الرئيسية شيلات الشاعر

شيلات الشاعر

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • تعظيم الله

    تعظيم الله

    *فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلاً مَرَّةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ فَرَاعِنَةِ الْعَرَبِ, فَقَالَ: (اِذهَبْ فَادْعُهُ لِي) فَذَهَبَ إِلَيْهِ, فَقَالَ: يَدْعُوكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَسُولُ اللهِ؟! وَمَا اللهُ؟! أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ؟ أَمْ مِنْ فِضَّةٍ هُوَ؟ أَمْ مِنْ نُحَاسٍ هُوَ؟ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأخْبَرَهُ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ, فَقَالَ لَهُ: (اِرْجِعْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ) فَذَهَبَ, فَقَالَ لَهُ مِثْلُهَا, فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ, فَقَالَ: (اِرْجِعْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ) فَرَجَعَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ, فَأَعَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ, فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَحَابَةً حِيَالَ رَأَسِهِ, فَرَعَدَتْ فَوَقَعَتْ مِنْهَا صَاعِقَةٌ, فَذَهَبَتْ بِقَحْفِ رَأْسِهِ, فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) أَيْ شَدِيدُ الْقُوَّةِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى, وَتَعْظِيمَ شَعَائِرِهِ, وَحُدُودِهِ, مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ الْقَلْبِيَّةِ, الَّتِي يَتَعَيْنُ تَحْقِيقُهَا, وَالْقِيَامُ بِهَا، وَتَرْبِيَةُ النَّاسِ عَلَيْهَا، خَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى: مِنَ الْاسْتِخْفَافِ, وَالْاسْتِهْزَاءِ بِشَعَائِرِ اللهِ تَعَالَى، وَالتَّسْفِيهِ, وَالْازْدِرَاءِ لِدِينِ اللهِ تَعَالَى وَأَهْلِهِ, وَالتَّطَاوُلِ مِنْ بَعْضِ الْمَوْتُورِينَ تَارَةً عَلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ, وَتَارَةً عَلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَتَارَةً عَلَى سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ, مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَجِلَّاءِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنّ الْإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْظِيمِ, وَالْإِجْلَالِ لِهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
    وَتَعْظِيمُ اللهِ, وَإِجْلَالُهُ, لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لَهُ تَعَالَى، كَمَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ, وَلَا تَعْطِيلٍ, وَلَا تَكْيِيفٍ, وَلَا تَمْثِيلٍ.
    وَالتَّحْرِيفُ, هُوَ: التغْيِيرُ, وَإِمَالَةُ الشَّيءِ عَنْ وَجْهِهِ, وَهُوَ قِسْمَانِ:
    أَوَّلًا: تَحْرِيفٌ لَفْظِيٌ, وَذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ, أَوِ النَّقْصِ, أَوْ تَغْيِيرِ حَرَكَةٍ فِي الْكَلِمَةِ, كَتَحْرِيفِ كَلِمَةِ – اسْتَوَى – فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إِلَى اسْتَوْلَى.
    ثَانِيًا: تَحْرِيفٌ مَعْنَوِيٌ, وَذَلِكَ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِ اللهِ, ورَسُولِهِ مِنْهُ, كَمَنْ فَسَّرَ – الْيَدَ – لِلهِ تَعَالَى بِالْقُوَّةِ, أَوِ النِّعْمَةِ.
    وَالتَّعْطِيلُ, هُوَ: نَفْيُ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى, كَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ, وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيفِ, وَالتَّعْطِيلِ, هُوَ أَنَّ التَّحْرِيفَ نَفْيُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ, وَاسْتِبْدَالُهُ بِمَعْنًى آَخَرَ غَيْرَ صَحِيحٍ.
    أَمَّا التَّعْطِيلُ, فَهُوَ نَفْيُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْدَالٍ لَهُ بِمَعْنًى آخَرَ.
    وَالتَّكْيِيفُ, هُوَ: تَعْيِينُ كَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ, وَالْهَيْئَةِ, الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا, فيَقُولُونَ: كَيْفِيَّةُ يَدِ اللهِ كَذَا وَكَذَا، وَكَيْفِيَّةُ اسْتِوَائِهِ عَلَى هَيْئَةِ كَذَا وَكَذَا, وَهَذَا بَاطِلٌ, إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ صِفَاتِ اللهِ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ, وَأَمَّا الْمَخْلُوقُونَ فَإِنَّهُم يَجْهَلُونَ ذَلِكَ, وَيَعْجَزُونَ عَنْ إِدْرَاكِهِ.
    وَالتَّمْثِيلُ, هُوَ: التَّشْبِيهُ, كَمَنْ يَقُولُ أَنَّ لِلهِ سَمْعٌ كَسَمْعِنَا, وَوَجْهٍ كَوُجُوهِنَا, أَوْ صَوْتُ اللهِ يُشْبِهُ كَذَا وَكَذَا, تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
    وَيَنْتَظِمُ الْمَنْهَجُ الْحَقُّ فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ, فِي ثَلَاثَةِ أُصُولٍ, مَنْ حَقَّقَهَا, سَلِمَ مِنَ الْانْحِرَافِ, وَالزَّلَلِ فِي هَذَا الْبَابِ, وَهِيَ:
    الْأصْلُ الْأوَّلُ: تَنْزَيْهُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا عَنْ أَنْ يُشْبِهَ شَيءٌّ مِنْ صِفَاتِهِ, شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.
    الْأَصْلُ الثَّانِي: الْإِيمَانُ بِمَا سَمَّى, وَوَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ, وَبِمَا سَمَّاهُ, وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللهِ, وَعَظَمَتِهِ.
    الْأَصْلُ الثَّالِثُ: قَطْعُ الطَّمَعِ, عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ كَيْفِيَّةِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ إِدْرَاكَ الْمَخْلُوقِ لِذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ.
    فَمَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْأُصُولَ الثَّلَاثةَ فَقَدْ حَقَّقَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ, فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ, وَالصِّفَاتِ, عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ فِي هَذَا الْبَابِ.

    *فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقَالَ: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ!) فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَيْحُكَ، أَتَدْرِي مَا اللهُ؟ إِنَّ شَأْنَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ).
    وَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَهَذَا قَدْرُ مَا تَحْتَمِلُهُ الْعُقُولُ، وَإِلَّا فَعَظَمَةُ اللهِ, وَجَلَالُهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا عَقْلٌ, فَمَنْ هَذا بَعْضُ عَظَمَتِهِ, وَجَلَالِهِ, كَيْفَ يُجْعَلُ فِي رُتْبَتِهِ مَخْلُوقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا, وَلَا ضَرًّا؟.
    وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ: لِيُعَظِّمْ أَحَدُكُم رَبَّهُ، أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ فِي كُلِّ شَيءٍّ حَتَّى يَقُولَ: أَخْزَى اللهُ الكَلْبَ، وَفَعَلَ اللهُ بِالْكَلْبِ كَذَا.

  • إِيَّاكَ وكلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ منهُ

    إِيَّاكَ وكلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ منهُ

    *فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِيَّاكَ وَكُلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ مِنْهُ) أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ فِي الْمخْتَارَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِعْلَ الْأُمُورِ التِي يُحْتَاجُ إِلَى الاعْتِذَارِ بَعْدَ فِعْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأُمُورُ السَّيِّئَةِ التِي تَجْلِبُ عَلَى صَاحِبِهَا الذَّمَّ، وَفِي هَذَا صِيَانَةٌ لِدِينِ الْإِنْسَانِ, وَحِفْظًا لِمَاءِ وَجْهِهِ.
    وَالْاِعْتِذَارُ عَن الْخَطَأِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَمَحْمُودٌ، وَلَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ أَن نَرْتِكَبَ مَا نَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْاِعْتِذَارِ عَنْهُ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِن الْأعْذَارِ مَا يَكُونُ مَقْبُولًا وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَالْأَعْذَارُ التِي يَأَتِي بِهَا الظَّالِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا تَنْفَعُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، وَهذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَنْ أَخْطَأَ أَوْ أَذْنَبَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْاسْتِغْفَارِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ حَقٌّ أَوْ مَظْلَمَةٌ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، إِذْ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ يَوْمَئِذٍ، إِنَّمَا هِيَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَالْيَوْمَ أَصْبَحَ أَكْثَرُ النَّاسِ يَعْصُونَ اللهَ، وَمِنْ ثَمَّ يَلْتَمِسُونَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارَ لِأَفْعَالِهِمْ، لِكَيْ تَكْتَسِبَ نَوْعًا مِن الشَّرْعِيَّةِ، وَلِيَكُفُّوا بِذَلِكَ عَنْهُمُ انْتِقَادَ النَّاقِدِينَ، فَمِنَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارِ: احْتِجَاجُهُمْ بِالْقَدَرِ، فَإِذَا نَصَحْتَ أَحَدَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ, قَالَ لَكَ: إِنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) وَالْاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْمَصَائِبِ، كَأَنْ يَتَعَزَّى الْمُسْلِمُ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ بِالْقَدَرِ, أَمَّا الْاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَايِبِ بِأَنْ يَفْعَلَ مُحَرَّمًا ثُمَّ يَقُولُ مُبَرِّرًا فِعْلَهُ: إِنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُقْبَلُ, لِأَنَّهُ هُوَ الذِي فَعَلَ وَاخْتَارَ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ أَصْلًا مَا قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ قَبْلَ فِعْلِهِ، كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ مَالَكَ أَوْ آذَى أَهْلَكَ فَأَمْسَكْتَ بِهِ، فَاعْتَذَرَ لَكَ بِأَنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ جَزْمًا لَنْ تَقْبَلَ عُذْرَهُ.
    وَمِنَ الْأَعْذَارِ التِي لَا تُقْبَلُ: مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ أَيْضًا مِنْ قَبْلُ: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ – أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ – وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) فَكَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يُبَرِّرُونَ وَاقِعَهُمُ الْمُخَالِفَ لِلشَّرِيعَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ تُرَاثُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ, أَبَدًا كَمَا هُوَ عُذْرُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ, تَنَصُّلًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ, وَهُوَ عُذْرٌ كَسَابِقِهِ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ عِنْدَ اللهِ.

    *فَمِنَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارِ التِي يَكْثُرُ تَدَاوُلُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ: الْعُذْرُ بِالْمُرَاهَقَةِ، فَتَجِدُ الْأَبَ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ عَدَمِ حُضُورِ ابْنِهِ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً، أَوْ عَنْ نَزَوَاتِهِ الْمُحَرَّمَةِ، وَأَذِيَّتِهِ لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرَاهِقًا فِي نَظَرِهِ, أَوْ لِأَنَّ الْكَبْتَ بِزِعْمِهِ فِي هَذِهِ السَّنِّ لَهُ أَثَرٌ سَلْبِيٌّ، وَكَأَنَّ قَلَمَ التَّكْلِيفِ لَا يَزَالُ عَنِ ابْنِهِ مَرْفُوعًا، وَاعْتِذَارُ الْإِنْسَانِ لِابْنِهِ بِالْمُرَاهَقَةِ لِأَجْلِ التَّنَصُّلِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَمُقَارَفَةِ الْمُحَرَّمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى خَلَلٍ فِي الْعَقْلِ وَضَعْفٍ فِي الدِّينِ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْرَأْ فِي تَارِيخِ السَّابِقِينَ مِن صَحَابَةٍ وَتَابِعِينَ، فَلَنْ يَجِدَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَثَرًا فِي الشَّرْعِ، إِذْ أَنَّ الطِّفْلَ إِذَا بَلَغَ أَصْبَحَ مُكَلَّفًا، يُعَاقَبُ وَيُثَابُ عَلَى أَفْعَالِهِ، فَالْخَلَلُ إِذَنْ لَيْسَ فِي سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ، بَلْ هُوَ فِي التَّرَفِ, وَالْبَذَخِ, وَسُوءِ التَّرْبِيَةِ, وَتَوْفِيرِ وَسَائِلِ الْبُعْدِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبِيتِ وَخَارِجِهِ.

  • إن الله يأمر بالعدل…

    إن الله يأمر بالعدل…

    *فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ لِلْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ, النَّاهِيَةِ عَنْ كُلِّ شَرٍّ, هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
    وَلَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ:
    إِنَّ الْعَدْلَ الذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَشْمَلُ الْعَدْلَ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى, وَفِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَنْ يُؤَدِّي الْعَبْدُ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ, وَالْبَدَنِيَّةِ, وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى, وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعِبَادِ؛ بِأَنْ يُعَامِلَ الْعَبْدُ الْخَلْقَ بِالْعَدْلِ التَّامِ، فَيُؤَدِّي كُلَّ وَالٍ مَا عَلَيْهِ تَحْتَ وِلَايَتِهِ, سَوَاءً فِي ذَلِكَ وِلَايَةِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ, وَنُوَّابِ الْخَلِيفَةِ، وَنُوَّابِ الْقَاضِي.
    وَالْعَدْلُ هُوَ مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَأَمَرَهُمْ بِسُلُوكِهِ، وَمِن ذَلِكَ الْعَدْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ, وَالشِّرَاءِ, وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَيَكُونُ الْعَدْلُ كَذَلِكَ بِإِيفَاءِ جَمِيعَ مَا عَلَيْنَا مِنَ الْحُقُوقِ لِلْآخَرِينَ, فَلَا نَبْخَسْ لِلنَّاسِ حَقًّا, وَلَا نَغُشَّهُمْ, وَلَا نَخْدَعَهُمْ, وَلَا نَظْلِمَهُمْ.
    فَالْعَدْلُ وَاجِبٌ، وَالْإِحْسَانُ مُسْتَحَبٌّ, كَنَفْعِ النَّاسِ بِالْمَالِ, وَالْبَدَنِ, وَالْعِلْمِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ النَّفْعِ, حَتَّى إِنَّهُ لَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ إِلَى الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ.
    وَخَصَّ اللهُ إِيتَاءَ ذِي الْقُرْبَى – وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ – لِتَأَكُّدِ حَقَّهُمْ, وَتَعَيُّنِ صِلَتِهِمْ, وَبِرِّهِمْ, وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَقَارِبِ, لَكِنْ كُلَّ مَا كَانَ أَقْرَبَ كَانَ أَحَقَّ بِالْبِرِّ.
    أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى) فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْفَحْشَاءِ: كُلُّ ذَنْبٍ عَظِيمٍ اسْتَفْحَشَتْهُ الشَّرَائِعُ وَالْفِطَرُ, كَالشِّرْكِ بِاللهِ, وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَالزِّنَا, وَالسَّرَقَةِ, وَالْعُجْبِ بِالْعَمَلِ, وَالْكِبْرِ, وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاحِشِ.
    وَيَدْخُلُ فِي الْمُنْكَرِ: كُلُّ ذَنْبٍ, وَمَعْصِيَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى.
    وَيَدْخُلُ فِي الْبَغِيِّ: كُلُّ عُدْوَانٍ عَلَى الْخَلْقِ فِي الدِّمَاءِ, وَالْأَمْوَالِ, وَالْأَعْرَاضِ.
    فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَامِعَةً لِجَمِيعِ الْمَأَمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ, لَمْ يَبْقَ شَيءٌ إِلَّا دَخَلَ فِيهَا، فَهِيَ قَاعِدَةٌ تَرْجِعُ إِلَيْهَا سَائِرُ الْجُزْئِيَاتِ.
    فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَدْلٍ, أَوْ إِحْسَانٍ, أَوْ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى, فَهِيَ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ.
    وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَحْشَاءٍ, أَوْ مُنْكَرٍ, أَوْ بَغْيٍ, فَهِيَ مِمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ.

    *ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَبِهَذِهِ الْآيَةِ: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يُعْلَمُ حُسْنُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ, وَقُبْحُ مَا نَهَى عَنْهُ، وَبِهَا يُعْتَبَرُ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الْأَقْوَالِ, وَتُرَدُّ إِلَيْهَا سَائِرُ الْأَحْوَالِ، فَتَبَارَكَ مَنْ جَعَلَ فِي كَلَامِهِ الْهُدَى, وَالشِّفَاءَ, وَالنُّورَ, وَالْفُرْقَانَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءَ.
    وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَعِظُكُمْ به) أَيْ: بِمَا بَيَّنَهُ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ, بِأَمْرِكُمْ بِمَا فِيهِ غَايَةَ صَلَاحِكُمْ, وَنَهْيِكُمْ عَمَّا فِيهِ مَضَرَّتَكُمْ.
    (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أَيْ: بِمَا يَعِظُكُمْ بِهِ؛ فَتَفْهَمُونَهُ, وَتَعْقِلُونَهُ، فِإِنَّكُمُ إِذَا تَذَكَّرْتُمُوهُ, وَعَقَلْتُمُوهُ؛ عَمِلْتُمْ بِمُقْتَضَاهُ, فَسَعِدْتُمْ سَعَادَةً لَا شَقَاوَةَ مَعَهَا.

  • الوسواس 2

    الوسواس 2

    *فَالشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ لَا يَتَوَانَى عَنْ أَذِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَسَالِيبَ كَثِيرَةٍ, وَمِنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ: الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ؛ كَالْخَوْفِ مِنَ الْمَوْتِ, أَوِ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ, أَوِ الْخَوْفِ عَلَى مُسْتَقْبَلِهِ, أَوْ مُسْتَقْبَلِ أَوْلَادِهِ، أَوِ الْأَفْكَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُنْفِ, أَوْ خَوْفِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْقَتْلِ, أَوْ إِلْحَاقِ الْأَذَى بِهِ, أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْمَجْهُولِ، أَوِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ الذِي يُصَاحِبُهُ خَفَقَانٌ فِي الْقَلْبِ, أَوْ بُرُودَةٌ فِي الْأَطْرَافِ، أَوْ ضِيقٌ فِي التَّنَفُّسِ، أَوْ آلَامٌ فِي الرَّأْسِ أَوِ الْبَطْنِ, أَوْ إِحْسَاسٌ بِالتَّقَيُّؤِ, أَوْ إِحْسَاسٌ بِالْإِغْمَاءِ, وَنَحْوُ ذَلِكَ, أَوِ الرُّهَابِ الْاجْتِمَاعِيِّ؛ كَالْخَوْفِ مِنَ الْاخْتِلَاطِ بِالْآخَرِينَ، وَالتَّهَرُّبِ مِنَ الزِّيَارَاتِ الْعَائِلِيَّةِ، وَتَحَاشِيْ النِّقَاشَاتِ, وَالْحِوَارَاتِ مَعَ الزُّمَلَاءِ وَالْأَصْدِقَاءِ, أَوِ الْأَفْكَارِ الْوَسْوَاسِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّظَافَةِ, أَوِ الْأَفْكَارِ التِي تُلِحُّ عَلَى الْمُوَسْوِسِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مُعَيَّنًا, أَوْ حَرَكَةً مُعَيَّنَةً, وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا فَقَدْ يُصَابُ بِأَذًى وَنَحْوِهِ, أَوِ الشُّكُوكِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ, وَغَيْرِهَا كَثِيرٌ, وَهَذِهِ الْأَفْكَارُ هِيَ أَحَدُ أَسَالِيبِ الشَّيْطَانِ مِنْ أَجْلِ إِحْزَانِ الْإِنْسَانِ, وَإِصَابَتِهِ بِالْهَمِّ, وَالْقَلَقِ, وَالْكَآبَةِ, وَعَزْلِهِ عَنِ الْمُجْتَمَعِ, وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْوَسَاوِسَ تُؤَثِّرُ بِأَصْحَابِ الشَّخْصِيَّاتِ الْوَسْوَاسِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا تُوَافِقُ نُفُوسًا تَتَفَاعَلُ مَعَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْكَارِ, وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْخُطُواتِ الْعَمَلِيَّةِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ بِإِذْنِ اللهِ:
    أَوْلًا: الْقَنَاعَةُ التَّامَّةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْكَارَ الْمُزْعِجَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
    ثَانِيًا: الْاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
    ثَالِثًا: اعْتِقَادُ نَقِيضِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ, ثُمَّ الْفَرَحُ بِهَذِهِ النَّتِيجَةِ، فَلْوْ وَسْوَسَ لَكَ الشَّيْطَانُ مَثَلًا أَنَّكَ لَمْ تُقْفِلِ الْبَابَ, فَتَأَكَّدْ أَنَّكَ قَدْ قُمْتَ بِإِقْفَالِهِ, أَوْ وَسْوَسَ لَكَ أَنَّ ابْنَكَ قَدْ وَقَعَ لَهُ حَادِثُ سَيْرٍ, فَتَأَكَّدْ أَنَّهُ بَخَيْرٍ, وَهَكَذَا.
    رَابِعًا: التَّوَقُّفُ عَنِ الْاسْتِمْرَارِ بِالتَّفْكِيرِ بِهَذِهِ الْخَاطِرَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ.
    خَامِسًا: عَدَمُ تَنْفِيذِ الْفِكْرَةِ التِي يُلِحُّ عَلَيْكَ بِهَا الْوَسْوَاسُ, فَمَثَلًا: لَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِالتَّأَكُّدِ مِنْ قَفْلِ الْأَبْوَابِ فَلَا تَفْعَلْ، أَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِالذَّهَابِ إِلَى الطَّبِيبِ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ سَلَامَتِكَ مِنَ مَرَضٍ مَا فَلَا تَفْعَلْ، أَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِفِعْلِ حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا تَفْعَلْهَا نِهَائِيًّا, وَإِذَا وَسْوَسَ لَكَ بِفِكْرَةٍ مُحْزِنَةٍ فَلَا تَحْزَنْ؛ بَلْ أَظْهِرِ الْفَرَحَ وَالرِّضَا, وَتَصَنَّعِ الْابْتِسَامَةَ.
    سَادِسًا: ابْتَعِدْ عَنِ الْوِحْدَةِ وَالْفَرَاغِ, فَهِيَ السَّبَبُ الرَّئْيِسُ فِي زِيَادَةِ الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ.
    سَابِعًا: إِذَا جَاءَتْكَ الْفِكْرَةُ الْوَسْوَاسِيَّةُ, فَأَشْغِلْ نَفْسَكَ بِأَمْرٍ آخَرَ بَعِيدٍ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْهَا.
    ثَامِنًا: ابْتَعِدْ عَنِ الْحُزْنِ وَالْانْفِعَالِ, وَأَكْثِرْ مِنَ الْابْتِسَامَةِ وَلَوْ تَصَنُّعًا؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسَ يَزْدَادُ مَعَ الْحُزْنِ, وَيَخْتَفِي مَعَ الْابْتِسَامَةِ، فَالشَّيْطَانُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ, وَلَكِنَّهُ يُوَسْوِسُ لِلْإِنْسَانِ, وَيَنْظُرُ إِلَى تَصَرُّفَاتِهِ, فَإِنْ رَأَى مِنْهُ حُزْنًا وَانْفِعَالًا؛ فَرِحَ بِذَلِكَ, وَزَادَ فِي وَسْواسِهِ, وَإِنْ وَجَدَ تَجَاهُلًا وَابْتِسَامَةً؛ انْخَنَسَ وَابْتَعَدَ.
    تَاسِعًا: الْمُصَابُونَ بِنَوْبَاتِ الْخَوْفِ, وَالْهَلَعِ, إِذَا أَحَسُّوا بِأَعْرَاضِ الْخَوْفِ مِنْ: خَفَقَانٍ فِي الْقَلْبِ, أَوْ رَعْشَةٍ فِي الْجَسَدِ, أَوْ ضِيقٍ فِي التَّنَفُّسِ, أَوْ بُرُودَةٍ فِي الْأَطْرَافِ, أَوْ آلَامٍ فِي الرَّأَسِ, أَوِ الْبَطْنِ, وَنَحْوِ ذَلِكَ, مِنَ الْأَعْرَاضِ الْكَثِيرَةِ, فَلْيَطْمَئِنُّوا وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ إِذَا زَادَ عَنِ حَدِّهِ الطَّبِيعِيِّ, لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ الْأَعْرَاضِ وَالْآلَامِ, وَبِمُجَرَّدِ أَنْ يَهْدَأَ الْإِنْسَانُ, وَيَزُولَ عَنْهُ الْخَوْفُ, تَبْدَأُ هَذِهِ الْأَعْرَاضُ بِالْاخْتِفَاءِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

    *فَإِنَّ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنَ الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ: هُوَ الْوَسْوَاسُ فِي اللهِ تَعَالَى, وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, وَبَعْضِ مَسَائِلِ الْاعْتِقَادِ, وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَخْلُوا مِنْهُ قَلْبُ مُسْلِمٍ مَهْمَا زَادَ إِيمَانُهُ, أَوْ نَقَصَ, وَلَكِنْ تَخْتَلِفُ دَرَجَةُ الْوَسْوَاسِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى آخَرَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ سَرِيعًا وَيَزُولُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْقِيهِ هَذَا الْوَسْوَاسُ سِنِينَ عَدَدًا, وَمِنْهُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ! قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ) قَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ صَرِيحَ الْإِيمَانِ هُوَ الذِي يَمْنَعُكُمْ مِنْ قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِكُمْ, حَتَّى يُصْبِحَ ذَلِكَ وَسْوَسَةً, فَلَا يَتَمَكَّنَ فِي قُلُوبِكُمْ, وَلَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ أَنْفُسُكُم.
    وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا جَاءَتْهُ هَذِهِ الْأَفْكَارُ الْمُزْعِجَةُ: أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْهَا مُبَاشَرَةً, ثُمَّ يَسْتِعِيذَ بِاللهِ مِنْهَا وَمِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, ثُمَّ يُحَاوِلَ تَهْدِئَةَ نَفْسِهِ, وَتَذْكِيرَهَا بِأَنَّ غَضَبَهُ, وَحُزْنَهُ, وَمُدَافَعَتَهُ لِهَذِهِ الْأَفْكَارِ؛ إِنَّمَا هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، ثُمْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ, وَغَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَذِهِ الْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ.

  • الوسواس 1

    الوسواس 1

    *فَيُعَانِي الْبَعْضُ مِنَّا؛ مِنَ الْوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِيَّةِ, الَّتِي تُنَغِّصُ عَلَيْهِمْ صَفْوَ الْعِبَادَةِ وَالْحَيَاةِ, وَالشَّيْطَانُ بِطَبِيعَتِهِ يُوَسْوِسُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ, لَكِنِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الطَّبِيعِيِّ, وَالْإِنْسَانِ الْمُبْتَلَى بِالْوَسَاوِسِ: هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ إِذَا اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, زَالَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ, لَكِنِ الْمُبْتَلَى بِالْوَسَاوِسِ إِذَا اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, انْخَنَسَ الشَّيْطَانُ, لَكِنْ تَبْدَأُ نَفْسُ الْمُبْتَلَى بِالْوَسَاوِسِ بِالْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ بِمَا وَسْوَسَ بِهِ الشَّيْطَانُ, وَلَا تَهْدَأُ هَذِهِ النَّفْسُ حَتَّى يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ مَا وَسْوَسَ بِهِ الشَّيْطَانُ, أَوْ يُعْرِضَ الإِنْسَانُ عَنْ التَّفْكِيرِ بِهَذَا الأَمْرِ نِهَائِيًّا, فَإِنِ اسْتَمَرَّ الْمُبْتَلَى فِي التَّفْكِيرِ بِهَذَا الْأَمْرِ دُونَ فِعْلٍ لَهُ, أَوْ تَجَاهُلٍ لَهُ, فَسَتَظَلُّ هَذَهِ الْفِكْرَةُ تُلِحُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَلَهَا؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمَنْ بُلِيَ بِالْوَسَاوِسِ: (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتِهِ) وَلَمْ يَكْتِفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِرْشَادِنَا بِالْاسْتِعَاذَةِ فَقَطْ؛ بَلْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ: أَمَرَنَا بِالْانْتِهَاءِ عَنِ التَّفْكِيرِ فِيمَا يُوَسْوِسُ فِيهِ الشَّيْطَانُ نِهَائِيًّا, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنْ الشَّيْطَانَ يَسْعَى جَاهِدًا فِي أَنْ يَعِيشَ الْمُؤْمِنُ فِي قَلَقٍ, وَحُزْنٍ, وَكَآبَةٍ بِأَسَالِيبَ شَتَّى؛ وَمِنْ ضِمْنِهَا الْوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِيَّةُ. بَقِيَ السُّؤَالُ الْمُهِمُّ: مَا هُوَ الْعِلَاجُ الْأَمْثَلُ لِمَرَضِ الْوَسَاوِسِ؟
    لَا يَكْتَمِلُ الْعِلَاجُ مِنَ الْوَسَاوِسِ إِلَّا إِذَا بُنِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مُهِمَّةٍ:
    الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ: التَّجَاهُلُ التَّامُ لِجَمِيعِ الْوَسَاوِسِ, وَالْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ, صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا, وَعَدَمُ الْالْتِفَاتِ إِلَيْهَا نِهَائِيًّا, وَيَجِبُ أَلَّا يَكْتِفِي الْمُبْتَلَى بِأَنْ لَا يَفْعَلَ مَا تُمْلِيهِ عَلَيْهِ الْوَسَاوِسُ فَقَطْ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّفْكِيرِ أَبَدًا بِهَذِهِ الْوَسَاوِسِ؛ فَمَثَلًا لَوْ تَوَضَّأَ, ثُمَّ أَحَسَّ بِخُرُوجِ شَيءٍ مِنْهُ, فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يَلْتَفِتَ لِهَذَا الْإِحْسَاسِ نَهَائِيًّا, بَلْ يَذْهَبُ إِلَى الصَّلاةِ مُبَاشَرَةً, كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يُحَاوِلَ إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِعَدَمِ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ؛ لَأَنَّ مُحَاوَلَةَ إِقْنَاعِ نَفْسِهِ بِعَدَمِ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ؛ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْوَسْوَاسِ؛ يَجِبُ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ أَبَدًا, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ أَفْضَلَ عِلَاجٍ لِلْوَسَاوِسِ يَكُونُ بِتَجَاهُلِ الْفِكْرَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ, وَلَوْ كُنْتَ مُقْتَنِعًا بِصِحَّتِهَا؛ لِكَيْ يَتَعَوَّدَ الْمُبْتَلَى عَلَى الصُّمُودِ أَمَامَ الْفِكْرَةَ الْمُلِحَّةِ؛ مِمَّا يَجْعُلُ الْإِلْحَاحَ يَخِفُّ تَدْرِيجِيًّا إِلَى أَنْ يَزُولَ نِهَائِيًّا بِإِذْنِ اللهِ.
    الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ: الْمُوَاجَهَةُ وَعَدَمُ الْفِرِارِ؛ بِأَنْ يُوَاجِهَ الْمُبْتَلَى الْفِكْرَةَ الْوَسْوَاسِيَّةَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ, وَيُلْغِي فِكْرَةَ الْهَرَبِ نِهَائِيًّا, ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمُوَاجَهَةِ, فَكَمْ هَرَبَ الْمُبْتَلَى مِنَ الْوُضُوءِ أَمَامَ النَّاسِ, وَمِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلْيُعْلَمَ أَنَّهُ لَوِ اسْتَمَرَّ الْمُبْتَلَى فِي هُرُوبِهِ عِشْرِينَ سَنَةً, فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ عَشْرِينَ سَنَةً أَيْضًا, فَالْمُوَاجَهَةُ حَتْمِيَّةٌ مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ, وَسِيَاسَةُ الْمُوَاجَهَةُ تَكُونُ بِاسْتِخْدَامِ قَاعِدَةِ: (أَبْدَأُ، وَأَسْتَمِرُّ، وَأُكْمِلُ) فَلَوْ أَرَدْتَ الْوُضُوءَ مَثَلًا؛ فَبَدَأَ الشَّيْطَانُ بِتَخْوِيفِكَ, فَهُنَا إِيَّاكَ مِنَ الْانْسِحَابِ, بَلْ طَبِّقْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِسُرْعَةٍ وَابْدَأِ الْوُضُوءَ مُبَاشَرَةً وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ, ثُمَّ تَمَضْمَضْ, وَاسْتَنْشِقْ, وَهَكَذَا حَتَّى تُنْهِي الْوُضُوءَ، فَإِنْ ضَغَطَ عَلَيْكَ الْوِسْوَاسُ لِكَيْ تَقْطَعَ الْوُضُوءَ فَاسْتَمِرَّ فِيهِ, وَلَا تُبَالِي بِهِ, فَإِنِ اسْتَمَرَّ ضَغْطُ الْوَسْوَاسِ عَلَيْكَ فَأَكْمِلِ الْوُضُوءَ حَتَّى النِّهَايَةَ, وَبِهَذَا تَكُونُ قَدْ أَنْهَيْتَ الْوُضُوءَ كَامِلًا, ثُمَّ اذْهَبْ إِلَى الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ جَاءَكَ الْوَسْوَاسُ يُخَوِّفُكَ مِنْهَا؛ فَطَبِّقْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ: (أَبْدَأُ، وَأَسْتَمِرُّ، وَأُكْمِلُ) مَرَّةً أُخْرَى, وَوُضُوئُكَ وَصَلَاتُكَ صَحِيحَانِ.
    الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ: الصُّمُودُ وَالثَّبَاتُ, وَالْمَقْصُودُ بِهِمَا أَمْرَانِ: أَوَّلًا: هُوَ صُمُودُ الْمُبْتَلَى عَلَى تَجَاهُلِ الْفِكْرَةِ الْوَسْوَاسِيَّةِ, وَعَدَمِ تَنْفِيذِهَا, أَوْ حَتَّى التَّفْكِيرَ بِهَا. ثَانِيًا: الاسْتِمْرَارُ بِالْعِبَادَةِ وَعَدَمُ قَطْعِهَا مَهْمَا وَاجَهَ الْمُبْتَلَى مِنْ أَفْكَارٍ. وَهَذَا الرُّكْنُ هُوَ أَهَمُّ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ تَسْتَنِدُ عَلَيْهِ؛ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَجَاهُلٌ, وَمُوَاجَهَةٌ فَعَّالَةٌ, مَعَ عَدَمِ الثَّبَاتِ وَالصُّمُودِ, بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ أَحَسَّ الْمُبْتَلَى بِخُرُوجِ شَيءٍ مِنْهُ, وَتَجَاهَلَ الْفِكْرَةَ, وَلَمْ يُفَكِّرْ فِيهَا, وَبَدَأَ الْوَسْوَاسُ يَضْغَطُ عَلَيْهِ وَيَشْتَدُّ, وَالْمُبْتَلَى لَا يَلْتَفِتُ لِذَلِكَ, وَلَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِشَلَ فِي الصُّمُودِ وَالثَّبَاتِ؛ فَذَهَبَ وَغَيَّرَ مَلَابِسَهُ؛ فَسَيَكُونُ الْمُبْتَلَى قَدْ فَشِلَ فِي رُكْنَيْنِ كَامِلَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ وَهُمَا الصُّمُودُ وَالتَّجَاهُلُ, وَلِكَيْ يَسْتَطِيعُ الْمُبْتَلَى أَنْ يَصْمُدَ أَمَامَ الْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ دَائِمًا أَنَّ النَّصْرَ لِمَنْ يَصْبِرُ فِي اللَّحَظَاتِ الْأَخِيرَةِ, فَرُبَّمَا يَصْمُدُ الْإِنْسَانُ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ, وَلَا يَبْقَى سِوَى لَحَظَاتٍ يَسِيرَةٍ, وَيَنْهَارُ الْوَسْوَاسُ, وَلَكِنَّ الْمُبْتَلَى يَكُونُ هُوَ السَّابِقُ فِي الْانْهِيَارِ, وَلِذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ بِالصُّمُودِ حَتَّى يُكْمِلَ الْعِبَادَةَ التِي هُوَ فِيهَا, وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الصُّمُودُ حَتَّى تَتَلَاشَى الْفِكْرَةُ الشَّيْطَانِيَّةُ الْمُلِحَّةُ عَلَى نَفْسِهِ نِهَائِيًّا.
    *فَمِنَ الْمُهِمِّ بَعْدَ تَطْبِيقِ أَرْكَانِ الْعِلَاجِ الثَّلَاثَةِ؛ الْاسْتِمْرَارُ عَلَى هَذَا الْعِلَاجِ, وَعَدَمُ قَطْعِهِ, وَلْيُعْلَمَ أَنَّهُ بَعْدَ تَطْبِيقِ هَذَا الْعِلَاجِ, سَيَشْعُرُ الْمُبْتَلَى بِالرَّاحَةِ, وَقَدْ يَجْلِسُ يَوْمًا, أَوْ يَوْمِينِ, أَوْ أَكْثَرَ؛ بَلَا وَسَاوِسَ؛ لَأَنَّ الْوَسْوَاسَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَقُومُ بِالْابْتِعَادِ الْكُلِّيِّ عَنِ الْمُبْتَلَى؛ لَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُوَاجَهَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ بِسَبَبِ قُوَّةِ عَزِيمَةِ الْمُبْتَلَى، لَكِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْمُبْتَلَى مِنْ بَعِيدٍ, وَيَتَحَيَّنُ الْفُرْصَةَ لِيَهْجُمَ عَلَيْهِ مِنْ جَدِيدٍ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا, وَلْيَكُنِ الْإِنْسَانُ يَقِضًا لِهَذِهِ الْمَكِيدَةِ, فَإِنْ أَتَتْ فِيمَا بَعْدُ أَيُّ فِكْرَةٍ وَسْوَاسِيَّةٍ؛ وَلَوْ كَانَتْ بَسِيطَةً, فَلْيُطَبِّقْ عَلَيْهَا أَرْكَانَ الْعِلَاجِ الثَّلَاثَةَ: التَّجَاهُلُ التَّامُ, وَالْمُوَاجَهَةُ, وَالصُّمُودُ وَالثَّبَاتُ.

  • المعوذتان

    المعوذتان

    *فَتَوَاتَرَ مِن طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ, وَأَحْمَدَ, وَأصْحَابِ السُّنَنِ, عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ لَمْ يُرَى مَثْلَهُنَّ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِنَّ قَطٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ: (مَا قَرَأَ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ) ثُمَّ قَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (قُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ الفَلَقِ, وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وَأَقْرَأَهَا لِعُقْبَةَ. قَالَ عُقْبَةُ: ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِنَا الصُّبْحَ فَقَرَأَ بِهِنَّ، بِقُلْ أَعُوُذ بِرَبِّ الفَلَقِ, وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ؛ ثُمَّ قَالَ لِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ: (اقْرَأَ بِهِنَّ كُلَّمَا قُمْتَ وَكُلَّمَا نِمْتَ) وَفِي رِوَايَةٍ: (وَفِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ).
    وَمَعْنَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أيْ أَعُوذُ وَألْتَجِئُ وَأَحْتِمِيْ وَأَسْتَغِيثُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وَالفَلَقُ هُوَ الصُّبْحُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾.
    وَمَعْنَى: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أيْ أَسْتَعِيذُ بِرَبِّ الفَلَقِ مِن جَمِيعِ الشُّرُورِ، مِمَّا أَعْلَمُهُ وَمِمَّا لَا أَعْلَمُهُ.
    وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ أيْ اللَّيلُ إذَا أَقْبَلَ, وَفِي اللَّيلِ تَكُونُ غَالِبًا الشُّرُورُ المَعْنَوِيَّةُ وَالْحِسِّيَّةُ، وَفِيهِ تَنْتَشِرُ الشَّيَاطِينُ, فَنَحْنُ نَسْتَعِيذُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّوْرَةِ مِنْ هَذِهِ الشُّرُورِ التي تَكُونُ فِي الظُّلُمَاتِ مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ.
    وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ أيْ السَّحَرَةُ والسَّوَاحِرُ، وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى السَّوَاحِرَ هُنَا لِأَنَّهُنَّ أَغْلَبَ، فَإنَّ لَمْ تَسْتَعِذْ بِاللهِ مِن السَّحْرِ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يُصِيبَكَ مِنْ شَرِّهِ.
    وَمَعْنَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ أَيْ حَسَدُ العَيْنِ، وَحَسَدُ القَلَبِ, وَحَسَدُ اللِّسَانِ.
    وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ﴾ أَيْ أَعُوذُ وَألْتَجِئُ وَأَحْتِمِيْ وَأَسْتَغِيثُ بِهَذَا الرَّبِّ الذِي رَبَّى جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ وَأَمَدَّهُمْ بِالنِّعَمِ, وَهَذَا المَلِكُ الذِي مُلْكُهُ عَمَّ كُلَّ شَيءٍ، وَهَذَا الإِلَهُ الِذي لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ العِبَادَةَ إلَّا هُو، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِنَا سَوَاءً مِنَ الجِنِّ أَوْ مِن الإِنْسِ، وَمِنْ رَحْمَةَ اللهِ بِنَا أَنَّ هَؤُلاءِ الشَّيَاطِينَ مِن الإنْسِ وَالجِنِّ إذَا ذُكِرَ اللهُ, وَقَامَتِ الحُجَجُ, وَنُشِرَتِ السُّنَّةُ, وَانْتَشَرَ نُورُ الإسْلَامِ, انْخَنَسُوا, وَتَصَاغَرُوا, وَذَلَّوا (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَوَسْوَسُةُ الشَّيَاطِينِ إمَّا أنْ تَكُونَ فِي المَاضِي سَوَاءً بِمَا حَصَلَ لَكَ أَوْ لِغَيْرِكَ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَحَدُنَا مِن صَلَاتِهِ وَهُو لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى. وَإِمَّا أنْ تَكُونَ وَسْوَسَتُهُ فِي المُسْتَقْبَلِ، بِالْأَمَانِي الكَاذِبَةِ، وَالمَوَاعِيدِ الزَّائِفَةِ, (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) وَلَكَمْ وَسْوَسَتْ الشَّيَاطِينُ لِأُنَاسٍ بِالمَوَاعِيدِ, وَالْأَمَانِي الكَاذِبَةِ, حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِمُ الْأْعْمَارُ؟ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا مِنهَا بِشَيءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. وَإِمَّا أنْ تَكُونَ وَسْوَسَتُهُ فِي الْأَوَامِرِ والنَّوَاهِي، كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.

    *فَهَذَهِ مُعُوِّذَتَانِ, مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهَا قَطٌّ، وَلَا سَأَلَ أَحَدٌ وَلَا اسْتَعَاذَ بِمِثْلِهَا قَطٌّ، تُعُيذُكَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى إذَا قُلْتَهَا بِقَلْبٍ حَاضِرٍ, وَدَاوَمْتَ عَلَيْهَا، مِن هَذِهِ الشُّرُورِ المُحْدِقَةِ بِكَ وَالمُتَرَصِّدَةِ لَكَ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى تَنْخَنِسُ شَيَاطِينُ الجِنِّ، وَبِصُحْبَةِ العُلَمَاءِ يُكْشَفُ زَيْفُ وَبَاطِلُ وَوَسَاوِسُ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ.
    اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِن شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا فِي عَافِيَةٍ, وَأَمِتْنَا فِي عَافِيَةٍ، وَاكْفِنَا مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

  • القصد القصد تبلغوا

    القصد القصد تبلغوا

    *فَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: )لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا, إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ, وَإنَّ الدِّينَ يُسْرٌ, وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ, فَسَدِّدُوا, وَقَارِبُوا, وَأَبْشِرُوا, وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ, وَالرَّوْحَةِ, وَشَيْءٍ مِن الدُّلْجَةِ, وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا, وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ, التِي يُبْنَى عَلَيْهَا النَّجَاةُ, وَالْفَلَاحُ, أَنْ يُوقِنَ الْعَبْدُ أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ بِعَمَلِهِ مَهْمَا عَظُمَ هَذَا الْعَمَلِ, فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ – وَإنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الفَاعِلَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ – إِلَّا أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ هُوَ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ وَإِعَانَتِهِ, وَلِذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ بِسَبَبِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ, فَالطَّاعَاتُ إِنَّمَا هِيَ أَسْبَابٌ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ قَرِيبٌ مِن الْمُحْسِنِينَ, وَأَمَّا دُخُولُ الْجَنَّةِ فَإنَّمَا هُوَ بِأَمْرِ اللهِ وَفَضْلِهِ.
    فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ لَا يُعْجَبَ بِعَمَلِهِ مَهْمَا عَظُمَ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْعَبْدَ مَهْمَا كَانَ عُلُوُّ صَلَاحِهِ وَكَثْرَةُ طَاعَاتِهِ, فَإنَّهُ لَا يَخْلُو مِن ذَنْبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ غَفْلَةٍ, وَلَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَهُ بِأَحَدِهَا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ, وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَإنَّ الدِّينَ يُسْرٌ) أَيْ مُيَسَّرٌ, مُسَهَّلٌ فِي عَقَائِدِهِ, وَأَخْلَاقِهِ, وَأَعْمَالِهِ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ) فَمَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ, وَلَمْ يَكْتَفِ بِمَا اكْتَفَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَلَا بِمَا عَلَّمَهُ لِلْأُمَّةِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، بَلْ غَلَا فِي العِبَادَاتِ, وَتَكَلَّفَ فَوْقَ مَا يُطِيقُ وَعَسَّرَ عَلَى نَفْسِهِ: فَإنَّ الدِّينَ يَغْلِبُهُ، وَآخِرُ أَمْرِهِ إِلَى الْعَجْزِ وَالْانْقِطَاعِ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (فَسَدِّدُوا, وَقَارِبُوا, وَأَبْشِرُوا) فَالتَّسْدِيدُ هُوَ إصَابَةُ الْعَبْدِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ, فَإنَّ لَمْ يُدْرِكِ السَّدَادَ وَالْكَمَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلْيَتَّقِ اللهِ مَا اسْتَطَاعَ, وَهِيَ الْمُقَارَبَةُ, وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ كُلِّهِ فَلْيَعْمَلْ مِنْهُ مَا يَسْتَطِيعُهُ, وَلْيُبْشِرِ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالثَّوَابِ الْعَظِيمِ عَلَى الْعَمَلِ الدَّائِمِ وَإنْ قَلَّ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ, وَالرَّوْحَةِ, وَشَيْءٍ مِن الدُّلْجَةِ) فَالْغَدْوَةُ: أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالرَّوْحَةُ: آخِرُهُ، وَالدُّلْجَةُ: آخِرُ سَاعَةٍ مِن اللَّيْلِ، وَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ هِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَاغِ وَالنَّشَاطِ, وَهِيَ أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ لِقَطْعِ الْمَسَافَاتِ فِي الْأَسْفَارِ الْحِسِّيَّةِ، مَعَ رَاحَةِ الْمُسَافِرِ وَرَاحِلَتِهِ، وَهِيَ كَذَلِكَ أَيْضًا أَفْضَلُ الْأوْقَاتِ لِقَطْعِ السَّفَرِ إلَى الدَّارِ الآخِرَةِ، وَالسَّيْرِ إلَى اللهِ سَيْرًا جَمِيلًا, وَمَتَى مَا أَشْغَلَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي هَذِهِ الْأوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ: حَصَلَ لَهُ مِن البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ أَكْمَلَ حَظٍّ، وَأَوْفَرَ نَصِيبٍ، وَتَمَّ لَهُ النَّجَاحُ, وَالْفَلَاحُ, فِي رَاحَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ.

    *فَقَدْ خَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هِذِهِ الْوَصَايَا الْعَظِيمَةَ بِوَصِيَّةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى النُّفُوسِ، وَهِيَ غَايَةٌ فِي النَّفْعِ, فَقَالَ: (وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ, أَيْ المُعْتَدِلَ مِن الْأَعْمَالِ, الذِي لَا يَمِيلُ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيِ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ.
    ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) لِأَنَّ الْمُدَاوِمَ عَلَى طَاعَةَ اللهِ، مُلَازِمٌ لِعَتَبَةِ الْعُبُودِيَّةِ يَطْرُقُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا, فَحَرِيٌّ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ طَرَقَ طَرْقًا عَنِيفًا, ثُمَّ انْصَرَفَ, فَحَرِيٌّ أَلَّا يُفْتَحَ لَهُ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَزْهِيدٌ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ, لَكِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إنَّمَا يَنْفَعُ إذَا كَانَ خَالِصًا لِلهِ, وَعَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا, فَاقْتَصِدُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِي الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ وَأَحْسِنُوهَا، وَاجْتَهِدُوا فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَحَقِّقُوهَا, مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ, وَخَوْفِهِ, وَإِجْلَالِهِ, وَتَعْظِيمِهِ, وَفِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ, وَالتَّعَلُّقِ بِهِ, وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا.

  • الظلم ظلمات

    الظلم ظلمات

    *فَأَخْرَجَ الإمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا, يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ, يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ, يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ, يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ, يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى, وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى, يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا, يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا, يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ, يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ, وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ). قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
    وَفِي هَذَا الحَدِيثِ فَوَائِدَ مِنْهَا:
    قُبْحُ الظَّلْمِ وَشَنَاعَتُهُ, والظُّلْمُ هُو وَضْعُ الشَّيءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَعَهَا مِنْهُ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَلَا يَقَعُ مِنْهُ الظُّلْمُ أبَدًا؛ لِكَمَالِ عَدْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالظُّلْمُ ثَلَاثَةُ أنْوَاعٍ: ظُلْمُ الإنْسَانِ رَبَّهُ وَيَكُونُ بِالشِّرْكِ بِهِ, وَهُو أَظْلَمُ الظُّلْمِ وأَقْبَحُ القَبَائِحِ. وظُلْمُ الإنْسَانِ لِنَفْسِهِ بِالمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَكَذَلِكَ تَحْمِيلُهَا مَالَا تُطِيقُ مِن العِبَادَةِ. وَظُلْمُ الإنْسَانِ غَيْرَهُ مِن البَشَرِ؛ كَأَنْ يَتَعَدَّى عَلَى شَخْصٍ بِالضَّرْبِ، أوِ القَتْلِ، أوْ أَخْذِ مَالِهِ، أوِ انْتِقَاصِ أَجْرِ العُمَّالِ وَالضُّعَفَاءِ.
    وَمِنْهَا: أنَّ الظُّلْمَ مُحَرَّمٌ بَيْنَ النَّاسِ, وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ يَكُونُ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ, كَمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا).
    وَمِنْهَا: أنَّ جَمِيعَ الخَلْقِ مُفْتَقِرُونَ أَشَدَّ الفَقْرِ إلى اللهِ تَعَالَى فِي جَلْبِ مَصَالِحِهِم، وَدَفْعِ مَضَارِّهِم فِي أُمُورِ دِينِهِم وَدُنْيَاهُم.
    وَمِنْهَا: أنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ أنْ يَسْأَلَهُ عِبَادُهُ وَيَسْتَغْفِرُوهُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ مُلْكَ اللهِ تَعَالَى لا يَزِيدُ بِطَاعَةِ الخَلْقِ وَلا يَنْقُصُ بِمَعْصِيَتِهِم, وأنَّ خَزَائِنَهُ لا تَنْفَذُ وَلَا تَنْقُصُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ مَا أصَابَ العَبْدَ مِن خَيْرٍ فَمِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى، وَمَا أصَابَهُ مِن شَرٍّ فَمِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ الأصْلَ فِي الإنسانِ الضَّلالُ والجَهْلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) وَقَوْلِهِ فِي هَذَا الحَدِيثِ: (يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ).
    وَمِنْهَا: وُجُوبُ طَلِبِ الهِدَايَةِ مِن اللهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذَا الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: (فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ).

    *فَمِن الفَوَائِدِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الحَدِيثِ: أنَّ بَنِي آدَمَ يُخْطِئُونَ كَثِيرًا فِي اللَّيلِ والنَّهَارِ, وَهَذَا الخَطَأُ يُقَابِلُهُ مَغْفِرَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ ذَنْبٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أنَّ الإنسانَ يَجِبُ أنْ يَعْرِفَ قَدْرَ نَفْسِهِ, فَكُلَّمَا أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ عَلِيهِ أنْ يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ.
    وَمِنْهَا: أنَّ الذُّنُوبَ مَهْمَا كَثُرَتْ؛ فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْفِرُهَا إذَا اسْتَغْفَرَ الإنْسَانُ رَبَّهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذَا الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: (وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ).
    وَمِنْهَا: يُسْتَفَادُ مِن قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) الْحَثُّ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى يَجِدَ الإنْسَانُ الخَيْرَ.
    وَمِنْهَا: أنَّ العَاصِيْ سَوْفَ يَلُومُ نَفْسَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَنْفَعَهُ اللَّوْمُ وَلَا النَّدَمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ).

  • الشكر لله

    الشكر لله

    *فَفِي الصَّحِيحَيْن, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ, وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أيْ أَحَقُّ أَنْ لَا تُحَقِّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ.
    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ لِأَبْوَابِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا رَأَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْخَيْرِ؛ اسْتَنْقَصَ الْحَالَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، أَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ؛ تَبَيَّنَتْ لَهُ نِعَمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِالشُّكْرِ, وَلِهَذَا قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَنْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا, فَإِنَّ بَرِيقَ أَمْوَالِهِمْ يَذْهَبُ بِحَلَاوَةِ إِيمَانِكُمْ.
    وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (رَحِمَ اللهُ عَبْدًا نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ؛ فَحَمِدَ اللهَ وَشَكَرَهُ، وَفِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَجَدَّ وَاجْتَهَدَ) وَعَنْ عَمْروِ بْنِ شُعَيْبٍ مَرْفُوعًا: (خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ, كَتَبَهُ اللهُ شَاكِرًا صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُو دُونَهُ؛ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ، وَمَن نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ إِلَّا وَلَابُدَّ أَنْ يُبْتَلَى, إِمَّا بِالْخَيرِ أَوْ بِالشَّرِّ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وَمَعْنَى فِتْنَةً: أَيْ لِأَجْلِ الْفِتْنَةِ لِنَنْظُرَ أَتَصْبِرُونَ وَتَشْكُرُونَ, أَمْ تَجْزَعُونَ وَتَكْفُرُونَ النِّعْمَةَ.
    وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجُرٍ, قَالَ: مَا مِنِ النَّاسِ إِلَّا: مُبْتَلًى بِعَافِيَةٍ لِيُنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُهُ؟ أَوْ: مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ لِيُنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُهُ؟.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إِلَى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ حَالًا, وَأَشَدُّ بَلَاءً؛ عَرَفَ عَظِيمَ مِقْدَارِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ؛ فَحَمِدَ اللهَ وَشَكَرَهُ عَلَى نَعْمَائِهِ, وَأَمَّا مَنَ ارْتَفَعَ نَظَرُهُ, فَأَصْبَحَ يَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا؛ فَإِنِّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَزْدَرِيَ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ, وَيَسْتَنْقِصَهَا, وَيَفْقِدَ شُكْرَهَا؛ وَمَتَى فَقَدَ الْعَبْدُ الشُّكْرَ تَرَحَّلَتْ عَنْهُ النِّعَمُ, وَتَسَابَقَتْ إِلَيْهِ النِّقَمُ، وَامْتُحِنَ بِالْغَمِّ الْمُلَازِمِ، وَالْحُزْنِ الدَّائِمِ، وَالتَّسَخُّطِ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا, وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الدِّينِ عَلِمَ أَنَّهُ مِنَ الْمُفَرِّطِينَ, فَانْكَسَرَتْ نَفْسُهُ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ عَلَى تَقْصِيرِهِ, وَقَرَعَ بَابَ التَّوْبَةِ بِأَنَامِلِ النَّدَمِ, وَجَدَّ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَاجْتَهَدَ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى الشُّكْرِ مَدَارُ الْخَيْرِ, وَازْدِيَادُ النِّعَمِ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: (يَا مُعَاذُ: إِنِّي أُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ, وَشُكْرِكَ, وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).
    أَلَا وَاعْلَمُوا كَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ فَاهْتَدَى بِهَذَا الْهَدْيِ الَّذِي أَرْشَدَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَطَهَّرَ قَلْبُهُ مِنْ دَاءِ الْحَسَدِ, وَلَمْ يَزَلْ شُكْرُهُ فِي قُوَّةٍ وَازْدِيَادٍ، وَلَمْ تَزَلْ نِعَمُ اللهِ عَلَيْهِ تَتْرَى وَتَتَوَالَى.
    أَلَا وَاعْلَمُوا أَيْضًا كَذَلِكَ أَنَّ الشَّاكِرَ لِرَبِّهِ حَقًا هُوَ مَنْ قَامَ بِأَرْكَانِ الشُّكْرِ الثَّلَاثِ: الشُّكْرُ بِالْقَلْبِ, وَالشُّكْرُ بٍاللِّسَانِ, وَالشُّكْرُ بِالْجَوَارِحِ, فَيَشْكُرُ اللهَ بِقَلْبِهِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَيَشْكُرُ اللهَ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا، وَيَشْكُرُ اللهَ بِجَوَارِحِهِ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِهَذِهِ النِّعَمِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ.

    *فلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا السَّلَفُ الصَّالِحُ أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي شُكْرِهِمْ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَحَثِّهِمْ عَلَيْهِ, فَعَنْ بَكْرِ الْمُزَنِيِّ, أَنَّهُ قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ قَدْرَ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ فَأَغْمِضْ عَيْنَيْكَ.
    وَعَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ, أنَّهُ قَدِمَ مِنَ الْحَجِّ, فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي سَفَرِنَا بِكَذَا وَكَذَا, ثُمَّ قَالَ: تَعْدَادُ النِّعَمِ: شُكْرُهَا.
    وَعَنْ سَلَامِ بْنِ سُلَيْمٍ, قَالَ: كُنْ لِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي دِينِكَ, أَشْكَرُ مِنْكَ لِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي دُنْيَاكَ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِنَ السُّنَنِ الْمَهْجُورَةِ أَنْ نَشْكُرَ النَّاسَ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ, سَوَاءً مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوِالدِّينِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: )لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ) فَأَقِيمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ هَذِهِ السُّنَّةَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَعَوِّدُوا أَوْلَادَكُمُ الشُّكْرَ, وَرَدَّ الْجَمِيلِ, لِكُلِّ مَنْ صَنَعَ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ, فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ, فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ, فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا, فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ).

  • السلام

    السلام

    *فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ) وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ, فَكُنْتُ فِيمَنْ انْجَفَلَ, فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ, فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصِلُوا الْأَرْحَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ والنَّاسُ نِيَامٌ فِي هَذا الحَدِيثِ: أيْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ, وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ: أَيْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
    وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَفْشُوا السَّلَامَ) أَيْ ارْفَعُوا الصَّوْتَ بِهِ وَأشِيعُوهُ عَلَى مَنْ عَرَفْتُمْ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفُوا؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّغَائِنَ وَيُورِثُ المَحَبَّةَ.
    وَيُسْتَثْنَى مِنْ نَدْبِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالسَّلَامِ مَا لَوْ دَخَلَ الإنْسَانُ مَكَانًا فِيهِ أَنَاسٌ نِيَامٌ, فَالسُّنَّةُ: مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ).
    وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إِفْشَائِهِ: مَنْ دَخَلَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالبَيْتِ أَحَدٌ أنْ يَقُولَ: (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ).
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَرَدُّ السَّلَامِ أَوْكَدُ مِنِ ابْتِدَائِهِ، وَالسَّلَامُ المَأْمُورُ بِهِ هُو أنْ يُقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَوْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, حَتَّى وَلَوُ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا, وَيَجُوزُ أنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكَ إِنْ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا, وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ, أَيْ: سَلَامَةٌ لَكَ مِنِّي وَأَمَانٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (السَّلاَمُ شِعَارٌ لِمِلَّتِنَا، وَأَمَانٌ لِذِمَّتِنَا) والسَّلامُ أيضًا: اسْمٌ مِن أسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ) وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى: أَيْ المُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ التي تَقَعُ مِن خَلقِهِ. وَأَمَّا الرَّادُّ عَلَى المُسَلِّمِ: فَالوَاجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَرُدَّ مَا سَمِعَهُ، وَالمَنْدُوبُ أنْ يَزِيدَ إنَّ بَقَّى لَهُ المُبْتَدِىءُ بِالسَّلامِ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَوْ انْتَهَى المُبْتَدِىءُ بِالسَّلَامِ إلى غَايَتِهِ؛ التي هِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ لَمْ يَزِدِ الرَّادُّ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأنَّ السَّلَامَ قَدِ انْتَهَى إلَى البَرَكَةِ.
    وَيُشْرَعُ السَّلَامُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ كَمَا يُشْرَعُ عِنْدَ الدُّخُولِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ: أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عَشْرُ حَسَنَاتٍ) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عِشْرُونَ حَسَنَةً) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (ثَلَاثُونَ حَسَنَةً) فَقَامَ رَجُلٌ مِن المَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ المَجْلِسَ فَلْيُسَلِّمْ, فَإنْ بَدَا لَهُ أنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسَ, وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ, مَا الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ).

    *فَيُنْهَى المُبْتَدِيءُ بِالسلامِ أنْ يَقُولَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، لِنَهْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَن ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ المَيِّتِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ – ثَلَاثًا- أيْ: هَكَذَا فَقُلْ.
    وَقَوْلُهُ: (عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي عَادَةِ الشُّعَرَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ*وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَن يَتَرحَّمَا.
    وَلَيْسَ المُرَادُ أنَّ هَذَا اللَّفْظَ هُو المَشْرُوعُ فِي حَقِّ المَوْتَى؛ لِأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ سَلَّمَ عَلَى المَوْتَى، كَمَا سَلَّمَ عَلَى الْأحْيَاءِ، فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).
    وَيُنْهَى عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ لِلسَّلَامِ فَقَطْ دَوْنَ تَلَفُّظٍ بِالسَّلَامِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: (لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفِّ) إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَ الصَّلَاةِ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ.
    وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ الكَافِرِ بِالسَّلَامِ، وَإذَا دَخَلَ الإنْسَانُ عَلَى مَجْمُوعَةٍ فِيهِم أَخْلَاطٌ مِن المُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِم, فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ نَاوِيًا المُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وأمَّا الرَّدُّ عَلَى سَلَامِ الكُفَّارِ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْنَا, فَيَكُونُ بِقَوْلِ: (وَعَلَيْكُمْ) فَقَطْ.