الرئيسية Archives for محمد المتروك

محمد المتروك

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • وجوب صلاة الجماعة

    وجوب صلاة الجماعة

    *فَإنَّ مَقَامَ الصَّلَاةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ عَظِيمٌ, فَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ, وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ, وَالْكَافِرِ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ, وَبَيْنَ الشِّرْكِ, وَالْكُفْرِ, تَرْكُ الصَّلَاةِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا وَإِنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي بُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ, لَدَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ, وَخَوَاءِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ, وَتَوْقِيرِهِ, وَإِلَّا فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمُسْلمٍ صَحِيحٍ, آمِنٍ, يَسْمَعُ مُنَادِيَ اللهِ يُنَادِيهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ, حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ, ثُمَّ لَا يُحَرِّكُ ذَلِكَ فِيهِ سَاكِنًا.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ, ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ, ثُمَّ انْطَلِقُ مَعِيَ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ, إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّار) وَفِي رِوَايِةٍ فِي الْمُسْنَدِ: (لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ, وَالذُّرِّيَةِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ, وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: إِنِّي ضَرِيرُ الْبَصَرِ, شَاسِعُ الدَّارِ, وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ, وَالسِّبَاعِ. فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلْ تَسمَعُ النِّدَاءَ؟) قَالَ :نَعَمْ, قَالَ: (لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَعْذُرِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الْحَرْبِ, وَالقِتَالِ, بِأَنْ يَتْرُكُوا صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ, بَلْ أَمَرَهُم بِأَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً, فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقْمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فِإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا حِذْرَهُم وَأَسْلِحَتَهُمْ..).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَيُظَنُّ بَعْدَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ, أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ, تَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ فَقْدِ الْبَصَرِ, وَبُعْدِ الدَّارِ, وَخَوْفِ الطَّرِيقِ, وَعَدَمِ الْقَائِدِ الْمُلَائِمِ لَهُ, وَلَا تَجِبُ عَلَى جَارِ الْمَسْجِدِ الْآمِنِ الْمُعَافَى, أَوْ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ, تَجِبُ عَلَى أَوْلَئِكَ الْمُقَاتِلِينَ فِي تَلْكَ الظَرُوفِ الَّتِي تَذْهَلُ مِنْهَا الْعُقولُ, وَتَبْلُغُ فِيهَا الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ, ولا تَجِبُ على رَجُلٍ يَتَقَلَّبُ على فِراشِهِ, آمِنًا, مُطْمَئِنًا, مُعَافىً فِي بَدَنِهِ؟.

    *فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، أَلَا إِنَّ الْبَعِيدَ مَا لَيْسَ بِآتٍ، لَا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ, وَلَا يَخِفُّ لِأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللَّهُ, لَا مَا شَاءَ النَّاسُ، يُرِيدُ اللَّهُ أَمْرًا, وَيُرِيدُ النَّاسُ أَمْرًا, مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ, وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، لَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدَ اللَّهُ, وَلَا مُبَعِّدَ لِمَا قَرَّبَ اللَّهُ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ, إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ, كِتَابُ اللَّهِ, وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ, هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ, مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

  • خطاب موجه من الشيخ صويلح سعود الطعيميس العجي

    خطاب موجه من الشيخ صويلح سعود الطعيميس العجي

    موقع وملتقيات عشيرة العجي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين وبعد :

    أهني عشيرتي ال عجي بشهر رمضان المبارك عسى أن نكون من صوامه وقوامه وكل عام وأنتم بخير.

    بالنسبة للزواج الجماعي الذي تم طرحه على العشيرة ونال استحسان البعض وتذمر البعض الاخر فهو أختياري لمن يرغب الأشتراك فيه ومن لا يرغب فله الحرية ولو كان من أبنائي .
    وانا أشكر جميع من علق على هذا الموضوع , وانا والله العظيم مادخل قلبي مضرة شخص على الاطلاق وإنما كان هدفي هو خدمة العشيرة والاجر العظيم من الله , وفتح هذا الباب الذي له مصلحة عامة لأفراد العشيرة , ونظرتي الشخصية أن أفراد العشيرة مستفيدة من ذلك صغارهم وكبارهم حتى الغير متزوجين .
    مثلاً : مساعدة من رغب الزواج وتيسر أمره , أيضاً كل أب منكم لديه زوجة وأخوات وبنات يريدون أن يكونوا على أحسن صورة في الزواجات ويحتاجون من الملبس وغيره من الامور التي لاتخفيكم من دفع المبالغ الطائلة وتضيع للوقت , فأختصرناه في زواج واحد , ولكي يتسنى للجميع الحضور من جميع المدن في هذه الليلة .
    أيضاً أضيف عنصراً مهماً وهو رفع شهرة العشيرة بهذا الزواج .
    وللمعلومية انا شخص من عرض هذه العشيرة والراي للجميع , وان شاء الله سوف يكون قبل الزواج بوقت كافي أجتماع لمناقشة وترتيب الزواج من يرغب المشاركة فيه ولا نستغني عن أراء الجميع.
    ومن يرغب أن يتزوج في هذا الزواج الجماعي بتاريخ 15/8/1435هـ أن يكتب بالموقع أو يرسل للادارة أو الاتصال بي على الجوال 0505862441
    وأخيراً نرجوا من الجميع من لديه فكرة أو أقتراح ان يعرضها على الجميع في هذا الاجتماع لكي نطور هذا الزواج ويستمر معنا .
    ومن يقرا الخطاب نرجوا منه تبليغ من يراه من أفراد العشيرة من جيران وأقارب من لم يستطع أن يدخل على الموقع وقراءته.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    محبكم / صويلح سعود الطعيميس ال عجي

  • رمضان مسائل فقهية 2

    رمضان مسائل فقهية 2

    *فَإِكْمَالًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الْمَاضِيَةِ, فَنَتَنَاوَلُ بّْعْضًا مِنَ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الشَّهْرِ:
    يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ, وَيَتَطَيَّبَ, وَهَوَ صَائِمٌ, وَكَذِلِكَ لَهُ أَنْ يَتَبَخَّرَ بِالْبَخُورِ, وَلَا يُفَطِّرُ بِهُ, وَلَوْ وَصَلَ الْبَخُورُ إِلَى الدِّماَغِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ, وَلَا شُرْبٍ, وَأَمَّا الدُّخَانُ الَّذِي يَشْرَبُهُ الْبَعْضُ, فَهَذَا فِي عُرْفِ النَّاسِ شَرَابٌ, وَقَدِ اتَفَقَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَأخِّرُونَ عَلَى: أَنَّهُ مُفَطِّرٌ, إِذَا شَرِبَهُ الصَّائِمُ.
    وَلَا يَفْطِرُ الصَّائِمُ إِذَا اسْتَعْمَلَ مَعْجُونَ الْأَسْنَانِ؛ لتنظيف أَسْنَانَهُ, وَهُوَ صَائِمٌ, حَتَّى لَوْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ, مَالَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَ الْمَعْجُونِ.
    وَلَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ كَذَلِكَ إِنِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ, وَمِثْلُهُ النُّخَامَةُ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرِّيقُ بِهِ دَمٌ, كَدَمٍ فِي اللِّثَّةِ فَبَلَعَهُ مُتَعَمِّدًا, فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِهِ.
    وَإِذَا كَانَ فِي الْفَمِ رُطُوبَةٌ بَعدَ الْمَضْمَضَةِ, أَوْ بَعْدَ شُرْبِ الْمَاءِ قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ, فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْصُقَ هَذِهِ الرُّطُوبَةَ, وَكَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ ابْتِلَاعُ الريِّقِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَمَضْمَضَ, وَمَجَّ الْمَاءَ, وَأَخْرَجَهُ مِنْ فَمِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ بَقَاءُ شَيءٍ مِنَ الرُّطُوبَةِ؛ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ.
    وَلَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ إِذَا وَضَعَ قَطْرَةً فِي أُذُنِهِ, أَوْ عَيْنِهِ, وَلَوْ وَجَدَ طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ, وَكَذَلِكَ الْحُقْنَةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ, وَلَا شَرَابٍ.
    وَكَذَلِكَ دَوَاءُ الرَّبْوِ الَّذِي يَسْتَنْشِقُهُ الْمَرِيضُ فَيَصِلُ إِلَى الرِّئَتَيْنِ, عَنْ طَرِيقِ الْقَصَبَةِ الْهَوَائِيَّةِ, فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ.
    وَكَذَلِكَ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِسَحْبِ الدَّمِ, وَلَوْ كَانَ بِآلَةٍ تَغُورُ فِي الْبَدَنِ, كَالْإبْرَةِ, وَمِثْلُهَا الْحِجَامُةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
    وَالْكَبِيرُ الَّذِي أُصِيبَ بِالْخَرَفِ, أَوْ بِبَعْضِ الْخَرَفِ, فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ, فَلَا يَلْزَمُهُ صِيامٌ, وَلَا إِطْعَامٌ.
    وَجَمِيعُ الْمُفَطِّرَاتِ, إِنْ فَعَلَهَا الصَّائِمُ نَاسِيًا, أَوْ جَاهِلًا لِلْحُكْمِ, أَوْ مُكْرَهًا, فَإِنَّ صِيَامَهُ صَحِيحٌ, وَلَا شَيءَ عَلَيْهِ.
    وَيَجِبُ عَلَى الصَّائمِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ, وَالْغِيبَةِ, وَالنَّمِيمَةِ, وَالشَّتْمِ, فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ, وَيَتَأكَّدُ اجتِنَابُهَا فِي رَمَضَانَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ, وَلَا يُفْطِرُ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا إِجْمَاعًا.
    وَالسَّحُورُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ, وتَعْجِيلُ الْفَطْرِ, عَلَى رُطَبٍ, فَإِنْ عُدِمَ, فَتَمْرٌ, فَإِنْ عُدِمَ, فَمَاءٌ, وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: (ذَهَبَ الظَّمَأُ, وَابْتَلْتِ الْعُرُوقُ, وَثَبَتَ الْأَجْرُ, إِنْ شَاءَ اللهُ) وَأَمَّا حَدِيثُ: (اللَّهُمْ لَكَ صُمْتُ, وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ) فَضَعِيفٌ لَا يَصِحُ.

    *فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْ جَمِيعِ الْمُفَطِّرَاتِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْأَذَانِ, وَلَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي شَيءٍ مِنْهَا حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤذِّنُ مِنْ أَذَانِهِ, كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْبَعْضُ, هَذَا إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ, كَمَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي التَّقَاوِيمِ الْمُوجُودِةِ.
    ومَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ, أَوْ صِيَامُ كَفَّارَةٍ, فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ, وَإِنَّمَا يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينًا, بِخِلَافِ مِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ, فَإنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ, بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ؛ لِتَبْرَأَ ذِمَّتَهُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَبْشِرُوا بِمَوْعُودِ اللهِ، فَرَبُّنَا غَفُورٌ, رَحِيمٌ, يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ, وَيَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ, وَيُجَازِي عَلَى الْعَمَلِ الْيَسِيرِ, بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، قَدْ أَعَدَّ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ, وَجَرَتْ أَنْهَارُهَا, وَتَزَيَّنَتْ حُورُهَا, وَاكْتَمَلَ نَعِيمُهَا, أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

  • الحج

    الحج

    [SIZE=6]*فَلَقَدْ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِزَوْجِهِ هَاجَرَ وَابْنِهَا الرَّضِيعِ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا مَاءً وَتَمْرًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ، فَتَبِعَتْهُ هَاجَرُ, فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ, وَتَتْرُكُنَا فِي هَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ, وَلَا شَيءٌ؟! فَرَدَّدَتْ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا, فَقَالَتْ لَهُ: آللهُ أَمَرَكَ بِهَذا؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا, ثُمَّ انْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ, اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: (ربَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) وَجَعَلَتْ هَاجَرُ تُرْضِعُ وَلَدَهَا إِسْمَاعِيلَ, وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ, حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ, عَطِشَتْ, وَعَطِشَ ابْنُهَا, وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَقَامَتْ عَلَى الصَّفَا, ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ, فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ بِيَدِهَا، فَشَرِبَتْ, وَأَرْضَعَتْ، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْتَ يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ, وَأَبُوهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
    وَتَمُرُّ السِّنِينُ, وَيَبْنِي الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ, وَابْنُهُ الْبَيْتَ، وَيَأَمُرُ اللهُ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ إِلَى ذَلِكَ البَيْتِ (وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْحَجُّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ مِنْ سَيِّئِ الْعَمَلِ، أَخْرَجَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي, أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ لِأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ, فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قُلْتُ: أَشْتَرِطُ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ مَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟!).
    وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَجَّ, فَلَمْ يَرْفُثْ, وَلَمْ يَفْسُقْ, رَجَعَ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) أَيْ طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ. وَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ, وَالْعُمْرَةِ، فِإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ, وَالذُّنُوبَ, كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ, وَالذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ).
    أَلَا وَإِنَّ فِي هَذِهِ الْآثَارِ, دَعْوَةٌ, ونِدَاءٌ, إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْحَجِّ, لِتَطْهِيرِ النُّفُوسِ مِنْ ذُنُوبِهَا, وَآثَامِهَا, فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعلَمُ مَتَى مَوعِدُ رَحِيلِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَالْحَجُّ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ، مَنَ اسْتَطَاعَ إِسْقَاطَ فَرْضِهِ, ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ, فَهُوَ مَحْرُومٌ, وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ, لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَّنَّةُ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْحَجُّ الْمَبْرُورُ يَتَطلَّبُ إِخْلَاصًا لِلهِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَلِّعًا إِلَى الْمَدْحِ, وَالثَّنَاءِ, وَالسُّمْعَةِ, وَالْمُبَاهَاةِ, حَبِطَ عَمَلُهُ, وَضَلَّ سَعْيُهُ، قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعْيَ غَيْرِي, تَرْكْتُهُ, وَشِرْكَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
    وَمَالُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا طَيِّبًا؛ لَأَنَّ النَّفَقَةَ الْحَرَامَ مِنْ مَوَانِعِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا, بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ, وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ, فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ, وَسَعْدَيْكَ، زَاُدُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكَ مَبْرُورٌ, وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ, وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ, فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ, وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ، وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ).

