منجيات ومهلكات

*فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْلُكُوا سَبِيلَ السَّلَامِ وَالنَّجَاةِ، وَاحْذَرُوا سُبُلَ الضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ, فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ, وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ, وَالقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى, وَثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوًى مُتَّبِعٌ, وَشُحٌّ مُطَاعٌ, وَإِعْجَابُ الْمَرءِ بِنَفْسِهِ؛ وَهِيَ أَشَدُّهُنَّ) فَأقِفُ بِكُمْ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَفَاتٌ مَعَ هَذَا الْكَلَامِ الْجَامِعِ لِمَسَالِكِ الْخَيْرَاتِ، الْمُحَذِّرِ عَنِ الْهَلَاكِ.
أَمَّا تَقْوَى اللهِ فِي السِّرِ وَالْعَلَانِيَةِ: فَهِيَ مَلَاكُ الْأُمُورِ، وَبِهَا يَحْصُلُ كُلُّ خَيْرٍ وَيَنْدَفِعُ كُلُّ شَرٍّ، وَهِيَ مُرَاقَبَةُ اللهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالْعِلْمُ بِقُرْبِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ، فَيَسْتِحِيِيِ الْعَبْدُ مِن رَبِّهِ أَنْ يَرَاهُ حَيْثُ نَهَاهُ، أَوْ يَفْقِدُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ: فَإِنَّ ذَلِكَ عُنْوَانٌ عَلَى الصِّدْقِ, وَالْعَدْلِ, وَالتَّوْفِيقِ، وَأَكْبَرُ بُرْهَانٍ عَلَى الْإِيمَانِ, لِأَنَّ قَهْرَ الْعَبْدِ لِغَضَبِهِ وَشَهْوَتِهِ؛ لَا يَنْجُو مِنْهُ إِلَّا كُلُّ صِدِّيقٍ، فَلَا يُخْرُجُهُ الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ عَنِ الْحَقِ، وَلَا يُدخِلانِهِ فِي الْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى: فَإِنَّ هَذَا عَلَامَةٌ عَلَى قُوَّةِ الْعَقْلِ, وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ، وَامْتِثَالٌ لِإِرْشَادِ الرَّبِّ الْقَدِيرِ (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً).
وَأّمَّا الثَّلَاثُ الْمُهْلِكَاتُ, فَأَوَّلُهَا: هَوًى مُتَّبَعٌ، قَالَ تَعَالَى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) وَإِنَّ الْهَوَى مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلَى أَسْفَلِ الدَّرَكَاتِ.
وَأَمَّا الشُّحُّ الْمُطَاعُ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنِ انْقَادَ لِشُحِّهِ, فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ يَحْمِلُ عَلَى الْبُخْلِ, وَمَنْعِ الْحُقُوقِ، وَيَدْعُو إِلَى الْقَطِيعَةِ وَالْعُقُوقِ، وَيُغْرِي بِالْمُعَامَلَاتِ السَّيِّئَةِ مِنَ الْبَخْسِ, وَالْغِشِّ وَالرِّبَا، فَهُوَ يَدْعُو إِلَى كُلِّ خُلُقٍ رَذِيلٍ.
وَأَمَّا إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ: فَإِنَّهُ مِنْ أَعَظَمِ الْمُهْلِكَاتِ؛ لِأَنَّ الْعُجْبَ بَابٌ إِلَى الْكِبْرِ, وَالزَّهْوِ, وَالْغُرُورِ، وَوَسِيلَةٌ إِلَى الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ, وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ الذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الشُّرُورِ.
*فَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ: الثَّلَاثَ الْمُنْجِيَاتِ: خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ, وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ, وَالقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى, جَمَعَتْ كُلَّ خَيْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِحَقِّ اللهِ, وَحَقِّ النَّفْسِ, وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَصَاحِبُهَا قَدْ فَازَ بِالقِدْحِ الْمُعَلَّى, وَالْهُدَى, وَالرَّشَادِ.
وَالثَّلَاثَ الْمُهْلِكَاتِ: هَوًى مُتَّبِعٌ, وَشُحٌّ مُطَاعٌ, وَإِعْجَابُ الْمَرءِ بِنَفْسِهِ, مَنْ جَمَعَهَا فَهُوَ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَا فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ, وَاسْتَحَقَّ الْعَذَابَ المُهِينَ, فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَرَاضِ اللهِ، وَطُوبَى لِمَنْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ, فَكَانَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، وَعَرَفَ نَفْسَهُ حَقِيقَةً, فَتَواضَعَ لِلِحَقِّ, وَخَفَضَ جَنَاحَهُ لِلْمُؤمِنِينَ.
مَنَّ اللهُ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِيهَا، وَوَقَانَا مَضَارَّهَا ومَسَاوِيِهَا، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنَفُسِنَا, وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *