّهَا بِرَبِّهِ, فَلْيَطْمَئِنَّ بِقُرْبِ الْفَرَجِ، فَحَقِيقٌ بِكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ أَنْ تُلِحَّ بِالدُّعَاءِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَنْ تَلْجَأَ إِلَى رَبِّكَ سِرًّا وَجِهَارًا، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا غِنَى لَكَ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي دِينِكَ, وَدُنْيَاكَ، فَهُوَ رُبُّكَ, وَمَوْلَاكَ (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

    *فَدَعَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) ثُمَّ تَأَمَّلْ يَا رَعَاكَ اللهُ مَا حَدَثَ, قَالَ تَعَالَى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) أَلَا وَإِنَّ الدُّعَاءَ الصَّادِقَ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَلْبٍ صَاِدقٍ, لَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ النَّصْرِ لِإخْوَانِكُمُ الْمُضْطَهَدِينَ فِي الشَّامِ, وَفِلِسْطِينَ, وَأَرَاكَانَ, وَالْعِرَاقِ, وَغَيْرِهَا, فَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ, وَالتَّضَرُّعِ لِلهِ بِإِنْزَالِ نَصْرِهِ, وَتَعْجِيلِ فَرَجِهِ, فَالدُّعَاءُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ سَهْمٌ لَا يَخِيبُ الرَّامِي بِهِ أَبَدًا, وَسِهَامُ اللَّيْلِ, وَالنَّهَارِ, لَا تُخْطِئُ هَدَفَهَا أَبَدًا, وَلَكِنْ لَهَا أَمَدٌ, وَلِلْأَمَدِ انْقِضَاءُ.

  • فضل إنظار المعسر

    فضل إنظار المعسر

    *فَأَمَرَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَالْإِكْرَامِ لِلدَّائِنِ عِنْدَ الْقَضَاءِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, أَنّ النبيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فلمْ يَجِدْ إِلَّا خِيارًا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ, أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ مِنْ وَصَايَا الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ التَّيْسِيرُ عَلَى أَهْلِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، فَأَوْجَبَ الْإِسْلَامُ إِمْهَالَ الْمُعْسِرِ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ, إِلَى أَنْ تَنْفَكَّ ضَائِقَتُهُ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ) وَالْعُسْرَةُ هِيَ ضِيقُ الْحَالِ, مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْمَالِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: التَّيْسِيرُ عَلَى الْمُعْسِرِينَ فَضْلُهُ كَبِيرٌ، وَأَجْرُهُ عَظِيمٌ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, أَنّ النبيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ, يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ التَّيْسِيرِ, الْحَطُّ مِنَ الدَّيْنِ, كُلًّا أَوْ جُزْءًا، قَالَ تَعَالَى: (وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ تَاجِرٌ يُبَايِعُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا, قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ: بِمَ غَفَرَ اللهُ لَكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، فَأَتَجَوَّزُ عَنِ الْمُوسِرِ، وَأُخَفِّفُ عَنِ الْمُعْسِرِ) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجَيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ, أَوْ يَضَعْ عَنْهُ) وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا, أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: تَفَقَّدُوا الْمَسَاكِينَ، وَوَاسُوهُمْ بِمَا أَعْطَاكُمُ اللهُ، وَيَسِّرُوا عَلَيْهِمْ بِمَا حَبَاكُمُ اللهُ، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي الْمُسْنَدِ: (مَنْ أَرْادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ، فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ).

    *فَمِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي أَكَّدَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحِرْصِ عَلَيْهَا، وَالْعِنَايَةِ بِشَأْنِهَا، وَأَكَّدَ عَلَى عَدَمِ الْمَطْلِ بِهَا، أَوِ التَّسْوِيفِ فِي أَدَائِهَا عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا: أُجْرَةُ الْأُجَرَاءِ، وَحُقُوقُ الْعُمَّالِ الضُّعَفَاءِ، فَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأَجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوفَىَ مِنْهُ, وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ) وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَه, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ).

  • قارون

    قارون

    *فَلَقَدْ كَانَ قَارُونُ مِنْ أَقْرِبَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ آتَاهُ اللهُ كَثِيرًا مِنَ الْمَالِ، حَتَّى إِنَّ مَفَاتَيِحَ خَزَائِنِ أَمْوَالِهِ لَيَصْعُبُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ حَمْلُهَا لِكَثْرَتِهَا، وَثِقْلِ وَزْنِهَا، لَكِنَّهُ طَغَى وَبَغَى، فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ نَاصِحِينَ لَهُ: لَا تَبْطَرْ، وَلَا تَفْرَحْ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ, وَالْمَالِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الَّذِينَ لَا يَشْكُرُونَ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ, وَآلَائِهِ عَلَيْهِمْ, وَاسْتَعْمِلْ مَا وَهَبَكَ اللهُ مِنَ الْمَالِ الْجَزِيلِ، وَالنِّعْمَةِ الكَبِيرَةِ، فِي طَاعَةِ رَبِّكَ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، مِمَّا أَبَاحَهُ اللهُ فِيهَا لِعِبَادِهِ، مِنَ الْمَآكِلِ, وَالْمَشَارِبِ, وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا, وَأَحْسِنْ إِلَى خَلْقِ اللهِ, كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ, وَإِيَّاكَ وَالْإِفْسَادَ فِي الْأَرْضِ، وَالْإِسَاءَةَ إِلَى خَلْقِ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ, فَأَجَابَ قَارُونُ نَاصِحِيهِ مِنْ قَوْمِهِ: إِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَعْطَاهُ هَذَا الْمَالَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ، وَلِأَنَّهُ يُحِبُّهُ, فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: إِنَّهُ كَانَ قَبْلَ قَارُونَ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ أَكْثَرُ مِنْهُ مَالًا، إِلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِهِمْ هَذَا الْمَالَ عَنْ مَحَبَّةٍ مِنْهُ لَهُمْ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ بِكُفْرِهِمْ، وَعَدَمِ شُكْرِهِمْ، وَفِي الْآخِرَةِ لَا يَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى الْمُجْرِمِينَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، وَلَا يُعَاتِبُهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنِّمَا يُلْقِيهِمْ فِي جَهَّنَمَ دُونَ سُؤَالٍ لَهُمْ.
    وَخَرَجَ قَارُونُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى قَومِهِ، وَهُوَ فِي زِينَةٍ عَظِيمَةٍ، وَتَجَمُّلٍ بَاهِرٍ، فَلَمَّا رَآهُ مَنْ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَيَمِيلُ إِلَى زُخْرُفِهَا, وَزِينَتِهَا مِنْ قَوْمِهِ، تَمَنُّوا أَنْ لَوْ كَانُوا يُعْطَوْنَ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ قَارُونُ مِنَ الْمَالِ، لِأَنَّهُ فِي نَظَرِهِمْ: لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فِي الدُّنْيَا, فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَهُمْ, قَالُوا لَهُمْ: الْوَيْلُ, وَالْهَلَاكُ لَكُمْ عَلَى مَا تَمَنَّيْتُمْ، فَمَا يَدَّخِرُهُ اللهُ مِنْ جَزَاءٍ, وَثَوَابٍ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ, خَيْرٌ مِمَّا تَرَوْنَهُ، وَلَا يَفُوزُ بِالْجَنَّةِ, وَنَعِيمِهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ, إِلَّا الصَّابِرُونَ عَلَى هَذَا الدِّينِ، الرَّاغِبُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
    وَبَيْنَمَا كَانَ قَارُونَ يَخْتَالُ بِطِرًا, مُتَفَاخِرًا عَلَى قَوْمِهِ، وَهُوَ فِي حِلْيَتِهِ, وَزِينَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ, وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، فَأَصْبَحَ هُوَ, وَدَارُهُ, وَأَمْوَالُهُ, وَخَزَائِنُهُ, لَا أَثَرَ لَهُمْ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنْصُرُهُ مِنْ بَطْشِ اللهِ, وَعَذَابِهِ، وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ مَالُهُ, وَلَا جَمْعُهُ، وَلَمْ يَدْفَعْ كُلُّ ذَلِكَ عَنْهُ نِقْمَةَ اللهِ, وَعَذَابَهُ, وَلَمَّا رَأَى الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَالَ قَارُونَ وكُنُوزَهُ، مَا حَلَّ بِهِ, وَبِمَالِهِ، قَالُوا: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ؟ أَيْ يُوَسِّعُ الرِّزْقَ, وَيُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ, وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ, وَلَوْلَا لُطْفُ اللهِ بِنَا لِأَعْطَانَا مَا سَأَلْنَا، ثُمَّ فَعَلَ بِنَا كَمَا فَعَلَ بِقَارُونَ،ُ فَخَسَفَ بِنَا الْأَرْضَ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ كَانَ قَارُونُ كَافِرًا بِرَبِّهِ، وَلَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فِي النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى, ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَتَمَ قِصَّةَ قَارُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وَالدَّارُ الْآخِرَةُ هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي جَعَلَها اللهُ خَالِصَةً لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ، الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ اسْتِكْبَارًا, وَلَا تَعَاظُمًا عَلَى خَلْقِ اللهِ، وَلَا تَجَبُّرًا، وَلَا فَسَادًا فِي الْأَرْضِ, وَالْعَاقِبَةُ الْمَحْمُودَةُ فِي الْآخِرَةِ، جَعَلَهَا اللهُ لِمَنْ مَلَأَتْ خَشْيَةُ اللهِ قَلَبَهُ، وَاتَّقَى عَذَابَ رَبِّهِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ).
    وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ إِذَا رَغِبَ الْإِنْسَانُ فِي التَّجَمُّلِ لِمُجَرَّدِ التَّجَمُّلِ, فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَدَ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ رِدَائِي حَسَنًا, وَنَعْلِي حَسَنَةً, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ).

    *فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, وَارْضَوْا بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ, وَالصَّحَّةِ, وَغَيْرِهَا, وَاعْلَمُوا أَنَّهَا إِنَّمَا قُسِمَتْ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ, مِنَ الْحَكِيمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وَاعْلَمُوا أَنَّ السَّعْيَ فِي طَلَبِ الْأَرْزَاقِ, وَالتَّطَبُّبَ مِنَ الْأَمْرَاضِ, وَكُلَّ سَعْيٍ وِفْقَ السُّنَنِ الشَّرْعِيَّةِ, وَالْقَدَرِيَّةِ, لَا يُعَارِضُ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَهُ اللهُ, بَلْ هُوَ مِنَ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَهُ اللهُ, وَالْمَحْذُورُ هُوَ الْاعْتِرَاضُ عَلَى اللهِ فِي خَلْقِهِ, وَالتَّسَخُّطُ عَلَى عَطَائِهِ.

  • مملكة سبأ

    مملكة سبأ

    *فَقَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
    قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ: سَبَأُ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي أَدَانِي الْيَمَنِ، وَمَسْكَنُهُمْ بَلْدَةٌ يُقَالُ لَهَا مَأْرِبُ, وَمِنْ نِعَمِ اللّهِ وَلُطْفِهِ بِالنَّاسِ عُمُومًا، وَبِالْعَرَبِ خُصُوصًا، أَنَّهُ قَصَّ فِي الْقُرْآنِ, أَخْبَارَ الْمُهْلَكِينَ, وَالْمُعَاقَبِينَ، مِمَّنْ كَانَ يُجَاوِرُ الْعَرَبَ، وَيَتَنَاقَلُ النَّاسُ أَخْبَارَهُمْ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى التَّصْدِيقِ، وَأَقْرَبَ لِلْمَوْعِظَةِ, فَقَالَ: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) وَالْآيَةُ هُنَا: هِيَ مَا أَدَرَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ، وَمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنَ النِّقَمِ، وَالَّذِي يَقْتَضِي أَنْ يَعْبُدُوا اللّهَ وَيَشْكُرُوهُ, وَكَانَ لِمَمْلَكَةِ سَبَأٍ, وَادٍ عَظِيمٍ، تَأْتِيهِ سُيُولٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا قَدْ بَنَوْا عَلَيْهِ سَدًّا مُحْكَمًا، يَكُونُ مَجْمَعًا لِلْمَاءِ، فَكَانَتِ السُّيُولُ تَأْتِيهِ، فَيَجْتَمِعُ هُنَاكَ مَاءٌ عَظِيمٌ، فَيُفَرِّقُونَهُ عَلَى بَسَاتِينِهِمْ، الَّتِي عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ الْوَادِي وَشِمَالِهِ, وَتُغِلُّ لَهُمْ تَلْكَ الْجَنَّتَانِ الْعَظِيمَتَانِ، مِنَ الثِّمَارِ مَا يَكْفِيهِمْ، وَيَحْصُلُ لَهُمْ بِهِ الْغِبْطَةُ وَالسُّرُورُ، فَأَمَرَهُمُ اللّهُ بِشُكْرِ نِعَمِهِ الَّتِي أَدَرَّهَا عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ:
    مِنْهَا: هَاتَانِ الْجَنَّتَانِ اللَّتَانِ غَالِبُ أَقْوَاتِهِمْ مِنْهُمَا.
    وَمِنْهَا: أَنَّ اللّهَ جَعَلَ بَلَدَهُمْ، بَلْدَةً طَيِّبَةً، لِحُسْنِ هَوَائِهَا، وَقِلَّةِ وَخَمِهَا، وَحُصُولِ رَغَدِ الرِّزْقِ فِيهَا.
    وَمِنْهَا: أَنَّ اللّهَ تَعَالَى وَعَدَهُمْ – إِنْ شَكَرُوهُ – أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ, وَلِهَذَا قَالَ: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).
    وَمِنْهَا: أَنَّ اللّهَ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ احْتِيَاجَهُمْ فِي تِجَارَتِهِمْ, وَمَكَاسِبِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ اْلمُبَارَكَةِ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهَا: قُرَى صَنْعَاءَ بِالْيَمَنِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا الشَّامُ, هَيَّأَ لَهُمْ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا بِهِ يَتَيَسَّرُ وُصُولُهُمْ إِلَيْهَا، بِغَايَةِ السُّهُولَةِ، مِنَ الْأَمْنِ، وَعَدَمِ الْخَوْفِ، وَتَوَاصُلِ الْقُرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةٌ، بِحَمْلِ الزَّادِ وَالْمَزَادِ, وَلِهَذَا قَالَ: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) أَيْ: سَيْرًا مُقَدَّرًا يَعْرِفُونَهُ، وَيحْكُمُونَ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يَتِيهُونَ عَنْهُ, وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُطْمَئِنِّينَ فِي السَّيْرِ، فِي تِلْكَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، غَيْرَ خَائِفِينَ, فَأَعْرَضُوا عَنِ الْمُنْعِمِ، وَعَنْ عِبَادَتِهِ، وَبَطَرُوا النِّعْمَةَ، وَمَلُّوهَا، حَتَّى إِنَّهُمْ طَلَبُوا وَتَمَنَّوْا: أَنْ تَتَبَاعَدَ أَسْفَارُهُمْ بَيْنَ تِلْكَ الْقُرَى، (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بِكُفْرِهِمْ بِاللّهِ, وَبِنِعْمَتِهِ، فَعَاقَبَهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، الَّتِي أَطْغَتْهُمْ، فَأَبَادَهَا عَلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا سَيْلَ الْعَرِمِ, أَيْ: السَّيْلَ الْجَارِفَ الشَّدِيدَ، الَّذِي خَرَّبَ سَدَّهُمْ، وَأَتْلَفَ بَسَاتِينَهُمْ، فَتَبَدَّلَتْ تِلْكَ الْجَنَّاتُ ذَاتُ الْحَدَائِقِ الْمُعْجِبَةِ، وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، وَصَارَ بَدَلَهَا أَشْجَارٌ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَلِهَذَا قَالَ: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) وَهَذَا كُلُّهُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ، فَصَارَتْ بِلَادُهُمْ قَاحِلَةً, لَيْسَ فِيهَا إِلَّا شَجَرَ الْبَادِيَةِ, وَهَذَا مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ, فَكَمَا بَدَّلُوا الشُّكْرَ الْحَسَنَ، بِالْكُفْرِ الْقَبِيحِ، بَدَّلُوا تِلْكَ النِّعْمَةَ بِمَا ذُكِرَ، وَلِهَذَا قَالَ: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ) أَيْ: وَهَلْ نُجَازِي جَزَاءَ الْعُقُوبَةِ إِلَّا مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ, وَبَطَرَ النِّعْمَةَ؟.
    فَلَمَّا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، تَفَرَّقُوا, وَتَمَزَّقُوا، بَعْدَمَا كَانُوا مُجْتِمِعِينَ، وَجَعَلَهُمْ اللّهُ أَحَادِيثَ يُتَحَدَّثُ بِهِمْ، وَأَسْمَارًا لِلنَّاسِ، فَكُلُّ أَحَدٍ يَتَحَدَّثُ بِمَا جَرَى لَهُمْ، وَلَكِنْ لَا يَنْتَفِعُ بِالْعِبْرَةِ فِيهِمْ إِلَّا مَنْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) صَبَّارٍ عَلَى الْمَكَارِهِ, وَالشَّدَائِدِ، يَتَحَمَّلُهَا لِوَجْهِ اللّهِ، وَلَا يَتَسَخَطُّهَا, بَلْ يَصْبِرُ عَلَيْهَا, وَشَكُورٍ لِنَعْمَةَ اللّهِ تَعَالَى يَعْتَرِفُ بِهَا، وَيُثْنِي عَلَى مَنْ أَوْلَاهَا، وَيَصْرِفُهَا فِي طَاعَةِ اللهِ, فَهَذَا إِذَا سَمِعَ بِقِصَّتِهِمْ، وَمَا جَرَى مِنْهُمْ, وَعَلَيْهِمْ، عَرَفَ بِذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ، جَزَاءً لِكُفْرِهِمْ نِعْمَةَ اللّهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَهُمْ، فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِهِمْ، وَأَنَّ شُكْرَ اللّهِ تَعَالَى، حَافِظٌ لِلنَّعْمَةِ، دَافِعٌ لِلنِّقْمَةِ، وَأَنَّ رُسُلَ اللّهِ، صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ، وَأَنَّ الْجَزَاءَ حَقٌّ، كَمَا رَأَى أُنْمُوذَجَهُ فِي الدُّنْيَا.

    *فَإِنَّ الْغَايَةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَقُصُّ اللهُ عَلَيْنَا أَخْبَارَ الْأُمَمِ هِيَ أَخْذُ الْعِظَةِ, وَالْعِبْرَةِ كَمَا خَتَمَ اللهُ الْقِصَّةَ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) وَالصَّبْرُ: هُوَ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ, وَكَفُّهَا عَنْ مَحَارِمِهِ, وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: صَبْرٌ عَلَى طَاعَةِ اللهِ, وَصَبْرٌ عَنْ مَعْصِيَتِهِ, وَصَبْرٌ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمَةِ.
    وأمَّا الشُّكرُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَظُنُّهُ الْبَعْضُ كَلَامٌ في اللِّسَانِ, دُونَ اسْتِشْعَارٍ لِمَعْنَاهِ الْعَظِيمِ, الَّذِي تَدُومُ بِهِ النِّعَمُ, وَتَزْدَادُ, وَهُوَ خُضُوعُ الْقَلْبِ, وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَةِ اللهِ، وَثَنَاءُ اللِّسَانِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ بِطَاعَتِهِ, وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِنِعَمِهِ, عَلَى مَعَاصِيهِ.