*فَيَعِيشُ أَبْنَائُنَا وَفَّقَهُمُ اللهُ وَأَعَانَهُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ هُمُومَ الْاخْتِبَارَاتِ وَالْامْتِحَانَاتِ, وَهَا هُنَا جُمْلَةٌ مِنَ الْوَصَايَا لِلطُّلَّابِ, وَأَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ, وَالْمُعَلِّمِينَ:
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: خَيْرُ وَصِيَّةٍ, الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا.
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النَّجَاحِ، أَنْ يَعْلَم الْعَبْدُ أَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُ إِلَّا بِاللهِ، فَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ وَفَوِّضُوا الْأُمُورَ إِلَيْهِ, وَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى الذَّكَاءِ وَالْحِفْظِ, وَلَا عَلَى النُّبُوغِ وَالْفَهْمِ, فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ التَّوْفِيقَ جَعَلَهُ مُفَوِّضًا كُلَّ أُمُورِهِ إِلَيْهِ, وَفِي التِّرْمِذِيِّ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إَذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِيْ شَأْنِي كُلَّهُ, وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ).
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: الصَّلَاةُ عُنْوَانُ الْفَلَاحِ, لَا خَيْرَ فِي مَنْ ضَيَّعَهَا لِأَيِّ أَمْرٍ كَانَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا, فَالنَّوْمُ عَنِ الصَّلَوَاتِ بِحُجَّةِ الْمُذَاكَرَةِ أَمْرٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ شَرْعًا.
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: احْرِصُوا عَلَى الْمَذَاكَرَةِ النَّافِعَةِ, وَهِيَ التِي تَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَهَارَاتُ الْأَرْبَعُ: حُسْنُ التَّرْكِيزِ وَقْتَ الْمُذَاكَرَةِ, وَحُسْنُ الْفَهْمِ, وَحُسْنُ التَّلْخِيصِ لِلْمَنْهَجِ, وَحُسْنُ الْحِفْظِ لِهَذَا التَّلْخِيصِ.
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: إِيَّاكُمْ وَالْغِشَّ, فَإِنَّهُ خِيَانَةٌ عُظْمَى، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ: (وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ) أَلَا وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغِشِّ أَنْ يَتَبَوَّأَ الْإِنْسَانُ مَنْزِلةً أَوْ وَظِيفَةً وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ أَحَقُّ مِنْهُ بِهَا, لَا لِسَبَبٍ إِلَّا لِأَنَّهُ اسْتَطَاعَ النَّجَاحَ أَوْ رَفْعَ دَرَجَاتِهِ الْمُتَدَنِّيَةِ عَنْ طَرِيقِ الْغِشِّ, فَيَنَالُ بِهَذَا الْغِشِّ مَرْتَبَةً لَا يَسْتَحِقُّهَا حَقِيقَةً, وَلَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ: مَنْ نَجَحَ بِالزُّورِ وَالْغِشِّ, فَإِنَّ اللهَ يَمْكُرُ بِهِ, وَيُعَاقِبُهُ فِي دُنْيَاهُ قَبْلَ أُخْرَاهُ, إِلَّا أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ.
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: اسْتَعِينُوا بِاللهِ, وَتَرَاحَمُوا, وَتَعَاضَدُوا، وَإِيَّاكُم وَالْحَسَدَ, فَإِنَّ الْحَسَدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَذْمُومٌ, وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: سَلِّمُوا لِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ, فَإِنْ وَجَدْتُمْ بَعْدَ الْاخْتِبَارِ خَيْرًا فَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى وَاسِعِ فَضْلِهِ، وَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ, وَرُدُوا التَّقْصِيرَ إِلَى أَنْفُسِكُمْ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يُعَوِضَكُمْ خَيْرًا.
مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: إِنَّ لِكِتَابِ اللهِ حُرْمَةٌ، وَلِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلِكُتُبِ الْعِلْمِ حُرْمَةٌ, أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ فِيمَا جَمَعَتْهُ الْكُتُبُ الدِّرَاسِيَّةِ مِنْ الْوَحْيِّ وَالْعِلْمِ, فَإِنَّهَا أَعْظَمُ, وَأَجَلُّ, وَأَكْرَمُ, مِنْ أَنْ تُرْمَى فِي الطُّرُقَاتِ, أَوْ فِي صَنَادِيقِ الْحَاوِيَاتِ.
يَا مَعَاشِرَ الْآبَاءِ: رِفْقًا بِأَبْنَائِكُمْ, وَعَامِلُوهُمْ بِالْعَطْفِ وَالْحَنَانِ, وَالْمَوَدَّةِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَعِينُوهُمْ عَلَى هُمِّ الْاخْتِبَارِ وَالْامْتِحَانِ, يَكُنْ لَكُمْ فِي ذَلِكَ الْأَجْرُ عِنْدَ رَبِّكُمْ.
مَعَاشِرَ الْآبَاءِ: يَنْتَشِرُ فِي بَعْضِ مُجْتَمَعَاتِ الطُّلَّابِ أَثْناَءَ الْاخْتِبَارَاتِ, حُبُوبٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُنَشِّطُ الذِّهْنَ، وَتُقَوِّي الذَّاكِرَةَ, وَأَمَّا الْأَطِبَّاءُ فَيُؤَكِّدُونَ أَنَّ لَهَا أَضْرَارًا مُسْتَقْبَلِيَّةً خَطِيرَةً، وَالْأَخْطَرُ وَالْأَدْهَى: أَنَّهَا بَوَّابَةٌ لِلدُّخُولِ فِي عَالَمِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ, وَإِنِّي لَأَلْفِتُ انْتِبَاهَكُمُ الْكَرِيمَ مَعَاشِرَ الْآبَاءِ لِأَخْذِ الْحَذَرِ وَمُتَابَعَةِ سُلُوكِيَّاتِ أَبْنَائِكُمْ طَوَالَ الْعَامِ عَامَّةً, وَأَثْنَاءَ الْاخْتِبَارَاتِ خَاصَّةً, وِإِنِّي كَذَلِكَ لَأُحَذِّرُ أَبْنَائَنَا الطُّلَّابَ مِنْ هِذِهِ الْعِصَابَاتِ الْمُجْرِمَةِ التِي تَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ زُمَلَائِكُمْ فِي الْفَصْلِ.
مَعَاشِرَ الْآبَاءِ: لَاحِظُوا أَبْنَائَكُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الْامْتِحَانَاتِ، فَإِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ يُسْتَغْفَلُ أَحْيَانًا مِنْ شَبَابٍ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا شَهَوَاتُهُمْ, وَلَوْ أَنْ تُؤَجِّرُوا عَلَيْهِمْ سَائِقِينَ لِحِمَايَتِهِمْ, وَاحْذَرُوا أَنْ تَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بَعْدَ نِهَايَةِ كُلِّ اخْتِبَارٍ, فَإِنَّهُ غَالِبًا مَا تَكْثُرُ الْمَصَائِبُ فِيمَا بَيْنَ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ وَالثَّانِيَةَ عَشَرَ ظُهْرًا؛ لِأَنَّهَا فُرْصَةٌ يَتَسَيَّبُ فِيهَا الطُّلَّابُ؛ وَيَنْتَشِرُ فِيهَا أَرْبَابُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّفْحِيطِ.
*فَيَا مَعَاشِرَ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُرَبِّينَ: شَكَرَ اللهُ لَكُمْ سَعْيَكُمْ, وَجَزَاكُمْ عَنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَاذْكُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْامْتِحَانَاتِ مَسْئُولِيَّاتٌ وَأَمَانَاتٌ وَتَبِعَاتٌ فَاللهَ اللهَ فِي فَلَذَاتِ أَكْبَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْطُوا كُلَّ ذِيْ حَقٍّ حَقَّهُ, وَكُلَّ ذِي قَدْرٍ قَدْرَهُ، وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْاخْتِبَارَ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْجِيزَ, وَالْأَذِيَّةَ, وَالْإِضْرَارَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَشُقُّوا عَلَى الطُّلَّابِ فَتُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ, أَوْ تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ).
مَعَاشِرَ الْمُعَلِّمِينَ: السُّكُوتُ عَنِ الْغَشَّاشِينَ، ذَنْبٌ كَبِيرٌ، وَوَزْرٌ عَظِيمٌ, وَشَرٌّ مُسْتَطِيرٌ, يُخْرِجُ لِلْأُمَّةِ مَنْ يَتَسَمَّى بِالْعِلْمِ غِشًّا وَزُورًا, ثُمْ إِنَّكَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ سَتَتَحَمَّلُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ هَذَا الْإِثْمَ.
اترك تعليقاً