*فَخَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ، وَنَصَبَ لَهُمُ الْأَدَلَّةَ عَلَى عَظَمَتِهِ لِيَخَافُوهُ، وَوَصَفَ لَهُمْ شِدَّةَ عَذَابِهِ, وَدَارَ عِقَابِهِ, لِيَكُونَ ذَلِكَ قَامِعًا لِلنُّفُوسِ, عَنْ غيِّهَا وَفَسَادِهَا، وَبَاعِثًا لَهَا إِلَى فَلَاحِهَا, وَرَشَادِهَا, فَاحْذَرُوا – عِبَادَ اللهِ – مَا حَذَّرَكُمْ، وَارْهَبُوا مَا رَهَّبَكُمْ مِنَ النَّارِ الَّتِي ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ وَصْفَهَا، وَجَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَعْتُهَا, دَارٌ سَودَاءُ مُظْلِمَةٌ، شَعْثَاءُ مُوحِشَةٌ (لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) لَا يَنْطَفِي لَهَبُهَا، وَلَا يَخْمُدُ جَمْرُهَا, قطَعَ ذِكْرُهَا قُلُوبَ الْخَائِفِينَ، فَتَوَكَّفَتْ مِنْهُمُ الْعَبَرَاتُ، وَتَرَادَفَتْ مِنْهُمُ الزَّفَرَاتُ، فَفِي صَحِيِحِ مُسْلِمٍ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ، لَوْ رَأيْتُمْ مَا رَأَيْتُ, لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا, وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) وَفِي الْمُسْنَدِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَخْطُبُ, وَيَقُولُ: (أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ) حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. وَفِي الْبَيْهَقِي, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ, لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا, وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا, وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ, وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً. قَالَ: (فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا, كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا) وَإِنَّ مَا تَجِدُونَ – عِبَادَ اللهِ – مِنْ حَرِّ الصَّيْفِ, لَهُوَ نَفَسٌ مِنْ أَنْفَاسِهَا يُذَكِّرُكُمْ بَهَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا, فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ, وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ, وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ، وَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) وَيُؤْتَى بِجَهْنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُقَادُ، لَهَا سَبْعُوُنَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا، وَهِيَ تَطْفَحُ مِنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ، فَتَجْثُو الْأُمَمُ حِيْنَ رُؤْيَتِهَا عَلَى الرُّكَبِ، وَيَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذّكْرَىٰ * يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى) دَارٌ عُمْقُهَا سَبْعُونَ خَرِيفًا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ صَوْتَ وَجْبَةٍ, أَيْ سَقْطَةٍ: (هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِى النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا, فَهُوَ يَهْوِى فِى النَّارِ الْآنَ, حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُنْصَبُ الصِّرَاطُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ, وَأَمْوَاجُ الْجَحِيمِ تَتَلَاطَمُ مِنْ تَحْتِ المَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ, عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِم، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ و(إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أَيْ تَكَادُ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْغَيْظِ, طَعَامُ الْمُجْرِمِينَ فِيهَا مِنْ ضَرِيعٍ، أَيْ شَوْكٍ يَتَجَرَّعُونَهُ فَلَا يَدْخُلُ إِلَى أَجْوَافِهِم, وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حُلُوقِهِمْ، وَشَرَابُهُمْ مِنْ غِسْلِينِ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ صَدِيدُهُمْ وَدَمُهُمُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ لُحُومِهِمْ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَعْنَاقُهُمْ عَطَشًا, وَظَمَأً, سُقُوا مِنْ عَيْنٍ آنِيِةٍ، قَدِ اشْتَدَّ لَفْحُهَا، وَأُغِيثُوا بِالْحَمِيمِ, فَقَطَّعَ أَمعَاءَهُمْ، فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ, فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ, حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلُتُ مَا فِي جَوْفِهِ، حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ) وَ(إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا, مَنْ لَهُ نَعْلَانِ, وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ, يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ, كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَّدَّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُم عَذَابًا) وَيَتَجَلْجَلُ الْمُجْرِمُونَ فِي مَضَائِقِ النَّارِ، وَيَتَحَطَّمُونَ فِي دَرَكَاتِهَا، قَدْ شُدَّتْ أَقْدَامُهُمْ بِالْأَغْلَالِ إِلَى النَّوَاصِي (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) فَأَعْظَمُ أَمَانِيهِمُ الْهَلاكُ, يَصِيحُونَ, وَهُمْ يَبْكُونَ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ (يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ) فَحُزْنُهُمْ دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ, فَفِي مُسْتَدْرَك الْحَاكِمِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ, حَتَّى لَوْ أُجْرِيتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ) أَيْ مَكَانَ الدَّمْعِ، فَيَبْكُونَ عَلَى ضَيَاعِ الْحَيَاةِ, بِلَا زَادٍ يُنْجِيهِم مِنْ عَذابِ اللهِ، وَهُمْ يُنَادُونَ رَبَّهُم, وَيَصْطَرِخُونَ لَهُ (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ) فَيُجِيبَهُم: (ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلَا تُكَلّمُونِ) فَمَا أَعْظَمَ الْحَسْرَةَ, وَمَا أَكْبَرَ الغَبْنَةَ, فَلَا يُرْحَمُ لَهُمْ بَاكٍ، وَلَا يُجَابُ لَهُم دَاعٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ النَّارِ, خُلُودٌ فَلَا مَوْتٌ (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ).
*فَتِلْكَ بَعْضُ أَوْصَافِ النَّارِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهَا، فَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ النَّارِ، وَاسْتَعِيذُوا بَاللهِ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ, أَوْ فِعْلٍ, يُقَرِّبُ إِلَيْهَا، فَإِنَّكُمُ اليَوْمَ فِي عَصْرِ فِتَنٍ تَتْرَى, وَشُرُورٍ تَتَوَالَى، فِتَنُ شُبُهَاتٍ, وَشَهَوَاتٍ، يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنْتُمْ تَعِيشُونَ فِي حَيَاةٍ صَاخِبَةٍ, تَأْخُذُ كَلَّ مَنِ اسْتَشْرَفَ إِلِيْهَا إِلَى الْوَرَاءِ, فِي عَقِيدَتِهِ, وَأَخْلَاقِهِ، وَفِكْرِهِ, وَسُلُوكِهِ، فَفِي الْمُسْنَدِ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلِيْكُم شَهَواتِ الْغَيْ, فِي بُطُونِكُمْ, وَفُرُوجِكُمْ, وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى) وَفِي لَفْظٍ: (وَمُظِلَّاتِ الْفِتَنِ) وَفِي الْبُخَارِيِّ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (حُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) فَاقْطَعُوا صَحَارِي الْمَكَارِهِ, بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ, وَالصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَيْقِظُوا القُلُوبَ عَنْ مَرَاقِدِ غَفَلَاتِهَا، وَاحْتَمُوا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَاعْلَمُوا أَنّكُمْ فِي أَيَّامِ مُهَلٍ، مِنْ وَرَائِهَا أَجَلٌ، فَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ عَاجِلُهُ، فَلَنْ يَنْفَعْهُ آجِلُهُ (وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا نَوْمَ أَثْقَلُ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَلَا رِقَّ أَمْلَكُ مِنَ الشَّهْوَةِ، وَلَا مُصِيبَةَ كَمَوْتِ الْقَلْبِ، وَلَا نَذِيرَ أَبْلَغُ مِنَ الشَّيْبِ، وَلَا مَصِيرَ أَسْوَأُ مِنَ النَّارِ (وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ).
اترك تعليقاً