الرئيسية Archives for محمد المتروك

محمد المتروك

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • الاستغفار

    الاستغفار

    *فقد عَلِمَ اللهُ تَعَالَى مَا فِي الْخَلْقِ منَ ضَعْفٍ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ قُصُورٍ وَنَقْصٍ, قَدْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ، فَفَتَحَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ بَابَ الْأَمَلِ فِي الْعَفْوِ, وَالْمَغْفِرَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْجَئُوا إِلَى سَاحَاتِ كَرَمِهِ, وَخَزَائِنِ فَضْلِهِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا, لَذَهَبَ اللهُ تَعَالَى بِكُمْ, وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ, فَيْسْتَغْفِرُونَ اللهَ تَعَالَى, فَيَغْفِرُ لَهُمْ) وَإِنَّ حَالَ أَهْلِ التَّقْوَى وَأَرْبَابِ الْهُدَى, أَنَّهُمْ إِذَا أَذْنَبُوا, اسْتَغْفَرُوا، وَإِذَا أَخْطَئُوا, تَابُوا, كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِنَّ مِنْ وَاسِعِ فَضْلِ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ, أَنَّهُ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ, لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَلَّا يَقْنُطَ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ, وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وَكَثُرَتْ آثامُهُ (وَمَن يَقْنَطُ مِنْ رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلَّا الضَّآلُّونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ, وَإِدَامَةِ الْاسْتِغْفَارِ، فَقَالَ تَعالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ واَلْمُؤْمِنَـاتِ) فَفِي أَبِي دَاوُدَ والتِّرْمِذِيِّ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَةٍ, يَقُولُ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي, وَتُبْ عَلَيَّ, إِنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم) وَهَكَذَا هُوَ شَأْنُ أَهْلِ الْإِيمَانِ، يَلْجَئُونَ إِلَى اللهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُكْثِرُونَ مِنَ التَّوْبَةِ, وَالْاسْتِغْفَارِ، صَادِقِينَ, مُخْلِصِينَ, غَيْرَ يَائِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ, وَلَا مُصِرِّينَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّـابِرِينَ وَالصَّـادِقِينَ وَالْقَـانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِنَا, وَمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْنَا, مَا رَتَّبَ عَلَى الْاسْتِغْفَارِ مِن عَظِيمِ الْجَزَاءِ, وَسَابِغِ الْفَضْلِ, وَالْعَطَاءِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وَالْاسْتِغْفَارُ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ, عَنِ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ ضُرُوبًا مِنَ الْبَلَاءِ, وَالنِّقَمِ، وَصُنُوفًا مِنَ الرَّزَايَا وَالْمِحَنِ، كَمَا قَالَ عز وجل سُبْحَانَهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْغَيْثِ الْمِدْرَارِ، وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ فِي الْأَرْزَاقِ, وَالثَّمَارِ، وَكَثْرَةِ النَّسْلِ, وَالنَّمَاءِ, كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ, حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) وَالْمُسْتَغْفِرُونَ يُمَتِّعُهُمْ رَبُّهُمْ مَتَاعًا حَسَنًا، فَيَهْنَئُونَ بِحَياةٍ طَيِّبَةٍ، ويُسْبِغُ عَلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ مَزِيدًا مِنْ فِضْلِهِ, وَإِنْعَامِهِ (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) وَفِي مُلَازَمَةِ الْاسْتِغْفَارِ تَفْرِيجٌ لِلْكُرُوبِ, وَالْهُمُومِ، وَمَخْرَجٌ مِنْ ضَائِقَاتِ الْأُمُورِ، وَحُصُولٌ لِلرِّزْقِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ الْعَبْدُ، فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ لَزِمَ الْاسْتِغْفَارَ, جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ وَالْمِنَحَ, إِنَّمَا تَحْصُلُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ اللهَ تَعَالَى حَقًّا, إِذِ الْاسْتِغْفَارُ لَيْسَ بَأَقْوَالٍ تُرَدِّدُهَا الْأَلْسُنُ، وَإِنَّمَا الْاسْتِغْفَارُ الْحَقُّ, مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ, وَاللِّسَانُ، وَنَدِمَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا بَدَرَ مِنْهُ مِنْ ذُنوُبٍ, وَآثَامٍ، وَعَزَمَ أَلَّا يَعُودَ إِلَى اقْتِرَافِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ هَذِهِ أَرْكَانُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ, الَّتِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى، وَوَعَدَ عَلَيْهَا تَكْفِيرَ الْخَطِيئَاتِ, فَقَالَ تَعَالَى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـارُ) قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْاسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَحِلُّ عُقَدَ الْإِصْرَارِ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجِنَانِ، وَلَيْسَ التَّلَفُّظُ بِمُجَرَدِ اللِّسَانِ، فَمَنِ اسْتَغْفَرَ بِلِسَانِهِ، وَقَلْبُهُ مُصِّرٌّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَاسْتِغْفَارُهُ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَرَةُ اسْتِغْفارِهِ, تَصْحِيحُ تَوْبَتِهِ, فَهُوَ كَاذِبٌ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ, وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ, كَالْمُسْتَهْزِئُ بِرَبِّهِ.

    *فَإنَّ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ جَوَامِعِ أَدْعِيَةِ الْاسْتِغْفَارِ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ, أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (سَيِّدُ الْاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, خَلَقْتَنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ, وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ, وَوَعْدِكَ, مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي, فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ, مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا, فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ, وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا, فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ: اسْتَغْفِرُ اللهَ, الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ, الْحَيُّ, الْقَيُّومُ, وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ غُفِرَتْ ذُنُوبُه, وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ).

  • الأسباب الموجبة لظلال العرش

    الأسباب الموجبة لظلال العرش

    *فَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقْدَارَ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ فِي الْعَرَقِ علَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ الْعَرَقُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَن يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَن يَكُونُ إِلَى مَعْقِدِ الْإِزَارِ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَتَشْتَدُّ الْكُرُوبُ، وَتَفْزَعُ الْقُلُوبُ، وَتَذِلُّ الرِّقَابُ، وَيَطُولُ انْتِظَارُ الْحِسَابِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَفِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ, يُكْرِمُ اللهُ أَقْوَامًا, وَيَسْتَأثِرُهُم, لِيَكُونُوا فِي ظِلِّ عَرْشِهِ, فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ, يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ, وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ, وَجَمَالٍ, فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ, فَأَخْفَاهَا, حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ, مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَاليًا, فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).
    مَعَاشِرَ المُؤمنينَ: مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِظِلَالِ الْعَرْشِ: الْعَدْلُ فِي الْحُكْمِ وَالْوِلَايَةِ؛ وَالْمُرَادُ بِهِ, الْإِمَامُ الْعَادِلُ, صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى, وَيُلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَن وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَأَرْسَى دَعَائِمَ الْحَقِّ, وَالْعَدْلِ, وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ رَعِيَّتَهُ.
    وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: شَابٌ نَشَأَ مُغْتَنِمًا زَهْرَةَ شَبَابِهِ, وَمَرْحَلَةَ قُوَّتِهِ, وَنَشَاطِهِ, فِي طَاعَةِ رَبِّهِ حُبًّا, وَإِيثَارًا لِمَرْضَاتِ رَبِّهِ, عَلَى شَهَوَاتِ نَفْسِهِ.
    وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: حُبُّ الْمَسَاجِدِ, وَالتَّعَلُّقُ بِهَا, فَالْمَسَاجِدُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ, أُنْسٌ, وَلَذَّةٌ, وَحَيَاةٌ.
    وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: الْحُبُّ فِي اللهِ, وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ خَالِصًا لِلهِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ الْإِيمَانِ, وَلَئِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمُ الْأَرْحَامُ, فَقَدْ لَمَّ شَمْلُ الْإِسْلَامِ.
    وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ, وَجَمَالٍ, لِيَفْجُرَ بِهَا, فَأَبَى الْوُقُوعَ فِي وَحْلِ الْفَاحِشَةِ, وَامْتَنَعَ خَوْفًا مِنَ اللهِ.
    وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: رَجُلٌ تَذَكَّرَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ, أَوْ ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ بَعِيدًا عَنْ أَعْيُنِ الْمَخْلُوقِينَ, فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ, أَوِ الشَّوْقِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ إِلَى ذَلِكَ رِيَاءٌ, وَلَا سُمْعَةٌ.
    وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: إِنْظَارُ الْمُعْسِرِ, الْعَاجِزِ, عَنْ سَدَادِ دَيْنِهِ, إِلَى أَنْ يُغْنِيَهُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، أَوْ حَط ُّالدَّيْنِ عَنْهُ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا, أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ, يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ).

    *فَمِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا: إِخْفَاءُ الصَّدَقَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ, لِتَكُونَ ذُخْرًا لَهُ يَوْمَ الدِّينِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلُّ امْرِىءٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَينَ النَّاسِ).
    مَعَاشِرَ المُؤمنينَ: هذِهِ الْأَسْبَابُ مَنْ كَانَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنهَا, فَازَ بِالْاسْتِظْلَالِ بِظِلِّ الْعَرْشِ، فَتغَاَنَمُوا فُرْصَةَ الْحَيَاةِ, وَجِدُّوا, وَشَمِّرُوا, فَالْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ, وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ.

  • اغتنموا أيام المهل

    اغتنموا أيام المهل

    * فَإِنَّ الشُّهُورَ, وَالْأَعْوَامَ، وَاللَّيَالِي, وَالْأَيَّامَ, مَوَاقِيتُ الْأَعْمَالِ, وَمَقَادِيرُ الْآجَالِ، تَنْقَضِي جَمِيعًا, وَتَمْضِي سَرِيعًا، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ، وَالسَّعِيدُ لَا يَركَنُ إِلَى الْخُدَع، وَلَا يَغْتَرُّ بِالطَّمَع، فَكَمْ مِنْ مِسْتَقْبِلِ يَوْمًا لَا يَسْتَكْمِلُهُ، وَكَمْ مِنْ مؤَمِّلٍ, لِغَدٍ لَا يُدْرِكُهُ, فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا وَمَكَائِدَهَا، فَكَمْ غَرَّتْ مِنْ مُخْلِدٍ إِلَيْهَا، وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبٍّ عَلَيْهَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَنْكِبِي, فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ, أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) وَكَانَ ابْن عُمَرَ, يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ, فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ, فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ, لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ, لِمَوْتِكَ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: احْتَطِبُوا زَادًا لِآخِرَتِكُمْ كَافِيًا، وَأَعِدُّوا لِلسُّؤَالِ جَوَابًا شَافِيًا، وَاسْتَكْثِرُوا فِي أَعْمَارِكُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَتَدَارَكُوا مَا مَضَى مِنَ الْهَفَوَاتِ، وَبَادِرُوا مُهْلَةَ الْأَوْقَاتِ، قَبْلَ أَنْ يُنَادِي بِكُمْ مُنَادِي الشَّتَاتِ، وَيَفْجَأُكُمْ هَادِمُ اللَّذَّاتِ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَعِظُ رَجُلًا, وَيَقُولُ لَهُ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكّ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغلِك) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ, فَمُعْتِقُهَا, أَوْ مُوبِقُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ, فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ, فَيُعْتقُهَا مِنَ الْعَذَابِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ, وَالْهَوَى, بِاتِّبَاعِهِمَا, فَيُوبِقُهَا, أَيْ يُهْلِكُهَا.
    فَيَا مَنْ أَقْعَدَهُ الْحِرْمَانُ، وَيَا مَنْ أَرْكَسَهُ الْعِصْيَانُ، كَمْ ضَيّعَتْ مِنْ أَعْوَامٍ، وَقَضَيْتَهَا فِي اللَّهْوِ, وَالْمَنَامِ، كَمْ أَغْلَقَتَ بَابًا عَلَى قَبِيحٍ، وَكَمْ أَعْرَضْتَ عَنْ قَوْلِ النَّصِيحِ، أَنَسِيتَ أَيُّهَا الْمِسْكِينُ سَاعَةَ الْاحْتِضَارِ؟! حِينَ يَثْقُلُ مِنْكَ اللِّسَانُ، وَتَرْتَخِي الْيَدَانُ، وَتَشْخُصُ الْعَيْنَانُ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كَمْ مِنْ عَزِيزٍ دَفَنّاهُ, وَانْصَرَفْنَا، وَكَمْ مِنْ قَرِيبٍ أَضْجَعْنَاهُ فِي اللَّحْدِ, وَمَا وَقَفْنَا، فَهَلْ رَحِمَ الْمَوْتُ مِنَّا مَرِيضًا لِضَعْفِ حَالِهِ؟! وَهَلْ أَمْهَلَ الْمَوْتُ مِنَّا ذَا عِيَالٍ مِنْ أَجْلِ عِيَالِهِ؟! أَيْنَ مَنْ كَانُوا مَعَنَا؟! أَتَاهُمْ هَادِمُ اللَّذَّاتِ، وَمُفَرِّقُ الْجَمَاعَاتِ، فَأَخْلَى مِنْهُمُ الْمَجَالِسَ, وَالْمَسَاجِدَ، فَتَرَاهُمْ فِي بُطُونِ الْأَلْحَادِ صَرْعَى، لَا يَجدُونَ لِمَا هُمْ فِيهِ دَفْعًا، وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا, وَلَا نَفْعًا.
    فَيَا مَنْ تَمُرُّ عَلَيْهِ سَنَةٌ بَعْدَ سَنَةٍ، وَهُوَ فِي نَوْمِ الْغَفْلَةِ، إِلَى أَيِّ يَوْمٍ أَخَّرْتَ تَوْبَتَكَ؟! وَلِأَيِّ عَامٍ ادْخَرْتَ أَوْبَتَك؟! وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) أَي الْأَنْفَاسُ.
    فَبَادِرْ يَا أَخَا الْإِسْلَامِ التَّوْبَةَ, وَاحْذَرِ التَّسْوِيفَ وَالْغَفْلَةَ، وَأَصْلِحْ مِنْ قَلْبِكَ مَا فَسَدَ، وَفِرَّ مِنْ أَصْحَابِ السُّوءِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ، فَقَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ, وَقَرُبَ التَّحْوِيلُ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ, فِيمَ أَفنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ, فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ, مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَمِلَ الْهَدْمُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَالْكَدَرُ عَلَى الصَّفَاءِ، وَقَبْلَ أَنْ تَخْلُو الْمَنَازِلُ مِنْ أَرْبَابِهَا، وَتُؤْذَنُ الدِّيَارُ بِخَرَابِهَا، وَاغْتَنِمُوا السَّاعَاتِ, وَالْأَيَّامِ, وَالْأَعْوَامِ، وَلْيُحَاسِبْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ نَفْسَهُ، فَقَدْ سَعُدَ مَنْ لَاحَظَهَا, وَحَاسَبَهَا، وَفَازَ مَنْ تَابَعَهَا, وَعَاتَبَهَا, وَهَلِمُّوا إِلَى دَارٍ, لَا يَمُوتُ سُكَّانُهَا، وَلَا يَخْرَبُ بُنْيَانُهَا، وَلَا يَهْرَمُ شَبَابُهَا، وَلَا يَتَغَيَّرُ حُسْنُهَا.
    فَيَا عَبْدَ اللهِ: اسْتَدْرِكْ مِنَ الْعُمْرِ ذَاهِبًا، وَقِفْ عَلَى الْبَابِ تَائِبًا، بِلِسَانٍ ذَاكِرٍ، وَدَمْعٍ قَاطِرٍ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ, لِيَتَوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ, لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) فَأَحْسِنْ يَا عَبْدَ اللهِ فِيمَا قَدْ بَقِي، يُغْفَرْ لَكَ مَا قَدْ مَضَى، فَإِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ، أُخِذْتَ بِمَا مَضَى, وَبِمَا بَقِي.

    *فَإِنَّ الْأَيْامَ تُطْوَى، وَالْأَعْمَارَ تَفْنَى، وَالْأَبْدَانَ تَبْلَى، وَالسَّعِيدُ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ, وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَالشَّقِيُّ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ, وَسَاءَ عَمَلُهُ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ, أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ طَالَ عُمْرُهُ, وَحَسُنَ عَمَلُهُ) قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمْرُهُ, وَسَاءَ عَمَلُهُ) فَكُونُوا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ, وَلَا عَمَلٌ، وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ، وَالْمَرْءُ يَمُوتُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، وَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.

  • أحوال اهل النار

    أحوال اهل النار

    *فَخَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ، وَنَصَبَ لَهُمُ الْأَدَلَّةَ عَلَى عَظَمَتِهِ لِيَخَافُوهُ، وَوَصَفَ لَهُمْ شِدَّةَ عَذَابِهِ, وَدَارَ عِقَابِهِ, لِيَكُونَ ذَلِكَ قَامِعًا لِلنُّفُوسِ, عَنْ غيِّهَا وَفَسَادِهَا، وَبَاعِثًا لَهَا إِلَى فَلَاحِهَا, وَرَشَادِهَا, فَاحْذَرُوا – عِبَادَ اللهِ – مَا حَذَّرَكُمْ، وَارْهَبُوا مَا رَهَّبَكُمْ مِنَ النَّارِ الَّتِي ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ وَصْفَهَا، وَجَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَعْتُهَا, دَارٌ سَودَاءُ مُظْلِمَةٌ، شَعْثَاءُ مُوحِشَةٌ (لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) لَا يَنْطَفِي لَهَبُهَا، وَلَا يَخْمُدُ جَمْرُهَا, قطَعَ ذِكْرُهَا قُلُوبَ الْخَائِفِينَ، فَتَوَكَّفَتْ مِنْهُمُ الْعَبَرَاتُ، وَتَرَادَفَتْ مِنْهُمُ الزَّفَرَاتُ، فَفِي صَحِيِحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ، لَوْ رَأيْتُمْ مَا رَأَيْتُ, لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا, وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) وَفِي الْمُسْنَدِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَخْطُبُ, وَيَقُولُ: (أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ) حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. وَفِي الْبَيْهَقِي, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ, لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا, وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا, وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ, وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً. قَالَ: (فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا, كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا) وَإِنَّ مَا تَجِدُونَ – عِبَادَ اللهِ – مِنْ حَرِّ الصَّيْفِ, لَهُوَ نَفَسٌ مِنْ أَنْفَاسِهَا يُذَكِّرُكُمْ بَهَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا, فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ, وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ, وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ، وَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) وَيُؤْتَى بِجَهْنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُقَادُ، لَهَا سَبْعُوُنَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا، وَهِيَ تَطْفَحُ مِنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ، فَتَجْثُو الْأُمَمُ حِيْنَ رُؤْيَتِهَا عَلَى الرُّكَبِ، وَيَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذّكْرَىٰ * يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى) دَارٌ عُمْقُهَا سَبْعُونَ خَرِيفًا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ صَوْتَ وَجْبَةٍ, أَيْ سَقْطَةٍ: (هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِى النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا, فَهُوَ يَهْوِى فِى النَّارِ الْآنَ, حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُنْصَبُ الصِّرَاطُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ, وَأَمْوَاجُ الْجَحِيمِ تَتَلَاطَمُ مِنْ تَحْتِ المَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ, عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِم، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ و(إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أَيْ تَكَادُ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْغَيْظِ, طَعَامُ الْمُجْرِمِينَ فِيهَا مِنْ ضَرِيعٍ، أَيْ شَوْكٍ يَتَجَرَّعُونَهُ فَلَا يَدْخُلُ إِلَى أَجْوَافِهِم, وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حُلُوقِهِمْ، وَشَرَابُهُمْ مِنْ غِسْلِينِ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ صَدِيدُهُمْ وَدَمُهُمُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ لُحُومِهِمْ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَعْنَاقُهُمْ عَطَشًا, وَظَمَأً, سُقُوا مِنْ عَيْنٍ آنِيِةٍ، قَدِ اشْتَدَّ لَفْحُهَا، وَأُغِيثُوا بِالْحَمِيمِ, فَقَطَّعَ أَمعَاءَهُمْ، فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ, فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ, حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلُتُ مَا فِي جَوْفِهِ، حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ) وَ(إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا, مَنْ لَهُ نَعْلَانِ, وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ, يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ, كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَّدَّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُم عَذَابًا) وَيَتَجَلْجَلُ الْمُجْرِمُونَ فِي مَضَائِقِ النَّارِ، وَيَتَحَطَّمُونَ فِي دَرَكَاتِهَا، قَدْ شُدَّتْ أَقْدَامُهُمْ بِالْأَغْلَالِ إِلَى النَّوَاصِي (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) فَأَعْظَمُ أَمَانِيهِمُ الْهَلاكُ, يَصِيحُونَ, وَهُمْ يَبْكُونَ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ (يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ) فَحُزْنُهُمْ دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ, فَفِي مُسْتَدْرَك الْحَاكِمِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ, حَتَّى لَوْ أُجْرِيتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ) أَيْ مَكَانَ الدَّمْعِ، فَيَبْكُونَ عَلَى ضَيَاعِ الْحَيَاةِ, بِلَا زَادٍ يُنْجِيهِم مِنْ عَذابِ اللهِ، وَهُمْ يُنَادُونَ رَبَّهُم, وَيَصْطَرِخُونَ لَهُ (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ) فَيُجِيبَهُم: (ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلَا تُكَلّمُونِ) فَمَا أَعْظَمَ الْحَسْرَةَ, وَمَا أَكْبَرَ الغَبْنَةَ, فَلَا يُرْحَمُ لَهُمْ بَاكٍ، وَلَا يُجَابُ لَهُم دَاعٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ النَّارِ, خُلُودٌ فَلَا مَوْتٌ (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ).

    *فَتِلْكَ بَعْضُ أَوْصَافِ النَّارِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهَا، فَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ النَّارِ، وَاسْتَعِيذُوا بَاللهِ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ, أَوْ فِعْلٍ, يُقَرِّبُ إِلَيْهَا، فَإِنَّكُمُ اليَوْمَ فِي عَصْرِ فِتَنٍ تَتْرَى, وَشُرُورٍ تَتَوَالَى، فِتَنُ شُبُهَاتٍ, وَشَهَوَاتٍ، يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنْتُمْ تَعِيشُونَ فِي حَيَاةٍ صَاخِبَةٍ, تَأْخُذُ كَلَّ مَنِ اسْتَشْرَفَ إِلِيْهَا إِلَى الْوَرَاءِ, فِي عَقِيدَتِهِ, وَأَخْلَاقِهِ، وَفِكْرِهِ, وَسُلُوكِهِ، فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلِيْكُم شَهَواتِ الْغَيْ, فِي بُطُونِكُمْ, وَفُرُوجِكُمْ, وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى) وَفِي لَفْظٍ: (وَمُظِلَّاتِ الْفِتَنِ) وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (حُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) فَاقْطَعُوا صَحَارِي الْمَكَارِهِ, بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ, وَالصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَيْقِظُوا القُلُوبَ عَنْ مَرَاقِدِ غَفَلَاتِهَا، وَاحْتَمُوا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَاعْلَمُوا أَنّكُمْ فِي أَيَّامِ مُهَلٍ، مِنْ وَرَائِهَا أَجَلٌ، فَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ عَاجِلُهُ، فَلَنْ يَنْفَعْهُ آجِلُهُ (وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا نَوْمَ أَثْقَلُ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَلَا رِقَّ أَمْلَكُ مِنَ الشَّهْوَةِ، وَلَا مُصِيبَةَ كَمَوْتِ الْقَلْبِ، وَلَا نَذِيرَ أَبْلَغُ مِنَ الشَّيْبِ، وَلَا مَصِيرَ أَسْوَأُ مِنَ النَّارِ (وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ).

  • أحوال أهل الجنة

    أحوال أهل الجنة

    *فَقَالَ تَعَالَى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لِلْجَنّةِ طَرِيقٌ وَاحِدٌ فَقَطْ, وَلِلنَّارِ طُرُقٌ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى, قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وَالْجَنّةُ هِيَ دَارُ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ, وَالْحُبُورِ الدَّائِمِ, دَارٌ أَعَدَّهَا اللهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ, لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ, مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِع أَبْوَابِهَا, لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ, أو كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى, مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ, وَبِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ, وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ, وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ, وَهُوَ كَالطِّينِ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ اللَّبِنَةِ, وَالْأُخْرَى أَثْنَاءَ الْبِنَاءِ, وَحَصْبَاؤُهَا اللَّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ, وَتُرَابُهَا الزُّعْفُرَانُ, مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ, وَلَا يَبْأَسُ, وَيَخْلُدُ, وَلَا يَمُوتُ, فَلَا تَبْلَى ثِيَابُهُ, وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ.
    وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَجِئُ بَعْدَمَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ, فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ, فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ, وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُم, وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِم, فيُقَالُ لهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ فِي الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ, فيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ, وَمِثْلُهُ, وَمِثْلُهُ, وَمِثْلُهُ, فَقَالَ, فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ, وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَفِيهِ: وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ, سَلْ كَذَا, وَكَذَا, فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِىُّ, قَالَ اللَّهُ: هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ, قَالَ: رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أَوْلَئِكَ الَّذِينَ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي, وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا, فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ, وَلَمْ تَسْمَعَ أُذُنٌ, وَلَمْ يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ).
    وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (يُنَادِي مُنَادٍ: أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا, فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا, وَأَنّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوا, فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا, وَأَنَّ لَكُمْ أَنّ تَشِبُّوا, فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا, وَأَنّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا, فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا, وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ, وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ, نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا, فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا؟ وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ وَيُنْجِنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ, فَيَنْظُرُونَ إِلَى اللهِ, فَوَاللهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ شَيْئًا هُوَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ).
    وَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ, كمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ, مِنَ الْمَشْرِقِ, أَوِ الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُم) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ, تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ, لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: (بَلَى, وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ, رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَلَا هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ, فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا, وَهِيَ وَرِبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ, وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُ, وَقَصْرٌ مَشِيدٌ, وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ, وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ, وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ, وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ, وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ, فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ, وَفَاكِهَةٍ, وَخُضْرَةٍ, وَحُبْرَةٍ, وَنِعْمَةٍ, فِي مَحَلَّةٍ, عَالِيَةٍ, بَهِيَّةٍ) قَالُوا: نَعْمَ, يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا, قَالَ: (قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللهُ) قَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللهُ.
    وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنةِ, خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا).

    *فَاغْتَنِمُوا أَيَّامَ الْمُهَلِ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ, وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى الْجَنَّاتِ, وَبَادِرُوا بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ, قَبْلَ أَنْ يَفْجَئَكُمْ هَادِمُ اللَّذَّاتِ, وَمُفَرِّقُ الْجَمَاعَاتِ, فَفِي صَحيِحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ, كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ, غَمْرٍ – أَي كَثِيرٍ – عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ, يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ) قَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يُبْقِي ذَلِكَ مِنَ الدَّرَنِ؟.
    وَفِي صَحيِحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ, ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ, وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ, وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ, فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ, وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ, وَلَهُ الْحَمْدُ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ, غُفِرَتْ خَطَايَاهُ, وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) وَفِي صَحيِحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ, فِي يَوْمٍ: مِائَةَ مَرَّةٍ, حُطَّتْ خَطَايَاهُ, وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ).

  • من آثار ابن عمر

    من آثار ابن عمر

    *فَكَتبَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِالْعِلمِ كُلِّهِ, فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ الْعِلمَ كَثِيْرٌ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ، خَمِيْصَ الْبَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم، لَازمًا لِأَمْرِ جَمَاعَتِهِم، فَافعَلْ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: فِي هَذَا الْأَثَرِ أَرْبَعَةُ مَسَائِلَ عِظَامٍ, أَرَادَ هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا؛ لِعَظِيمِ خَطَرِ ضِدِّهَا, بَعْدَ قِيَامِ الْإِنْسَانِ بِأُصُولِ الْإِسْلَامِ, وَأَرْكَانِهِ:
    الْمَسْأَلَةُ الْأَوْلَى مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْأَثَرِ: أنْ يَمُوتَ الْإِنْسَانُ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دَمَاءِ النَّاسِ, وَالْمُرَادُ بِهِ هَا هُنَا: الْقَتْلُ عَمْدًا, بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ, سَوَاءً كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا, أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومَ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ, فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ, مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) أَيْ لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُنْشَرَحَ الصَّدْرِ, مُطْمَئِنَ النَّفْسِ, فِي سَعَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, طَالَمَا أَنَّهُ لَمْ يقْتُلْ نَفْسًا, بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ.
    وَاعْلَمُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ – أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ عَمْدًا, بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ, مُسْلِمًا, فَيَتَعَلَّقُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ:
    الحقُ الأولُ: حَقُّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَهَذَا الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ أَبَدًا عَنِ الْقَاتِلِ, إِلَّا بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ, وَهِيَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا شُرُوطُ التَّوْبَةِ, وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ ثَلَاثَةٌ: أوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا عَمِلَ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ.
    وَالثَّانِي: تَرْكُ الزَّلَّاتِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ, وَالسَّاعَاتِ.
    وَالثَّالِثُ: الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى مِثْلِ مَا اقْتَرَفَ مِنَ الْمَعَاصِي, وَالْخِطِيئَاتِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ قَبْلَ غَرْغَرَةِ الرُّوحِ, وَقَبْلَ خُرُوجِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْربِهَا.
    وَالْحَقُ الثَّانِي: حَقُّ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ, فَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إِمَّا الْعَفْوُ عَنِ الْقَاتِلِ مَجَّانًا, أَوْ يَأْخُذُونَ الدِّيَةَ, أَوْ الْقِصَاصُ.
    وَالْحَقُّ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَشَدُّ هَذِهِ الْحُقُوقِ؛ وَهُوَ حَقُّ الْمَقْتُولِ ظُلْمًا, وَعُدْوَانًا, فَهَذَا الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ أَبَدًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ, سَوَاءً عُفِيَ عَنِ الْقَاتِلِ, أَوْ رَضِيَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ بِالدِّيَةِ, أَوْ قُتِلَ الْقَاتِلُ قِصَاصًا, فَلَا يَسْقُطُ هَذَا الْحَقُّ حَتَّى يَلْتَقِي الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ عِنْدَ اللهِ, فَيَقْتَصُّ اللهُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالمِ, وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ, مِنْ عِرْضِهِ, أَوْ شَيْءٍ, فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ, قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ, وَلَا دِرْهَمٌ, إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ, أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ, وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ, أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) أَيْ حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ, بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ.
    وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْأَثَرِ: أَنْ يَبْتَعِدَ الْإِنْسَانُ عَنِ الطُّرُقِ الخَبِيثَةِ في تَحْصِيلِ الْمَالِ الْمُحَرَّمِ؛ كَالرِّبَا, وَالْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ, وَمُخَادَعَةِ النَّاسِ, وَالتَّحَايُلِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَخْذِ أمْوَالِهِم, بِإظْهَارِ الْحَاجَةِ تَارَةً, أَوْ بِأيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِدَاعِ تَارَةً أُخْرَى, وَكَالسَّرِقَةِ, وَالْغِشِّ, وَالْغَصْبِ, وَنَحْوِهَا (وَكُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ, فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) وَالسُّحْتُ هُوَ: كُلُّ مَالٍ حَرَامٍ.
    وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْأَثَرِ: كَفُّ اللِّسَانِ عَن أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ, وَذَلِكَ بِالْبُعْدِ عَنِ الْغِيبَةِ, وَالْغِيْبَةُ هِيَ: ذِكْرُكُ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ, وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعَيْبُ مَوْجُودًا فِيهِ حَقِيقَةً, وَقَدْ شَبَّهَ اللهُ الْمُغْتَابَ, بِآكِلِ لِحْمِ أَخِيهِ مَيْتًا, وَأَعْظُمُ مِنَ الْغِيبَةِ وَأَقْبَحُ رَمْيُ الْمُسْلِمِ كَذِبًا, وَزُورًا, بِمَا هُو لَيْسَ فِيهِ, وَهُوَ البُهْتَانُ عَلِيهِ, وَأَشَدُّ أَنْوَاعِ الْبُهْتَانِ قَذْفُ الْمُسْلِمِ بِالزِّنَا, أَوْ بِمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مِنْ فَضَائِعِ الْأُمُورِ, الَّتِيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا, وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ فِي الْآخِرَةِ.

    *فَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْأَثَرِ: أَنْ يَلْزَمَ الْمُسْلِمُ الْحَرِيصُ عَلَى نَجَاةِ نَفْسِهِ, جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ, وَإِمَامَهُمْ, فَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَمرِ الْجَمَاعَةِ, وَلَوْ جُلِدَ ظَهْرُهُ, وَأُخِذَ مَالُهُ, لِمَا وَرَدَ مِنَ التَّشْدِيدِ الْعَظِيمِ, فِي وُجُوبِ لُزُومِ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ, فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ, فَلْيَصْبِرْ, فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ, إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ, وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ, وَأُخِذَ مَالُكَ, فَاسْمَعْ وَأَطِعْ).

  • الساعي وراء الحقيقة

    الساعي وراء الحقيقة

    *فَإِذَا أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا, هَيَّأَ لَهُ الْأَسْبَابَ, رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ, قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًا مِنْ أَهْلِ أَصْفَهَانَ, وَكَانَ أَبِي دَهْقَانُ قَرْيَتِهِ أَيْ أَمِيرُهُمْ، وَكُنْتُ أَحَبُّ خَلْقِ اللهِ إِلِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِي كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتّى كُنْتُ قَطِنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا, لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُوا سَاعَةً, وَكَانَتْ لِأَبِي مَزَارِعُ عَظِيمَةٍ، فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ مَزَارِعِي, فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ مَزَارِعَهُ, فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارى, فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ؛ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَّمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ, وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ, دَخَلْتُ عَلَيْهِم أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَلَمَّا رَأيْتَهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ, وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الذي نَحْنُ عَلَيْهِ، وَسَألْتُ النَّصَارَى عَنْ أَصْلِ دِينِهِمْ، فَقَالُوا: فِي الشَّامِ، فَوَ اللهِ مَا تَرْكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ, وَتَرَكْتُ مَزَارِعَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَأَرْسَلَ أَبِي فِي أَثَرَيْ مَنْ يَبْحَثُ عَنِّي، وَقُلْتُ لِأَبِي حِينَ عُدْتُ إِلَيْهِ مَا رَأَيْتُ, وَأُعْجِبتُ بِهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ, لَيسَ فِي ذَلِكَ الدُّينِ خَيْرٌ، دِينُكُ, ودِينُ آبَائِكِ خَيْرٌ مِنْهُ، فَقُلْتُ: كَلَّا وَاللهِ, إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، فَخَافَنِي أَبِي, فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا, ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّصَارَى أُعْلِمُهُمْ أَنَّي قَدْ دَخَلْتُ فِي دِينِهِمْ، وَأَنَّ يَبْحَثُوا لِي عَنْ رَكْبٍ إِلَى الشَّامِ لِأَرْحَلَ مَعَهُمْ، وَقَدْ فَعَلُوا, فَحَطَّمْتُ الْحَدِيدَ، وَخَرَجْتُ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى الشَّامِ, فَسَأَلْتُ عَنْ عَالِمِهِمْ, فَقَالُوا لِي: الْأٌسْقُفُ, فَأَتَيْتُهُ, وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ أَخْدِمُهُ, وَأُصَلِّي, وَأَتَعَلَّمُ، وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ فِي دِينِهِ, يَجْمَعُ الصَّدَقَاتِ مِنَ النَّاسِ, ثُمّ يَكْتَنِزُهَا لِنَفْسِهِ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَأبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا؛ لِمَا رَأيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ, يَأمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ, وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا, فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا, اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ, وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا، فَأَرَيْتَهُمْ مَوْضِعَ كَنْزِهِ، فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَقَالُوا: وَاللهِ, لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا، وَصَلَبُوهُ, ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاؤُوا بِرَجُلٍ آخَرَ, فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ, فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى دِينِهِمْ خَيْرًا مِنْهُ، وَلَا أَعْظَمَ رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ, وَزُهْدًا فِي الدُّنْيَا, وَدَأَبًا عَلَى الْعِبَادَةِ, وَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا عَظِيمًا, فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قُلْتُ لَهُ: بِمَ تَأْمُرُنِي, وَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ إِلَّا رُجُلًا بِالْمَوْصِلِ، فَلَمَّا مَاتَ أَتَيْتُ صَاحِبَ الْمَوْصِلِ فَأْخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أُقِيمَ, ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ, فَسَألْتُهُ فَدَلَّنِي عَلَى عَابِدٍ فِي نُصَيْبِينَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ, وَأَخْبَرْتُهُ, وَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أُقِيمَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ, أَمَرَنِي أَنْ أَلْحَقَ بِرَجُلٍ فِي عَمُّورِيَّةَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، فَرَحَلْتُ إِلَيْهِ, وَأَقَمْتُ مَعَهُ, وَاكْتَسَبْتُ لِمَعَاشِي, حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٍ, وَغُنَيْمَاتٍ، ثُمّ حَضَرَتُهُ الْوَفَاةُ, فقُلْتُ لَهُ: إِلَى مَنْ تُوصِي بي؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا أَعْرِفُ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ, أُوْصِيكَ بِهِ، لَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا, يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ بَيْنَ حَرَّتِينِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَيْهِ فَافْعَلْ, وَإِنَّ لَهُ آيَاتٌ لَا تَخْفَى، فَهُوَ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَإِنَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ, إِذَا رَأيْتَهُ عَرَفْتَهُ, وَمَرَّ بِي رَكْبٌ ذَاتَ يَوْمٍ, فَسَأَلْتَهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ, فَأَعْلَمُونِي أَنَّهُمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ, فَقُلْتُ لَهُمْ: أُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ, وَغَنَمِي, عَلَى أَنْ تَحْمِلُونِي مَعَكُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، وَاصْطَحَبُونِي مَعَهُمْ, حَتَّى قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى، فَظَلَمُونِي, وَبَاعُونِي عَبْدًا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَرَأَيْتُ نَخْلًا كَثِيرًا فَطَمِعْتُ أَنْ تَكُونَ هِيَ مُهَاجَرُ النَّبِيِّ الْمُنْتَظَرِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَ الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَانِي, حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ يَوْمًا رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي قُرَيظَةَ، فَاشْتَرَانِي مِنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِي, حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَوَاللهِ, مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأيْتُهَا حَتَّى أَيْقَنْتُ أَنَّهَا الْبَلَدُ الَّذِي وُصِفَ لِي, فَأَقَمْتُ مَعَ الْيَهُودِيِّ, أَعْمَلُ لَهُ فِي نَخْلِهِ حَتَّى بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ, وَإِنِّي لَفِي رَأْسِ نَخْلَةٍ يَوْمًا, وَصَاحِبِي جَالِسٌ تَحْتَهَا, إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِيَّ عَمِّهِ، فَقَالَ يُخَاطِبُهُ: يَا فُلَانُ قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ – يَعْنِيْ الْأَنْصَارَ- وَاللهِ إِنَّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ بِقِبَاءَ, قَادِمٌ مِنْ مَكَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ, فَوَاللهِ, مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَالَهَا حَتَّى أَخَذَتْنِي العُرَوَاءُ- يَعْنِي الرِّعْدَةَ – فَرَجَفَتْ النَّخْلَةُ حَتّى كِدْتُ أَسْقُطُ فَوْقَ صَاحِبِي, ثُمَّ نَزَلْتُ سَرِيعًا, أَقُولُ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَا الْخَبَرُ؟ فَرَفَعَ الْيَهُودِيُّ يَدَهُ, وَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: مَالَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ، فَأَقْبَلْتُ عَلَى عَمَلِي.

    *فقالَ سلمانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي، ثُمَّ خَرَجْتُ, حَتّى جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِبَاءَ, فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ, وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ, وَغُرْبَةٍ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي طَعَامٌ نَذَرْتُهُ لِلصَّدَقَةِ، فَلَمّا ذُكِرَ لِي مَكَانُكُمْ, رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ, ثُمَّ وَضَعْتْهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا بِاسْمِ اللهِ, وَأَمْسَكَ هُوَ فَلَمْ يَأْكُلْ، فَقُلْتُ لِنَفْسِي: هَذِهِ وَاللهِ وَاحِدَةٌ، إِنّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ, وَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْغَدَاةِ، أَحْمِلُ طَعَامًا، وَقُلْتُ: إِنِّي رَأْيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ هَدِيَّةً، وَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدِيهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا بِاسْمِ اللهِ، وَأَكَلَ مَعَهَمْ، قُلْتُ لِنَفْسِي: هَذِهِ وَاللهِ الثَّانِيَةُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ, فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ فِي الْبَقِيعِ قَدْ تَبِعَ جَنَازَةً, مَعَ أَصْحَابِهِ, وَعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ مُتَّزِرًا بِوَاحِدَةٍ, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, ثُمَّ عَدَلْتُ لِأَنْظُرَ إِلَى ظَهْرِهِ، فَعَرَفَ أَنِّي أُرِيدُ ذَلِكَ، فَأَلْقَى بُرْدَتَهُ عَنْ كَاهلِهِ, فَإِذَا الْعَلَامَةُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، خَاتُمُ النُّبُوَّةِ كَمَا وَصَفَهُ لِي صَاحِبِي، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ, وَأَبْكِي، ثُمّ دَعَانِي عَلْيِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ, فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِي، قَالَ: فَأَعَجَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ. فَتَأَمَّلُوا رَحِمَكُمُ اللهُ هَذَا الْجُهْدَ, الْعَظِيمَ, الْمَبْذُولَ, بَحْثًا عَنِ الْحَقِيقَةِ, وَاحْمَدُوا اللهَ أَنْ هَدَاكُمْ إِلَيْهَا بِلَا مَشَقَّةٍ, وَلَا عَنَاءٍ.

  • مفرق الجماعات

    مفرق الجماعات

    *فَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ, عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ, فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ, فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ, وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ, فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ, نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ, كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ, وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ, حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ, ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ, فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ, قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ, فَيَأْخُذُهَا, فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا, فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ, وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ, قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا, حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا, فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ, فَيُفْتَحُ لَهُمْ, فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا, حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ, فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ, وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ, فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ, وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ, وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى, قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ, فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُك؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ, فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي, فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ, وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ, وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ, قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا, وَطِيبِهَا, وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ, قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ, حَسَنُ الثِّيَابِ, طَيِّبُ الرِّيحِ, فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ, هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ, فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ, فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ, فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ, حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي, قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا, وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ, نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ, مَعَهُمْ الْمُسُوحُ, فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ, ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ, فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ, اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ, قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ, فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ, فَيَأْخُذُهَا, فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ, حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ, وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ, فَيَصْعَدُونَ بِهَا, فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ, بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا, حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا, فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ, فَلَا يُفْتَحُ لَهُ, ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى, فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا, ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ, وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي, فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ, فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ, وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ, فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا, وَسَمُومِهَا, وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ, وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ, قَبِيحُ الثِّيَابِ, مُنْتِنُ الرِّيحِ, فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ, هَذَا يَوْمُك الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ, فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ, فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ, فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ, فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ).

    *فَاتّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَطِيعُوهُ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا، وَاسْتَعِدُّوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللهِ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) وَادّخِرُوا رَاحَتَكُمْ لِقُبُورِكُمْ، وَقَلِّلُوا مِنْ لَهْوِكُمْ, وَنَوْمِكُمْ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ نَوْمَةٌ صُبْحُهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
    حُكْمُ الْمَنِيَّةِ فِي الْبَرِيَّةِ جَـــــــــارِ مَاهَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَـــــــــرَارِ
    بَيْنَا يُرَى الْإِنْسَانُ فِيــــهَا مُخْبِرا حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنَ الْأَخْبَارِ
    وَالنَّفْسُ إِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ أَبَتْ مُنْقَادَةٌ بِأَزِمَّةِ الْأَقْــــــــــــدَارِ
    فَاقْضُوا مَآرِبَكُمْ عُجَـــــــالًا إِنَّمَا أَعْمَارُكُم سَفَرٌ مِنَ الْأَسْفَـــارِ

  • الدَّجَّال

    الدَّجَّال

    *فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ, ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ, فَقَالَ: (إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ, وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ, لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ, وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ, تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ, وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ, وَزَادَ مُسْلمٌ: (مَكتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافرٌ, يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ) وَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَمِعَ بالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ – أَيْ يَهْرُبَ مِنْهُ – فَوَاللهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأتِيهِ وهو يَحسَبُ أنَّهُ مًؤمِنٌ, فَيَتَّبِعَهُ مِمَّا يُبْعَثُ مَعَهُ مِن الشُّبُهَاتِ) وَالدَّجَّالُ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ يَخْرُجُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ، وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَاخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّاسِ وَفُرْقَةٍ, وَتَفْرِيطٍ فِي الصَّلَوَاتِ, وَإِضَاعَةٍ لِلْأَمَانَاتِ، وَقُبَيْلَ خُرُوجِهِ يَكْثُرُ الْفَجَرَةُ, وَالْخَوَنَةُ، وَالظلَمَةُ, وَالفَسَقَةُ، وَيَفْشُو الزِّنَا, وَالْخَمْرُ, وَالرِّبَا، وَتُقَطَّعُ الْأَرْحَامُ، وتُتَّخَذُ الْمُغَنِّيَاتُ, وَتُنْقَضُ الْعُهُودُ، وَتُؤْكَلُ الرِّشْوَةُ، وَيَتَشَبَّهُ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ, وَالرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ، وتَكُونُ القُلُوبُ أَنْتَنٌ مِنَ الْجِيَفِ، وَالْأَلْسِنَةُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَتُلْبَسُ جُلُودُ الضَّأَنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ، وَيُلْتَمَسُ الْفَقْهُ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَتُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، وَتَكُونُ الدُّنيَا بِيَدِ الَأْحْمَقِ اللَّئِيمِ, وَتَرَى الْحُفَاةَ, الْعُرَاةَ, الْعَالَةَ, رِعَاءَ الشَّاءِ, يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ, وَيَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْقَتْلُ, وَيَتَطَاوَلُ الْأَوْغَادُ طَعْنًا فِي الْإِسْلَامِ, وَتَشْكِيكًا فِيهِ.
    مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ: أَخْرَجَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ, عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ, حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ أَيْ: تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ, وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ, فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ: (مَا شَأْنُكُمْ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ, حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ وَيَقْصِدُ الرِّيَاءَ, إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ, وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ, وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ, إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ أَيْ: شَدِيدُ جُعُودَةِ شَعْرِ الرَّأَسِ, عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ, فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ, إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ أَيْ: طَرِيقًا بَيْنَهُمَا, فَعَاثَ يَمِينًا أَيْ: أَفْسَدَ, وَعَاثَ شِمَالًا, يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِى الْأَرْضِ قَالَ: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا, يَوْمٌ كَسَنَةٍ, وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ, وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ, وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: (لَا, اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِى الْأَرْضِ؟ قَالَ: (كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ, فَيَأْتِى عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ, فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ, وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ, فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَيْ: مَاشِيَتُهُمْ, أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا أَيْ: أَسْنِمَةً وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا أَيْ: لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ, وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ أَيْ: لِكَثْرَةِ امْتِلَائِهَا مِنَ الشَّبَعِ, ثُمَّ يَأْتِى الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ, فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ أَيْ: مُجْدِبِينَ, لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ, وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ أَيْ: الَّتِي لَا أُنَاسَ فِيهَا وَلَا بِنَاءَ, فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِى كُنُوزَكِ, فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ أَيْ: جَمَاعَةِ النَّحْلِ, ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ أَيْ: يَجْعَلُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ مَسَافَةً بَعِيدَةً, ثُمَّ يَدْعُوهُ, فَيُقْبِلُ, وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ, فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ, فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ, بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ أَيْ: ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ, وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ, إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ يَعْنِي مِنَ الْعَرَقِ, وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ أَيْ: يَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْعَرَقُ عَلَى هَيَّئَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي صَفَائِهِ, فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ, وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ, ثُمَّ يَأْتِى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ, فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ رَحَمَهُ اللهُ: (الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِ الدَّجَّالِ مِنَ الْآيَاتِ, مِنَ إِنْزَالِ الْمَطَرِ, وَالْخَصْبِ, عَلَى مَن يُصَدِّقُهُ، وَالْجَدْبَ عَلَى مَن يُكَذِّبُهُ، وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ لَهُ، وَمَا مَعَهُ مِنْ جَنَّةٍ, وَنَارٍ, وَمِيَاهٍ, وَأَنْهَارٍ، يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ مِحْنَةً مِنَ اللهِ, وَاخْتِبَارًا, لِيَهْلِكَ الْمُرْتَابُ, وَيَنْجُو الْمُتَيَقِّنُ).

    *فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ, كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرَآنِ, يَقُولُ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا, وَالْمَمَاتِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
    وَقَالَ الْإِمِامُ السَّفَّارِينِيُّ رَحَمَهُ اللهُ: يَنْبَغِي لِكُلِّ عَالِمٍ, أَنْ يَبُثَّ أَحَادِيثَ الدَّجَّالِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ, وَالنِّسَاءِ, وَالرِّجَالِ؛ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي اشْرَأَبَّتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْمِحَنُ، وَانْدَرَسَتْ فِيهِ مَعَالِمُ السُّنَنِ، وَصَارَتْ السُّنَنُ فِيهِ كَالْبِدَعِ, وَالْبِدْعَةُ شِرْعَةٌ تُتَّبَعُ.
    وَاعْلَمُوا أَنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ, فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ, فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. ثُمَّ بَادِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَمَا أَرْشَدَكُمْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَهَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالُ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةُ, وَالسَّاعَةُ أَدْهَى, وَأَمَرُّ).

  • الغدر

    الغدر

    [SIZE=6]*فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ, وَهُوَ فِى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: (اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ: مَوْتِى، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ، تَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً, تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا) وَالْغَايَةُ هِيَ الرَّايَةُ, قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ الْغَدْرَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
    وَالْغَدْرُ هُوَ: نَقْضُ الْعَهْدِ, وَتَرْكُ الْوَفَاءِ بِهِ. والْغَادِرُ هُوَ: الَّذِي يُوَاعِدُ عَلَى أَمْرٍ, وَلَا يَفِيْ بهِ.
    وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا, فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ, وَالْمَلَائِكَةِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ, لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلًا, وَلَا صَرْفًا) وَمَعْنَى أَخْفَرَ أَيْ نَقَضَ العَهْدَ.
    وَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا إِيْمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ, وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ) وفي المتفقِ عليهِ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَمَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَوَّلِينَ, وَالْآخِرِينَ, يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ, فِيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ) وَفِى بَعْضِ طُرُقِ الحَدِيثِ: (يُعْرَفُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا اللِّوَاءِ، وَفِى طَرِيقٍ آخَرَ: (يُرْفَعُ لَهُ عِندَ إسْتِهِ) وَفِى طَرِيقٍ آخَرَ: (بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، وَلَا غَادِرَ أَعْظَمَ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: (هَذَا خِطَابٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَرَبِ بِنَحْوِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرفَعُونَ لِلْوْفَاءِ رَايَةً بَيْضَاءَ، وَلِلْغَدْرِ رَايَةً سَوْدَاءَ؛ لِيَلُومُوا الْغَادِرَ وَيَذُمُّوهُ، فَاقْتَضَى الْحَدِيثُ وُقُوعَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْغَادِرِ, لِيَشْتَهِرَ بِصِفَتِهِ في القيامةِ فَيَذُمَّهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ, وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ وَفَاؤُهُ وَبِرُّهُ، فَيَمْدَحُهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، كَمَا يُرْفَعُ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَاءُ الْحَمْدِ فَيَحْمَدُهُ كُلُّ مَنْ فِي الْمَوْقِفِ) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا:
    أَوَّلًا: غِلَظُ تَحْرِيمِ الْغَدْرِ, خَاصَّةً مِنْ قَائِدِ الْجَيْشِ حِيْنَ يُؤَمِّنُ أَعْدَاءَهُ, ثُمَّ يَغْدِرِ بِهِمْ، لِأَنَّ غَدْرَتَهُ تُنْسَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالْإِسْلَامُ بَرِيءٌ مِنَ الْغَدْرِ وَأَهْلِهِ, بِخِلافِ غَدْرِ الْأَفْرَادِ، فِهيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِمْ, فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْكُفارِ عَهْدٌ فَخَافَ قَائِدُ الْمُسْلِمِينَ خِيانَةَ الْكُفَّار, فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إليهمْ عَلَى سَوَآءٍ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخَائِنِينَ).
    ثَانِيًا: رَفْعُ الْعَلَمِ خَلْفَ الْغَادِرِ, تَشْهِيرًا لَهُ بِالْغَدْرِ, وَإِخْزَاءً, وَتَفْضِيحًا لَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ.
    ثَالِثًا: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ لِكُلِّ غَدْرَةٍ لِوَاءٌ, فَيَكُونُ لِلْغَادِرِ أَلْوَيَةٌ بِعَدَدِ غَدَرَاتِهِ.
    رَابِعًا: يَشْمَلُ الْغَدْرُ الْمُتَوَعَّدُ عَلِيْهِ، كُلَّ مَنِ ائْتَمَنَكَ عَلَى دَمٍ، أَوْ عِرْضٍ، أَوْ سِرٍّ، أَوْ مَالٍ, فَخُنْتَهُ, وَأَخْلَفْتَ ظَنَّهُ فِي أَمَانَتِكَ.

    *فَقَالَ الْإمَامُ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْغَدْرُ حَرَامٌ فِي كُلِّ عَهْدٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ, وَلَوْ كَانَ الْمُعَاهَدُ كَافِرًا, وَأَمَّا عُهُودُ الْمُسْلِمِينَ فِيْمَا بَيْنَهُمْ فَالْوَفَاءُ بِهَا أَشَدُّ, وَنَقْضُهَا أَعَظَمُ إِثْمًا, وَمِنْ أَعْظَمِهَا نَقْضُ عَهْدِ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ تَابَعَهُ وَرَضِيَ بِهِ, فَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَلَا يُزَكِّيهِمْ, وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – فَذَكَرَ مِنْهُمْ – وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا, فَإِنْ أَعْطَاهُ, وَفَّى لَهُ, وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ, لَمْ يَفِ لَهُ) ويَدْخُلُ فِي الْعُهُودِ الَّتِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا, وَيَحْرُمُ الْغَدْرُ بِهَا, جَمِيعَ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِذَا تَرَاضَوا عَلَيْهَا: مِنَ الْمُبَايَعَاتِ, وَالْمُنَاكَحَاتِ, وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ الَّتِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا, وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا يُعَاهِدُ الْعَبدُ رَبَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرِ طَاعَةٍ, وَنَحْوِهَا.
    وَفِيْ أَبِي دَاوُدَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ, فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ, فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ) وَالْبِطَانَةُ هِيَ ضِدُ الظَّاهِرِ, أَيْ مَا يُخْفِيهِ الْإِنْسَانُ, وَلَا يُظْهِرُهُ, مِنَ الْمَكْرِ, وَالْخِدَاعِ.
    [/SIZE]