    *فَمَنْ رَامَ حَجًّا مَبْرُورًا امْتَثَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: (مَنْ حَجَّ لِلهِ, فَلْمْ يَرْفُثْ, وَلَمْ يَفْسُقْ, رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ) وَالرَّفَثُ هُوَ: الْجِمَاعُ, وَالتَّعْرِيضُ بِهِ, وَذِكْرُ مَا يَفْحُشُ مِنَ الْقَوْلِ, وَالْفِسْقُ هُوَ: ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ.
    وَمَن تَطَلَّعَ إلى حَجٍّ مَبْرُورٍ أدَّبَ جَوَارِحَهُ، فَلا تَنْظُرُ الْعَينُ نَظْرَةً فَاحِشَةً، وَلَا يَنْطِقُ اللِّسَانُ بِألْفَاظٍ طَائِشَةٍ، وَلَا تَمْتَدُّ الْيَدُ بِأَذًى إِلَى أَحَدٍ، وَلَا يَنْطَوِي القَلْبُ عَلَى بَغْضَاءَ, أَوْ حَسَدٍ, حَجٌّ مَبْرُورٌ يُوَقَّرُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَيُرْحَمُ الصَّغِيرُ، وَيُوَاسَى الضَّعِيفُ، وَيُحَافَظُ فِيهِ عَلَى نَظَافَةِ الْبَدَنِ, وَالثَّوْبِ, وَالْمَكَانِ.
    أَخِي الْمُسْلِمُ: يَا مَنْ بَلَغْتَ الثَّلَاثِينَ, وَلَرُبَّمَا الْخَمْسِينَ, وَأَنْتَ لَمْ تَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ, بَادِرْ بِالْحَجِّ, فَلَرُبَّمَا يَعْرِضُ لَكَ مَا يَمنَعُكَ مِنَ الْحَجِّ فِي قَابِلِ الْأَيْامِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ – يَعْنِي الْفَرِيضَةَ – فَإِنِّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ).
    [/SIZE]

  • حفظ اللسان

    حفظ اللسان

    *فَدِينُ الْإِسْلَامِ، قَدْ هَدَى إِلَى أَرْقَى الْأَخْلَاقِ، وَأَرْشَدَ إِلَى أَكْمَلِ الْآدَابِ، وَنَهَى عَنْ مَسَاوِئِ الْأَفْعَالِ, وَالْأَقْوَالِ، وَإِنَّ مِمَّا وَجَّهَ إِلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الْفَضَائِلِ, وَالْآدَابِ؛ الْعِنَايَةُ بِأَدَبِ الْحِدِيثِ، وَحِفْظِ اللِّسَانِ عَنِ اللَّغْوِ, وَفُضُولِ الْكَلَامِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا) وَوَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَوِي الْإِيمَانِ, بِالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّغْوِ، وَالْبَاطِلِ مِنَ الْقَوْلِ، فَقَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَـٰشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) وَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنِ الْحَرَامِ, عُنْوَانٌ عَلَى اسْتِقَامَةِ الدِّينِ, وَكَمَالِ الْإِيمَانِ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَاللهِ, الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ شَيءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حِفْظَ الْمَرْءِ لِلِسَانِهِ، عُنْوَانُ أَدَبِهِ، وَرُجْحَانُ عَقْلِهِ، كَمَا قِيلَ فِي مَأْثُورِ الْحِكَمِ: إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ.
    وَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ, لَيْحِمِلُهُ عَقْلُهُ, وَإِيمَانُهُ, إِلَى الْاعْتِنَاءِ بِحُسْنِ اللَّفْظِ, وَجَمِيلِ الْمَنْطِقِ, حِينَ يَرَى الْمَقَامَ يَدْعُو إِلَى الْكَلَامِ، وَإِلَّا آثَرَ الصَّمْتَ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنَ الْإِثْمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, فَلْيَقُلْ خَيْرًا, أَوْ لِيَصْمُتَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حُسْنَ التَّعْبِيرِ عَمَّا يَجُولُ فِي النَّفْسِ أَدَبٌ رَفِيعٌ، وَخُلُقٌ كَرِيمٌ، وَجَّهَ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ بِهِ الْعَهْدَ, وَالْمِيثَاقَ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرءيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا).
    أَلَا وَإِنَّ حُسْنَ الْكَلَامِ وَلَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ لَيَسُلُّ السَّخَائِمَ, وَالضَّغَائِنَ مِنَ الصُّدُورِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ لِلِّسَانِ آفَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَإِنَّ لِلثَّرْثَرَةِ, وَفُضُولِ الْكَلَامِ, مَسَاوِئُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِين عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُحَذِّرًا مِنْ ذَلِكَ: (مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ) وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا) وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسُ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائدُ أَلْسِنَتِهِم؟!) وَفِي التِّرْمِذِيِّ, عَنْ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: (هذا).

    *فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَعْظُمُ حِينَ يُرَى مَنْ عَلَيْهِ سِيمَا الصَّلَاحِ, وَالْوَقَارِ, وَالْاحْتِشَامِ, وَهُوَ يَقَعُ فِي أَعْرَاضِ الصَّالِحِينَ, أَحْيَاءً, وَأَمْوَاتًا, لِزَلَّةِ لِسَانٍ، أَوْ لِسَبْقِ قَلَمٍ، أَوْ لِمَوقِفٍ خَاصٍّ مَعَ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَسَدُ, وَالْبَغْيُ، فَلَمْ يَمْنُعُهُ دِينٌ, وَلَا عَقْلٌ, وَلَا خُلُقٌ، وَلَا مَا يَعْلَمُهُ مِنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ, فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْتَحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَسَائِرَ جَوَارِحِكُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَاـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).

  • المخدرات والمسكرات

    المخدرات والمسكرات

    * فَلقَدْ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطِيبًا, فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَإِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْعِبَادِ، كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةُ سُوءٍ، فَأَمَرَتْ جَارِيَتَهَا فَأْدْخَلَتْهُ الْمَنْزِلَ، فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ، وَعِنْدَهَا بَاطِيَةٌ مِنْ خَمْرٍ، وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ، فَقَالَتْ لَهُ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى تَشْرَبَ كَأْسًا مِنْ هَذَا الْخَمْرِ، أَوْ تُوَاقِعُنِي، أَوْ تَقْتُلَ الصَّبِيَّ، وَإِلَّا صِحْتُ, وَقُلْتُ: دَخَلَ عَلَيَّ فِي بَيْتِي, فَمَنَ الَّذِي يُصَدِّقُكَ؟ فَضَعُفُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ, وَقَالَ: أَمَّا الْفَاحِشَةُ فَلا آتِيهَا، وَأَمَّا النَّفْسُ فَلَا أقْتُلُهَا، فَشَرِبَ كَأْسًا مِنَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: زِيدِينِي, فَزَادَتْهُ، فَوَاللهِ, مَا بَرِحَ حَتَّى وَاقَعَ الْمَرْأَةَ, وَقَتَلَ الصَّبِيَّ, فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَاجْتَنِبُوهَا, فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَإِنَّهُ وَاللهِ، لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ, وَالْخَمْرُ فِي قَلْبِ رَجُلٍ، إِلَّا يُوشِكُ أَحَدُهُمَا, أَنْ يَذْهَبَ بِالْآخَرِ.
    وَعِنْدَ الْحَاكِمِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) وَفِي الترمذيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ, لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا وَإِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ بِأَنْوَاعِهَا شَرٌّ مِنَ الْخَمْرِ، فَهِيَ تَقْضِيْ عَلَى الضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ مِنَ الدَّينِ, وَالْعِرْضِ, وَالنَّفْسِ, وَالْعَقْلِ, وَالْمَالِ, قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ الْحَشِيشَةَ حَرَامٌ، يُحَدُّ مُتَنَاوِلُهَا, كَمَا يُحَدُّ شَارِبُ الْخَمْرِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كَيْفَ يُقْدِمُ عَاقِلٌ عَلَى هَذِهِ السُّمُومِ الْفَتَّاكَةِ، وَالْأَدْوَاءِ الْمُهْلِكَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُخْتَصِّينَ أَنَّ مَضَارَّهَا تَرْبُو عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَضَرَّةٍ، مَا بِيْنَ دِينِيَّةٍ, وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَاقْتِصَادِيَّةٍ, وَصِحِّيَّةٍ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُ رَحِمَهُ اللهُ: لَوْ كَانَ الْعَقْلُ يُشْتَرَى، لَتَغَالَى النَّاسُ فِي ثَمَنِهِ، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَشْتَرِيْ بِمَالِهِ مَا يُفْسِدُهُ. أَيْ الْعَقْلُ. وَالْإِنْسَانُ مَعَاشِرَ الْإِخْوَةِ مَتَى مَا فَقَدْ عَقْلَهُ أَفْسَدَ, وَبَغَى، وَخَرَّبَ, وَطَغَى, وَآذَى نَفْسَهُ, وَأَهْلَهُ, وَمَجْتَمَعَهُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَحِينَ تُلْتَمَسُ أَسْبَابُ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ يُمْكِنُ إِجْمَالُهَا فِي: ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ، وَافَقَ هَذَا فَرَاغًا قَاتِلًا، وَمَالًا وَافِرًا، وَصُحْبَةً سَيِّئَةً، وَتَقْلِيدًا أَعْمَى، وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: إِهْمَالُ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ، يَتَسَكَّعُونَ, وَيَنْشَؤُونَ, فِي أَحْضَانِ السُّفَهَاءِ، فَيْجْلِبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ, وَأَهْلِيهُمُ الْعَارَ, وَالشَّقَاءَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ, وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
    وَاعْلَمُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ أَنَّ كُلَّ يَدٍ تَبْطِشُ مِنْ جَرَّاءِ هَذِهِ السُّمُومِ، وَكُلَّ نَفْسٍ تُزْهَقُ، وَمَالٍ يُتْلَفُ، وَصِحَّةٍ تَتَدَهْوَرُ، فَعَلَى الْمُرَوِّجِينَ مِثْلَ وِزْرِهَا، لِأَنَّهُمْ أَدَوَاتُ فَسَادٍ، سَخَّرَهُمْ إِبْلِيسُ لِإِفْسَادِ الْبِلَادِ, وَالْعِبَادِ، أَلَا فَلْيَتَّقُوا اللهَ, وَلْيَتَذَكَّرُوا وَعِيدَ مِنْ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وَهَذَا الْوَعِيدُ فِيمَنْ أَحَبَّ، فَكَيْفَ بِمَنْ دَمَّرَ الْعُقُولَ, وَالْبُيُوتَ, وَخَرَّبَ.

    *فَإِنَّ الطُّرُقَ لِإِنْقَاذِ الْمُدْمِنِينَ كَثِيرَةٌ, وَإِنَّ أَجْدَى هَذِهِ الطُّرُقِ, تَقْوِيَةُ الْوَازِعِ الدِّينِي لَدَى الْمُتَعَاطِيْ، هَذَا الْوَازِعُ الَّذِي جَعَلَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُرِيْقُونَ الْخَمْرَ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ بِمُجَرَّدِ أَنْ طَرَقَ أَسْمَاعَهُمْ نَبَأُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ, فَقَالَ أَحَدُهُمْ: فَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ, وَلَا خَرَجَ مِنَّا خَارِجٌ, حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَابَ, وَكَسَرْنَا القِلَالَ.
    وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ كَذَلِكَ تَنْحِيَةُ الْمُدْمِنِ عَنِ الْمُسْتَنْقَعَاتِ الْمُوْبُوءَةِ، وَالصُّحْبَةِ السَّيِّئَةِ، وَإِرْشَادُهُ إِلَى صُحْبَةٍ صَالِحَةٍ, تُعِينُهُ عَلَى التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، هَذَا مَعَ اتِّخَاذِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ لِمُعَالَجَةِ الْمُدْمِنِينَ، وَمَلءِ أَوْقَاتِهِمْ بِالنَّافِعِ الْمُفِيدِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِسُؤَالِ الْمُخْتَصِّينَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي هّذَا الْمَجَالِ.
    ثُمَّ أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ سَقَطَ فِي أَوْحَالِ الْمُخَدِّرَاتِ, أَوِ الْمُسْكِرَاتِ، وَلْيَتَذَكَّرْ يَوْمَ الْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ, وَالسَّمَوَاتِ، وَلْيُبَادِرْ بِالْإِقْلَاعِ, وَالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَإِنَّهَا الْآنَ مُمْكِنَةٌ, وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ، وَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَسْرَةِ, وَالْأَلَمِ، فَيْنْدَمُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ.

  • وصايا أبي الدرداء 2

    وصايا أبي الدرداء 2

    *فَمِنْ حِكَمِ الْحَكِيمِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ عَمِلَ ذَنبًا, فَعَلِمَ بِذَنبِهِ أُنَاسٌ, فَأَخَذُوا يَسُبُّونَهُ, فَقَالَ لَهُمْ أبو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَرَأَيْتُم لَوْ وَجَدتُّمُوهُ فِي قَاعِ قَلِيبٍ, أَلَمْ تَكُونُوا مُخْرِجِيهِ مِنْهَا؟ قَالُوا: بَلَى, قَالَ: فَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ, وَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُم، اَحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ, وَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ).
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ سَبَّ الْعَاصِي, لَا يَجُوزُ فِي الشَّرِيعَةِ، بِلِ الْوَاجِبُ عَلَينَا هُوَ أَنَّ نَسْأَلَ اللهَ لَهُ الْهِدَايَةَ، وَأَنَّ نَحْمَدَ اللهَ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَاهُ بِهِ.
    وَإِذَا نَظَرَنَا فِي زَمَانِنِا هَذَا فَإِنَّنَا نَجِدُ الْبَعْضَ مِنَّا عَلَى الْعَكْسِ مِن ذَلِكَ تَمَامًا, فَمَا إِنْ يَسْمَعُوا بِأُنَاسٍ مِن إخْوَانِهِمْ قَدْ وَقَعُوا فِي مَعْصِيَةٍ, إِلَا وَسُرْعَانَ مَا يُشِيعُوا الْخَبَرَ وَيَنْشُرُوهُ بَيْنَ النَّاسِ, تَشَفِّيًا بِإِخْوَانِهِمْ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ, وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَسْعَوا فِي إِصْلِاحِ الْخَطَأِ, وَنُصْحِ الْمُذْنِبِ, وَكَتْمِ الْمَعَائِبِ, وَنَشْرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَقْتَدِيَ النَّاسُ بِبِعْضِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَمَعَالِي الْأُمُورِ، وَأَمَّا نَشْرُ الشَّرِّ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ, فَإِنَّهُ يُجَرِّئُ النَّاسَ عَلَيْهِ، لِظَنِّهِم أَنَّ الشَّرَّ أَكْثَرُ مِنَ الْخَيْرِ, فَيَتَسَاهَلُونَ بِالشَّرِّ, وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ.
    وَمِنْ آثَارِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُدِ فِي الصَّلَاةِ, يَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ، وَيُكْثِرُ التَّعَوُّذَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُم: وَمَالَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَنْتَ وَالنِّفَاقَ؟ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ, فَوَاللهِ إِنِّ الرَّجُلَ لَيُقْلَبُ عَنْ دِينِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ, فَيُخْلَعُ مِنْهُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ رَحِمَهُ اللهُ: (أَدْرَكَتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلُّهُم يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيِ النَّفَاقَ الْأَصْغَرَ, وَكَانَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحَمَهُ اللهُ يَقُولُ: (مَا خَافَ النِّفَاقَ إِلَّا مُؤمِنٌ, وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ) فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَسَادَاتُ الْمُؤمِنِينَ يَخَافُونَ مِنَ النِّفَاقِ الْأَصْغَرِ, مَخَافَةَ أَنْ يُوصِلَهُمْ إِلَى النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ مِنَ الْمِلَّةِ, وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا نَحْنُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ مِنَ النِّفَاقِ, لَاسِيَّمَا وَأَنّ شُعَبَهُ فِينَا مُنْتَشِرَةٌ, وَمُتَعَدِّدَةٌ.
    ألَيْسَ فِينَا مَعَاشِرَ الْإِخْوَةِ مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ؟! وَأَلَيْسَ فِينَا مَنْ لَا يَشْهَدُ صَلَاةَ الفَجْرِ؟! وَأَلَيْسَ فِينَا: مَنْ لَا يَذْكُرُ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا؟! وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ. فَلْنُزَكِّ نُفُوسَنَا جَمِيعًا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَطْهِيرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ, وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْعُيُوبِ, وَتَرْقِيَتِهَا فِي طَاعَةِ اللهِ, بِالْعِلْمِ النَّافِعِ, وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ, وَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ التَّدَنُّسِ بِالرَّذَائِلِ, وَالذُّنُوبِ, وَكُلِّ مَا يَشِينُ النُّفُوسَ مِنْ خُلُقٍ وَعَمَلٍ. اللَّهُمْ احْفَظْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ, وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ, وَقُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ, وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ.

    *فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَجْمُوعُونَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ, يَنْفُذُكُمُ الْبَصَرُ, وَيُسْمِعُكُمُ الدَّاعِي، أَلَا وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ, وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.

  • وصايا أبي الدرداء 1

    وصايا أبي الدرداء 1

    *فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَا حِكمَةٍ بَلِيغَةٍ، تَأَثَّرَ النَّاسُ بِكَلامِهِ, وَعَمَلِهِ، حَتَّى أَصْبَحَ وَاعِظًا لَهُم, نَاطِقًا, وَصَامِتًا.
    فَمِنْ أَقْوَالِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (اطْلُبُوا الْعِلْمَ, فَإِنْ عَجَزْتُمْ, فَأَحِبُّوا أَهْلَهُ، فَإنْ لَمْ تُحِبُّوهُم, فَلَا تُبْغِضُوهُم).
    وَقَولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (اطْلُبُوا الْعِلْمَ فَإِنْ عَجَزْتُم) لَأَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا كُلُّهُمْ مُؤَهَّلِينَ لَأَنْ يَكُونُوا طَلَبَةَ عِلْمٍ, وَمُقْبِلِينَ عَلَى التَّعَلُّمِ، فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (فَأَحِبُّوا أَهْلَهُ) لَأَنَّ مَحَبَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ, تَجْعَلُ الْمُحِبَّ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، فَتَجْعَلُهُ يَسْألُهُمْ وَيَقْتَدِي بِأَقْوَالِهِمْ, وَأَفْعَالِهِم.
    فَإنَّ لَمْ تَحْصُلِ الْمَحَبَّةٌ، فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (فَلَا تُبْغِضُوهُم) لَأَنَّ بُغْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ, بُغْضٌ لِصَفْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاللهُ جَلَّ وَعَلا أَمَرَنَا بِمَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا، وَأَوْلَى أَهْلُ الْإِيمَانِ بِالْمَحَبَّةِ أَكْثُرُهُم خَشْيَةً, وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا.
    وَأَهْلُ الْعِلْمِ لَيْسُوا كَامِلِينَ أَوْ مَعْصُومِينَ, لَكِنْ إِشَاعَةُ النَّقْصِ بَيْنَ النَّاسِ, يُؤَدِّي إِلَى تَزْهِيدِ النَّاسِ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمِمَّنْ يَأخُذُ النَّاسُ الشَّرِيعَةَ إِنْ لَمْ يَأخُذُوهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؟ وَلِهَذَا جَاءَتْ وَصِيَّةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (اطْلُبُوا الْعِلْمَ, فَإِنْ عَجَزْتُمْ, فَأَحِبُّوا أَهْلَهُ، فَإنْ لَمْ تُحِبُّوهُم, فَلَا تُبْغِضُوهُم) وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ الجَامِعَةُ جَاءَتْ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَبْقَى فِي الْقَلْبِ إِجْلَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ, الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِكِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: وَمِنْ أَقْوَالِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمًا: (إِنِّي لَآمُرُكُمْ بِالْخَيرِ، وَمَا كُلُّ مَا أَمَرْتُكُم بِهِ فَعَلْتُهُ، وَلَكِنِّي أَرْجُو الْأَجْرَ بِأَمْرِكُمْ) وَهَذَا مِنَ الْفِقْهِ الْعَظِيمِ فِي دِينِ اللهِ, وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُ يَأْمُرُ, وَلَا يَفْعَلُ، فَإنَّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤمِنَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْخَيْرِ, وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ الْخَيْرَ، فَإِنْ فَاتَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَوِّتَ الْآخَرَ, فَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْمُرُ بِمُسْتَحَبَّاتٍ, وَبِأَشْيَاءَ مِنَ الْخَيْرِ لِكَي يَفْعَلُوهَا, وَلَيْسَ كُلُّ مَا أَمَرَهُم بِهِ فَعَلَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لَأنَّهُ مُنْشَغِلٌ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا إِذَا سَنَحَتْ لَهُ الْفُرْصَةُ وَكَانَ فِي فَرَاغٍ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُرَغِّبُ فِي الْخَيْرِ, وَيُقْبِلُ عَلَى فِعْلِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبَّ * وَإِلَى رَبِّكَ فارْغَب) يَعْنِي بِأَنْوَاعِ الْوَاجِبَاتِ, وَالْمُسْتَحَبَّاتِ.
    فَعَلَيْنَا أَنْ نَنْتَبِهَ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ لِهذِهِ المَقَالَةِ, وَلِهَذَا الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ جَيْدًا؛ لِأَنَّ حَالَنَا الْيَوْمَ وَلِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ أَنَّا إِذَا كُنَّا عَلَى شَيءٍ مِنَ الْخَطَأِ وَالتَّقْصِيرِ: تَرَكْنَا الْأَمْرَ بِالْخَيْرِ, بِدَعْوَى أَنَّنَا لَا نَمْتَثِلُ الْخَيْرَ, وَتَرَكْنَا النَّهْيَ عِنِ الْمُنْكَرِ بِدَعْوَى أَنَّنَا نَفْعَلُ الْمُنْكَرَ، وَهَذَا غَلَطٌ كَبِيرٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَأمُرَ وَنَمْتَثِلَ، فَإِنْ فَاتَنَا الْامْتِثَالُ, فَلْنَتَدَارَكِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيَّ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَابُدَّ أَنْ نَمْتَثِلَ هَذَا, وَنَجْتَنِبَ هَذَا، فَهَذا وَاجِبٌ، وَهَذَا وَاجِبٌ، وَإِذَا فَاتَكَ أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُفَوِّتَ الْآخَرَ.

    *فَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ, فَقَالَ: (سَلاَمٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةَ اللهِ, أَحَبَّهُ اللهُ، فِإِذَا أَحَبَّهُ اللهُ, حَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَإِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ, أَبْغَضَهُ اللهُ، وَإِذَا أَبْغَضَهُ اللهُ بَغَّضَهُ إِلَى خَلْقِهِ) فَمَا أَحْوَجَنَا مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ لِلنَّصِيحَةِ فِيمَا بَيْنَنَا, وَتَذْكِيرِ بَعْضِنَا الْبَعْضَ, بِعِبَارَةٍ, أَوْ رِسَالَةٍ, كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَحِمَهُم اللهُ, فَهَا هُوَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَنْصَحُ لِلْأَمِيرِ مَسْلَمْةَ وَيُذَكِّرُهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ, أَحَبَّهُ اللهُ, وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَإِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ, أَبْغَضَهُ اللهُ, وَبَغَّضَهُ إِلَى خَلْقِهِ.
    وَيُسْتَفَادُ مِن هَذَا بِالْمُقَابِلِ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ نُفْرَةً مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ, وَالصَّلَاحِ الصَّادِقِ, فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَثَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَيَتِّهِمَ نَفْسَهُ الْخَطَّاءَةَ, فِإِنَّ مِنْ عَوَاقِبِ الذُّنُوبِ: وَحْشَةٌ يَجِدُهَا الْعَاصِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْخَيْرِ, وَأَصْحَابِ الطَّاعَةِ, كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ.

  • الأمل

    الأمل

    *فَلَقدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا كَثِيرَةَ التَّقَلُّبِ, فَلَا تَسْتَقِيمُ لِأَحَدٍ عَلَى حَالٍ, وَلَا تَصْفُو لِمَخْلُوقٍ مِنَ الْكَدَرِ، فَفِيهَا خَيْرٌ وَشَرٌّ، وَصَلَاحٌ وَفَسَادٌ، وَسُرورٌ وَحُزْنٌ، وَأَمَلٌ وَيَأْسٌ، وَيَأْتِي الْأَمَلُ وَالتَّفَاؤُلُ كَشُعَاعَيْنِ, يُضِيئَانِ دَيَاجِيرَ الظَّلَامِ، وَيَشُقَّانِ دُرُوبَ الْحَيَاةِ لِلْأَنَامِ، وَيَبْعَثَانِ فِي النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ: الْجِدَّ, وَالْمُثُابَرَةَ، وَيُلَقِّنَانِهَا: الْجَلَدَ, وَالْمُصَابَرَةَ، فَإِنَّ الَّذِي يُغْرِيْ التَّاجِرَ بِالْأَسْفَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ: أَمَلُهُ فِي الْأَرْبَاحِ، وَالَّذِي يَبْعَثُ الطَّالِبَ إِلَى الْجِدِّ وَالْمُثُابَرَةِ: أَمَلُهُ فِي النَّجَاحِ، وَالَّذِي يُحَفِّزُ الْجُنْدِيَّ إِلَى الْاسْتِبْسَالِ فِي أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ: أَمَلُهُ فِي النَّصْرِ، وَالَّذِي يُحَبِّبُ إِلَى الْمَرِيضِ الدَّوَاءَ الْمُرَّ: أَمَلُهُ فِي الشِّفَاءِ، وَالَّذِي يَدْعُو الْمُؤْمِنَ أَنْ يُخَالِفَ هَوَاهُ وَيُطِيعَ مَوْلَاهُ: أَمَلُهُ فِي الْفَوْزِ بِجَنَّتِهِ, فَالْمُؤْمِنُ يُلَاقِي شَدَائِدَ الدُّنْيَا بِقَلْبٍ مُطْمَئِنٍ، وَوَجْهٍ مُسْتَبْشِرٍ، وَثَغْرٍ بَاسِمٍ، وَأَمَلٍ عَرِيضٍ، فَإِذَا جَاهَدَ كَانَ وَاثِقًا بِالنَّصْرِ، وَإِذَا ادْلَهَمَّتِ الْخُطُوبُ عَلَيْهِ, لَمْ يَنقطِعْ أَمَلُهُ فِي تَبَدُّلِ الْعُسْرِ إِلَى يُسْرٍ، وَإِذَا اقْتَرَفَ ذَنْبًا لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ, تَعَلُّقًا وَأَمَلًا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَىَ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فَبِالْأَمَلِ يَذُوقُ الْإِنْسَانُ طَعْمَ السَّعَادَةِ، وَبِالتَّفَاؤُلِ يُحِسُّ بِبَهْجَةِ الْحَيَاةِ.
    أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالْآمَـــــــالِ أَرْقُبُهَا مَا أضْيَقَ الْعَيْشَ لَــَوْلَا فُسْحَةُ الْأَمَلِ
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حَقِيقَةَ الْأَمَلِ, لَا تَأْتِي مِنْ فَرَاغٍ, كَمَا أَنَّ التَّفَاؤُلَ لَا يَنْشَأُ مِنْ عَدَمٍ، وَلَكِنَّهُمَا وَلِيدَا الْإِيمَانِ الْعَمِيقِ بِاللهِ تَعَالَى، وَالْمَعْرَفَةِ بِسُنَنِهِ وَنَوَامِيسِهِ فِي الْكَوْنِ وَالْحَيَاةِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يُصَرِّفُ الْأُمُورَ كَيْفَ يَشَاءُ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَيُسَيِّرُهَا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَيُبَدِّلُ مِنْ بَعْدِ الْخَوْفِ أَمْنًا، وَمِنْ بَعْدِ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَيَجْعَلُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا, وَمِنْ كُلِّ هَمِّ مَخْرَجًا، وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ عَلَى خَيْرٍ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ, وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ, شَكَرَ, فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ, صَبَرَ, فَكَانَ خَيْرًا له) فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ حَالِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَفَائِلِ، وَبَيْنَ حَالِ الْمُتَشَائِمِ الَّذِي لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إِلَّا الظَّلَامَ وَالتعَّاسَةَ وَالشَّقَاءَ, وَجَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ أَوْسَعَ النَّاسِ أَمَلًا وَأَكْثَرَهُمْ تَفَاؤُلًا، فهَذا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ, وَعَلَى صَاحِبِهِ الطَّلَبُ, أَيَّامَ الْهِجْرةِ, إِلَى حَدِّ أَنْ وَقَفَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى بَابِ الْغَارِ, يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِلُغَةِ الْوَاثِقِ بِرَبِّهِ تَعَالَى: (مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهُمَا) وَهَذَا الْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا, وَلَمْ يُرْزَقْ بَعْدُ بِوَلَدٍ, فَيَدْفَعُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ, أَنْ يَدْعُوَهُ: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) فوَهَبَ اللهُ لَهُ إِسْمَاعِيلَ, وَإِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدَ ابْنَهُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ أَخَاهُ، فَلَم يَتَسَرَّبْ إِلَى قَلْبِهِ الْيَأْسُ, وَلَا سَرَى فِي عُرُوقِهِ الْقُنُوطُ، بَلْ أَمَّلَ, وَرَجَا, وَقَالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وَمَا أَجَملَهُ مِنْ أَمَلٍ, تُعَزِّزُهُ الثِّقَةُ بِاللهِ تَعَالَى حِينَ قَالَ: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: قَدْ بَشَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْتِصَارِ الْإِسْلَامِ وَظُهُورِهِ, مَهْمَا تَكَالَبَ عَلَيْهِ الْأَعْدَاءُ, وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْخُصُومُ؛ فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ, مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ, وَلَا وَبَرٍ, إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ, بِعِزِّ عَزِيزٍ, أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكفرَ) فَأْبْشِرُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَوْعُودِ رَبِّكُمْ, وَأَمِّلُوا, وَاعْمَلُوا صَالِحًا, فَإِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ, وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.

    *فَإِنَّ الَّذينَ يُحْسِنونَ صِنَاعَةَ الْحَيَاةِ، وَيُتْقِنُونَ صِيَاغَةَ التَّارِيخِ، هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ أَمَلًا, وَتَفَاؤُلًا، وَأَقَلُّهُمْ يَأْسًا, وَتَشَاؤُمًا, وَإِنَّ الْمُتَشَائِمِينَ لَا يَصْنَعُونَ حَضَارَةً، وَلَا يَبْنُونَ وَطَنًا، وَلَا يَنْصُرُونَ دِينًا، وَلَا يُعَمِّرُونَ دُنْيًا, فَكُونُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ, وَإِيَّاكُمْ وَالْيَأْسَ وَأَهْلَهُ، فَإِنَّهُ يُطْفِئُ جَذْوَةَ الْأَمَلِ فِي النُّفُوسِ، وَيَقْطَعُ خُيُوطَ الرَّجَاءِ مِنَ الْقُلُوبِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ, وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ, وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ, وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ.
    أَلَا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْحَيَاةَ قَصِيرَةٌ فَلَا تُقَصِّرُوهَا بِالْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ، وَلَا تَحْمِلُوا الْأَرْضَ فَوْقَ رُؤُوسِكُمْ, وَقَدْ خَلَقَهَا اللهُ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وَلَا تَلْعَنُوا الظَّلَامَ, بَلْ أَوْقِدُوا لِتَبْدِيدِهِ الْأَضَوَاءَ وَالشُمُوعَ، وَلَا تُنَغِّصُوا عَيْشَكُمْ بِكَدَرِ الْحَيَاةِ, فَإِنَّهَا هَكَذا خُلِقَتْ لَا تَصْفُو لِأَحَدٍ مِنَ الْكَدَرِ، واعلَمُوا أنَّهُ رُبَّ مِحْنَةٍ تَلِدُ مِنْحَةً، وَرُبَّ نُورٍ يَشِعُّ مِنْ كَبِدِ الظَّلَامِ، واعلَمُوا أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، فَأَبْشِرُوا, وَأَمِّلُوا, فَمَا بَعْدَ دَيَاجِيرِ الظَّلَامِ؛ إِلَّا فَلَقُ الصُّبْحِ الْمُشْرِقِ.

  • الإسراف والتبذير

    الإسراف والتبذير

    *فَأَتَى الْإِسْلَامُ هِدَايةً لِلنّاسِ وَنُورًا, يُخْرِجُ اللهُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ كَذَلِكَ مُؤَكِّدًا عَلَى وُجُوبِ لُزُومِ مَنْهَجِ الْوَسَطِيَّةِ فِي أَبْوَابِ الْعَبَادَاتِ، وَالْاعْتِقَادِ، وَالْحُكْمِ, وَالتَّحَاكُمِ، وَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيِّ عَنِ المُنْكَرِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَبْوَابِ, فَأَضْحَتِ الْوَسَطِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ مَنْهَجًا, مُتَكَامِلًا شَامِلًا، لَا يَنْفَصِلُ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضِ, قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) وَإِنَّ مِنْ مَظَاهِرِ هَذِهِ الْوَسَطِيَّةِ: الْاعْتِدَالُ فِي الْإِنْفَاقِ، فَقَدْ أَثْنَى رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَوْلَيَائِهِ مِنْ عِبَادِهِ؛ فَجَعَلَ الْعَدْلَ, وَالْوَسَطَ مِنْ صِفَاتِهِمُ, الْمُلَازِمَةِ لَهُم, فَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) وَذمَّ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلّ الْإِسْرَافَ, وَالتَّبْذِيرَ وَجَعَلَهُمَا مِنْ صِفَاتِ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ, فَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) وَأَخْبَرَ جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ مَا شَرَعَ اللهُ لِعِبَادِهِ, فَقَالَ تَعَالَى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: جَمَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ هَذِهِ الْآيَةِ, أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تُسْرِفُواْ).
    وَحَذَرَّ تَعَالَى مِنْ عَاقِبَةِ الْإِسْرَافِ, وَالتَّبْذِير, فقالَ تَعَالَى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) أَيْ: لَا تَكُنْ بَخِيلًا, وَلَا مُسْرِفًا فِي الْإِنْفَاقِ؛ فَتَقْعُدَ مَلُومًا, يَلُومُكَ النَّاسُ وَيَذُمُّونَكَ، نَادِمًا عَلَى تَبْذِيرِكَ, وَضَياعِ مَالِكَ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِنِّي لَأُبْغِضُ أَهْلَ بَيْتٍ, يُنْفِقُونَ رِزْقَ أَيَّامٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْإِسْرَافُ دَاءٌ قَتَّالٌ، وَمَرَضٌ عُضَالٌ، يَهْدِمُ مُرْتَكَزَاتِ الْأُمَمِ, وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَيُبَعْثِرُ الْأَمَوَالَ, وَيُبَدِّدُ الثَّرَوَاتِ.
    وَالْمُتَتَبِّعُ لِظَاهِرَةِ الْإِسْرَافِ, وَالتَّبْذِيرِ، لَيَرَى أَسْبَابًا تَدْعُو إِلَيْهَا، وَدَوَافِعَ تَبْعَثُ عَلَيْهَا، فَمِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ:
    أَوَّلًا: جَهْلُ الْمُسْرِفِينَ بِأَحْكَامِ الدِّينِ الَّذِي يَنْهَى عَنِ الْإِسْرَافِ, وَالتَّبْذِيرِ.
    ثَانِيًا: حُبُّ الْمُسْرِفِ لِلْمُبَاهَاةِ, وَالتَّفَاخُرِ، وَرَغْبَتُهُ الْعَارِمَةُ فِي التَّسَابُقِ, وَالتَّكَاثُرِ.
    ثَالِثًا: مُصَاحَبَةُ الْمُسْرِفِينَ؛ لِأَنَّ الصَّاحِبَ يَتَأَثَّرُ بِأَخْلَاقِ صَاحِبِهِ، وَيَتَطَبَّعُ بِطِبَاعِهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ).
    رَابِعًا: التَّقْلِيدُ, وَاتِّبَاعُ الْعَادَاتِ، فَإِذَا نَشَأَ الْإِنْسَانُ فِي بِيئَةٍ تَعَوَّدَتِ السَّرَفَ, وَالتَّبْذِيرَ, حَاوَلَ مُسَايَرَتَهُمْ فِي حَيَاةِ الْبَذَخِ, وَالْإِسْرَافِ، حَتَّى أُصِيبَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِسُعَارِ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى، وَالتَبَعِيَّةِ الْجَوْفَاءِ, بِلَا تَمْحِيصٍ مِنْهُمْ, وَلَا بَصِيرَةٍ.
    خَامِسًا: قِلَّةُ النَّظَرِ فِي عَوَاقِبِ الْإِسَرَافِ, وَالتَّبْذِيرِ، وَضَعْفُ الْاهْتِمَامِ بِآثَارِهِ الضَّارَّةِ, عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَالدِّينِ, وَالدُّنْيَا، فَلَوْ تَأَمَّلَ الْإِنْسَانُ تِلْكَ الْعَوَاقِبَ، وَوَضَعَهَا فِي عَقْلِهِ, وَقَلْبِهِ, لَمَا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ مَظَاهِرِ السَّرَفِ، وَتَبْدِيدِ الثَّرَوَاتِ؛ الَّتِي طَغَتْ حَتَّى أَصْبَحَتْ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ حَيَاةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.
    إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ، لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْرَهُ إِضَاعَةَ الْمَالِ، وَالْإِسْرَافَ فِي الْإِنْفَاقِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلُوا, وَاشْرَبُوا, وَتَصَدَّقُوا, وَالْبَسُوا, فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ, وَلَا مَخِيلَةٍ) وَالْمَخِيلَةُ هِيَ الْكِبْرُ, أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
    إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْرَافَ, وَالتَّبْذِيرَ, قَدْ تَعَدَّدَتْ, مَظَاهِرُهُمَا، وَتَنَوَّعَتْ أَشْكَالُهُمَا, كَالْإِسْرَافِ فِي الْمَآكِلِ, وَالْمَشَارِبِ, وَخُصُوصًا فِي الْمُنَاسَبَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ, الَّتِي يَنْفَضُّ النَّاسُ عَنْهَا, تَارِكِينَ سَبِيلَ أَكْثَرِ الطَّعَامِ, يَذْهَبُ إِلَى حَاوِيَاتِ النُّفَايَاتِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَقَامَ لَيَسْتَدْعِي – يَا رَعَاكُمْ اللهُ – لَفْتَ انْتِبَاهَكُمُ الكَرِيمَ إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْبَاقِيْ مِنَ الطَّعَامِ, فَالصَّالِحُ مِنُهُ لِلْاسْتِخْدَامِ الْآدَمِيِّ, يَنْبَغِيْ أَنْ يُرْسَلُ لِقِسْمِ الْوَلَائِمِ فِي الْجَمْعِيَّةِ الْخَيْرِيَّةِ فِي حَائِلِ, وَأَمَّا غَيْرُ الصَّالِحِ فَيُرْسَلُ لِلْمَنْشَرِ الْمُهَيَّئِ مِنْ قِبَلِ أَمَانَةِ الْمَنْطِقَةِ.

    *فَمِنَ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ؛ الْإِسْرَافُ فِي الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ, وَالْمَنَافِعِ الْحَيَوِيَّةِ؛ كَالْمَاءِ, وَالْكَهْرُبَاءِ، فَكَمْ مِنْ مِيَاهٍ, تُهْدَرُ بِلَا دَاعٍ, وَكَمْ مِنْ طَاقَاتٍ كَهْرُبائِيَّةٍ, تُضَيَّعُ بِلَا مُوجِبٍ، وَكَمْ مِنْ مَصَابِيحَ لَا تُطْفَأُ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ؟! وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْرَافِ, الْمَمْقُوتِ, وَالتَّبْذِيرِ الْمُسْتَقْبَحِ، وَعَلَيْهِ فَيَجْدُرُ التَّنْبِيهُ – مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ – عَلَى ضَرُورَةِ الْاسْتِخْدَامِ الْأَمْثَلِ فِي تَشْغِيلِ الْأَجْهِزَةِ الْكَهْرُبَائِيَّةِ, وَالْإِنَارَةِ, خَاصَّةً فِي أَوْقَاتِ الذِّرْوَةِ مَا بَيْنَ السًّاعَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَ ظُهْرًا, حتى الْخَامِسَةَ عَصْرًا, خِلَالَ أَشْهُرِ الصَّيْفِ, لِكَيْ يَنْعَمَ الْجَمِيعُ بِاسْتِمْرَارِ الْخِدْمَةِ الْكَهْرُبَائِيَّةِ, بِالْكَفَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ, دُونَ انْقِطَاعٍ.