الإخلال بقواعد المرور

*فَإِنَّ الْحَيَاةَ السَّعِيدَةَ؛ قِوَامُهَا ظِلَالُ الْأَمْنِ الْوَارِفِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَارُ الْمُجْتَمَعَاتِ, وَرَخَاءُ الشُّعُوبِ, قَالَ تَعَالَى: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مّنْ خوْفٍ).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الْحِفَاظَ عَلَى الْأَرْوَاحِ مِنْ أَغْلَى الْمَطَالِبِ, وَأَسْمَى الْمَكَاسِبِ, وَالْإِنْسَانُ أَكْرَمُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى اللهِ تَعَالَى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) وَمَعَ ذَلِكَ فَالنَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ لَيْسَتْ مُلْكًا لِصَاحِبَهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُلْكًا لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ, وَإِنَّمَا هِيَ مُلْكٌ لِلهِ تَعَالَى وَحْدَهُ, وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ سُبْحَانَهُ الْاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا حَتَّى مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهَا, فَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ) وَقَالَ تَعَالَى: (مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ, وَأَمْوَالَكُمْ, وَأَعْرَاضَكُمْ, بَيْنَكُمْ حَرَامٌ, كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا, فِي شَهْرِكُمْ هَذَا, فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) أَلَا وَإِنَّ مَعَ وُضُوحِ هَذَا الْأَمْرِ وَجَلَائِهِ, إِلَّا أَنَّ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُمَارِسُ بِقِيَادَتِهِ لِسَيَّارَتِهِ أَحْيَانًا أَفْعَالًا تُلْقِي بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَالضَّرَرِ، فَأَيْنَمَا رَمَيْتَ بِنَاظِرَيْكَ أَخِي الْمُسْلِمُ فَسَتَرَى: أَرْوَاحًا تُزْهَقُ، وَنِسَاءً تُرَمَّلُ، وَأَطْفَالًا تُيَتَّمُ، وَأَمْرَاضًا مُزْمِنَةً, وَإِعَاقَاتٍ مُسْتَدِيمَةً، وَمَلَايِينَ مِنَ الرِّيَالَاتِ تُهْدَرُ، وَخَسَائِرَ تَصِلُ إِلَى حَدِّ الْإِفْلَاسِ, وَفَوَاجِعَ تَصِلُ إِلَى حَدِّ الْهَلَعِ، تَنْظُرُ فَتَرَى طِفْلًا فِي مُسْتَقْبَلِ الْحَيَاةِ قَدْ فَقَدَ عَائِلَتَهُ، وَأَرْمَلَةً قَدْ فَقَدَتْ مَنْ يَرْعَاهَا هِيَ وَأَطْفَالُهَا, وَإِنْسَانًا أَصْبَحَ مُقْعَدًا عَاجِزًا عَالَةً عَلَى أَهْلِهِ, وَمُجْتَمَعِهِ, وَدَوْلَتِهِ، بِسَبَبِ فِعْلٍ مُتَهَوِّرٍ، وَتَصَرُّفٍ طَائِشٍ أَحْمَقٍ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: كُلُّ هَذِهِ الْمَصَائِبِ وَالْمَآسِي, أَوْ جُلُّهَا, رَاجِعَةٌ إِلَى الْإِخْلَالِ بِقَوَاعِدِ الْمُرُورِ, فَإِنَّ الطُّرُقَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ مَعْلُومٌ لَمْ تُوضَعْ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا الْمُرَاهِقُونَ بِسَيَّارَاتِهِمْ كَيْفَ يَشَاؤُونَ، غَيْرَ آبِهِينَ بِالْأَنْظِمَةِ وَالْقَوَاعِدِ, وَغَيْرَ مُحْتَرِمِينَ لِلْأَخْلَاقِ وَالْمَشَاعِرِ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الطُّرُقَ هِيَ مَسَالِكُ النَّاسِ إِلَى شُؤُونِهِمْ, وَمَعَابِرُهُمْ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَهِيَ دُرُوبُهُمْ فِي تَحَرُّكَاتِهِمْ، وَتَحْصِيلِ مَنَافِعِهِم، وَهِيَ سَبِيلُهُمْ إِلَى كَسْبِ مَعَاشِهِمْ، فَرِعَايَةُ حَقِّ هَذِهِ الطُّرُقِ مِنْ أَوْضَحِ مَا اعْتَنَى بِهِ دِينُنَا الْحَنِيفُ, قَالَ تَعَالَى: (وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ) أَلَا وَإِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا جَمِيعًا الْاعْتِنَاءَ بِحُقُوقِ الطُّرُقِ, وَحُقُوقِ الْمَارِّينَ بِهَا, مَعَ التَّأْكِيدِ الشَّدِيدِ عَلَى الشَّبَابِ بِأَنْ يَتَّقُوا اللهَ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ, وَأَنْ يَجْتَنِبُوا الطَّيْشَ وَالسَّفَهَ, وَأَنْ يَلْتَزِمُوا بِقَوَاعِدِ الْمُرُورِ, وَيَحْتَرِمُوا أَنْظِمَتَهُ؛ حِفَاظًا عَلَى الْأَرْوَاحِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ, قَبْلَ أَنْ يُهْرَاقَ دَمٌ, أَوْ يُكْسَرَ عَظْمٌ, أَوْ يُقْعَدَ بِسَبَبِ الطَّيْشِ وَالسَّفَهِ مُسْلِمٌ, فَيَنْدَمُ الْمَرْءُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.

*فَالسَّيْرُ الْآمِنُ مَقْصَدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَوَصْفٌ بَارِزٌ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا, وَالرِّفْقُ أَدَبٌ رَفِيعٌ مِنَ الْآدَابِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى الرِّفْقِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ) فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلمٍ أَنْ يَتَّصِفَ بِالرِّفْقِ وَالْهُدُوءِ فِي أُمُورِهِ عَامَّةً, وَفِي قِيَادَتِهِ لِلسَّيَّارَةِ خَاصَّةً, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْصَدُ مِنَ السُّرْعَةِ تَدَارُكَ أَمْرٍ يُخْشَى فَوَاتُهُ، فَلَرُبَّمَا نَدِمَ الْمُسْتَعْجِلُ عَلَى اسْتِعْجَالِهِ أَشَدَّ النَّدَمِ, كَمَا قِيلَ:
قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ * وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *