الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل مناقب علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

مناقب علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

*فَسَمَّتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ بِحَيْدَرَةَ, وَالْحَيْدَرَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَسَدِ, فلَمْ يَخِبْ ظَنُّهَا فِيهِ, وَلَمْ تَتَحَطَّمْ مَجَادِيفُ آمَالِهَا بِهِ, فَكَانَ أَسَدًا فِي مِسْلَاخِ إِنْسَانٍ. كَانَ حَيْدَرَةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ, حِينَ تَجَمَّعَ الْأَحْزَابُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ, وَخَنْدَقَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَ مَدِينَتِهِم, وَفَجْأَةً؛ اخْتَرَقَتْ كَوْكَبَةٌ مِنْ فُرْسَانِ الْمُشْرِكِينَ مَكَانًا ضَيِّقًا مِنَ الْخَنْدَقِ, وَنَادَى الْفَارِسُ الشَّهِيرُ عَمْرُو بْنُ وُدٍّ الَّذِي كَانَ يُعَدُّ بِأَلْفِ رَجُلٍ: مَنْ يُبَارِزُ, فَقَامَ إِلَيْهِ حَيْدَرَةُ, فَقَالَ لَهُ عَمْرُو مُسْتَهْزِئًا: يَا ابْنَ أَخِي, إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ!! فقالَ حَيْدَرَةُ: وَلَكِنِّي وَاللهِ لَا أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ!! فَغَضِبَ عَمْرٌو وَنَزَلَ عَن فَرَسِهِ, وَسَلَّ سَيْفًا كَأنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ حَيْدَرَةَ مُغْضَبًا, وَاسْتَقْبَلَهُ حَيْدَرَةُ بِدَرَقَتِهِ, وَهِيَ التُّرْسُ مِنْ جِلْدٍ, فَضَرَبَهُ عَمْرٌو فِي دَرَقَتِهِ فَقَدَّهَا, وَأثْبَتَ فِيهَا السَّيْفَ, وَضَرَبَهُ حَيْدَرَةُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ, فَأَرْدَاهُ قَتِيلًا, وَكَبَّرَ حَيْدَرَةُ, ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ* وَنَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِي* فَصَدَرْتُ حَيْثُ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا* كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكٍ وَرَوَابِي* وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنَّنَيْ* كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِي أَثْوَابِي* لَا تَحْسَبُنَّ اللهَ خَاذِلَ دِينِهِ* وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِعَامَيْنِ بَرَزَ مَرْحَبُ فَارِسُ الْيَهُودِ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ, وَهُوَ يَرْتَجِزُ, وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ* شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ* إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ. فَقَامَ إِلَيْهِ حَيْدَرَةُ يَزْأَرُ زَئِيرَ الْأَسَدِ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمَّي حَيْدَرَهْ* كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيِهِ الْمَنْظَرَهْ* أُوْفِيهُمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ. (وَالسَّنْدَرَةُ: مِكْيَالٌ وَاسِعٌ, وَالْمَعنْىَ: أَقْتُلُ الْأَعْدَاءَ قَتْلًا عَظِيمًا) فَأَلْحَقَ حَيْدَرَةُ مَرْحَبًا بِأَهْلِ الْمَقَابِرِ. مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كَانَ حَيْدَرَةُ رَجُلًا رَبْعَةً, لَيْسَ بِالطَّوِيلِ, وَلَا بِالْقَصِيرِ, وَهُوَ إِلَى القِصَرِ أَقرَبُ, ضَخْمُ الْمَنْكِبِينِ, لِمَنْكِبِهِ مُشَاشٌ كَمُشَاشِ السَّبُعِ الضَّارِي؛ وَالْمُشَاشُ هُوَ مَا بَرَزَ مِنْ عَظْمِ الْمَنْكِبِ, لَا يَتَبَيَّنُ عَضُدُهُ مِن سَاعِدِهِ, قَدْ أُدْمِجَتْ إِدمَاجًا, ضَخْمُ عَضَلَةِ الذِّرَاعِ, دَقِيقُ مُسْتَدَقِّهَا, ضَخْمُ عَضَلَةِ السَّاقِ, دَقِيقُ مُسْتَدَقِّهَا, شَثْنُ الْكَفَّيْنِ أَيْ يَمِيلَانِ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَرِ, عَظِيمُ اللَّحْيَةِ, قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيهِ, حَسَنُ الْعَينَيْنِ, كَثِيرُ شَعْرِ الصَّدْرِ, وَالْكَتِفَيْنِ, يَتَخَتَّمُ بِالْيَسَارِ, وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ (اللهُ المَلِكُ) حَسَنُ الوَجْهِ, كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ حُسْنًا, ضَحُوكُ السِّنِّ, آيَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ, إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ أَيْ أسْرَعَ, عَلَى نَحْوِ مِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَإِذَا مَشَى لِلْحَرْبِ هَرْوَلَ, ثَبْتُ الْجَنَانِ, لَا يَعْرِفُ الْخَوْفُ إِلَى فُؤَادِهِ طَرِيقًا, مَنْصُورٌ أَبَدًا عَلَى مَنْ لَاقَاهُ, رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. ذَاكَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنَيْنَ وَرَابِعُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, الْأَئَمَّةِ الْمَهْدِيِينَ, الْحَيْدَرَةُ الْمِغْوَارُ, وَسَيْفُ الْإِسْلَامِ الْبَتَّارُ, أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِيْ طَالِبٍ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلِبِ الْهَاشِمِيُّ الْقُرَشِيُّ, أَسْلَمَ وَهُوَ فِيْ الثَّامِنَةِ مِنْ عُمُرُهِ, لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمِ, وَلَمْ يَجْرِ عَليْهِ القَلَمُ, فلَمْ يَقْتَرَفْ ذَنْبًا, وَلَا سَقَطَ فِي وَاحِدِةٍ مِنْ حَمَأَةِ الْجَاهِلِيَّةِ, فَأيُّ مَقَالَةٍ تَسْتَحْضِرُ خِصَالَهُ، وَأَيُّ رِسَالَةٍ تَسْتَذْكِرُ خِلَالَهُ، وَلَكِنْ حَسْبُنَا أَنْ نُذَكِّرَ الْجَالِسَ بِبِعْضِهَا تَذْكِيْرًا، وَنُعَطِّرَ الْمَجَالِسَ بِعَبَقِهَا تَعْطِيرًا, فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: (لَأَعْطيَنَّ هِذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَديْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ) فَبَاتَ النَّاسُ يَخُوضُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاَهَا, فَلمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَىِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟) فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُوُلَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ, فَأرْسَلُوا إِلِيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّىَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حُبَّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَارَةٌ عَلَى الْإِيْمَانِ, وَالْإِحْسَانِ، كَمَا أَنّ بُغْضَهُ عَلَامَةٌ عَلَى النِّفَاقِ, وَالطُّغْيَانِ، فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ: لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمَّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ) وَفِي ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا).

*فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى: خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ، وَوَعَظَ, وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ: أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيْكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ) فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ, وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَأَهْلُ بِيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي – ثلاثًا -) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ) وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ آلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلِيهُمُ الصَّدَقَةِ, وَهُمْ: آلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَآلُ جَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَآلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلِبِ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ قَدْ غَلَا الرَّافِضَةُ الْوَثَنِيُّونَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ وَأَنْزَلُوهُ فِي مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَبَعْضُهُم جَعَلَهُ فِي مَنْزِلَةِ أَعْلَى, وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ إِلَهًا, مَعْ تَكْفِيرِهِمْ, وَسَبِّهِمْ, وَكَذِبِهِمْ عَلَى أَصَّحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ, وَكُفْرٌ بَرَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ, فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الْمَنَاهِجِ هُوَ مَنْهَجُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ, وَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الْمَنَاهِجِ, فَأَنْزَلُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَنْزِلَهُ اللَّائِقَ بِهِ, بِلَا إِفْرَاطٍ, وَلَا تَفْرِيطٍ, وَقَدْ قِيلَ: خَيْرُ الْأُمُورِ الْوَسَطُ الْوَسِيطُ, وَشَرُّهَا الْإِفْرَاطُ, وَالتَّفْرِيطُ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *