حفظ اللسان

*فَدِينُ الْإِسْلَامِ، قَدْ هَدَى إِلَى أَرْقَى الْأَخْلَاقِ، وَأَرْشَدَ إِلَى أَكْمَلِ الْآدَابِ، وَنَهَى عَنْ مَسَاوِئِ الْأَفْعَالِ, وَالْأَقْوَالِ، وَإِنَّ مِمَّا وَجَّهَ إِلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الْفَضَائِلِ, وَالْآدَابِ؛ الْعِنَايَةُ بِأَدَبِ الْحِدِيثِ، وَحِفْظِ اللِّسَانِ عَنِ اللَّغْوِ, وَفُضُولِ الْكَلَامِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا) وَوَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَوِي الْإِيمَانِ, بِالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّغْوِ، وَالْبَاطِلِ مِنَ الْقَوْلِ، فَقَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَـٰشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) وَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنِ الْحَرَامِ, عُنْوَانٌ عَلَى اسْتِقَامَةِ الدِّينِ, وَكَمَالِ الْإِيمَانِ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَاللهِ, الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ شَيءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حِفْظَ الْمَرْءِ لِلِسَانِهِ، عُنْوَانُ أَدَبِهِ، وَرُجْحَانُ عَقْلِهِ، كَمَا قِيلَ فِي مَأْثُورِ الْحِكَمِ: إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ.
وَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ, لَيْحِمِلُهُ عَقْلُهُ, وَإِيمَانُهُ, إِلَى الْاعْتِنَاءِ بِحُسْنِ اللَّفْظِ, وَجَمِيلِ الْمَنْطِقِ, حِينَ يَرَى الْمَقَامَ يَدْعُو إِلَى الْكَلَامِ، وَإِلَّا آثَرَ الصَّمْتَ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنَ الْإِثْمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, فَلْيَقُلْ خَيْرًا, أَوْ لِيَصْمُتَ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ حُسْنَ التَّعْبِيرِ عَمَّا يَجُولُ فِي النَّفْسِ أَدَبٌ رَفِيعٌ، وَخُلُقٌ كَرِيمٌ، وَجَّهَ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ بِهِ الْعَهْدَ, وَالْمِيثَاقَ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرءيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا).
أَلَا وَإِنَّ حُسْنَ الْكَلَامِ وَلَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ لَيَسُلُّ السَّخَائِمَ, وَالضَّغَائِنَ مِنَ الصُّدُورِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ لِلِّسَانِ آفَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَإِنَّ لِلثَّرْثَرَةِ, وَفُضُولِ الْكَلَامِ, مَسَاوِئُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِين عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُحَذِّرًا مِنْ ذَلِكَ: (مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ) وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا) وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسُ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائدُ أَلْسِنَتِهِم؟!) وَفِي التِّرْمِذِيِّ, عَنْ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: (هذا).

*فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَعْظُمُ حِينَ يُرَى مَنْ عَلَيْهِ سِيمَا الصَّلَاحِ, وَالْوَقَارِ, وَالْاحْتِشَامِ, وَهُوَ يَقَعُ فِي أَعْرَاضِ الصَّالِحِينَ, أَحْيَاءً, وَأَمْوَاتًا, لِزَلَّةِ لِسَانٍ، أَوْ لِسَبْقِ قَلَمٍ، أَوْ لِمَوقِفٍ خَاصٍّ مَعَ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَسَدُ, وَالْبَغْيُ، فَلَمْ يَمْنُعُهُ دِينٌ, وَلَا عَقْلٌ, وَلَا خُلُقٌ، وَلَا مَا يَعْلَمُهُ مِنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ, فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْتَحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَسَائِرَ جَوَارِحِكُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَاـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *