*فَلَقَدْ قَامَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى التَّيْسِيرِ, وَرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنِ النَّاسِ, وَمِنْ ذَلِكَ: عِنَايَتُهَا بِالْمَرْضَى وَالْمُعَاقِينَ, فَقَدْ أَوْلَتْهُمْ عِنَايَةً خَاصَةً، وَخَفَّفَتْ عَنْهُمْ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَسَأَعْرِضُ لَكُمْ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضًا مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمْ:
فَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيءٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالطَّفْلِ وَالْأَعْمَى وَالْمَرِيضِ, وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَلَا الصَّلَاةُ قَائِمًا, وَلَا الصَّوْمُ عَلَى مَنْ يَعْجَزُ عَنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ يَتَمَسَّحُ بِخِرْقَةٍ إِذَا تَخَلَّى, وَيُوَضِّئُهُ غَيْرُهُ إِنْ أَمْكَنَ, وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِلَا قَصْرٍ, وَيَتَوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ, أَوْ قَعَدَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ, فَإِنَّ اللهَ يُعْطِيهِ مِثْلَ أَجْرِ الْقَائِمِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ, أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّحَكُّمِ بِنَفْسِهِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ, فَهَذَا مُنْتَهَى اسْتِطَاعَتِهِ, وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ إِلَّا عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ صَاحِبَ الْقَدَمِ الصِّنَاعِي, أَوِ الْيَدِ الصِّنَاعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، أَمَّا إِذَا بَقِيَ مِنَ الْكَعْبِ, أَوِ الْيَدِ شَيءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ, وَإِنْ لَبِسَ عَلَيْهِ خُفًّا مَسَحَهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَقْوَالَ الْمَجْنُونِ, وَالطِّفْلِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ, وَكَذَا النَّائِمُ إِنْ تَكَلَّمَ مَنَامًا, كُلُّهَا لَغْوٌا فِي الشَّرْعِ, فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا إِيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ, وَلَا عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ, وَلَا شَيءٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ لِلْمَجْنُونِ حَقٌّ فِي الْإِرْثِ مِنَ التَّرِكَةِ إِذَا وَجَبَتْ لَهُ, مَا لَمْ يَتَّصِفْ بِمَانِعٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِرْثِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَخَلِّفَةَ عَقْلِيًّا يَجِبُ سَتْرُهَا وَإِلْبَاسُهَا الْحِجَابَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحِجَابِ وَسِيلَةٌ إِلَى الْفِتْنَةِ بِهَا, وَوُقُوعِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا, فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيءٌ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا؛ بِسَبَبِ عَدَمِ تَكْلِيفِهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ إِسْقَاطَ الْجَنِينِ بَعْدَ نَصِيحَةِ الْأَطِبَّاءِ بِسَبَبِ تَشَوُّهِهِ جَائِزٌ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَفْسًا بَعْدُ, وَأَمَّا إِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ فَلَا يَجُوزُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنِ ابْتُلِيَ بِالْإِعَاقَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْمَالَ عَنْ طَرِيقِ التَّسَوُّلِ, إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ بِطَرِيقَةٍ مَشْرُوعَةٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مُنَادَاةَ الْإِنْسَانِ بِصَفَةٍ فِيهِ؛ كَالْعَرَجِ وَالْعَمَى: إِنْ كَانَتْ لِلتَّعْرِيفِ بِهِ فَلَا بَأْسَ, وَإِنْ كَانَتْ لِلطَّعْنِ أَوِ الْغِيبَةِ فَلَا يَجُوزُ, وَإِنْ كَرِهَ الْمُعَاقُ مُنَادَاتَهُ بِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ مُنَادَاتُهُ بِهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ لِلْمُعَوَّقِ أَنْ يَعْتَمِرَ بِثِيَابِهِ إِذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ, وَيَذْبَحُ شَاةً يُوَزِّعُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ, أَوْ يُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ, أَوْ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَجَّ عَنِ الْمُعَاقِ وَهُوَ حَيٌّ إِنْ كَانَ مَرَضُهُ مُزْمِنًا؛ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّصَ صَاحِبُ الْعَاهَةِ وَالْمُعَوَّقُ وَالْأَعْمَى, بِمَزِيدِ نَفَقَةٍ وَعِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ.
*فَمِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَرْضَى وَالْمُعَاقِينَ: أَنَّ الْكَفِيفَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ السَّفَرَ إِلَى مَكَّةَ مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ, وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْكَفِيفَةُ إِذَا وَجَدَتْ نَفَقَةً وَمَحْرَمًا, يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ فَرِيضَةِ الْحَجِّ بِأَنْفُسِهِمْ, وَلَيْسَ الْعَمَى عُذْرٌ, وَإِنَّمَا الْعَجْزُ هُوَ الْعُذْرُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى مَسُّ الْمِصْحَفِ الْمَطْبُوعِ بِطَرِيقَةِ بَرَايَلْ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ وُضِعَتْ لِلتَّوَصُّلِ بِهَا إِلَى النُّطْقِ, وَبِذَلِكَ يُسَمَّى الْمَكْتُوبُ بِهَا مُصْحَفًا فَلَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَضَعَ حِجَابَهَا فِي حُضُورِ شَخْصٍ أَعْمَى.
اترك تعليقاً