الرئيسية خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

خطب من جامع الأميرة العنود بحائل

  • مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    مناسبة عشاء نافع بن محيا آل عجي على شرف بعض رجالات عنزه

    ملتقى آل عجي – اللجنة الإعلامية :

    أقام

    نافع بن محيا آل عجي

    مناسبة عشاء مساء الجمعة 27 – 12 – 1444 هـ
    في منزله بالحفير
    على شرف بعض رجالات عنزه
    يتقدمهم

    الشيخ سعود بن طلب العنزي
    الشيخ فايز بن معزي العنزي
    الشاعر سالم بن محمد العنزي
    الشاعر غنــام عوض الحبلاني
    يوسف الخميش
    كساب صالح العنزي
    فجر الادهم العنزي
    عبدالكريم دغيم العنزي
    خالد بن سعود العنزي
    خالد بن فايز العنزي
    صالح بن كساب العنزي
    سعود بن سالم الشميلي

    وقد أقيمت عدد من الشبات قبل وبعد مناسبة العشاء
    قبل العشاء

    – عبيد ضيف الله الدبلان
    – سليمان عبدالله العامر
    – مرضي متروك السرعوفي

    بعد العشاء

    – محمد حمدان المخلف وإخوانه

    وإليكم الصور:

    شبة سليمان عبدالله العامر
    شبة مرضي متروك السرعوفي
    شبة محمد حمدان المخلف واخوانه
    شبة عبيد ضيف الله الدبلان
    صور مناسبة عشاء نافع محيا آل عجي
  • الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي يجري عملية جراحية تكللت بالنجاح

    أجرى

    الشاعر نافع بن محيا آل عجي

    عملية جراحيه في أوتار ألكتف الأيسر، تكللت بالنجاح ولله الحمد بالنجاح، وكان ذلك في مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز بالجوف على يد الدكتور المميز

    صقر الرويلي

    يوم الأربعاء الماضي الموافق 26-7-1445هـ .

    الحمد لله على السلامة أبو فيصل وطهور إن شاء الله تعالى

  • الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    الجمعية السعودية للمحافظة على التراث تكّرم الشاعر نافع محيا آل عجي

    حصل الشاعر

    نافع محيا آل عجي

    على شهادة شكر وتقدير من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وذلك نظير مشاركته ومساهمته الكريمة ضمن ورشة العمل التعريفية لترشيح ملف الشعر النبطي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)ز

    جاء ذلك خلال ورشة العمل التي أقيمت بحضور كوكبة من الشعراء والشاعرات بمنطقة حائل ، بفندق الميلينيوم بجامعة حائل، بتاريخ15 – 6 – 1445 هـ الموافق 7 – 1 – 2024 م .

    وثمنت الجمعية جهود الشاعر “نافع آل عجي” القيمة في حفظ وتوثيق التراث والسعي لإحيائه ونقله للأجيال القادمة، متمنين له مزيدا من التقدم والنجاح والاستمرار ف هذا العطاء.

  • في ظلال سورة ق

    في ظلال سورة ق

    *فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ هِشَامِ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَاحِدًا سَنَتَيْنِ, أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أَخَذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالقَصْدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي المَجَامِعِ الكِبَارِ كَالْعِيدِ, وَالْجُمَعِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الخَلْقِ وَالْبَعْثِ, وَالنُّشُورِ, وَالْمَعَادِ, وَالْقِيَامِ, وَالْحِسَابِ, وَالْجَنَّةِ, وَالنَّارِ, وَالثَّوَابِ, وَالْعِقَابِ, وَالتَّرْغِيبِ, وَالتّرْهِيبِ, وَاللهُ أَعْلَمَ.
    مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إنَّ العَمَلَ بِالْمَوْعِظَةِ خَيْرٌ, وَثَبَاتٌ, وَأَجْرٌ, وَهِدَايَةٌ, قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) فَلْنَقِفُ فِي ظِلَالِ هَذِهِ السُّورَةِ إِحْيَاءً لِلسُّنَّةِ, وَالْتِمَاسًا لِلْهِدَايَةِ, وَوَعْظًا لِلْقُلُوبِ.
    أَعُوذُ بِاللهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    (ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا شَىْء عَجِيبٌ * أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ) أَيْ مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ مُدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي بَرْزَخِهِمْ (وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ) أيْ مَحْفُوظٌ مِن التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ )بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ) أَيْ مُخْتَلِطٌ وَمُلْتَبِسٌ، وَهُوَ حَالُ كُلِّ مَنِ ابْتَعَدَ عَنْ هَدْيِ القُرْآنِ وَكَذَّبَ بِالْحَقِّ وَابْتَغَى هَدْيًا غَيْرَ هَدِيِ اللهِ، فَهُوَ مُتَخَبِّطٌ فِي آرَائِهِ وَمَوَاقِفِهِ، مُتَحَيِّرٌ فِي حَيَاتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، ثُمَّ وَجَّهَ اللهُ تَعَالَى إلَى التَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ فِي صُنْعِ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيءٍ, إِنَّ فِي هَذَا لَبُرْهَانٌ عَظِيمٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ )أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَـٰهَا وَزَيَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِىَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً مُّبَـٰرَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ * وَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رّزْقًا لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ) أَيْ الْبَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوٰنُ لُوطٍ * وَأَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) فَالْإعَادَةُ أَهْوَنُ مِن الْابْتِدَاءِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ثُمَّ يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى مَا يَكُونُ عِنْدَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَهُوَ الْخَلْقُ الثَّانِي، وَيُقَدِّمُ لِذَلِكَ بِالتَّذْكِيرٍ لِخَلْقِ اللهِ لِلْإنْسَانِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، بَلْ يَعْلَمُ وَسْوَسَةَ الصُّدُورِ وَمَكْنُونَ الْقُلُوبِ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) فَلَا مَفَرَّ مِن المَوْتِ، وَهُوَ مَعَ شِدَّتِهِ وَكُرْبَتِهِ فَإنَّ مَا بَعْدَهُ عَلَى الكُفْارِ أَشَدُّ وَأَفْظَعُ (وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) سَائِقٌ يَسُوقُهَا إلَى مَوْقِفِ القِيَامَةِ، وَشَهِيدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِأَعْمَالِهَا, فَيُقَالُ لَهُ: (لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ) وَفِي هَذَا الْمَوْقِفِ العَصِيبِ تُنْشَرُ الصُّحُفُ, وَيُبْصِرُ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ, وَعِنْدَهَا يَخْتَصِمُ أَهْلُ النَّارِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّـٰعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَأَلْقِيَـٰهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ * قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ * قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإنَّهَا تُقَرَّبُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِكْرَامًا لَهُمْ، فَأَرْخِ سَمْعَكَ يَا عَبْدَ اللهِ لِأَوْصَافِ أَهْلِهَا (وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ * وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) أَيْ هَذَا مَا يُوعَدُ بِهِ كُلُّ تَائِبٍ مِن ذُنُوبِهِ، حَافِظٍ لِكُلِّ مَا قَرَّبَهُ إلَى رَبِّهِ، مِن الْفَرَائِضِ وَالطَّاعَاتِ، مَنْ خَافَ اللهَ فِي الدُّنْيَا, وَلَقِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَلْبٍ تَائِبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ, فَيُقَالُ لَهُم: (ٱدْخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ).

    *فَفِي عَطْفٍ بَيَانِيٍّ بَدِيعٍ, يَعُودُ اللهُ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ بِالتَّوْكِيدِ عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنَ القَضَايَا السَّابِقَةِ مِنَ الْبَعْثِ, وَالْخَلْقِ, وَمَصِيرِ الْخَلَائِقِ, وَهَلاكِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ, وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ, فَيَقُولُ: )وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ) فَلَا مَفَرَّ لَهُمْ مِن عَذَابِ اللهِ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ (إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ * وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ) وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَذِكْرَ اللهِ تَعَالَى مِنْ وَسَائِلِ الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ (وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ) أيْ مِن القُبُورِ )إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ).

  • فضل الكلمات الأربع وفضل شعبان

    فضل الكلمات الأربع وفضل شعبان

    *فَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ, وَأَيْسَرِ الْقُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ: ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى, فَفِي المُسْنَدِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ, وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ, وَخَيْرٍ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللهِ) وَالْمُؤْمِنُ الْمُوفّقُ مَنْ يَغْنَمُ حَيَاتَهُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنْبِهِ, أَلَا وَإِنَّ مِن أفضَلِ الذِّكْرِ على الإطلاقِ: الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ، جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (أحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأتَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ) وَقَدْ رَتَّبَ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ أُجُورًا كَثِيرَةً، وَأفْضَالًا عَمِيمَةً، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) أَيْ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا بِمَا فِيهَا مِنْ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ. وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مُكَفِّرَاتٍ لِلذُّنُوبِ؛ فَفِي التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ, فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَهُمْ يَرَوْنَ الْوَرَقَ الْيَابِسَ يَتَسَاقَطُ مِنَ الشَّجَرةِ: (إِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) وَمِنْ فَضَائِلِهِنَّ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ مُسْلِمٍ يُعَمَّرُ مُكْثِرًا مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْكَلِماتِ، فَفِي المُسْنَدِ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لَيْسَ أحَدٌ أفْضَلُ عِندَ اللهِ مِن مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ يَكثُرُ تَكْبِيرُهُ، وَتَسْبِيحُهُ، وَتَحْمِيدُهُ، وَتَهْلِيلُهُ) وَهُنَّ أيْضًا يَقُمْنَ مَقَامَ الصَّدَقَةِ, وَالْجِهَادِ, وَغَيْرِهَا مِنَ الطاعاتِ، فَفَي الَأَدَبِ الْمُفْرَدِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ, كَمَا قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ, فَمَنْ ضَنَّ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ, أَيْ (بَخِلَ بِهِ) وَخَافَ الْعَدُوَّ أَنْ يُجَاهِدَهُ، وَهَابَ اللَّيْلَ أَنْ يُكَابِدَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ, وَضَعُفْتُ, أَوْ كَمَا قَالَتْ, فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ, قَالَ: (سَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ, فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ, وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ, فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ, مُلْجَمَةٍ, تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَكَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ, فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ, وَهَلِّلِي اللَّهَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ, قَالَ ابْنُ خَلَفٍ أَحْسِبُهُ قَالَ: تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ, وَلَا يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لِأَحَدٍ عَمَلٌ أَفْضَلُ مِنْهَا, إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَلِهَذَا يَتأَكَّدُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ, أنْ يَسْتَحْضِرَ مَعَانِيَهُنَّ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْأَثَرِ، وَأَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ، فَيَجْمَعُ في ذِكْرِه لِرَبِّه بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ, بَيْنَ الذَّكْرِ بِاللِّسَانِ وَالذِّكْرِ بِالْقَلْبِ. وَمَعْنَى سُبْحَانَ اللهِ: أَيْ تَنْزِيهُ اللهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ, مَعَ وَصْفِهِ سُبْحانَهُ بِصِفَاتِ الكَمَالِ الْمُنَافِي لِلنَّقْصِ. وَمَعْنَى الْحَمْدُ لِلهِ: أَيْ إِثْبَاتُ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ لِلهِ تَعَالَى, فَهِيَ كَلِمَةُ ثَنَاءٍ عَلَى اللهِ تَعَالَى, وَتَمْجِيدٍ لَهُ بِأسْمَائِهِ الحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ العُلْيَا، وَنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. وَمَعْنَى اللهُ أكْبَرُ: أَيْ إِثْبَاتُ عَظَمَةِ اللهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا أَحَدَ وَلَا شَيءَ أكْبَرُ مِنْهُ. وَأمَّا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ: فَهِيَ أَعْظَمُ الكَلِمَاتِ، وَفِيهَا تَوْحِيدُ اللهِ، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشَّرْكِ, وَأَهْلِهِ، وَالْخُلُوصُ مِنْهُ.

    *فَقَدْ أظَلَّكُمْ مَعَاشِرَ الإخْوَةِ الكِرَامِ؛ شَهْرٌ مِنْ أَشْرَفِ شُهُورِ الْعَامِ، شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ فِيهِ: الصَّيَامَ، وَرَغَّبَكُمْ فِيهِ إِلَى إِصْلَاحِ مَا بَيْنَكُمْ, وَبَيْنَ إِخْوَانِكُمْ المُسْلِمِينَ مِنَ الشَّحْنَاءِ, وَالْخِصَامِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ, إِلَّا رَمَضَانُ، وَمَا رَأيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيامًا فِي شَعْبَانَ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ: شَعْبَانُ، ثُمَّ يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ). مَعاشِرَ الْإِخْوَةِ: شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرٌ كَثِيرُ الْخَيْرَاتِ وَالْعَطَاءِ، يَطَّلِعُ فِيهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ بَينَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمُسْلُمِ شَحْنَاءٌ, فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِقِيامٍ مُحَدَّدٍ, وَلَا نَهَارَهَا بِصِيَامٍ مَخْصُوصٍ؛ وَمَا يَحْدُثُ مِن بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِن اجْتِمَاعِهِم فِي البُيُوتِ أَوْ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَجْلِ إِحْيَاءِ لَيْلَةِ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ, فَإنَّ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَلَا الْقُرُونُ الْمُفَضَّلَةُ مِن بَعْدِهِ.

  • حديث وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ

    حديث وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ

    *فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ, أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ, وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ, فَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ, فَقَالَ لَهُ: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ, وَأَنْ تَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ, فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ, وَإِمَّا أُبَلِّغَهُنَّ, فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي, إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ, أَوْ يُخْسَفَ بِي, قَالَ: فَجَمَعَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ, حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ, وَقُعَدَ عَلَى الشُّرَفِ, فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ, أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ, وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ, أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ: رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ, فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي عَمَلَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ, فَأَيُّكُمْ يَسُرُّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ, وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ, فَاعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, وَأَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ, فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ, فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا, وَأَمَرَكُمْ بِالصِّيَامِ, فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ: رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ, فِي عِصَابَةٍ – أَيْ جَمَاعَةٍ -, كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ, وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ, وَأَمَرَكُمْ بِالصَّدَقَةِ, فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ: رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَرَّبُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ, فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ, حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ, وَأَمَرَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا, وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ: رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ, فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ, وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ؛ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْجَمَاعَةِ, وَبِالسَّمْعِ, وَالطَّاعَةِ, وَالْهِجْرَةِ, وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ, فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ, إِلَى أَنْ يَرْجِعَ, وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَإِنْ صَامَ, وَصَلَّى, قَالَ: وَإِنْ صَامَ, وَصَلَّى, وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ, فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمْ: الْمُسْلِمِينَ, الْمُؤْمِنِينَ, عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
    وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: قِيدَ شِبْرٍ: أَيْ قَدْرَ شِبْرٍ. وَرِبْقَةُ الْإِسْلَامِ: هِيَ مَا يَشُدُّ بِهِ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ: أَيْ حُدُودُهُ, وَأَحْكَامُهُ, وَأَوَامِرُهُ, وَنَوَاهِيهِ. وَالدَّعَاءُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ: قَالَ فِيهَا ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: كَالدُّعَاءِ إِلَى الْقَبَائِلِ, وَالْعَصَبِيَّةِ، وَمِثْلُهِ التَّعَصُّبُ إِلَى الْمَذَاهِبِ, وَالطَّوَائِفِ, وَالْمَشَائِخِ، وَتَفْضِيلُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ، يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَيُوَالِي عَلَيْهِ, وَيُعَادِي عَلَيْهِ؛ فَكُلُّ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ. وَجُثَا جَهَنَّمَ: أَيْ الْحِجَارَةُ الْمَجْمُوعَةُ فِي جَهَنَّمَ.
    قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ الشَّيْخِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ آلُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مُعَلِّقًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَهَذِهِ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ – أَيْ الَّتِي أَوْصَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – أَلْحَقَهَا بَعْضُهُمْ بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، الَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ بِنَاؤُهُ إِلَّا بِهَا، وَلَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا عَلَيْهَا، خِلَافًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ, وَالسَّمْعِ, وَالطَّاعَةِ.

    *فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، أَلا إِنَّ الْبَعِيدَ مَا لَيْسَ بِآتٍ، لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ, وَلا يَخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللَّهُ, لا مَا شَاءَ النَّاسُ، يُرِيدُ اللَّهُ أَمْرًا, وَيُرِيدُ النَّاسُ أَمْرًا, مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ, وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، لا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدَ اللَّهُ, وَلا مُبَعِّدَ لِمَا قَرَّبَ اللَّهُ، وَلا يَكُونُ شَيْءٌ, إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ, هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ, مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.

  • حديث أولسنا إخوانك؟

    حديث أولسنا إخوانك؟

    *فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ, وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ, وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي, وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ, بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ, أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ, وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ, أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ أَيْ: تَعَالَوْا, فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا أَيْ: بُعْدًا بُعْدًا) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
    وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ: امْتِدَادُ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ, بِاعْتِبَارِ الْأُخُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ, فَسَنَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ زِيَارَةَ الْمَقَابِرِ, وَإِلْقَاءَ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ, بِرًّا بِهِمْ وَرَحْمَةً وَصِلَةً.
    وَمِنْهَا: جَوَازُ تَمَنِّي الْخَيْرِ، وَلِقَاءِ الْفُضَلَاءِ, وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا).
    وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: (إِخْوَانِي الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي, وَلَمْ يَرَوْنِي، وَيُصَدِّقُونَ بِرِسَالَتِي وَلَمْ يَلْقَوْنِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ).
    وَمِنْهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي) هُوَ تَفْضِيلٌ لِلصَّحَابَةِ بِمَا لَهُمْ مِن خُصُوصِيَّةِ الصُّحْبَةِ, التِي هِي أَكْمَلُ مِن مُجَرَّدِ الْأُخُوَّةِ, كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا, مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ) وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْقَلِيلَ الذِي أَنْفَقَهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ, أَكْثَرُ ثَوَابًا مِن الْكَثِيرِ الذِي يُنْفِقَهُ غَيْرُهُمْ.
    وَمِنْهَا: الْبِشَارَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّ وَارِدَهُمْ إِلَى الْمَاءِ أَيْ سَابِقُهُمْ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَالْحَوْضُ, هُوَ: الْكَوْثَرُ. وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَنَا فَرَطُكُمْ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُونِي فَأَنَا عَلَى الْحَوْضِ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ، وَسَيَأْتِي رِجَالٌ وَنِسَاءٌ بِآنِيَةٍ وَقِرَبٍ ثُمَّ لاَ يَذُوقُونَ مِنْهُ شَيْئًا) قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَيْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَدْ غُفِرَ لَهُمْ، يَجِيئُونَ بِأَوَانِي لِيَسْتَقُوا بِهَا مِنَ الْحَوْضِ، فَلاَ يُسْقَوْنَ مِنْهُ؛ لأَنَّ الْحَوْضَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصٌّ دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَقْدِرَ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ عَلَى حَمْلِ الأَوَانِي وَالْقِرَبِ فِي الْقِيَامَةِ؛ لأَنَّهُمْ يُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
    وَمِنْهَا: كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِى الدِّينِ مَالَا يَرْضَاهُ اللهُ, وَلَمْ يَأْذَنْ بِهِ الَلهُ, فَهُوَ مِن الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ, كَالْخَوَارِجِ, وَالرَّوَافِضِ, وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُتْرَفُونَ فِى الْجَوْرِ, وَطَمْسِ الْحَقِّ, وَقَتْلِ أَهْلِهِ, وَإِذْلَالِهِمْ, وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ, الْمُسْتَخِفُّونَ بِالْمَعَاصِي, وَجَمِيعُ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ, فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عُنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ.

    *فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا الْبِدَعَ وَالْمَعَاصِي صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا, وَالْزَمُوا طَرِيقَ النَّجَاةِ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وَتَنَصَّبُوا جَادَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ, وَاسْتَمْسِكُوا بِغَرْزِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِينَ تُفْلِحُوا….

  • حديث أتاني الليلة آتيان

    حديث أتاني الليلة آتيان

    *فَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنَّ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ, قَالَ: وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: (إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ, وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي, وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ, وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا, وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ, وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ, وَإِذَا هُوَ يَهْوِي عَلَيْهِ بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ, فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ أي يَشْدَخُ, وَالشَّدْخُ: كَسْرُ الشِّيءِ الْأَجْوَفِ, فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَاهُنَا أَيْ يَتَدَحْرَجُ, فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ, فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ, ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ, فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَل الْمَرَّةَ الْأُولَى, قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ, مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ, فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا, فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ, وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ, وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ أَيْ يَقْطَعُ, وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ, قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ, فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ, فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ, ثُمَّ يَعُودُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ الْمَرَّةَ الْأُولَى, قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ, قَالَ: فَانْطَلَقْنَا, فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ, وَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ, قَالَ: فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ, وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ, فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا أَيْ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَاخْتَلَطَتْ, قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ, مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ, قَالَ: فَانْطَلَقْنَا, فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ, وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ يَسْبَحُ, وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً, وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ الْحِجَارَةَ, فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ, فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا, قَالَ: فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ, ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ, كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ, وَأَلْقَمَهُ حَجَرًا, قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ, مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ, فَانْطَلَقْنَا, فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ أَيْ الْمَنْظَرِ, كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً, فَإِذَا هُوَ عِنْدَ نَارٍ لَهُ يَحُشُّهَا, وَيَسْعَى حَوْلَهَا, قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ, مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ, قَالَ: فَانْطَلَقْنَا, فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْشِبَةٍ, فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ أَيْ زَهْرِ الرَّبِيعِ, قَالَ: وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ قَائِمٌ طَوِيلٌ, لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ, وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ وَأَحْسَنِهِ, قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ, مَا هَذَا؟ وَمَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ, قَالَ: فَانْطَلَقْنَا, فَانْتَهَيْنَا إِلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ أَيْ شَّجَرَةٍ كَبيرةٍ, لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ, قَالَ: فَقَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا, فَارْتَقَيْنَا فِيهَا, فَانْتَهَيْتُ إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ, وَلَبِنٍ فِضَّةٍ, فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا, فَفُتِحَ لَنَا, فَدَخَلْنَا, فَلَقِينَا فِيهَا رِجَالًا, شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ, وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ, قَالَ: فَقَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا, فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ, فَإِذَا نَهَرٌ صَغِيرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّمَا هُوَ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ أَيْ اللَّبَنُ الْخَالِصُ مِنَ الْمَاءِ, قَالَ: فَذَهَبُوا, فَوَقَعُوا فِيهِ, ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا, وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ, وَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ, قَالَ: فَقَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ, وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ, قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا أَيْ نَظَرَ إِلَى فَوْقٍ صَاعِدًا فِي ارْتِفَاعٍ كَثِيرٍ, فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ أَيْ السَّحَابَةِ, قَالَا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ, قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا, ذَرَانِي فَأَدْخُلُهُ, قَالَ: قَالَا لِي: أَمَّا الْآنَ فَلَا, وَأَنْتَ دَاخِلُهُ, قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا, فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ, أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ, فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ, وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ, وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ, وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ, فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ, وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي بِنَاءٍ مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ, فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي, وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ, وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ, فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا, وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا, فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ, وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي رَأَيْتَ فِي الرَّوْضَةِ, فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام, وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ, فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ, قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ, وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانَ شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا, وَشَطْرٌ قَبِيحًا, فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا, وَآخَرَ سَيِّئًا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

    *فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَجْمُوعُونَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ يَنْفُذُكُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُكُمُ الدَّاعِي، أَلا وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ, وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.

  • توقير الكبار

    توقير الكبار

    *فَخَطَبَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ وَالِيِ الْعِرَاقِ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ, فَقَالَ: أَيْهُا النَّاسُ إِنِّي بِتُّ لَيْلَتِي هَذِهِ مُهْتَمًّا بِخِلَالٍ ثَلَاثٍ, رَأَيْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِيهِنَّ بِالنَّصِيحَةِ: رَأَيْتُ إِعْظَامَ ذَوِي الشَّرَفِ, وَإِجْلَالَ ذَوِي الْعِلْمِ, وَتَوْقِيرَ ذَوِي الْأَسْناَنِ, وَاللهِ لَا أُوْتَى بِرَجُلٍ رَدَّ عَلَى ذِي عِلْمٍ لِيَضَعَ بِذَلِكَ مِنْهُ, إِلَّا عَاقَبْتُهُ, وَلَا أُوْتَي بِرَجُلٍ رَدَّ عَلَى ذِي شَرَفٍ لِيَضَعَ بِذَلِكَ مِنْهُ شَرَفَهُ, إِلَّا عَاقَبْتُهُ, وَلَا أُوْتَى بِرَجُلٍ رَدَّ عَلَى ذِي شَيْبَةٍ لِيَضَعَهُ بِذَلِكَ, إِلَّا عَاقَبْتُهُ, إِنَّمَا النَّاسُ بِأَعْلَامِهِمْ, وَعُلَمَائِهِمْ, وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ.
    وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِى مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا, قَالَا: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ).
    وَقَالَ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ طَاوُوسُ بْنُ كَيْسَانٍ: (مِن السُّنَّةِ أَنْ يُوَقَّرَ أَرْبَعَةٌ: الْعَالِمُ، وَذُو الشَّيْبَةِ، وَالسُّلْطَانُ، وَالْوَالِدُ).
    وَقَامَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, فَأَنْكَرَ سُفْيَانُ عَلَى وَكِيعٍ قِيَامُهُ، فَقَالَ وَكِيعٌ: حَدَّثْتَنِيْ, عَنْ عَمْرِو بْنِ دِيْنَارٍ, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مِنْ إِجْلَالِ اللهِ, إِجْلَالُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ) فَسَكَتَ سُفْيَانُ, وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ.
    وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ, قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: خِيَارُكُمْ: أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا, وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا).
    وَلَمَّا أَرَادَ إِمَامُ الدُّنْيَا فِي زَمَانِهِ, الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ, أَلْبَسَتْهُ أُمُّهُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ ثُمَّ أَدْنَتْهُ إِلَيْهَا، وَمَسَحَتْ عَلَى رَأَسِهِ، وَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ اذْهَبْ إِلَى مَجَالِسِ الْإِمَامِ رَبِيعَةَ، وَاجْلِسْ فِي مَجْلِسِهِ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِ, وَوَقَارِهِ, وَحِشْمَتِهِ, قَبْلَ أَنْ تَأَخُذَ مِنْ عِلْمِهِ.
    فَمَا أَحْوَجَنَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنْ نَتَعَلَّمِ الْأَدَبَ الرَّفِيعَ فِي جَمِيعِ تَعَامُلَاتِنَا, لِإِنَّنَا نَمُرُّ هَذِهِ الْأَعْوَامَ وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدِ بِأَزْمَةِ أَخْلَاقٍ خَانِقَةٍ, فَمَا أَنْ تُيَمِّمَ بِوَجْهِكَ إلَى نَاحِيَةٍ, إِلَا لَمَحْتَ بِنَاظِرَيْكَ شَبَابًا يَسْتَطِيلُونَ بِأَقْوَالِهِمْ, أَوْ أَفْعَالِهِمْ عَلَى الْكِبَارِ، وَلَا يَعْرِفُونَ لِأَكَابِرِهِمْ أَيَّ قَدْرٍ وَمَكَانَةٍ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَكْرِمُوا كِبَارَكُمْ مِن الْعُلَمَاءِ, وَذَوِي الشَّرَفِ, وَكِبَارِ السِّنِّ, لِيَتَأَسَّى بِكُمْ مَنْ يَأَتِي بَعْدَكُمْ, وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ رَحْمَةَ الصَّغِيرِ، وَتَوْقِيرَ الْكَبِيرِ، وَاحْتِرَامَ الْعَالِمِ، قِيَمٌ إِسْلَامِيَّةٌ أَصِيلَةٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ تُفْقَدَ هَذِهِ الْقِيَمُ، وَلَا أَنْ تُسْتَبْدَلَ بِقِيَمٍ أُخْرَى غَرِيبَةٍ عَنْ هَذَا الْمُجْتَمَع, وَلَيْسَتْ مِنْ أَخْلَاقِ أَبْنَائِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِي, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمَهُ عِنْدَ سِنِّهِ) فَمَنْ أَكْرَمَ شَيْخًا وَهُو شَابٌّ، جَزَاهُ اللهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ؛ فَهَيَّأَ لَهُ – وَهُوَ شَيْخٌ – مَنْ يُكْرَمَهُ, وَهُوَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى الْإِكْرَامِ، فَالْبِرُّ سَلَفٌ، وَالْعُقُوقُ سَلَفٌ، وَكَمَا قِيلَ: بُرُّوا آبَاءَكُمْ، تَبُرُّكُمْ أَبْنَاءُكُمْ.

    *فَيَتَصَوَّرُ الْبَعْضُ مِنَّا أَنَّ الْأَدَبَ, وَالْاحْتِرَامَ, عِنْدَمَا يُطْلَقَانِ يُرَادُ بِهِمَا احْتِرَامُ الْأَصْغَرِ لِمَنْ هُمْ أَكْبَرُ مِنْهُ, سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ فِي الْعُمُرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ أَلَا وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْاحْتِرَامَ قَضِيَّةٌ تَبَادُلِيَّةٌ, لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ مِنْ إِنْسَانٍ تِجَاهَ مَنْ لَا يَحْتَرِمَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلِكَي يَكُونَ الْاحْتِرَامُ سِمَةً مِن سِمَاتِ مُجْتَمَعِنَا, فَعَلَيْنَا أَنَّ نُشِيعَ الْاحْتِرَامَ الْمُتَبَادَلَ بَيْنَ كُلِّ أَطْيَافِ الْمُجْتَمَعِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ.

  • تعظيم الله

    تعظيم الله

    *فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلاً مَرَّةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ فَرَاعِنَةِ الْعَرَبِ, فَقَالَ: (اِذهَبْ فَادْعُهُ لِي) فَذَهَبَ إِلَيْهِ, فَقَالَ: يَدْعُوكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَسُولُ اللهِ؟! وَمَا اللهُ؟! أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ؟ أَمْ مِنْ فِضَّةٍ هُوَ؟ أَمْ مِنْ نُحَاسٍ هُوَ؟ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأخْبَرَهُ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ, فَقَالَ لَهُ: (اِرْجِعْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ) فَذَهَبَ, فَقَالَ لَهُ مِثْلُهَا, فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ أَعْتَى مِنْ ذَلِكَ, فَقَالَ: (اِرْجِعْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ) فَرَجَعَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ, فَأَعَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ, فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَحَابَةً حِيَالَ رَأَسِهِ, فَرَعَدَتْ فَوَقَعَتْ مِنْهَا صَاعِقَةٌ, فَذَهَبَتْ بِقَحْفِ رَأْسِهِ, فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) أَيْ شَدِيدُ الْقُوَّةِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى, وَتَعْظِيمَ شَعَائِرِهِ, وَحُدُودِهِ, مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ الْقَلْبِيَّةِ, الَّتِي يَتَعَيْنُ تَحْقِيقُهَا, وَالْقِيَامُ بِهَا، وَتَرْبِيَةُ النَّاسِ عَلَيْهَا، خَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى: مِنَ الْاسْتِخْفَافِ, وَالْاسْتِهْزَاءِ بِشَعَائِرِ اللهِ تَعَالَى، وَالتَّسْفِيهِ, وَالْازْدِرَاءِ لِدِينِ اللهِ تَعَالَى وَأَهْلِهِ, وَالتَّطَاوُلِ مِنْ بَعْضِ الْمَوْتُورِينَ تَارَةً عَلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ, وَتَارَةً عَلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, وَتَارَةً عَلَى سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ, مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَجِلَّاءِ.
    مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنّ الْإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْظِيمِ, وَالْإِجْلَالِ لِهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
    وَتَعْظِيمُ اللهِ, وَإِجْلَالُهُ, لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لَهُ تَعَالَى، كَمَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ, وَلَا تَعْطِيلٍ, وَلَا تَكْيِيفٍ, وَلَا تَمْثِيلٍ.
    وَالتَّحْرِيفُ, هُوَ: التغْيِيرُ, وَإِمَالَةُ الشَّيءِ عَنْ وَجْهِهِ, وَهُوَ قِسْمَانِ:
    أَوَّلًا: تَحْرِيفٌ لَفْظِيٌ, وَذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ, أَوِ النَّقْصِ, أَوْ تَغْيِيرِ حَرَكَةٍ فِي الْكَلِمَةِ, كَتَحْرِيفِ كَلِمَةِ – اسْتَوَى – فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إِلَى اسْتَوْلَى.
    ثَانِيًا: تَحْرِيفٌ مَعْنَوِيٌ, وَذَلِكَ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِ اللهِ, ورَسُولِهِ مِنْهُ, كَمَنْ فَسَّرَ – الْيَدَ – لِلهِ تَعَالَى بِالْقُوَّةِ, أَوِ النِّعْمَةِ.
    وَالتَّعْطِيلُ, هُوَ: نَفْيُ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى, كَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ, وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيفِ, وَالتَّعْطِيلِ, هُوَ أَنَّ التَّحْرِيفَ نَفْيُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ, وَاسْتِبْدَالُهُ بِمَعْنًى آَخَرَ غَيْرَ صَحِيحٍ.
    أَمَّا التَّعْطِيلُ, فَهُوَ نَفْيُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْدَالٍ لَهُ بِمَعْنًى آخَرَ.
    وَالتَّكْيِيفُ, هُوَ: تَعْيِينُ كَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ, وَالْهَيْئَةِ, الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا, فيَقُولُونَ: كَيْفِيَّةُ يَدِ اللهِ كَذَا وَكَذَا، وَكَيْفِيَّةُ اسْتِوَائِهِ عَلَى هَيْئَةِ كَذَا وَكَذَا, وَهَذَا بَاطِلٌ, إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ صِفَاتِ اللهِ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ, وَأَمَّا الْمَخْلُوقُونَ فَإِنَّهُم يَجْهَلُونَ ذَلِكَ, وَيَعْجَزُونَ عَنْ إِدْرَاكِهِ.
    وَالتَّمْثِيلُ, هُوَ: التَّشْبِيهُ, كَمَنْ يَقُولُ أَنَّ لِلهِ سَمْعٌ كَسَمْعِنَا, وَوَجْهٍ كَوُجُوهِنَا, أَوْ صَوْتُ اللهِ يُشْبِهُ كَذَا وَكَذَا, تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
    وَيَنْتَظِمُ الْمَنْهَجُ الْحَقُّ فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ, فِي ثَلَاثَةِ أُصُولٍ, مَنْ حَقَّقَهَا, سَلِمَ مِنَ الْانْحِرَافِ, وَالزَّلَلِ فِي هَذَا الْبَابِ, وَهِيَ:
    الْأصْلُ الْأوَّلُ: تَنْزَيْهُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا عَنْ أَنْ يُشْبِهَ شَيءٌّ مِنْ صِفَاتِهِ, شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.
    الْأَصْلُ الثَّانِي: الْإِيمَانُ بِمَا سَمَّى, وَوَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ, وَبِمَا سَمَّاهُ, وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللهِ, وَعَظَمَتِهِ.
    الْأَصْلُ الثَّالِثُ: قَطْعُ الطَّمَعِ, عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ كَيْفِيَّةِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ إِدْرَاكَ الْمَخْلُوقِ لِذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ.
    فَمَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْأُصُولَ الثَّلَاثةَ فَقَدْ حَقَّقَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ, فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ, وَالصِّفَاتِ, عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ فِي هَذَا الْبَابِ.

    *فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقَالَ: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ!) فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَيْحُكَ، أَتَدْرِي مَا اللهُ؟ إِنَّ شَأْنَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ).
    وَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَهَذَا قَدْرُ مَا تَحْتَمِلُهُ الْعُقُولُ، وَإِلَّا فَعَظَمَةُ اللهِ, وَجَلَالُهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا عَقْلٌ, فَمَنْ هَذا بَعْضُ عَظَمَتِهِ, وَجَلَالِهِ, كَيْفَ يُجْعَلُ فِي رُتْبَتِهِ مَخْلُوقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا, وَلَا ضَرًّا؟.
    وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ: لِيُعَظِّمْ أَحَدُكُم رَبَّهُ، أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ فِي كُلِّ شَيءٍّ حَتَّى يَقُولَ: أَخْزَى اللهُ الكَلْبَ، وَفَعَلَ اللهُ بِالْكَلْبِ كَذَا.

  • إِيَّاكَ وكلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ منهُ

    إِيَّاكَ وكلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ منهُ

    *فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِيَّاكَ وَكُلَّ أمْرٍ يُعْتَذرُ مِنْهُ) أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ فِي الْمخْتَارَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِعْلَ الْأُمُورِ التِي يُحْتَاجُ إِلَى الاعْتِذَارِ بَعْدَ فِعْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأُمُورُ السَّيِّئَةِ التِي تَجْلِبُ عَلَى صَاحِبِهَا الذَّمَّ، وَفِي هَذَا صِيَانَةٌ لِدِينِ الْإِنْسَانِ, وَحِفْظًا لِمَاءِ وَجْهِهِ.
    وَالْاِعْتِذَارُ عَن الْخَطَأِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَمَحْمُودٌ، وَلَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ أَن نَرْتِكَبَ مَا نَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْاِعْتِذَارِ عَنْهُ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِن الْأعْذَارِ مَا يَكُونُ مَقْبُولًا وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَالْأَعْذَارُ التِي يَأَتِي بِهَا الظَّالِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا تَنْفَعُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، وَهذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَنْ أَخْطَأَ أَوْ أَذْنَبَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْاسْتِغْفَارِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ حَقٌّ أَوْ مَظْلَمَةٌ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، إِذْ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ يَوْمَئِذٍ، إِنَّمَا هِيَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَالْيَوْمَ أَصْبَحَ أَكْثَرُ النَّاسِ يَعْصُونَ اللهَ، وَمِنْ ثَمَّ يَلْتَمِسُونَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارَ لِأَفْعَالِهِمْ، لِكَيْ تَكْتَسِبَ نَوْعًا مِن الشَّرْعِيَّةِ، وَلِيَكُفُّوا بِذَلِكَ عَنْهُمُ انْتِقَادَ النَّاقِدِينَ، فَمِنَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارِ: احْتِجَاجُهُمْ بِالْقَدَرِ، فَإِذَا نَصَحْتَ أَحَدَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ, قَالَ لَكَ: إِنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) وَالْاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْمَصَائِبِ، كَأَنْ يَتَعَزَّى الْمُسْلِمُ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ بِالْقَدَرِ, أَمَّا الْاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَايِبِ بِأَنْ يَفْعَلَ مُحَرَّمًا ثُمَّ يَقُولُ مُبَرِّرًا فِعْلَهُ: إِنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُقْبَلُ, لِأَنَّهُ هُوَ الذِي فَعَلَ وَاخْتَارَ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ أَصْلًا مَا قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ قَبْلَ فِعْلِهِ، كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ مَالَكَ أَوْ آذَى أَهْلَكَ فَأَمْسَكْتَ بِهِ، فَاعْتَذَرَ لَكَ بِأَنَّ اللهَ قَدَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ جَزْمًا لَنْ تَقْبَلَ عُذْرَهُ.
    وَمِنَ الْأَعْذَارِ التِي لَا تُقْبَلُ: مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ أَيْضًا مِنْ قَبْلُ: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ – أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ – وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) فَكَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يُبَرِّرُونَ وَاقِعَهُمُ الْمُخَالِفَ لِلشَّرِيعَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ تُرَاثُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ, أَبَدًا كَمَا هُوَ عُذْرُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ, تَنَصُّلًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ, وَهُوَ عُذْرٌ كَسَابِقِهِ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ عِنْدَ اللهِ.

    *فَمِنَ الْمُبَرِّرَاتِ وَالْأَعْذَارِ التِي يَكْثُرُ تَدَاوُلُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ: الْعُذْرُ بِالْمُرَاهَقَةِ، فَتَجِدُ الْأَبَ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ عَدَمِ حُضُورِ ابْنِهِ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً، أَوْ عَنْ نَزَوَاتِهِ الْمُحَرَّمَةِ، وَأَذِيَّتِهِ لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرَاهِقًا فِي نَظَرِهِ, أَوْ لِأَنَّ الْكَبْتَ بِزِعْمِهِ فِي هَذِهِ السَّنِّ لَهُ أَثَرٌ سَلْبِيٌّ، وَكَأَنَّ قَلَمَ التَّكْلِيفِ لَا يَزَالُ عَنِ ابْنِهِ مَرْفُوعًا، وَاعْتِذَارُ الْإِنْسَانِ لِابْنِهِ بِالْمُرَاهَقَةِ لِأَجْلِ التَّنَصُّلِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَمُقَارَفَةِ الْمُحَرَّمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى خَلَلٍ فِي الْعَقْلِ وَضَعْفٍ فِي الدِّينِ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْرَأْ فِي تَارِيخِ السَّابِقِينَ مِن صَحَابَةٍ وَتَابِعِينَ، فَلَنْ يَجِدَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَثَرًا فِي الشَّرْعِ، إِذْ أَنَّ الطِّفْلَ إِذَا بَلَغَ أَصْبَحَ مُكَلَّفًا، يُعَاقَبُ وَيُثَابُ عَلَى أَفْعَالِهِ، فَالْخَلَلُ إِذَنْ لَيْسَ فِي سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ، بَلْ هُوَ فِي التَّرَفِ, وَالْبَذَخِ, وَسُوءِ التَّرْبِيَةِ, وَتَوْفِيرِ وَسَائِلِ الْبُعْدِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبِيتِ وَخَارِجِهِ.

  • إن الله يأمر بالعدل…

    إن الله يأمر بالعدل…

    *فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ لِلْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ, النَّاهِيَةِ عَنْ كُلِّ شَرٍّ, هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
    وَلَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ:
    إِنَّ الْعَدْلَ الذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَشْمَلُ الْعَدْلَ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى, وَفِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَنْ يُؤَدِّي الْعَبْدُ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ, وَالْبَدَنِيَّةِ, وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى, وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعِبَادِ؛ بِأَنْ يُعَامِلَ الْعَبْدُ الْخَلْقَ بِالْعَدْلِ التَّامِ، فَيُؤَدِّي كُلَّ وَالٍ مَا عَلَيْهِ تَحْتَ وِلَايَتِهِ, سَوَاءً فِي ذَلِكَ وِلَايَةِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ, وَنُوَّابِ الْخَلِيفَةِ، وَنُوَّابِ الْقَاضِي.
    وَالْعَدْلُ هُوَ مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَأَمَرَهُمْ بِسُلُوكِهِ، وَمِن ذَلِكَ الْعَدْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ, وَالشِّرَاءِ, وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَيَكُونُ الْعَدْلُ كَذَلِكَ بِإِيفَاءِ جَمِيعَ مَا عَلَيْنَا مِنَ الْحُقُوقِ لِلْآخَرِينَ, فَلَا نَبْخَسْ لِلنَّاسِ حَقًّا, وَلَا نَغُشَّهُمْ, وَلَا نَخْدَعَهُمْ, وَلَا نَظْلِمَهُمْ.
    فَالْعَدْلُ وَاجِبٌ، وَالْإِحْسَانُ مُسْتَحَبٌّ, كَنَفْعِ النَّاسِ بِالْمَالِ, وَالْبَدَنِ, وَالْعِلْمِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ النَّفْعِ, حَتَّى إِنَّهُ لَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ إِلَى الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ.
    وَخَصَّ اللهُ إِيتَاءَ ذِي الْقُرْبَى – وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ – لِتَأَكُّدِ حَقَّهُمْ, وَتَعَيُّنِ صِلَتِهِمْ, وَبِرِّهِمْ, وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَقَارِبِ, لَكِنْ كُلَّ مَا كَانَ أَقْرَبَ كَانَ أَحَقَّ بِالْبِرِّ.
    أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى) فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْفَحْشَاءِ: كُلُّ ذَنْبٍ عَظِيمٍ اسْتَفْحَشَتْهُ الشَّرَائِعُ وَالْفِطَرُ, كَالشِّرْكِ بِاللهِ, وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَالزِّنَا, وَالسَّرَقَةِ, وَالْعُجْبِ بِالْعَمَلِ, وَالْكِبْرِ, وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاحِشِ.
    وَيَدْخُلُ فِي الْمُنْكَرِ: كُلُّ ذَنْبٍ, وَمَعْصِيَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى.
    وَيَدْخُلُ فِي الْبَغِيِّ: كُلُّ عُدْوَانٍ عَلَى الْخَلْقِ فِي الدِّمَاءِ, وَالْأَمْوَالِ, وَالْأَعْرَاضِ.
    فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَامِعَةً لِجَمِيعِ الْمَأَمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ, لَمْ يَبْقَ شَيءٌ إِلَّا دَخَلَ فِيهَا، فَهِيَ قَاعِدَةٌ تَرْجِعُ إِلَيْهَا سَائِرُ الْجُزْئِيَاتِ.
    فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَدْلٍ, أَوْ إِحْسَانٍ, أَوْ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى, فَهِيَ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ.
    وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَحْشَاءٍ, أَوْ مُنْكَرٍ, أَوْ بَغْيٍ, فَهِيَ مِمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ.

    *ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَبِهَذِهِ الْآيَةِ: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يُعْلَمُ حُسْنُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ, وَقُبْحُ مَا نَهَى عَنْهُ، وَبِهَا يُعْتَبَرُ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الْأَقْوَالِ, وَتُرَدُّ إِلَيْهَا سَائِرُ الْأَحْوَالِ، فَتَبَارَكَ مَنْ جَعَلَ فِي كَلَامِهِ الْهُدَى, وَالشِّفَاءَ, وَالنُّورَ, وَالْفُرْقَانَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءَ.
    وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَعِظُكُمْ به) أَيْ: بِمَا بَيَّنَهُ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ, بِأَمْرِكُمْ بِمَا فِيهِ غَايَةَ صَلَاحِكُمْ, وَنَهْيِكُمْ عَمَّا فِيهِ مَضَرَّتَكُمْ.
    (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أَيْ: بِمَا يَعِظُكُمْ بِهِ؛ فَتَفْهَمُونَهُ, وَتَعْقِلُونَهُ، فِإِنَّكُمُ إِذَا تَذَكَّرْتُمُوهُ, وَعَقَلْتُمُوهُ؛ عَمِلْتُمْ بِمُقْتَضَاهُ, فَسَعِدْتُمْ سَعَادَةً لَا شَقَاوَةَ مَعَهَا.

  • الوسواس 2

    الوسواس 2

    *فَالشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ لَا يَتَوَانَى عَنْ أَذِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَسَالِيبَ كَثِيرَةٍ, وَمِنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ: الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ؛ كَالْخَوْفِ مِنَ الْمَوْتِ, أَوِ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ, أَوِ الْخَوْفِ عَلَى مُسْتَقْبَلِهِ, أَوْ مُسْتَقْبَلِ أَوْلَادِهِ، أَوِ الْأَفْكَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُنْفِ, أَوْ خَوْفِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْقَتْلِ, أَوْ إِلْحَاقِ الْأَذَى بِهِ, أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْمَجْهُولِ، أَوِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ الذِي يُصَاحِبُهُ خَفَقَانٌ فِي الْقَلْبِ, أَوْ بُرُودَةٌ فِي الْأَطْرَافِ، أَوْ ضِيقٌ فِي التَّنَفُّسِ، أَوْ آلَامٌ فِي الرَّأْسِ أَوِ الْبَطْنِ, أَوْ إِحْسَاسٌ بِالتَّقَيُّؤِ, أَوْ إِحْسَاسٌ بِالْإِغْمَاءِ, وَنَحْوُ ذَلِكَ, أَوِ الرُّهَابِ الْاجْتِمَاعِيِّ؛ كَالْخَوْفِ مِنَ الْاخْتِلَاطِ بِالْآخَرِينَ، وَالتَّهَرُّبِ مِنَ الزِّيَارَاتِ الْعَائِلِيَّةِ، وَتَحَاشِيْ النِّقَاشَاتِ, وَالْحِوَارَاتِ مَعَ الزُّمَلَاءِ وَالْأَصْدِقَاءِ, أَوِ الْأَفْكَارِ الْوَسْوَاسِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّظَافَةِ, أَوِ الْأَفْكَارِ التِي تُلِحُّ عَلَى الْمُوَسْوِسِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مُعَيَّنًا, أَوْ حَرَكَةً مُعَيَّنَةً, وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا فَقَدْ يُصَابُ بِأَذًى وَنَحْوِهِ, أَوِ الشُّكُوكِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ, وَغَيْرِهَا كَثِيرٌ, وَهَذِهِ الْأَفْكَارُ هِيَ أَحَدُ أَسَالِيبِ الشَّيْطَانِ مِنْ أَجْلِ إِحْزَانِ الْإِنْسَانِ, وَإِصَابَتِهِ بِالْهَمِّ, وَالْقَلَقِ, وَالْكَآبَةِ, وَعَزْلِهِ عَنِ الْمُجْتَمَعِ, وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْوَسَاوِسَ تُؤَثِّرُ بِأَصْحَابِ الشَّخْصِيَّاتِ الْوَسْوَاسِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا تُوَافِقُ نُفُوسًا تَتَفَاعَلُ مَعَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْكَارِ, وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْخُطُواتِ الْعَمَلِيَّةِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ بِإِذْنِ اللهِ:
    أَوْلًا: الْقَنَاعَةُ التَّامَّةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْكَارَ الْمُزْعِجَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
    ثَانِيًا: الْاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
    ثَالِثًا: اعْتِقَادُ نَقِيضِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ, ثُمَّ الْفَرَحُ بِهَذِهِ النَّتِيجَةِ، فَلْوْ وَسْوَسَ لَكَ الشَّيْطَانُ مَثَلًا أَنَّكَ لَمْ تُقْفِلِ الْبَابَ, فَتَأَكَّدْ أَنَّكَ قَدْ قُمْتَ بِإِقْفَالِهِ, أَوْ وَسْوَسَ لَكَ أَنَّ ابْنَكَ قَدْ وَقَعَ لَهُ حَادِثُ سَيْرٍ, فَتَأَكَّدْ أَنَّهُ بَخَيْرٍ, وَهَكَذَا.
    رَابِعًا: التَّوَقُّفُ عَنِ الْاسْتِمْرَارِ بِالتَّفْكِيرِ بِهَذِهِ الْخَاطِرَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ.
    خَامِسًا: عَدَمُ تَنْفِيذِ الْفِكْرَةِ التِي يُلِحُّ عَلَيْكَ بِهَا الْوَسْوَاسُ, فَمَثَلًا: لَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِالتَّأَكُّدِ مِنْ قَفْلِ الْأَبْوَابِ فَلَا تَفْعَلْ، أَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِالذَّهَابِ إِلَى الطَّبِيبِ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ سَلَامَتِكَ مِنَ مَرَضٍ مَا فَلَا تَفْعَلْ، أَوْ أَلَحَّ عَلَيْكَ بِفِعْلِ حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا تَفْعَلْهَا نِهَائِيًّا, وَإِذَا وَسْوَسَ لَكَ بِفِكْرَةٍ مُحْزِنَةٍ فَلَا تَحْزَنْ؛ بَلْ أَظْهِرِ الْفَرَحَ وَالرِّضَا, وَتَصَنَّعِ الْابْتِسَامَةَ.
    سَادِسًا: ابْتَعِدْ عَنِ الْوِحْدَةِ وَالْفَرَاغِ, فَهِيَ السَّبَبُ الرَّئْيِسُ فِي زِيَادَةِ الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ.
    سَابِعًا: إِذَا جَاءَتْكَ الْفِكْرَةُ الْوَسْوَاسِيَّةُ, فَأَشْغِلْ نَفْسَكَ بِأَمْرٍ آخَرَ بَعِيدٍ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْهَا.
    ثَامِنًا: ابْتَعِدْ عَنِ الْحُزْنِ وَالْانْفِعَالِ, وَأَكْثِرْ مِنَ الْابْتِسَامَةِ وَلَوْ تَصَنُّعًا؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسَ يَزْدَادُ مَعَ الْحُزْنِ, وَيَخْتَفِي مَعَ الْابْتِسَامَةِ، فَالشَّيْطَانُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ, وَلَكِنَّهُ يُوَسْوِسُ لِلْإِنْسَانِ, وَيَنْظُرُ إِلَى تَصَرُّفَاتِهِ, فَإِنْ رَأَى مِنْهُ حُزْنًا وَانْفِعَالًا؛ فَرِحَ بِذَلِكَ, وَزَادَ فِي وَسْواسِهِ, وَإِنْ وَجَدَ تَجَاهُلًا وَابْتِسَامَةً؛ انْخَنَسَ وَابْتَعَدَ.
    تَاسِعًا: الْمُصَابُونَ بِنَوْبَاتِ الْخَوْفِ, وَالْهَلَعِ, إِذَا أَحَسُّوا بِأَعْرَاضِ الْخَوْفِ مِنْ: خَفَقَانٍ فِي الْقَلْبِ, أَوْ رَعْشَةٍ فِي الْجَسَدِ, أَوْ ضِيقٍ فِي التَّنَفُّسِ, أَوْ بُرُودَةٍ فِي الْأَطْرَافِ, أَوْ آلَامٍ فِي الرَّأَسِ, أَوِ الْبَطْنِ, وَنَحْوِ ذَلِكَ, مِنَ الْأَعْرَاضِ الْكَثِيرَةِ, فَلْيَطْمَئِنُّوا وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ إِذَا زَادَ عَنِ حَدِّهِ الطَّبِيعِيِّ, لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ الْأَعْرَاضِ وَالْآلَامِ, وَبِمُجَرَّدِ أَنْ يَهْدَأَ الْإِنْسَانُ, وَيَزُولَ عَنْهُ الْخَوْفُ, تَبْدَأُ هَذِهِ الْأَعْرَاضُ بِالْاخْتِفَاءِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

    *فَإِنَّ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنَ الْأَفْكَارِ التَّسَلُّطِيَّةِ: هُوَ الْوَسْوَاسُ فِي اللهِ تَعَالَى, وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, وَبَعْضِ مَسَائِلِ الْاعْتِقَادِ, وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَخْلُوا مِنْهُ قَلْبُ مُسْلِمٍ مَهْمَا زَادَ إِيمَانُهُ, أَوْ نَقَصَ, وَلَكِنْ تَخْتَلِفُ دَرَجَةُ الْوَسْوَاسِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى آخَرَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ سَرِيعًا وَيَزُولُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْقِيهِ هَذَا الْوَسْوَاسُ سِنِينَ عَدَدًا, وَمِنْهُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ! قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ) قَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ صَرِيحَ الْإِيمَانِ هُوَ الذِي يَمْنَعُكُمْ مِنْ قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِكُمْ, حَتَّى يُصْبِحَ ذَلِكَ وَسْوَسَةً, فَلَا يَتَمَكَّنَ فِي قُلُوبِكُمْ, وَلَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ أَنْفُسُكُم.
    وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا جَاءَتْهُ هَذِهِ الْأَفْكَارُ الْمُزْعِجَةُ: أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْهَا مُبَاشَرَةً, ثُمَّ يَسْتِعِيذَ بِاللهِ مِنْهَا وَمِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, ثُمَّ يُحَاوِلَ تَهْدِئَةَ نَفْسِهِ, وَتَذْكِيرَهَا بِأَنَّ غَضَبَهُ, وَحُزْنَهُ, وَمُدَافَعَتَهُ لِهَذِهِ الْأَفْكَارِ؛ إِنَّمَا هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، ثُمْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ, وَغَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَذِهِ الْأَفْكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ.