التفاؤل

*فَفِي الصَّحِيحَيْنِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْل) قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: (لَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ, الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ) وَفِي رِوَايَة: (وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ) وَالتَّفَاؤُلُ هُوَ الْكَلِمَة ُالَّتِي تُذكِّرُ الْمَرْءُ بِمَا يَرْجُوهُ مِنَ الْخَيْرِ، فَتُسَرُّ بِهِ النَّفْس، وَيَقْوَى الْعَزْمُ عَنْدَ الْإِنْسَانِ, وَالتَّفَاؤُلُ مُسْتَحَبٌ, لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) رَوَاهُ أَحْمَدَ.
وَالتَّفَاؤُلُ كَانَ مِنْ هَدْيِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ففِي التِّرْمِذِيّ, أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ يُعْجِبهُ أَنْ يَسْمَعَ: يَا نَجِيحُ, يَا رَاشِدُ. وَفَي أَبِي دَاوُد: كَانَ عليه الصلاة والسلام إِذَا بَعَثَ عَامِلاً يَسْأَل عَنْ اِسْمه, فَإِذَا أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ, وَإِنْ كَرِهَ اسْمَه رُئِيَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهه.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ رَغَّبَنَا الْإِسْلَامُ فِي التَّفَاؤُلِ؛ لِأَنَّهُ يَشْحَذُ الْهِمَمَ لِلْعَمَلِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْأَمَلُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ النَّجَاحِ, وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّفَاؤُلِ: أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ مَرِيضٌ، فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ: يَا سَالِمُ، فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ رَجَاءَ الْشِّفَاءِ لِمَرِيضِهِ بِإِذْنِ اللهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ تَحْوِيلَ رِدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بَعْدَ صَلَاةِ الْاسْتِسْقَاءِ؛ هُوَ مِنْ بَابِ التَّفَاؤُلِ, وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ, لِلْانْتِقَالِ مِنْ حَالِ الْجَدْبِ, إِلَى حَالِ الْخَصْبِ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَنْزِلْ مَطَرٌ, فَقَدْ حَصَلَ الْخَيْرُ بِرَجَاءِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ نُزُولِ الْمَطَرِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَطَعَ رَجَاءَهُ, وَأَمَلَهُ بِاللَّهِ تَعَالَى, فَإِنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُ, وَهُوَ مِنَ الطِّيَرَة والتَّشَاؤُمُ الَّذِي فِيهِ سُوءُ ظَنِّ بِاللهِ, وَتَوَقُّعٌ لِلْبَلَاءِ.
وَكَانَ التَّطَيُّرُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَقَدْ كَانُوا يُنَفِّرُونَ الظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ؛ فَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ, تَبَرَّكُوا بِهَا, وَمَضَوْا فِي سَفَرِهمْ, وَحَوَائِجِهِمْ, وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ, رَجَعُوا عَنْ سَفَرِهِمْ, وَحَاجَتِهِمْ, وَتَشَاءَمُوا بِهَا, فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ, وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ, لَا نَفْعًا, وَلَا ضَرًّا، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَا طِيَرَة) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: (الطِّيَرَة شِرْكٌ) أَيْ: اِعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ; إِذْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا مُعْتَقِدِينَ تَأْثِيرهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ, قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اِبْنِ عَبَّاسٍ, فَمَرَّ طَائِرٌ فَصَاحَ، فَقَالَ رَجُلٌ: خَيْرٌ خَيْرٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا عِنْدَ هَذَا لَا خَيْرٌ, وَلَا شَرٌّ.
فَعَلَيْنَا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ نُؤْمِنَ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَنُحْسِنُ ظَنَّنَا بِاللهِ, وَلَا نَتَشَاءَمَ؛ لِأَنَّ الْقَدَرَ قَدْ يُوَافِقُ كَلَمَةً سَيِّئَةً, أَوْ سُوءَ ظَنٍّ بِاللهِ, فَيَقَعُ الْبَلَاءُ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّ الْبَلَاءَ مُوكَلٌ بِالْمَنْطِقِ، وَيَصِيرُ بِالْإِنْسَانِ السُّوءُ الَّذِي ظَنَّهُ.
ثُمَّ إِنَّ التَّشَاؤُمَ يُعَذَّبُ بِهِ صَاحِبُهُ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ؛ فَتَجِدُ الْبَعْضَ قَدْ يُجْمَعُ لَهُمْ بِسَبَبِ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِرَبِّهِمْ بَيْنَ الْمُصِيبَةِ، وَبَيْنَ الْأَلَمِ, وَالْخَوْفِ, وَالْعَذَابِ, قَبْلَ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ.

*فَيُوجَدُ فِي بَعْضِ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ, وَبَعْضِ الْمَجَلَّاتِ مَا يُسَمَّى بِالْأَبْرَاجِ؛ كَبُرْجِ الْجَوْزَاءِ, وَبُرْجِ الْعَقْرَبِ, وَبُرْجَ الثَّوْرِ وَغَيْرِهَا، وَفِي هّذِهِ الْأَبْرَاجِ: أَيَّامُ نَحْسٍ، وَأَيَّامُ سَعْدٍ، وَأَيَّامُ النَّحْسِ فِي هَذَا الْبُرْجِ, هِيَ نَفْسُ أَيَّامِ السَّعْدِ فِي ذَلِكَ الْبُرْجِ، فَمَنْ وُلِدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الْبُرْجِ, فَهُوَ سَعيدٌ، وَمَنْ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الْبُرْجِ, فَهُوَ مَنْحُوسٌ, وَالسُّؤَالُ: مَا دَخْلُ الْبُرْجِ الْفُلَانِيِّ, أَوِ الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ, بِمَصِيرِ الْإِنْسَانِ, وَعَاقِبَةِ أَمْرِهِ؟! وَمَصِيرُ الْإِنْسَانِ, وَعَاقِبَةُ أَمْرِهِ, مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى, وَلَا دَخْلَ لِلْأَبْرَاجِ, فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي نَهْى الشَّارِعُ عَنْهُ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *